آرتين باشا والثقافة المصرية
صفحة 1 من اصل 1
آرتين باشا والثقافة المصرية
آرتين باشا والثقافة المصرية
آريف – العدد69 – سبتمبر 2003
...................................
يعد يعقوب آرتين باشا ( 1842-1919) واحدا من أبرز المثقفين المصريين عامة والأرمن خاصة الذي ترك بصمته علي المشهد الثقافي المصري. وينتمي إلي عائلة تشراكيان التي أسهمت بامتياز في الإدارة المصرية علي امتداد القرن التاسع عشر. فقد تقلد والده آرتين بك تشراكيان منصب ناظر التجارة والأمور الخارجية في مصر خلال الفترة من عام 1844 حتي عام 1850 ، وكان عمه خسروف تشراكيان ترجمان باشي محمد علي وابنه إبراهيم وحريمهما فضلا عن رئاسته لديوان المعية ، وكان شقيقه يوسف بك تشراكيان قاضي الدائرة الأولي بمحكمة الإسكندرية المختلطة. كما كان المهندس الشهير في الإدارة المصرية يوسف بك حكيكيان وزوج عمته تاكوهي الشهيرة ب" بمبة".
وهكذا ينتمي يعقوب آرتين باشا الأرمني الكاثوليكي إلي أسرة مرموقة سواء علي المستوي المصري أم علي المستوي الأرمني. شغل يعقوب آرتين باشا منصب وكيل نظارة المعارف منذ عام 1884 وحتى عام 1906 . وقد تباينت الرؤى النقدية لطبيعة دور آرتين في العملية التعليمية المصرية؛ إذ ذهب البعض إلي أنه كان عميلا للإنجليز ولا يريد خيرا بنشر روح التعليم الإسلامي لأنه مسيحي ، بينما ذهب آخرون إلي الثناء عليه لخدمته التعليم نحو ربع قرن بذل فيه جهودا واسعة في تنظيمه وتطويره علي أسس متينة. ولذا أطلق عليه لقب الأستاذ الكبير. وعلي المستوي السياسي يصعب تحديد الاتجاهات السياسية له لأنه أقام علاقات ودية مع الخديو وكبار الموظفين وإنجلترا وفرنسا والباب العالي. وكان دائما يخفي بأسلوبه الدمث وجهات نظره حول المسائل الحساسة ولا يتهور بتصريحات حماسية أو مثيرة.
ورغم الإسهامات الإدارية ليعقوب آرتين في الإدارة المصرية ، إلا أنني أري أن إسهاماته الثقافية جديرة بالالتفات إليها وتقييمها ووضعها في السياق العام لتطور الثقافة المصرية. ومع انه كان يجيد ويعرف اللغات الأرمنية والتركية والعربية والفارسية واليونانية واللاتينية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية ، إلا انه استغرق في الثقافة الأخيرة وكتب كل نتاجه بلغتها. وتجدر الإشارة إلي أنه قد اشتهر بعملين كبيرين هما ( instruction publique en Egypte’ L ) طبع في باريس عام 1890 الذي ترجمه علي بهجت إلي اللغة العربية بعنوان ( القول التام في التعليم العام ) و (La Proprieté Fonciere en Egypte ) ( القاهرة 1908 ) والذي ترجمه سعيد عمون إلي اللغة العربية تحت مسمي ( الأحكام المرعية في شأن الأراضي المصرية) ويعد هذان العملان دراستان علميتان استندتا إلي المادة الوثائقية المودعة بالأرشيفات الحكومية. هذا وقد كان آرتين يفضل أن تتحدث الجداول والإحصائيات عن نفسها من أن يقدم تفسيرا مباشرا للأشياء.
كما كتب آرتين بعض الدراسات المتخصصة بعمق مثل دراسته عن السياق الذي يتناول نوعا من الكتابة المستعملة في إدارات مصر المالية إبان الحكم العثماني . وقد نشرت هذه الدراسة تحت عنوان ( Le Siyak en Egypte Turquie ) في مجلة العالم الإسلامي Revue du Mond Musulman وخط " السياقت" هو نوع من الكتابة التي كانت تستعمل بواسطة " المباشرون"في الإدارات المالية في مصر العثمانية كديوان الروزنامة . اخترع هذا الخط من اللغة العربية وأدخل إلي نظام العمل بالخزينة في القرن السادس عشر الميلادي بواسطة الناسخين . وقد جعل إيجاز هذه الكتابة نموذجا للاستخدام في المساحات المحدودة المتوفرة في السجلات. وهكذا أصبح هذا الخط " السياقت" هو أسلوب الكتابة الشفري في السجلات المالية التي كان " المباشرون" الأقباط يستأثرون بالعمل فيها ، وبمرور الوقت أصبح هذا النوع من الكتابة يورث لأبناء هؤلاء المباشرين بحيث أصبحت وظيفة " المباشرين" حكرا عليهم .
ويرجع الفضل إلي آرتين في لفت الأنظار إلي مجال أدبي كان الأدباء المصريون يمهلونه إهمالا تاما ألا وهو مجال القصة والأغنية الشعبيتين . ومما يستوجب الذكر هنا أن هذه القصص وتلك الأغاني لم يفكر في جمعها إلا بعض التجار من أدعياء الأدب ممن كانوا يبيعونها في طبعات رديئة وبأسلوب رخيص في الأحياء الشعبية. ولم يفكر في جمعها وتصنيفها من المثقفين إلا اثنان هما ك يعقوب آرتين باشا ثم العالم الفرنسي الأثري جاستون ماسبيرو بعده بسنوات عديدة ، هذا وقد جمع آرتين القصص الشعبية ونشرها باللغة الفرنسية في فرنسا تحت عنوان) Les Contes Populaires du la Valée du Nile ) ( القصص الشعبية في وادي النيل ) وقد نشرت هذه القصص في أوروبا لبيان صور من الفلكلور المصري وحينما درس آرتين القصص الشعبية التي يسميها العامة " حواديت" لاحظ تعدد موضوعاتها ، ويرجع هذا في رأي آرتين إلي الغزوات المتعاقبة علي مصر من شعوب ذوي حضارات متباينة. وقد قسم آرتين هذه القصص إلي ست مجموعات حسب مؤثراتها 1- مؤثرات آسيوية 2- مؤثرات يونانية 3- مؤثرات بدوية وبربرية ويهودية 4- مؤثرات أفريقية5-مؤثرات مصرية أصيلة6- مؤثرات عربية -ألف ليلة وليلة . عنتر ، أبو زيد الهلالي، وهكذا يتضح كما سبق ريادة يعقوب آرتين باشا في بعض مفردات الثقافة المصرية.
صورة: آرتين باشا والثقافة المصرية آريف – العدد69 – سبتمبر 2003 ................................... يعد يعقوب آرتين باشا ( 1842-1919) واحدا من أبرز المثقفين المصريين عامة والأرمن خاصة الذي ترك بصمته علي المشهد الثقافي المصري. وينتمي إلي عائلة تشراكيان التي أسهمت بامتياز في الإدارة المصرية علي امتداد القرن التاسع عشر. فقد تقلد والده آرتين بك تشراكيان منصب ناظر التجارة والأمور الخارجية في مصر خلال الفترة من عام 1844 حتي عام 1850 ، وكان عمه خسروف تشراكيان ترجمان باشي محمد علي وابنه إبراهيم وحريمهما فضلا عن رئاسته لديوان المعية ، وكان شقيقه يوسف بك تشراكيان قاضي الدائرة الأولي بمحكمة الإسكندرية المختلطة. كما كان المهندس الشهير في الإدارة المصرية يوسف بك حكيكيان وزوج عمته تاكوهي الشهيرة ب" بمبة". وهكذا ينتمي يعقوب آرتين باشا الأرمني الكاثوليكي إلي أسرة مرموقة سواء علي المستوي المصري أم علي المستوي الأرمني. شغل يعقوب آرتين باشا منصب وكيل نظارة المعارف منذ عام 1884 وحتى عام 1906 . وقد تباينت الرؤى النقدية لطبيعة دور آرتين في العملية التعليمية المصرية؛ إذ ذهب البعض إلي أنه كان عميلا للإنجليز ولا يريد خيرا بنشر روح التعليم الإسلامي لأنه مسيحي ، بينما ذهب آخرون إلي الثناء عليه لخدمته التعليم نحو ربع قرن بذل فيه جهودا واسعة في تنظيمه وتطويره علي أسس متينة. ولذا أطلق عليه لقب الأستاذ الكبير. وعلي المستوي السياسي يصعب تحديد الاتجاهات السياسية له لأنه أقام علاقات ودية مع الخديو وكبار الموظفين وإنجلترا وفرنسا والباب العالي. وكان دائما يخفي بأسلوبه الدمث وجهات نظره حول المسائل الحساسة ولا يتهور بتصريحات حماسية أو مثيرة. ورغم الإسهامات الإدارية ليعقوب آرتين في الإدارة المصرية ، إلا أنني أري أن إسهاماته الثقافية جديرة بالالتفات إليها وتقييمها ووضعها في السياق العام لتطور الثقافة المصرية. ومع انه كان يجيد ويعرف اللغات الأرمنية والتركية والعربية والفارسية واليونانية واللاتينية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية ، إلا انه استغرق في الثقافة الأخيرة وكتب كل نتاجه بلغتها. وتجدر الإشارة إلي أنه قد اشتهر بعملين كبيرين هما ( instruction publique en Egypte’ L ) طبع في باريس عام 1890 الذي ترجمه علي بهجت إلي اللغة العربية بعنوان ( القول التام في التعليم العام ) و (La Proprieté Fonciere en Egypte ) ( القاهرة 1908 ) والذي ترجمه سعيد عمون إلي اللغة العربية تحت مسمي ( الأحكام المرعية في شأن الأراضي المصرية) ويعد هذان العملان دراستان علميتان استندتا إلي المادة الوثائقية المودعة بالأرشيفات الحكومية. هذا وقد كان آرتين يفضل أن تتحدث الجداول والإحصائيات عن نفسها من أن يقدم تفسيرا مباشرا للأشياء. كما كتب آرتين بعض الدراسات المتخصصة بعمق مثل دراسته عن السياق الذي يتناول نوعا من الكتابة المستعملة في إدارات مصر المالية إبان الحكم العثماني . وقد نشرت هذه الدراسة تحت عنوان ( Le Siyak en Egypte Turquie ) في مجلة العالم الإسلامي Revue du Mond Musulman وخط " السياقت" هو نوع من الكتابة التي كانت تستعمل بواسطة " المباشرون"في الإدارات المالية في مصر العثمانية كديوان الروزنامة . اخترع هذا الخط من اللغة العربية وأدخل إلي نظام العمل بالخزينة في القرن السادس عشر الميلادي بواسطة الناسخين . وقد جعل إيجاز هذه الكتابة نموذجا للاستخدام في المساحات المحدودة المتوفرة في السجلات. وهكذا أصبح هذا الخط " السياقت" هو أسلوب الكتابة الشفري في السجلات المالية التي كان " المباشرون" الأقباط يستأثرون بالعمل فيها ، وبمرور الوقت أصبح هذا النوع من الكتابة يورث لأبناء هؤلاء المباشرين بحيث أصبحت وظيفة " المباشرين" حكرا عليهم . ويرجع الفضل إلي آرتين في لفت الأنظار إلي مجال أدبي كان الأدباء المصريون يمهلونه إهمالا تاما ألا وهو مجال القصة والأغنية الشعبيتين . ومما يستوجب الذكر هنا أن هذه القصص وتلك الأغاني لم يفكر في جمعها إلا بعض التجار من أدعياء الأدب ممن كانوا يبيعونها في طبعات رديئة وبأسلوب رخيص في الأحياء الشعبية. ولم يفكر في جمعها وتصنيفها من المثقفين إلا اثنان هما ك يعقوب آرتين باشا ثم العالم الفرنسي الأثري جاستون ماسبيرو بعده بسنوات عديدة ، هذا وقد جمع آرتين القصص الشعبية ونشرها باللغة الفرنسية في فرنسا تحت عنوان) Les Contes Populaires du la Valée du Nile ) ( القصص الشعبية في وادي النيل ) وقد نشرت هذه القصص في أوروبا لبيان صور من الفلكلور المصري وحينما درس آرتين القصص الشعبية التي يسميها العامة " حواديت" لاحظ تعدد موضوعاتها ، ويرجع هذا في رأي آرتين إلي الغزوات المتعاقبة علي مصر من شعوب ذوي حضارات متباينة. وقد قسم آرتين هذه القصص إلي ست مجموعات حسب مؤثراتها 1- مؤثرات آسيوية 2- مؤثرات يونانية 3- مؤثرات بدوية وبربرية ويهودية 4- مؤثرات أفريقية5-مؤثرات مصرية أصيلة6- مؤثرات عربية -ألف ليلة وليلة . عنتر ، أبو زيد الهلالي، وهكذا يتضح كما سبق ريادة يعقوب آرتين باشا في بعض مفردات الثقافة المصرية.
آريف – العدد69 – سبتمبر 2003
...................................
يعد يعقوب آرتين باشا ( 1842-1919) واحدا من أبرز المثقفين المصريين عامة والأرمن خاصة الذي ترك بصمته علي المشهد الثقافي المصري. وينتمي إلي عائلة تشراكيان التي أسهمت بامتياز في الإدارة المصرية علي امتداد القرن التاسع عشر. فقد تقلد والده آرتين بك تشراكيان منصب ناظر التجارة والأمور الخارجية في مصر خلال الفترة من عام 1844 حتي عام 1850 ، وكان عمه خسروف تشراكيان ترجمان باشي محمد علي وابنه إبراهيم وحريمهما فضلا عن رئاسته لديوان المعية ، وكان شقيقه يوسف بك تشراكيان قاضي الدائرة الأولي بمحكمة الإسكندرية المختلطة. كما كان المهندس الشهير في الإدارة المصرية يوسف بك حكيكيان وزوج عمته تاكوهي الشهيرة ب" بمبة".
وهكذا ينتمي يعقوب آرتين باشا الأرمني الكاثوليكي إلي أسرة مرموقة سواء علي المستوي المصري أم علي المستوي الأرمني. شغل يعقوب آرتين باشا منصب وكيل نظارة المعارف منذ عام 1884 وحتى عام 1906 . وقد تباينت الرؤى النقدية لطبيعة دور آرتين في العملية التعليمية المصرية؛ إذ ذهب البعض إلي أنه كان عميلا للإنجليز ولا يريد خيرا بنشر روح التعليم الإسلامي لأنه مسيحي ، بينما ذهب آخرون إلي الثناء عليه لخدمته التعليم نحو ربع قرن بذل فيه جهودا واسعة في تنظيمه وتطويره علي أسس متينة. ولذا أطلق عليه لقب الأستاذ الكبير. وعلي المستوي السياسي يصعب تحديد الاتجاهات السياسية له لأنه أقام علاقات ودية مع الخديو وكبار الموظفين وإنجلترا وفرنسا والباب العالي. وكان دائما يخفي بأسلوبه الدمث وجهات نظره حول المسائل الحساسة ولا يتهور بتصريحات حماسية أو مثيرة.
ورغم الإسهامات الإدارية ليعقوب آرتين في الإدارة المصرية ، إلا أنني أري أن إسهاماته الثقافية جديرة بالالتفات إليها وتقييمها ووضعها في السياق العام لتطور الثقافة المصرية. ومع انه كان يجيد ويعرف اللغات الأرمنية والتركية والعربية والفارسية واليونانية واللاتينية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية ، إلا انه استغرق في الثقافة الأخيرة وكتب كل نتاجه بلغتها. وتجدر الإشارة إلي أنه قد اشتهر بعملين كبيرين هما ( instruction publique en Egypte’ L ) طبع في باريس عام 1890 الذي ترجمه علي بهجت إلي اللغة العربية بعنوان ( القول التام في التعليم العام ) و (La Proprieté Fonciere en Egypte ) ( القاهرة 1908 ) والذي ترجمه سعيد عمون إلي اللغة العربية تحت مسمي ( الأحكام المرعية في شأن الأراضي المصرية) ويعد هذان العملان دراستان علميتان استندتا إلي المادة الوثائقية المودعة بالأرشيفات الحكومية. هذا وقد كان آرتين يفضل أن تتحدث الجداول والإحصائيات عن نفسها من أن يقدم تفسيرا مباشرا للأشياء.
كما كتب آرتين بعض الدراسات المتخصصة بعمق مثل دراسته عن السياق الذي يتناول نوعا من الكتابة المستعملة في إدارات مصر المالية إبان الحكم العثماني . وقد نشرت هذه الدراسة تحت عنوان ( Le Siyak en Egypte Turquie ) في مجلة العالم الإسلامي Revue du Mond Musulman وخط " السياقت" هو نوع من الكتابة التي كانت تستعمل بواسطة " المباشرون"في الإدارات المالية في مصر العثمانية كديوان الروزنامة . اخترع هذا الخط من اللغة العربية وأدخل إلي نظام العمل بالخزينة في القرن السادس عشر الميلادي بواسطة الناسخين . وقد جعل إيجاز هذه الكتابة نموذجا للاستخدام في المساحات المحدودة المتوفرة في السجلات. وهكذا أصبح هذا الخط " السياقت" هو أسلوب الكتابة الشفري في السجلات المالية التي كان " المباشرون" الأقباط يستأثرون بالعمل فيها ، وبمرور الوقت أصبح هذا النوع من الكتابة يورث لأبناء هؤلاء المباشرين بحيث أصبحت وظيفة " المباشرين" حكرا عليهم .
ويرجع الفضل إلي آرتين في لفت الأنظار إلي مجال أدبي كان الأدباء المصريون يمهلونه إهمالا تاما ألا وهو مجال القصة والأغنية الشعبيتين . ومما يستوجب الذكر هنا أن هذه القصص وتلك الأغاني لم يفكر في جمعها إلا بعض التجار من أدعياء الأدب ممن كانوا يبيعونها في طبعات رديئة وبأسلوب رخيص في الأحياء الشعبية. ولم يفكر في جمعها وتصنيفها من المثقفين إلا اثنان هما ك يعقوب آرتين باشا ثم العالم الفرنسي الأثري جاستون ماسبيرو بعده بسنوات عديدة ، هذا وقد جمع آرتين القصص الشعبية ونشرها باللغة الفرنسية في فرنسا تحت عنوان) Les Contes Populaires du la Valée du Nile ) ( القصص الشعبية في وادي النيل ) وقد نشرت هذه القصص في أوروبا لبيان صور من الفلكلور المصري وحينما درس آرتين القصص الشعبية التي يسميها العامة " حواديت" لاحظ تعدد موضوعاتها ، ويرجع هذا في رأي آرتين إلي الغزوات المتعاقبة علي مصر من شعوب ذوي حضارات متباينة. وقد قسم آرتين هذه القصص إلي ست مجموعات حسب مؤثراتها 1- مؤثرات آسيوية 2- مؤثرات يونانية 3- مؤثرات بدوية وبربرية ويهودية 4- مؤثرات أفريقية5-مؤثرات مصرية أصيلة6- مؤثرات عربية -ألف ليلة وليلة . عنتر ، أبو زيد الهلالي، وهكذا يتضح كما سبق ريادة يعقوب آرتين باشا في بعض مفردات الثقافة المصرية.
صورة: آرتين باشا والثقافة المصرية آريف – العدد69 – سبتمبر 2003 ................................... يعد يعقوب آرتين باشا ( 1842-1919) واحدا من أبرز المثقفين المصريين عامة والأرمن خاصة الذي ترك بصمته علي المشهد الثقافي المصري. وينتمي إلي عائلة تشراكيان التي أسهمت بامتياز في الإدارة المصرية علي امتداد القرن التاسع عشر. فقد تقلد والده آرتين بك تشراكيان منصب ناظر التجارة والأمور الخارجية في مصر خلال الفترة من عام 1844 حتي عام 1850 ، وكان عمه خسروف تشراكيان ترجمان باشي محمد علي وابنه إبراهيم وحريمهما فضلا عن رئاسته لديوان المعية ، وكان شقيقه يوسف بك تشراكيان قاضي الدائرة الأولي بمحكمة الإسكندرية المختلطة. كما كان المهندس الشهير في الإدارة المصرية يوسف بك حكيكيان وزوج عمته تاكوهي الشهيرة ب" بمبة". وهكذا ينتمي يعقوب آرتين باشا الأرمني الكاثوليكي إلي أسرة مرموقة سواء علي المستوي المصري أم علي المستوي الأرمني. شغل يعقوب آرتين باشا منصب وكيل نظارة المعارف منذ عام 1884 وحتى عام 1906 . وقد تباينت الرؤى النقدية لطبيعة دور آرتين في العملية التعليمية المصرية؛ إذ ذهب البعض إلي أنه كان عميلا للإنجليز ولا يريد خيرا بنشر روح التعليم الإسلامي لأنه مسيحي ، بينما ذهب آخرون إلي الثناء عليه لخدمته التعليم نحو ربع قرن بذل فيه جهودا واسعة في تنظيمه وتطويره علي أسس متينة. ولذا أطلق عليه لقب الأستاذ الكبير. وعلي المستوي السياسي يصعب تحديد الاتجاهات السياسية له لأنه أقام علاقات ودية مع الخديو وكبار الموظفين وإنجلترا وفرنسا والباب العالي. وكان دائما يخفي بأسلوبه الدمث وجهات نظره حول المسائل الحساسة ولا يتهور بتصريحات حماسية أو مثيرة. ورغم الإسهامات الإدارية ليعقوب آرتين في الإدارة المصرية ، إلا أنني أري أن إسهاماته الثقافية جديرة بالالتفات إليها وتقييمها ووضعها في السياق العام لتطور الثقافة المصرية. ومع انه كان يجيد ويعرف اللغات الأرمنية والتركية والعربية والفارسية واليونانية واللاتينية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية ، إلا انه استغرق في الثقافة الأخيرة وكتب كل نتاجه بلغتها. وتجدر الإشارة إلي أنه قد اشتهر بعملين كبيرين هما ( instruction publique en Egypte’ L ) طبع في باريس عام 1890 الذي ترجمه علي بهجت إلي اللغة العربية بعنوان ( القول التام في التعليم العام ) و (La Proprieté Fonciere en Egypte ) ( القاهرة 1908 ) والذي ترجمه سعيد عمون إلي اللغة العربية تحت مسمي ( الأحكام المرعية في شأن الأراضي المصرية) ويعد هذان العملان دراستان علميتان استندتا إلي المادة الوثائقية المودعة بالأرشيفات الحكومية. هذا وقد كان آرتين يفضل أن تتحدث الجداول والإحصائيات عن نفسها من أن يقدم تفسيرا مباشرا للأشياء. كما كتب آرتين بعض الدراسات المتخصصة بعمق مثل دراسته عن السياق الذي يتناول نوعا من الكتابة المستعملة في إدارات مصر المالية إبان الحكم العثماني . وقد نشرت هذه الدراسة تحت عنوان ( Le Siyak en Egypte Turquie ) في مجلة العالم الإسلامي Revue du Mond Musulman وخط " السياقت" هو نوع من الكتابة التي كانت تستعمل بواسطة " المباشرون"في الإدارات المالية في مصر العثمانية كديوان الروزنامة . اخترع هذا الخط من اللغة العربية وأدخل إلي نظام العمل بالخزينة في القرن السادس عشر الميلادي بواسطة الناسخين . وقد جعل إيجاز هذه الكتابة نموذجا للاستخدام في المساحات المحدودة المتوفرة في السجلات. وهكذا أصبح هذا الخط " السياقت" هو أسلوب الكتابة الشفري في السجلات المالية التي كان " المباشرون" الأقباط يستأثرون بالعمل فيها ، وبمرور الوقت أصبح هذا النوع من الكتابة يورث لأبناء هؤلاء المباشرين بحيث أصبحت وظيفة " المباشرين" حكرا عليهم . ويرجع الفضل إلي آرتين في لفت الأنظار إلي مجال أدبي كان الأدباء المصريون يمهلونه إهمالا تاما ألا وهو مجال القصة والأغنية الشعبيتين . ومما يستوجب الذكر هنا أن هذه القصص وتلك الأغاني لم يفكر في جمعها إلا بعض التجار من أدعياء الأدب ممن كانوا يبيعونها في طبعات رديئة وبأسلوب رخيص في الأحياء الشعبية. ولم يفكر في جمعها وتصنيفها من المثقفين إلا اثنان هما ك يعقوب آرتين باشا ثم العالم الفرنسي الأثري جاستون ماسبيرو بعده بسنوات عديدة ، هذا وقد جمع آرتين القصص الشعبية ونشرها باللغة الفرنسية في فرنسا تحت عنوان) Les Contes Populaires du la Valée du Nile ) ( القصص الشعبية في وادي النيل ) وقد نشرت هذه القصص في أوروبا لبيان صور من الفلكلور المصري وحينما درس آرتين القصص الشعبية التي يسميها العامة " حواديت" لاحظ تعدد موضوعاتها ، ويرجع هذا في رأي آرتين إلي الغزوات المتعاقبة علي مصر من شعوب ذوي حضارات متباينة. وقد قسم آرتين هذه القصص إلي ست مجموعات حسب مؤثراتها 1- مؤثرات آسيوية 2- مؤثرات يونانية 3- مؤثرات بدوية وبربرية ويهودية 4- مؤثرات أفريقية5-مؤثرات مصرية أصيلة6- مؤثرات عربية -ألف ليلة وليلة . عنتر ، أبو زيد الهلالي، وهكذا يتضح كما سبق ريادة يعقوب آرتين باشا في بعض مفردات الثقافة المصرية.
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» يعقوب آرتين والجامعة المصرية
» مذكرات جمال باشا
» مذكرات نوبار باشا
» الأرمن و صباغة الأقمشة المصرية.
» هل رسم دمرجيان الموناليزا المصرية
» مذكرات جمال باشا
» مذكرات نوبار باشا
» الأرمن و صباغة الأقمشة المصرية.
» هل رسم دمرجيان الموناليزا المصرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin