إبراهيم محمد علي إمبابي........مقاتل وشاهد من زمن الحروب

إبراهيم محمد علي إمبابي........مقاتل  وشاهد من زمن الحروب
.........................................................................
استكمالًا لسلسلة الحديث عن أبطال جديدة المنزلة الذين شاركوا ، وشهدوا حروب مصر التي خاضتها ضد العدو الإسرائيلي في العصر الحديث..وسطروا أسماءهم في سجل البطولات التاريخي لأبطال مصر.
ومعنا اليوم أحد الأبطال البواسل الذين شاركوا في حروب 1967 ،وحرب الاستنزاف ،وحرب أكتوبر 1973...وفي كل مرة كنا نلقي الضوء علي البطل ،ونستعرض سريعا سجل بطولاته..لكن  اختلف الأمر هذه المرة وتركنا البطل يتحدث عن نفسه من خلال لقاء فيديو استمر حوالي ساعة.
وتفضل مشكورا الأستاذ/ الشافعي الزيني بالتصويرو إعداد الفيديو، وقد قمنا بتفريغ الفيديو إلي كلمات منشورة نعرضها أمام القاريء بتصرف يسير ووضع العناوين ، ودون تدخل كبير من كاتب الموضوع..وسوف نقوم بنشر الفيديوهات لاحقا
...........................
مفاجأة المعركة
.........................
أنا المقاتل / إبراهيم محمد علي إمبابي، تم تجنيدي في 19/5/1966 ....من مواليد 2/8/1946 ، وتم تدريبي بمنطقة ( جنيفة) معسكر( حبيب الله) ..وتم توزيعنا بعد انتهاء فترة التدريب- وانتقلنا إلي الكتيبة 18 الفرقة 16 اللواء16 ، ومثنا بها عام 1966 حتي  نكسة 1967، وكنا بموقع يسمي( الماسورة) بمنطقة ( رفح) بعد العريش ب65 كيلو( وشهدنا النكسة من أولها إلي آخرها)..ثم عدنا إلي وحدتنا ،ومنها إلي الجبهة مرة أخري.
شهدت حرب الاستنزاف كاملة حتي عام 1969 وتم استقرارنا بمنطقة( الدفرسوار) ، وقضينا بها أعوام 1969 ، و1970 ،و1971 ، و1972، و1973 حتي يوم المعركة.
كنت برتية ( عريف مجند)، وكنت ( حكمدار ميس الضباط).. وفي يوم السبت الموافق 6 أكتوبر عام 1973 حضر القائد المقدم/ أحمد إسماعيل عطية  من الساعة 9-10 وقال لي بالحرف الواحد( والكلام علي لسانه حرفيا ).
يا إبراهيم..قلت له: نعم، يا أفندم
القائد: إن كان عندك أكل وزعه،واللي عاوز يفطر يفطر( وكنا في 10 رمضان ). لأن هتطلع النهاردة خلف التبة أنت والمجموعة اللي معاك بقيادة ملازم احتياط/ عبد العليم عبد السميع( وكن ضابط ملازم أول احتياط من المنصورة ..خريج تربية رياضية- تخصص مصارعة).
فقلت له: يا أفندم كده سوف يتم العبور
القائد:: الضابط عبد العليم يكون القائد وأنت ( حكمدار الجماعة اللي معاك ومهمتكم عبور الخط الثاني لسرية( الماندال) ب10-ب11- لأن الخط الأول الذي عبرت به لم يكفيها، فنكون جاهزين خلفها..لا تعجز ولا ينقصها شيء.
فقلت له: هنعبر إزاي با أفندم
القائد:هتطلعوا تعبروا خلف التبة اللي علي المية وفي حالة الطيران أما يعدي علي برسينا- هتبدأ المدفعية الثقيلة والدبابات تدك وتدمر في الدشمتين اللي مهمتنا احتلالهم اللي في بر سينا الليفيهم العدو الإسرائيلي.
وبالفعل نفذنا ما قال به القائد، وكانت هناك سيارتان محملتانبالذخيرة(2 طن ذخيرة ) وعلينا العبور بهما إلي البر الثاني..وصراحة سمعنا الكلام ، وقمنا بالمطلوب ..ورحنا خلف التبة وقعدنا هناك.
وحقيقة ، لم يكن في خلدنا أنها ستكون حرب حقيقية..لأننا سنكون خلف التبة والفلاحون يجمعون الفول السوداني والمواشي ترعي في الأرض وكأن لم تكن هناك أمور معركة....وبالإضافة إلي ذلك ، فقد سبق أن قمنا بهذا العمل أكثر من مرة ، ونعود بعد الواحدة ولا نفعل شيئًا ..وكأن هذا الامر كالأمور السابقة.
جلسنا خلف التبة حتي الساعة الثانية إلا عشرة، وفوجئنا بالطيران المصري يحلق فوقنا في طريقه إلي سيناء.....وكانت المفاجأة..فلا يتجاوز ارتفاع الطيران 50 مترا في طريقه إلي إسرائيل.
ووجدنا الدبابات خلف التبة تضرب في الدشم الإسرائيلية وجميع الأسلحة تشتبك ونيران متواصلة .
........................
يوم الطامة الكبري
.....................
في يوم 15/10 1973 ، كانت الطامة الكبري بسبب التدخل الامريكي الذي حاول أن يبحث علي مدار الجبهة علي أي مكان ضعيف، أو مكان يستطيعون منه أن يخترقوا أو يحدثون ثغرة ، ليقف القتال أو يكون هناك مباحثات ويتم تهدئة الموقف.
وكانت النتيجة، قاموا علينا بهجوم ليلي ،ونحن في سيناء، واستشهد بعض الجنود ..وكنت أنا وحوالي 50 جنديا في المنطقة..وكان معنا النقيب/ عشماوي صادق الوحش والنقيب/ عبد الحليم حافظ حمدي نقيب ستطلاع وملحق علينا.. ونحن واقفون في الحفر البرميلية حوالي الثانية صباحًا..وإسرائيل رمي بالقناديل التي تنير الجبل( حتي أنك لو ألقيت عشرة قروش لرأيتها من شدة الإضاءة).
وهاجمنا كول من دبابات العدو ، ونحن في الحفر البرميلية...وفاجأنا صادق الوحش وعبد الحليم حافظ بخروجهما لمواجهة الدبابات، وكان مع كل واحد منهما سلاح أر بي جي..وطلبوا منا أن نمكث في الحفر البرميلية.
وفي الحقيقة ..لم نعرف ماذا حدث لهما..؟ ووجدنا مواقع الذخيرة تنفجر والسيارات تنفجر..واشتباكات طيران ومدفعية ،وكأننا في وضح النهار.
وأمام ذلك ، لم يكن امامنا غير أننا انسحبنا من تلقاء أنفسنا، وعدنا إلي ضفة القنال وهم يسرون خلفنا ويطاردوننا..أردنا النجاة بحياتنا ،فخلعنا ملابسنا وتعممنا بها والسلاح خلف ظهورنا..وعبرنا القنال من بر سيناء إلي البر الغربي ، واختبأنا في ملجأ هناك؛ لأنهم لا زالوا يطاردوننا.
ثم فوجئنا بسيل من القنابل تُلقي علينا من هوايات الملجأ، وسلطوا علينا فوهات الرشاشات....وحدثت فوضي في الملجأ ،وعاش من عاش واستشهد من استشهد ، وتلقيت ثلاث شظيات أحدثت بي ثلاث إصابات ..واحدة في كتفي ، وشظية في شفتي، والأخري في فخذي.
وقبل شروق الشمس ،فوجئنا بمن ينادي علينا بصوت مصري بأن نخرج رافعين أيدينا بدون أسلحة..وخرجنا تاركين أسلحتنا...ومن يخرج يقومون بتكتيفه بحبل أو برباط حذاء ويدفعونه خلف التبة..واعتقدنا بأنهم سيقتلوننا، أو يطلقون علينا الرصاص.
ومع شروق الشمس، طلبوا منا أن ننزل الملجأ ونخرج من بالداخل....ووجدنا أكثر من عشرين شخص شهيد ، وأخرجناهم  حتي أعلي التبة إلي أسفل، فكانوا يتدحرجون إلي أسفل..وبالأمر غطيناهم بالرمال....وبعد ساعة عبروا بنا إلي برسيناء مرة أخري..وكنا حوالي من 30: 40 جنديًا...
وبعد العبور بنا، فوجئنا وكأن القيامة قامت ...أخذت قواتنا المسلحة المصرية في الضرب لتستعيد الزمام مرة أخري..فعندما يتم احتلال موقع تضطر قواته إليعمل ما يسمي( إبادة وتطهير) وتضرب كل من فيه( صديق أو عدو) وإسرائيل ترد الضرب.....
طيران..دبابت وجميع الأسلحة تدك فينا في بر سيناء وهذا كان في يوم 16/10/1973 .
فكانت هناك قوات مدفعية في منطقة ( أبو سلطان) وهذه القوات لها نقاط ملاحظة خلف القناة، وهي من كانت تستدل بالمواقع ، وتعطي التعليمات لقوات المدفعية....وكانت الدانة التي تسقط علي الدبابة الإسرائيلية أو المصفحة او القطع البحرية التي جاءت بها أمريكا..وكانها توضع باليد..وكنت أري الجنود الإسرائليين يطيرون من الدبابات وهم يحترقون بالنيران..وكانت الأرض مفروشة بجثث الجيشين.
وفي تمام الخامسة من مساء اليوم، تمكنوا من نصب الكوبري ثم جمعونا وكان عددنا(28) ومعنا الضابطين( صادق الوحش وطبيب الوحدة)..وتحرسنا دبابة، ولا ندري ماذا سيفعلون بنا...؟ ولا بديل عن الموت....الجثث تغطي الجبل..بقايا الدبابات المحترقة والمصفحات شيء لا يوصف ولا يصدقه عقل.
.......................................
مع موشي ديان وشارون وجهًا لوجه
.....................................
كنا قبل المغرب..وكانت المفاجأة...فوجئنا ب( موشي ديان ) و ( شارون) مقبلين ناحيتنا..وعرفت أنهم كانوا في غرفة العمليات ؛ ليروا كيف تم نصب الكوبري..وكم كانت سعادتهم وهم يرون الأسري المصريين..وبيننا وبين ( شارون) حوالي 10 متر.
وأدي الضابط عشماوي الوحش التحية ، وطلب منهم طعام وماء وطبيب؛ لأننا لم نأكل ولا نشرب منذ 4 أيام....فرد التحية علي النقيب عشماوي: ورد بكلمتين( سلام قريب- سلام قريب)...ثم انصرف ديان  مع شارون ناحية القناة.
وتم عمل الكوبري الإسرائيلي  في حدود الساعة 5، وبالفعل بمجرد انصراف ( موشي ديان) و( شارون) فتح مسئول الدبابة الباب الخلفي للدبابة ، وجاءنا ببسكويت ومياه..وبعد ربع ساعة جاءنا طبيب وطبب الجرحي الأسري.
وقبل المغرب جاءتنا سيارة  وسارت بنا حتي( العريش) ومكثنا فيها ليلة مكتوفي الأيدي..ثم أخذونا في سيارة لمعسكر تجميع..فوجدنا هناك ما يقرب من 3000 أسير مصري ، وحملونا في أتوبيسات حتي منطقة ( يافا) علي البحر المتوسط عند ( تل أبيب).
.. وأدخلونا في ملاجيء تحت الأرض....العذاب لا يوصف...وجردونا من ملابسنا كما ولدتنا أمهاتنا..و وقاموا بتصويرنا من الأمام والخلف لعمل بطاقات هوية ،ويكون لنا رقم أسر..ومكثنا مع المخابرات الإسرائيلية حتي الصباح.
وذهبوابنا إلي المعتقل الذي سنمكث به ،ووجدنا هناك ثلاث كتائب صاعقة عبرت من خليج السويس، ورووا لنا عن بطولات خارقة تفوق الوصف والخيال ..وسبب وقوعهم في الأسر ... أنهم لم يصل إليهم اللواء الرابع مدرعات ولم يتمكن من العبور، فتم أسرهم.
مكثنا في الأسر39 يوم...ثم تم تحريرنا مع تبادل الأسري ، ورجعنا إلي الوحدات ثم إلي الملكية
......................................
النصر أكسب مصر احترام العالم
.....................................
وما نقصه نحن أننا حضرنا الاستنزاف ، ومكثنا في القنطرة والحرش والرياح وعرب الأخارسة ونهر الجبل ونمرة 3 ..وتدربنا تدريبات أصعب من عبور القناة في أماكن الرياح الناصري في القناطر الخيرية في بني سلامة وأبو غالي ومديرية التحرير... وكان عبور القناة بالنسبة لهذه المناطق سهلا ، ولكن ما يصعب فيها استخدام السلاح.
والحمد لله تم تحرير الأرض، وأصبح لنا شخصية عالمية ونلنا تقدير العالم.. ولولا الاحترام ما ذهب السادات إلي عقر دارهم.البطولات..لا تصدق، وعندما يتكلم فيها الإنسان ولا يمكن لإنسان أن يصدقها..ولا يصدقها إلا العسكريون والذين مارسوا ظروف الحرب.
عندي إصابة في قدمي من مدفع جرينوف المضاد  للأفراد علي الدبابات ، ومكثت 49 يوم بالمستشفي العام العسكري بكوبري القبة..وأُجريت لي عملية جراحية ولا زال هناك أثر لهذه الإصابة بخلاف الثلاث إصابات الأخري.
..................
الروح العالية مفتاح النص
....................ر
ماحدث يوم العبور وأثناء العبور ويوم الثغرة شيء  لا يصدقه عقل..وهو إعجاز إلهي ليس من صنع البشر..والشاهد المقدم أحمد إسماعيل عطية قائد الكتيبة 18 والمقدم محمد حسين طنطاوي وزير الحربية الأسبق قائد الكتيبة 16 وهي تابعة للفرقة 16.. وتعاملت معه شخصيًا.
وكنت الاجتماعات تتم عندنا في الدفرسوار....وجاءنا الرئيس السادات وأيضًا اللواء أشرف مروان قائد التعيينات علي مستوي القوات المسلحة....ويوميا كانت تأتينا زيارات من كافة المؤسسات لرفع الروح المعنوية..وسادت الروح العالية والطيبة بين القادة والجنود..وأتمني ان تسود اليوم .
كان القائد أحمد إسماعيل عطية عندما جاءنا ليعطينا التعامل ناداني ( يا إبراهيم) ولم يتعامل معي  بالصيغة العسكرية ( اجمع يا عريف)..كلنا أشقاء..وعبرت الجنود بدون أوامر ويشهد بذلك القيادات الكبيرة..وبمجرد عبور الطيران كان الجنود هناك في الضفة الشرقية دون وعي ودون أمر( هذا علي مسئوليته كشاهد عيان)
..................................................................................................
شكر خاص إلي الأستاذ/ الشافعي الزيني علي الجهد المبذول في خروج هذا التسجيل إلي النور