يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة

يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
.....................................................
ألحت علي فكرة الكتابة عن المرحوم يوسف ضبيع منذ فترة ، وقد حاولت الحصول علي معلومات ليكتمل المقال ، ويظهر في صورة تليق بتاريخ هذا الرجل الفذ.....والذي يُعد حالة فريدة في جديدة المنزلة، ولا أبالغ إن قلت : إنه رئيس جمهورية جديدة المنزلة وعمدتها غير الرسمي بقرار شعبي من أهالي جديدة المنزلة.
إن بصماته واضحة علي كل بقعة وحدث في القرية..إنه رجل من زمن ظهرت فيه الرجولة؛ تربي علي الرجولة وحب الخير والعمل التطوعي والوطنية في زمن كان دستوره( اللي مالوش كبير يشتري له كبير)......وكأن هذا المثل وُضع بحق من أجل هذا الرجل الذي تعجز الكلمات عن أن تفيه حقه من التعريف به والتقدير له.
عندما بدأت في جمع المعلومات الكافية لاستكمال المقال سألت شخصيات كثيرة عبر وسائل التواصل الإليكترونية، وتكاد تتفق جميع الشخصيات في نفس الكلمات التي قيلت بحق هذا الرجل.
فأعماله تتحدث عنه، ويُدين له بالفضل كل من التحق بالمدرسة الابتدائية، وكل من فكر أو حاول التسرب من التعليم؛ فكان له بالمرصاد يكبح جماح الجياد الثائرة للهروب من التعليم بالترويض تارة وبالشدة تارة أخري.
................................
لماذا يوسف ضبيع........؟
..............................
إن يوسف ضبيع من الشخصيات الجديرة بالكتابة عنها، ولا يمكن أن نغفل عن ذكرها..ولا ينكر أحد في القرية فضله وأعماله التي خلدته في العقل الجمعي لسكان القرية؛فيوسف ضبيع مثل يُحتذي به في العملين العام والتطوعي؛ وكذا حب القرية.
وتفضل مشكورا نجله الأستاذ أمين ضبيع وحفيده يوسف ضبيع وابن شقيقه الحاج ربيع سليمان ضبيع بتقديم بعض المعلومات التي اعتمدنا عليها في هذا الموضوع، وبالإضافة إلي ما استطعنا جمعه من بعض الذين عاصروه ، وأيضًا علي ما جادت به الذاكرة رغم صغر سني ؛ إذ توفي وأنا في الثانية عشرة ولم أشهد من جلائل أعماله إلا القيل.
....................................
من هو يوسف ضبيع......؟
..................................
يُعد يوسف ضبيع رائدًا من رواد مدارس الحياة في جديدة المنزلة، إذ أصقلته الحياة بتجاربها مرها وحلوها....واستطاع أن يطوع هذه الحياة لما يراه نافعًا لمجتمعه.
إن يوسف ضبيع نتاج تمازج ثلاث حضارات شهدتها مصر وشكلت تكوينها الحضاري، وسنفهم السبب من خلال سياق كلمات المقال عندما نتناول أعماله حتي لا يصل الظن بأني أُبالغ كثرًا في الكتابة عنه.
أسهم تمازج هذه الحضارات في تكوين شخصيته الفريدة التي تفرد بها عن غيره من معاصريه رفاق العملين العام والتطوعي، وجعلته مشاركًا في كل عمل يحدث، ولا أُبالغ حينما أقول: (إنه كان يساعد في تشكيل الرأي العام للقرية إزاء الأحداث السياسية والاجتماعية).
لم يكن اسمه ( يوسف ) ، وأغلب الظن أنه اكتسبه من اسم شقيق له يحمل نفس الاسم تُوفي في سن صغيرة. وبياناته الشخصية يمكن قراءتها كالتالي:
الاسم: محمد محمد علي ضبيع
الشهرة: يوسف ضبيع
تاريخ الميلاد : 21 ديسمبر 1910
تاريخ الزواج: 5 ديسمبر 1934.
.................
أولاده
...........
له ثلاثة أبناء وبنتان
سليمان محمد علي ضبيع وشهرته شعبان كان مقدم بالقوات المسلحة
حبيب محمد علي ضبيع وكان يعمل موظفا بشركة مياه الشرب بالمنزلة
أمين محمد علي ضبيع وكيل مدرسة المنزلة الثانوية الصناعية ثلاث سنوات
وبناته
حرم المعلم محمد علي علي منصور الشهير بيعقوب منصور
حرم المرحوم محمد أحمد علي فهيد
أشقاؤه
وكان له شقيق واحد هو سليمان محمد ضبيع وشقيقة حرم المرحوم يوسف يوسف عبدالله
وينتمي الحاج يوسف ضبيع لأحد البيوتات العريقة في جديدة المنزلة.....رجل عصامي اعتمد علي نفسه بنفسه، وسعي إلي تأكيد ذاته رغم أنه لم ينل حظًا من التعليم كغيره من أبناء الريف في مطلع القرن الماضين، وذلك لعدم انتشار التعليم بصورة كبيرة في الريف ، واقتصاره علي أبناء الطبقة العليا والميسورين في المدن، وأحيانًا أصحاب الأملاك في القري ..ولو قُدر له الحصول علي قدر من التعليم لكان له شأن آخر، فهو يحب العمل ويتفاني فيه ، ويتمتع بشخصية قيادية وكاريزمية تلقي قبولًا لدي الجميع...وعلي الرغم من بساطة تعليمه، لكنه كان صاحب بصمة علي الجميع.
................................................
يوسف ضبيع والتعليم في جديدة المنزلة
...........................................
علي الرغم من تعليمه البسيط ، وأنه كان عاملًا في مدرسة جديدة المنزلة الابتدائية، لكنه فاق أصحاب الشهادات العليا في بصماته الواضحة علي العملية التعليمية في جديدة المنزلة، ولولاه لزادت نسبة التسرب من التعليم وتفشت الأمية في الكثير من بيوت القرية.
أكسبه تفانيه في العمل وحرصه علي تعليم أبناء بلدته احترام وتقدير كل العاملين في الحقل التعليمي؛ سواءًا داخل القرية أو خارجها.
فقد تأسست المدرسة علي يديه؛ إذ كان يتعهد بها وحده في نظافتها وجمالها( بفصولها الستة ووملحقاتها) حتي شهد له الجميع بتفانيه وحبه لعمل.
ليس ذلك فقط لأن ذلك يعتبر من صميم عمله، لكن ما الذي يجعله حريصًا علي أبناء قريته ، ومنع تسربهم من التعليم...؟ غير أنه يحب القرية وأبناء قريته
وما الذي يجعله يجوب القرية شرقها وغربها...بل ويطرق أبواب البيوت....ويذهب إلي الحقول ليحضر المتسربين من التعليم وإلزامهم بالحضور والالتزام..؟.....
وهذا كان له أكبر الأثر في توعية أبناء القرية بأهمية التعليم ، والدور الأكبر في رفع المستوي التعليمي للقرية. ويشهد له الجميع ممن تعلموا وحصلوا علي أعلي الشهادات في القرية.
شهدت المدرسة جمالًا وتأنقًا ، مزدانة ومكسوة بالخضرة والأزهار الجميلة التي كان يحرص علي زراعتها داخل المدرسة وفي محيطها.
كان حريصًا علي توعية التلاميذ بأمور دينهم؛ فعمل علي إنشاء المُصلي الخاص بالمدرسة الابتدائية، وأخذ يعلم التلاميذ كيفية الوضوء والصلاة لغرس الدين في نفوسهم.
لقد كان يوسف ضبيع اسمًا كبيرًا في مدرسة جديدة المنزلة الابتدائية، ولا تُذكر المدرسة إلا ويُذكر معها يوسف ضبيع...تجد بصماته في كل مكان في المدرسة قبل هدمها وإعادة بنائها مرة أخري علي شكلها الحالي.
فهو يحتاج إلي أن يُخلد اسمه وتكريمه من المدرسة، بل وأن يُطلق اسمه علي أي وحدة فيها باسمه؛ ليعرف التلاميذ من هو يوسف ضبيع، وينال التكريم الذي يليق به كأحد الذين أثروا العملية التعليمية جنبًا إلي جنب مع الرواد الذين بنوا هذا الصرح العظيم.
.................................................
يوسف ضبيع في العملين العام والتطوعي
............................................
لم ينفصل يوسف ضبيع يوما عن مجتمعه ويلزم صومعته تاركً ما لقيصر لقيصر، ولكن حب القرية وحبه للناس اللذين يسريان في كيانه دفعاه إلي العمل علي النهوض بالقرية وجعلها أفضل القري...كان لا يترك مجالًا إلا ويخوض العمل فيه... ويدعو أبناء القرية إلي المشاركة.
كنت تراه أحيانًا ( محتسبًا) يجوب الشوارع وينظم الحياة في القرية، ويمنع قطع الطريق ويُسدي النصح للجميع؛ فتجد آذانًا صاغية ملؤها الاحترام والتقدير لهذا الرجل....لا تفعل كذا: حاضر..افعل كذا : حاضر.
استطاع أن يكبح جماح المغرورين، ويكسر شوكة الظالمين ، ويروض المتنمرين..كل ذلك بأسلوبه العذب وقوة شخصيته وحب الناس وتقديرهم له؛ فتقصر المسافات وتلين القلوب ويقتنع المتعصبون.
ما أحوجنا هذه الأيام إلي مثل هذا الرجل ؛ لتلتف القرية حوله وتكون علي قلب رجل واحد.
إن حرصه علي المال العام عندما كان يمنع من الإسراف أثناء السير في الطريق، وينهر النسوة اللائي يسرفن في استخدام مياه الحنفيات العمومية المنتشرة في أماكن متفرقة من القرية، وكذا الأطفال الذين يسرفون في استخدام حنفيات المسجد ويعبثون بها.
كان حريصأ علي أن تدخل القرية المياه النظيفة، ، وكذا السعي لدي المسئولين لدخول كهرباء السد العالي، وقد تم ذلك بفضل جهوده مع رفقاء العمل العام في القرية..وسنكرهم جميعًا في مقالات لاحقة للتعريف بهم، ومنهم الحاج سليمان درغام الذي أفردنا له مقالًا منشورًا في المجموعة.
........................................
يوسف ضبيع ودروس في الوطنية
......................................
ليست الوطنية كلم تُقال، ولكنها تظهر في أفعالنا وحبنا للوطن....وإن يوسف ضبيع خير مثال علي ذلك في كل عمل وطني كنت تراه يتقدم لصفوف؛ مدفوعًا بغيرة وحبه لوطنه وأبناء وطنه.
من أعظم المواقف التي تعبر عن وطنية وإنسانية يوسف ضبيع دوره البارز في احتضان ومساعدة المهجرين من أبناء بورسعيد ، تاركين بلدهم بسبب تعرضهم للهجوم المتكرر أثناء الحروب.
كان يجمع التبرعات والمساعدات لهؤلاء المهجرين ويطرق الأبواب ليتبرع أبناء القرية بما يفيض عن حاجتهم من ملابس وغذاء للمهجرين.
ولن ينسي التاريخ له دوره العظيم بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر؛ إذ حرص علي عمل جنازة شعبية موازية لجنازته في القاهرة..عمل له جنازة مهيبة طافت جميع شوارع القرية حزنًا علي هذا الزعيم.
ولتأكيد الانتماء للحضارة الفرعونية الضاربة بجذورها في القدمن وتذكير أبناء القرية بهذه الحضارة وبأصلهم الفرعوني وعراقتهم التي يشهدها التاريخ..صمم أجارًا صغيرة وشكل منها الأهرانات الثلاثة في حجم صغير..ووضعها نصب أعين التلاميذ في المدرسة ؛ ليعرفوا حضارتهم وأنهم أصل الحضارة ...ولا ندري أين ذهب هذا الأثر العظيم...؟..ولماذا تم التفريط فيه بهذه السهولة...؟
.................................
جنازة مهيبة وحضور طلابي
..................................
وفي السابع عشر من أبريل عام 1982 ، يُسدل الستار علي فترة مهمة من تاريخ القرية ، ويرحل عن عالمنا أحد روادها الذين أثروا في كل منحي من مناحي الحياة فيها...تاركًا وراءه إرثًا اجتماعيًا وأخلاقيًا سارت القرية علي نهجه سنوات طويلة، قبل أن تغزوها الفوضي والأنانية والعشوائية الأخلاقية.
شهدت جنازته توافد المشيعين من كل حدب وصوب إيمانًا بفضل هذا الرجل وجلائل أعماله في جديدة المنزلة، وبصماته الواضحة في كل شبر علي أرضها وعلي كل شخص تخرج في مدرسة جديدة المنزلة الابتدائية.....
وأتذكر وأنا في الصف السادس الابتدائي فور وصول نبأ وفاة الحاج يوسف ضايع تعطلت الدراسة في الصفين الخامس .السادس الابتدائي وذلك بحضور جنازة المغفور له- بإذن الله-....
خرجنا من المدرسة .....حاملين سعفات صغيرة من جريد النخل في صفوف منتظمة خلف الجنازة ...وكان هناك طالب يحمل طبلة ،وأخد يطرق عليها طرقا خفيفيفة بإيقاع منتظم ....أشبه بالجنازات العسكرية...ولم يتكرر هذا المشهد بعد ذلك ،ولم يحدث مع شخصية اخري في جديدة المنزلة
...........................................
يوسف ضيبع في الذاكره الجديداوية
............................................
تفخر كل بأبنائها البارزين في مختلف المجالات...وسجل بلدتنا عامر بالأسماء البارزة....
والآن .............
أما آن لنا أن نُكرم هذه الأسماء ، ونحيي ذكراها لتكون محفورة في الذاكرة الجديداوية.... لا أنكر أنه تم تكريم بعض الأسماء في القرية..ولكنني أخص بالذكر هنا المرحوم يوسف ضبيع، الذي يحتاج أن نكرمه ونخلد اسمه كأحد رموز جديدة المنزلة.....
ودعوة منا موجهة لكل المؤسسات في القرية أن تقوم بتكريم هذا الرجل التكريم الذي يليق باسمه وبأعماله البارزة في القرية....
ما الذي يمنع من أن نطلق اسمه علي ركن أو مكان في مدارس القرية الثلاث...أو تسمية المكتبة باسمه، أو معمل العلوم أو قاعة الاجتماعات، أو أي ركن في مركز الشباب مع التكريم اللائق لتخليد اسمه...؟!
وهناك اقتراح لعائلة المرحوم وخصوصا ابنه الأستاذ أمين ضبيع وأحفاده بعمل تكريماترمزية في كل عام باسمه في صورة تقديم جوائز رمزية أو شهادات تقديرية باسمه في بعض المجالات.
فمثلًا تكريم حافظي القرآن الكريم ،أو الأوائل في مختلف الشهادات... ونأمل أن يكون هذا التكريم سنويا في ذكري مولده أو ذكري وفاته...وهذا ليس ببعيد عن رجال ورثوا حب الخير والعمل التطوعي عن أبيهم، وكذا أحفاده الذين ورثوا هذا أيضا.
....................
وفي النهاية
ندعو الله – عز وجل- أن يتغمد هذا الرجل النبيل بواسع مغفرته ورحمته، وأن يجعله من أهل الفردوس الأعلي مع النبيين والصديقين والشهداء.
ونتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل من ساعدنا، و قدم لنا تعريفًا أو معلومة عن هذا الرجل المخلص لمجتمعه وبلده..وجزاهم الله عنا خير الجزاء.
ونخص بالذكر كلًا من
الأستاذ / أمين يوسف ضبيع
الحاج/ ربيع سليمان ضبيع
الحاج/ محمد إسماعيل درغام
الأستاذ / إبراهيم الكفافي
الدكتور/ محمد رفعت الإمام ضبيع
الأستاذ / يوسف حبيب ضبيع