يعقوب آرتين والجامعة المصرية
صفحة 1 من اصل 1
يعقوب آرتين والجامعة المصرية
يعقوب آرتين والجامعة المصرية
بقلم : الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف العدد 123 مارس 2008
........................................
مع انطلاق هذا العام 2008 جيشت الدوائر الثقافية المصرية قواها للاحتفال بمئوية الجامعة المصرية الأم؛ جامعة القاهرة ورغم الصدمة التي أصابت العقل الجمعي المصري إثر خروج أقدم جامعة في العالم العربي من دائرة أفضل خمسمائة جامعة علي مستوي العالم، فإن هذه الجامعة مبني ومعني ومغزى لا تعد علامة فارقة في مجمل التاريخ المصري الحديث والمعاصر فحسب ، بل تكرس بامتياز كفاح مصر والمصريين في مواجهة السلطات الاحتلالية وتبلور رمزا من رموز المقاومة وتعكس روحا أصيلة لمواكبة قمة المؤسسات التعليمية والعلمية والعالمية آنذاك؛ أي الجامعة . ومن متابعة سيناريوهات ميلاد الجامعة المصرية، يجد المرء زخما من الانفعالات والتفاعلات والفعاليات من كافة شرائح المجتمع المصري ابتداء من قمته متمثلة في أبناء الأسرة الملكية الحاكمة ومرورا بالنخبة الفكرية والأعيان والأفندية وانتهاء بأولاد البلد والعوام. إذن، وفي كلمة جسدت قضية تأسي القمة قمة تلاحم المنظومة المصرية رغم العراقيل التي وضعها اللورد كرومر مهندس السياسة الاحتلالية البريطانية في مصر ( 1883 – 1907 ) .
وفي هذا الصدد ، تجدر الإشارة إلي أن فكرة الجامعة لم تنبثق إلي الوجود في عام 1908 ، ولكنها تعود إلي تسعينات القرن التاسع عشر، وهنا أيضا ثمة مايمكن إقراره بأن تأسيس الجامعة لم يرتبط بشخص معين أو تيار بعينه أو جماعة بذاتها ، بل كان عملا تعبويا جمعيا تراكميا . بيد أن السياسة والأيديولوجية قد فرضتا نفسيهما علي غرس بذور الجامعة المصرية . إذ أن أنصار القصر الحاكم ينسبون الفضل إلي الخديو عباس حلمي الثاني ( 1892 – 1914 ) والأمير أحمد فؤاد – الملك فيما بعد . وبينما يتشبث مؤازرو الحزب الوطني ( القديم) بدور مصطفي كامل، تركز دوائر حزبي الأمة والوفد علي إسهامات كل من سعد زغلول وقاسم أمين ومحمد عبده ، ولاريب أن هذا التسييس قد أسقط بعضا ممن أسهموا – ولو بقدر- في إرساء فكرة تأسيس جامعة مصرية وفي هذا المنحي تذكر مبادرة القاضي الإنجليزي- وهي استثناء – ج أ . مارشال زميل قاسم أمين في محكمة الاستئناف العليا في أواخر عام 1904 ، وجهود جرجي زيدان علي صفحات مجلته " الهلال" عام 1900 . وقبيل زيدان ومارشال ، اقترح يعقوب آرتين في عام 1894 تأسيس المدرسة الكلية الجامعة للاستعاضة بها عن المدارس العليا القائمة وقتذاك.
ويعد يعقوب آرتين باشا( 1842 – 1919 ) واحدا من أبرز رجالات التعليم في مصر خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر . إذ علي مدار ما يزيد عن عقدين ( 1884 – 1906 ) شغل يعقوب منصب وكيل نظارة المعارف . والرجل أرمني كاثوليكي ، ابن آرتين تشراكيان الذي شغل منصب ناظر التجارة والأمور الإفرنجية في مصر( 1844 – 1850) وقد بذل جهودا ملموسة من أجل تطوير التعليم في مصر. وامتلك رؤى عصرية تراهن علي توسيع دائرة تعلم اللغات الأجنبية والتركيز علي الكيف أكثر من الكم. وكان طموحا كي يعتلي دست النظارة تأسيا بأسلافه من الأرمن أمثال بوغوص بك وآرتين بك وإسطفان بك ونوبار باشا وديكران باشا . بيد أنه استعفي من عمله في عام 1906 أثناء نظارة سعد زغلول للمعارف ، ليكون آخر البيروقراطيين الأرمن البارزين في الإدارة المصرية .
ورغم الجدل حول مواقف آرتين المتأرجحة بين ممالأة ومهادنة الاحتلال ، فإن مجمل خدماته للتعليم المصري دعت إلي توصيفه ب" الأستاذ الكبير" . ورغم تجاهل اقتراح آرتين بتأسيس جامعة منذ تسعينات القرن قبل الماضي ، فإن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الرجل كان من الرواد الذين بذروا فكرة إقامة جامعة في التربة المصرية ، ولذا يعد من الرعيل الأول الذين تبنوا فكرة الجامعة . ونظرا لرصيد خبرته الزاخم في ميادين التعليم، اختير عضوا في أول مجلس إدارة للجامعة .
بقلم : الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف العدد 123 مارس 2008
........................................
مع انطلاق هذا العام 2008 جيشت الدوائر الثقافية المصرية قواها للاحتفال بمئوية الجامعة المصرية الأم؛ جامعة القاهرة ورغم الصدمة التي أصابت العقل الجمعي المصري إثر خروج أقدم جامعة في العالم العربي من دائرة أفضل خمسمائة جامعة علي مستوي العالم، فإن هذه الجامعة مبني ومعني ومغزى لا تعد علامة فارقة في مجمل التاريخ المصري الحديث والمعاصر فحسب ، بل تكرس بامتياز كفاح مصر والمصريين في مواجهة السلطات الاحتلالية وتبلور رمزا من رموز المقاومة وتعكس روحا أصيلة لمواكبة قمة المؤسسات التعليمية والعلمية والعالمية آنذاك؛ أي الجامعة . ومن متابعة سيناريوهات ميلاد الجامعة المصرية، يجد المرء زخما من الانفعالات والتفاعلات والفعاليات من كافة شرائح المجتمع المصري ابتداء من قمته متمثلة في أبناء الأسرة الملكية الحاكمة ومرورا بالنخبة الفكرية والأعيان والأفندية وانتهاء بأولاد البلد والعوام. إذن، وفي كلمة جسدت قضية تأسي القمة قمة تلاحم المنظومة المصرية رغم العراقيل التي وضعها اللورد كرومر مهندس السياسة الاحتلالية البريطانية في مصر ( 1883 – 1907 ) .
وفي هذا الصدد ، تجدر الإشارة إلي أن فكرة الجامعة لم تنبثق إلي الوجود في عام 1908 ، ولكنها تعود إلي تسعينات القرن التاسع عشر، وهنا أيضا ثمة مايمكن إقراره بأن تأسيس الجامعة لم يرتبط بشخص معين أو تيار بعينه أو جماعة بذاتها ، بل كان عملا تعبويا جمعيا تراكميا . بيد أن السياسة والأيديولوجية قد فرضتا نفسيهما علي غرس بذور الجامعة المصرية . إذ أن أنصار القصر الحاكم ينسبون الفضل إلي الخديو عباس حلمي الثاني ( 1892 – 1914 ) والأمير أحمد فؤاد – الملك فيما بعد . وبينما يتشبث مؤازرو الحزب الوطني ( القديم) بدور مصطفي كامل، تركز دوائر حزبي الأمة والوفد علي إسهامات كل من سعد زغلول وقاسم أمين ومحمد عبده ، ولاريب أن هذا التسييس قد أسقط بعضا ممن أسهموا – ولو بقدر- في إرساء فكرة تأسيس جامعة مصرية وفي هذا المنحي تذكر مبادرة القاضي الإنجليزي- وهي استثناء – ج أ . مارشال زميل قاسم أمين في محكمة الاستئناف العليا في أواخر عام 1904 ، وجهود جرجي زيدان علي صفحات مجلته " الهلال" عام 1900 . وقبيل زيدان ومارشال ، اقترح يعقوب آرتين في عام 1894 تأسيس المدرسة الكلية الجامعة للاستعاضة بها عن المدارس العليا القائمة وقتذاك.
ويعد يعقوب آرتين باشا( 1842 – 1919 ) واحدا من أبرز رجالات التعليم في مصر خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر . إذ علي مدار ما يزيد عن عقدين ( 1884 – 1906 ) شغل يعقوب منصب وكيل نظارة المعارف . والرجل أرمني كاثوليكي ، ابن آرتين تشراكيان الذي شغل منصب ناظر التجارة والأمور الإفرنجية في مصر( 1844 – 1850) وقد بذل جهودا ملموسة من أجل تطوير التعليم في مصر. وامتلك رؤى عصرية تراهن علي توسيع دائرة تعلم اللغات الأجنبية والتركيز علي الكيف أكثر من الكم. وكان طموحا كي يعتلي دست النظارة تأسيا بأسلافه من الأرمن أمثال بوغوص بك وآرتين بك وإسطفان بك ونوبار باشا وديكران باشا . بيد أنه استعفي من عمله في عام 1906 أثناء نظارة سعد زغلول للمعارف ، ليكون آخر البيروقراطيين الأرمن البارزين في الإدارة المصرية .
ورغم الجدل حول مواقف آرتين المتأرجحة بين ممالأة ومهادنة الاحتلال ، فإن مجمل خدماته للتعليم المصري دعت إلي توصيفه ب" الأستاذ الكبير" . ورغم تجاهل اقتراح آرتين بتأسيس جامعة منذ تسعينات القرن قبل الماضي ، فإن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الرجل كان من الرواد الذين بذروا فكرة إقامة جامعة في التربة المصرية ، ولذا يعد من الرعيل الأول الذين تبنوا فكرة الجامعة . ونظرا لرصيد خبرته الزاخم في ميادين التعليم، اختير عضوا في أول مجلس إدارة للجامعة .
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» آرتين باشا والثقافة المصرية
» هل رسم دمرجيان الموناليزا المصرية
» الأرمن و صباغة الأقمشة المصرية.
» الأرمن وتكريم الثقافة المصرية
» التعبيرات المصرية في كلامنا العامي
» هل رسم دمرجيان الموناليزا المصرية
» الأرمن و صباغة الأقمشة المصرية.
» الأرمن وتكريم الثقافة المصرية
» التعبيرات المصرية في كلامنا العامي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin