الأرمن وتكريم الثقافة المصرية
صفحة 1 من اصل 1
الأرمن وتكريم الثقافة المصرية
الأرمن وتكريم الثقافة المصرية
بقلم: الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد 46 – أكتوبر 2001
.............................
تميز المشهد الثقافي الأرمني في ثلاثينات القرن الماضي بظاهرة جد فريدة مؤداها " تكريم الثقافة المصرية" عبر احتفاليات متكررة أقامها " النادي الفني الأرمني" ، ورئاسة تحرير " جريدة أريف" بشارع دوبريه" سليمان الحلبي حاليا " . وجدير بالذكر أن النادي الفني الأرمني الذي تأسس في 6 مايو 1920 يعد من أهم الآليات الثقافية الأرمنية في المهجر المصري، وكذا جريدة "أريف " المؤسسة منذ 11 مايو 1915 .
ثمة احتفاليتان جديرتان بالحديث عنهما أقامهما النادي والجريدة آنفا الذكر ، أولاهما المقامة في تمام الساعة الخامسة والنصف مساء يوم الأحد 11 أبريل 1931 لتكريم الشعر العربي ممثلا في أحمد شوقي- أمير الشعراء- وحافظ إبراهيم- شاعر النيل – وخليل مطران- شاعر القطرين- وثانيهما المقامة في تمام الخامسة مساء يوم الأحد10 يناير 1937 للاحتفاء بالصحافة المصرية وحصول مصر علي استقلالها ( الاسمي) بموجب معاهدة 1936 الشهيرة .
حضرت الاحتفاليتين كوكبة من ألمع رجالات السياسة ورموز الفكر في مصر. ففي حفل تكريم الشعر ، حضر د. طه حسين إلي جانب الشاعرين حافظ ومطران واعتذر شوقي لمرضه، أما الاحتفالية الثانية فقد شهدها علي زكي العرابي باشا وزير المعارف ، توفيق رفعت باشا رئيس مجمع اللغة العربية ، أحمد لطفي السيد باشا مدير الجامعة المصرية ، مختار حجازي باشا محافظ القاهرة ، فؤاد أباظة بك المدير العام للجمعية الزراعية ، سلطان أحمد راد وزير إيران المفوض ، د.فارس نمر من أصحاب المقطم، أحمد فريد الرفاعي مدير إدارة الصحافة وطائفة أخري من أبرز رجالات الفكر المصري وغيرهم من القيادات الصحفية والثقافية الأجنبية في مصر . علاوة علي نخبة من أهم القيادات الطائفية والقيادية والثقافية الأرمنية .
كشفت الاحتفاليتان مدي الفهم المتبادل بين المثقفين الأرمن والمصريين آنذاك للقضايا الاجتماعية – السياسية . ففي الكلمة العربية التي ألقاها المهندس بوغوص أفندي إبتميكجيان خلال احتفالية الشعر قال : " .. إن أرمن مصر قد اعتبروا هذا البلد الأمين ( مصر) كوطن حقيقي لهم ومصر بدورها لم يفتها أن تعتبرهم أبناءها ".
وفي الكلمة التي ألقاها الرسام الكاريكاتوري الأشهر الكسندر صاروخان أثناء احتفالية الصحافة علق بقوله : " إن الأرمن وقد ذاقوا ألوان التضحية من أجل الوطن والحرية ، هم أقدر الناس علي تمجيد ما قدمه المصريون من تضحية في سبيل الحرية والاستقلال " .
أيضا كانت مثل هذه الاحتفاليات فرصة لتعميق فهم كل فريق بثقافة الآخر وفكرته وفنه . ففي احتفالية الشعر ، ألقي الأستاذ بلوم- رئيس تحرير مجلة " أنا مالي" كلمة بليغة عن الشعر العربي ( المصري) والشعراء المحتفي بهم . وقال : " إن الأجانب الذين يفدون إلي مصر يظنون مع الأسف الشديد أنهم قد عرفوها حينما يرون شطرا من آثارها كالأهرام ودار الآثار. وهذا خطأ فاحش لأن الأمم لا تعرف إلا بآدابها وفنونها" ، ثم تطرق إلي استعراض جماليات شعر شوقي وتجديده ، وانفراد حافظ بربط الموسيقي بالشعر ، وإدخال مطران المستحدث في عالم النظم العربي وجمعه.
بين القديم والحديث،واختتم كلامه بأن الشعراء واسطه الاتصال بين الأمم ورسل السلام،كما أن (إله الشعر يتجسد هذه الليلة في شعرائنا الثلاثة المحتفي بهم ".
وفعلا شغف الحاضرون بمختارات من أروع ماجادت به قرائح الشعر المحتفي بهم من قريض ألقاه أرمن يجيدون العربية والفرنسية . وتعليقا علي هذا أجمعت الصحافة المعاصرة أنه : " ليس عجيبا أن يفتن شعب شرقي مثل الأرمن بالفن الجميل والموسيقي ، فهم نبتوا في بلادهم جوها شجي بألحان الطبيعة موشي بمحاسنها . يظهر أثر هذا في ميولهم ، فلست تجد صناعة تتصل بالفنون الجميلة إلا وللأرمن فيها نصيب السابقين المتفوقين المبدعين . يعرف هذا كل من عرفهم ودرس شيئا من تاريخهم ثم هم إلي ذلك منتشرون في الأرض . ويسرنا ويملأ قلوبنا غبطة أن الشعب الأرمني فتنه قريض شعرائنا الثلاث... وهم في الحق قد كرموا البلاغة العربية والفن العربي حينما كرموهم".
علق النقاد الأرمن والأوروبيون علي الشعر العربي في ترجمته الفرنسية بأنه أدب إنساني راق يصل إلي مرتبة العالمية ، ودعوا إلي المزيد من ترجمة الأدب العربي إلي اللغات الأجنبية لأنها هي الوسيلة لتقدير هذا الأدب والتعرف علي نهضته ودخوله في حظيرة الأمم " ذات الشخصية الفنية المحترمة :. وتوقعوا ( 1931) إحراز أحد أبناء لغة الضاد لجائزة نوبل ، وهو التوقع الذي طال انتظاره لمدة 57 عاما عندما حصل عليها أديبنا العالمي نجيب محفوظ وأيضا دعوا إلي ترجمة الأدب الأرمني إلي اللغة العربية حتي يقف أبناؤها علي طبيعة الثقافة الأرمنية وخصائصها . وفعلا تحققت هذه الدعوة إلي حد ما في مجالات القصة القصيرة والرواية والشعر بفضل مجهودان الجاليات الأرمنية في البلاد العربية لاسيما سورية ولبنان ومصر.
وبينما كان الحاضرون من الأرمن مفتونين بقصائد شوقي وحافظ ومطران الشعرية ، ففي المقابل التاع المصريون أيضا بألوان من الفلكلور الأرمني وموسيقي جوميداس وأغان أكوسدينوسيان وقصائد فحول الشعراء الأرمن مثل تانييل فاروجان
. وأكد الجميع علي أهمية الثقافة في تقريب الشعوب إلي بعضها البعض : " إن أرمن مصر الذين عاشوا من قديم الزمان بين أهلها الكرام .. ينقصهم بلا شك الشيء الكثير. فإنهم لم يتذوقوا لذة الشعر العربي ولم يسكروا بفتنته الساحرة ..وإذ كانت الأمم تسعي للتآخي بالرغم من الصعوبات الجمة التي يقيمها السياسيون وإذا كانت الشعوب تتعانق أحيانا بقصد المنفعة ليس إلا ، فهلا يكون ذلك بيننا نحن الذين عاشوا معنا زمنا مديدا متضامنين متعاونين ، يجمعنا القدر تحت كنف الفن " . كما ألمحت هذه الاحتفاليات إلي عمق تاريخية علاقات الأرمن بمصر ومدي الاستفادة منها وإفادتها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية . ويتضح أيضا أن الأرمن بعامة من العناصر العاملة الفاعلة بإيجابية إلي حد ، ولذا تقدرهم الحكومات المتباينة ليس في مصر وحدها، بل وفي أمم العروبة – حسب تعبير الأهرام – لاسيما سورية والعراق وفلسطين . كما أن العرب عموما يقدرون – وفقا لرأي مطران- بطولة الشعب الأرمني وما لاقاه من محن وإحن وصبره عليها جميعا مما ساعده علي الاحتفاظ بشخصيته ومركزه بين الشعوب.
وهكذا ، يبدو مما سبق اهتمام الأرمن في ثلاثينات ، وربما أربعينات القرن الماضي بالثقافة المصرية في تكريم رموزها عندما كان المثقفون يتبوءون قمة الهرم الاجتماعي قبل أن يزاحوا عنه أمام طغيان تسليط الأضواء الإعلامية علي نجوم الفن والرياضة ورجال الأعمال .
والحقيقة أن ظاهرة الاحتفاء الأرمني بالثقافة المصرية قد انبثقت عن تراكمات التجربة الأرمنية إبان عشرينات القرن العشرين . إذ نجم عن توتر العلاقات المصرية – الأرمنية إبان ثورة 1919 واتهام الأرمن بمحاولة اغتيال زعيم الأمة سعد زغلول قناعة أرمنية بضرورة التقارب مع المصريين . ويغزي هذا جملة اعتبارات لعل علي رأسها : فشل تحقيق الحلم الأرمني بتأسيس دولة أرمنية مستقلة تستوعب الأرمن جميعا مما جعل مصر بمثابة " الموطن البديل" الذي لا مفر منه . كما أن انضمام ما تبقي من أرمينية إلي العالم السوفيتي حدا بالسلطات المصرية إلي النظر بعين الريبة إلي أرمن مصر باعتبارهم " أبواق شيوعية " ، وبالتالي حرص الأرمن أو أغلبهم علي أن ينفضوا بشدة عن أنفسهم تهمة التدين ب" الشيوعية " التي كان فريق من الأرمن يهددون بها لدي السلطات المصرية خصومهم السياسيين والفكريين في وقت تصاعد فيه ملاحقة السلطة لكل وأي مشتبه شيوعي .
وفي خط متواز ، تنامي الروح التورية المصرية في مواجهة الاحتلال البريطاني وفرض مفردات الهوية المصرية علي مختلف مناحي الحياة. ولهذا كانت لفتة " دبلوماسية" من الأرمن المصريين استخدام اللغتين العربية والفرنسية أثناء الاحتفالات وشراء مستلزمات الحفل بأكملها من مؤسسات مشهورة ب" مصريتها" خاصة في تكريم الصحافة . ولكن لا يخفي وجود رعيل من المثقفين الأرمن الواعية بأهمية تماثل الثقافة المصرية دون الذوبان فيها . وشتان بين اليوم والأمس!!!!.
..............................................................
بقلم: الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد 46 – أكتوبر 2001
.............................
تميز المشهد الثقافي الأرمني في ثلاثينات القرن الماضي بظاهرة جد فريدة مؤداها " تكريم الثقافة المصرية" عبر احتفاليات متكررة أقامها " النادي الفني الأرمني" ، ورئاسة تحرير " جريدة أريف" بشارع دوبريه" سليمان الحلبي حاليا " . وجدير بالذكر أن النادي الفني الأرمني الذي تأسس في 6 مايو 1920 يعد من أهم الآليات الثقافية الأرمنية في المهجر المصري، وكذا جريدة "أريف " المؤسسة منذ 11 مايو 1915 .
ثمة احتفاليتان جديرتان بالحديث عنهما أقامهما النادي والجريدة آنفا الذكر ، أولاهما المقامة في تمام الساعة الخامسة والنصف مساء يوم الأحد 11 أبريل 1931 لتكريم الشعر العربي ممثلا في أحمد شوقي- أمير الشعراء- وحافظ إبراهيم- شاعر النيل – وخليل مطران- شاعر القطرين- وثانيهما المقامة في تمام الخامسة مساء يوم الأحد10 يناير 1937 للاحتفاء بالصحافة المصرية وحصول مصر علي استقلالها ( الاسمي) بموجب معاهدة 1936 الشهيرة .
حضرت الاحتفاليتين كوكبة من ألمع رجالات السياسة ورموز الفكر في مصر. ففي حفل تكريم الشعر ، حضر د. طه حسين إلي جانب الشاعرين حافظ ومطران واعتذر شوقي لمرضه، أما الاحتفالية الثانية فقد شهدها علي زكي العرابي باشا وزير المعارف ، توفيق رفعت باشا رئيس مجمع اللغة العربية ، أحمد لطفي السيد باشا مدير الجامعة المصرية ، مختار حجازي باشا محافظ القاهرة ، فؤاد أباظة بك المدير العام للجمعية الزراعية ، سلطان أحمد راد وزير إيران المفوض ، د.فارس نمر من أصحاب المقطم، أحمد فريد الرفاعي مدير إدارة الصحافة وطائفة أخري من أبرز رجالات الفكر المصري وغيرهم من القيادات الصحفية والثقافية الأجنبية في مصر . علاوة علي نخبة من أهم القيادات الطائفية والقيادية والثقافية الأرمنية .
كشفت الاحتفاليتان مدي الفهم المتبادل بين المثقفين الأرمن والمصريين آنذاك للقضايا الاجتماعية – السياسية . ففي الكلمة العربية التي ألقاها المهندس بوغوص أفندي إبتميكجيان خلال احتفالية الشعر قال : " .. إن أرمن مصر قد اعتبروا هذا البلد الأمين ( مصر) كوطن حقيقي لهم ومصر بدورها لم يفتها أن تعتبرهم أبناءها ".
وفي الكلمة التي ألقاها الرسام الكاريكاتوري الأشهر الكسندر صاروخان أثناء احتفالية الصحافة علق بقوله : " إن الأرمن وقد ذاقوا ألوان التضحية من أجل الوطن والحرية ، هم أقدر الناس علي تمجيد ما قدمه المصريون من تضحية في سبيل الحرية والاستقلال " .
أيضا كانت مثل هذه الاحتفاليات فرصة لتعميق فهم كل فريق بثقافة الآخر وفكرته وفنه . ففي احتفالية الشعر ، ألقي الأستاذ بلوم- رئيس تحرير مجلة " أنا مالي" كلمة بليغة عن الشعر العربي ( المصري) والشعراء المحتفي بهم . وقال : " إن الأجانب الذين يفدون إلي مصر يظنون مع الأسف الشديد أنهم قد عرفوها حينما يرون شطرا من آثارها كالأهرام ودار الآثار. وهذا خطأ فاحش لأن الأمم لا تعرف إلا بآدابها وفنونها" ، ثم تطرق إلي استعراض جماليات شعر شوقي وتجديده ، وانفراد حافظ بربط الموسيقي بالشعر ، وإدخال مطران المستحدث في عالم النظم العربي وجمعه.
بين القديم والحديث،واختتم كلامه بأن الشعراء واسطه الاتصال بين الأمم ورسل السلام،كما أن (إله الشعر يتجسد هذه الليلة في شعرائنا الثلاثة المحتفي بهم ".
وفعلا شغف الحاضرون بمختارات من أروع ماجادت به قرائح الشعر المحتفي بهم من قريض ألقاه أرمن يجيدون العربية والفرنسية . وتعليقا علي هذا أجمعت الصحافة المعاصرة أنه : " ليس عجيبا أن يفتن شعب شرقي مثل الأرمن بالفن الجميل والموسيقي ، فهم نبتوا في بلادهم جوها شجي بألحان الطبيعة موشي بمحاسنها . يظهر أثر هذا في ميولهم ، فلست تجد صناعة تتصل بالفنون الجميلة إلا وللأرمن فيها نصيب السابقين المتفوقين المبدعين . يعرف هذا كل من عرفهم ودرس شيئا من تاريخهم ثم هم إلي ذلك منتشرون في الأرض . ويسرنا ويملأ قلوبنا غبطة أن الشعب الأرمني فتنه قريض شعرائنا الثلاث... وهم في الحق قد كرموا البلاغة العربية والفن العربي حينما كرموهم".
علق النقاد الأرمن والأوروبيون علي الشعر العربي في ترجمته الفرنسية بأنه أدب إنساني راق يصل إلي مرتبة العالمية ، ودعوا إلي المزيد من ترجمة الأدب العربي إلي اللغات الأجنبية لأنها هي الوسيلة لتقدير هذا الأدب والتعرف علي نهضته ودخوله في حظيرة الأمم " ذات الشخصية الفنية المحترمة :. وتوقعوا ( 1931) إحراز أحد أبناء لغة الضاد لجائزة نوبل ، وهو التوقع الذي طال انتظاره لمدة 57 عاما عندما حصل عليها أديبنا العالمي نجيب محفوظ وأيضا دعوا إلي ترجمة الأدب الأرمني إلي اللغة العربية حتي يقف أبناؤها علي طبيعة الثقافة الأرمنية وخصائصها . وفعلا تحققت هذه الدعوة إلي حد ما في مجالات القصة القصيرة والرواية والشعر بفضل مجهودان الجاليات الأرمنية في البلاد العربية لاسيما سورية ولبنان ومصر.
وبينما كان الحاضرون من الأرمن مفتونين بقصائد شوقي وحافظ ومطران الشعرية ، ففي المقابل التاع المصريون أيضا بألوان من الفلكلور الأرمني وموسيقي جوميداس وأغان أكوسدينوسيان وقصائد فحول الشعراء الأرمن مثل تانييل فاروجان
. وأكد الجميع علي أهمية الثقافة في تقريب الشعوب إلي بعضها البعض : " إن أرمن مصر الذين عاشوا من قديم الزمان بين أهلها الكرام .. ينقصهم بلا شك الشيء الكثير. فإنهم لم يتذوقوا لذة الشعر العربي ولم يسكروا بفتنته الساحرة ..وإذ كانت الأمم تسعي للتآخي بالرغم من الصعوبات الجمة التي يقيمها السياسيون وإذا كانت الشعوب تتعانق أحيانا بقصد المنفعة ليس إلا ، فهلا يكون ذلك بيننا نحن الذين عاشوا معنا زمنا مديدا متضامنين متعاونين ، يجمعنا القدر تحت كنف الفن " . كما ألمحت هذه الاحتفاليات إلي عمق تاريخية علاقات الأرمن بمصر ومدي الاستفادة منها وإفادتها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية . ويتضح أيضا أن الأرمن بعامة من العناصر العاملة الفاعلة بإيجابية إلي حد ، ولذا تقدرهم الحكومات المتباينة ليس في مصر وحدها، بل وفي أمم العروبة – حسب تعبير الأهرام – لاسيما سورية والعراق وفلسطين . كما أن العرب عموما يقدرون – وفقا لرأي مطران- بطولة الشعب الأرمني وما لاقاه من محن وإحن وصبره عليها جميعا مما ساعده علي الاحتفاظ بشخصيته ومركزه بين الشعوب.
وهكذا ، يبدو مما سبق اهتمام الأرمن في ثلاثينات ، وربما أربعينات القرن الماضي بالثقافة المصرية في تكريم رموزها عندما كان المثقفون يتبوءون قمة الهرم الاجتماعي قبل أن يزاحوا عنه أمام طغيان تسليط الأضواء الإعلامية علي نجوم الفن والرياضة ورجال الأعمال .
والحقيقة أن ظاهرة الاحتفاء الأرمني بالثقافة المصرية قد انبثقت عن تراكمات التجربة الأرمنية إبان عشرينات القرن العشرين . إذ نجم عن توتر العلاقات المصرية – الأرمنية إبان ثورة 1919 واتهام الأرمن بمحاولة اغتيال زعيم الأمة سعد زغلول قناعة أرمنية بضرورة التقارب مع المصريين . ويغزي هذا جملة اعتبارات لعل علي رأسها : فشل تحقيق الحلم الأرمني بتأسيس دولة أرمنية مستقلة تستوعب الأرمن جميعا مما جعل مصر بمثابة " الموطن البديل" الذي لا مفر منه . كما أن انضمام ما تبقي من أرمينية إلي العالم السوفيتي حدا بالسلطات المصرية إلي النظر بعين الريبة إلي أرمن مصر باعتبارهم " أبواق شيوعية " ، وبالتالي حرص الأرمن أو أغلبهم علي أن ينفضوا بشدة عن أنفسهم تهمة التدين ب" الشيوعية " التي كان فريق من الأرمن يهددون بها لدي السلطات المصرية خصومهم السياسيين والفكريين في وقت تصاعد فيه ملاحقة السلطة لكل وأي مشتبه شيوعي .
وفي خط متواز ، تنامي الروح التورية المصرية في مواجهة الاحتلال البريطاني وفرض مفردات الهوية المصرية علي مختلف مناحي الحياة. ولهذا كانت لفتة " دبلوماسية" من الأرمن المصريين استخدام اللغتين العربية والفرنسية أثناء الاحتفالات وشراء مستلزمات الحفل بأكملها من مؤسسات مشهورة ب" مصريتها" خاصة في تكريم الصحافة . ولكن لا يخفي وجود رعيل من المثقفين الأرمن الواعية بأهمية تماثل الثقافة المصرية دون الذوبان فيها . وشتان بين اليوم والأمس!!!!.
..............................................................
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» الأرمن و صباغة الأقمشة المصرية.
» الأرمن المصريون والسياسة المصرية
» موقف الحكومة المصرية من أيتام الأرمن
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
» هل رسم دمرجيان الموناليزا المصرية
» الأرمن المصريون والسياسة المصرية
» موقف الحكومة المصرية من أيتام الأرمن
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
» هل رسم دمرجيان الموناليزا المصرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin