الأرمن زراع وصناع
صفحة 1 من اصل 1
الأرمن زراع وصناع
الأرمن زراع وصناع
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد 89 – مايو 2005
.......
أسهم الأرمن في الزراعة المصرية خلال حكم محمد علي كأخصائيين انتدبتهم الحكومة لاسيما خبراء زراعة النيلة التي تعد من المحاصيل المربحة رغم كثرة تكاليفها ، وكانت من أوائل المحاصيل التي احتكرها الباشا ( 1816) ومنحها قسطا كبيرا من اهتمامه وكانت مصر تزرع النيلة البلدية قبل محمد علي الذي استورد إلي جانبها بذور النيلة علي نطاق واسع .إذ كان معظم المبعوثين لاستيراد تقاوي النيلة وشتلاتها من الأرمن الذين تحصبوا عليها من بني جنسهم ذوي الخبرة والشهرة في هذا المجال في أزمير وقبرص والمورة وقيصرية . واستدعي محمد علي عددا من الأرمن الأخصائيين في زراعة النيلة ( منهم أربعين أسرة من البنغال بالهند) ليعلموا المصريين زراعتها بأحدث الوسائل .
وبذا تزايد محصول النيلة باستمرار أثر استيراد أجود الأصناف وانتداب أمهر الخبراء لزراعتها ، وقد ارتفعت أسعار النيلة عام 1830 فوسعت الحكومة من المساحات المنزرعة واشترت جميع التقاوي الموجودة لدي الأهالي، بل واستوردت التقاوي اللازمة للعام التالي من بعض الجهات مثل أزمير، وظل المحصول يتزايد بكثرة حتي عام 1837 .ومنذ عام 1838 انخفضت المساحات المزروعة بسبب مزاحمة النيلة الرخيصة القادمة من الهند إثر تطبيق اتفاقية بلطمة ليمان التجارية التي عقدتها بريطانيا مع الدولة العثمانية بهدف ضرب نظام محمد علي الاحتكاري. عندئذ عاد الخبراء الأرمن وتدهورت جودة الصنف .
كما اشتغل الأرمن أخصائيين بزراعة الأفيون الذي كان يستخدم في إعداد بعض الأدوية ، وقد تشجع محمد علي لزراعة هذا النوع من المحاصيل النقدية فأصدر أوامره إلي بوغوص بك يوسفيان في عام 1832 بضرورة جلب التقاوي لزراعة خمسة آلاف فدان بالوجه القلي وإحضار عشرين نفرا من الخبراء بزراعته ، وفعلا جاء إلي مصر خلال العام التالي ( 1824) عددا من الأرمن الأزميريين الخبراء في زراعة الأفيون. وقد كانت نماذج الأفيون التي زرعوها خصوصا " أفيون طيبة" ذات شهرة في الأسواق الأوربية . وبسبب بلطمة ليمان أيضا انخفض إنتاج الأفيون مع مطلع أربعينات القرن التاسع عشر حتي تنحي تماما من قائمة الصادرات بحلول عام 1845 . بيد أن أشهر إسهامات الأرمن في الزراعة المصرية حلال حكم محمد علي هي إدخال أشجار الماندارين بواسطة هوفسيب باليان الشهير بيوسف أفندي الأرمني . ففي عام 1826 أرسل يوسف أفندي إلي روفيل بفرنسا ضمن البعثة التعليمية الأولي لاستكمال دراساته العليا في علم الزراعة . وعند عودته إلي مصر عام 1832 تعطلت السفينة في مالطة ،فبقي ثلاثة أسابيع مرت خلالها سفينة من الشرق الأقصى تحمل مشاتل من الماندارين وفاكهته ، وقد لاحظ يوسف أفندي أنها سهلة التقشير وجميلة المذاق، فاشتري منها ثمانية مشاتل وعشرة صناديق. وعندما وصل إلي مصر وعرضها علي الباشا الذي أعجب بها وأمر بزراعتها في ضياعه الخاصة بشبرا واضعا يوسف أفندي مسئولا عنها، كما أمر بتسمية هذه الفاكهة باسم جالبها لكي تعرف الأجيال القادمة أن محمد علي يعترف بجميل هؤلاء الذين يخدمون مصر بحب وتفان . وبهذا جلب يوسف أفندي الأرمني فاكهة الماندارين من الخارج وزرعها في مصر. وقد أطلق عليها الفلاحون آنذاك اسم " برتقال يوسف أفندي" وعرف فيما بعد باسم " يوسف أفندي" آو اليوسفي . كما عرف في الآستانة باسم " يوسف جك".
وهكذا لم يترك الأخصائيون الزراعيون الأرمن تأثيرا علي الإنتاج المصري إذ بمغادرتهم اختفت الإسهامات التي أدوها للزراعة المصرية عدا أشجار الماندارين التي أدخلها يوسف أفندي الأرمني . كما ظهر الأرمن في ميدان الصناعة كأسطوات وأخصائيين . ففي عام 1818 تأسس بالخرنفش أول مصنع لإنتاج الحرير ولكنه لم يعط الإنتاج المنتظر، ثم أقيمت المحاولة الثانية في مصنع بركة الفيل تحت إدارة الأرمن المنتدبين من الآستانة وكان مطلوبا منهم تنظيم الإنتاج وتعليم أبناء البلد صناعة الحرير مثلما يصنع في الآستانة والهند، كما شيدت عدة مبيضات في شبرا وبولاق وشبين والمحلة الكبري والمنصورة لتبييض المنسوجات وطبعها بالألوان المختلفة . وقد اشتغل بعض الأسطوات الأرمن بهذه المبيضات ، وارتبط تصنيع اليازمات ( الطرح ) بالأسطوات الأرمن القادمين من الآستانة وهكذا ظهر الأرمن كأسطوات وأخصائيين منتدبين إلي حكومة الباشا ؛ليمارسوا صناعة محددة تتطلبها السوق وفقا لسياسة الاقتصاد الموجه
.......................................................................................................
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد 89 – مايو 2005
.......
أسهم الأرمن في الزراعة المصرية خلال حكم محمد علي كأخصائيين انتدبتهم الحكومة لاسيما خبراء زراعة النيلة التي تعد من المحاصيل المربحة رغم كثرة تكاليفها ، وكانت من أوائل المحاصيل التي احتكرها الباشا ( 1816) ومنحها قسطا كبيرا من اهتمامه وكانت مصر تزرع النيلة البلدية قبل محمد علي الذي استورد إلي جانبها بذور النيلة علي نطاق واسع .إذ كان معظم المبعوثين لاستيراد تقاوي النيلة وشتلاتها من الأرمن الذين تحصبوا عليها من بني جنسهم ذوي الخبرة والشهرة في هذا المجال في أزمير وقبرص والمورة وقيصرية . واستدعي محمد علي عددا من الأرمن الأخصائيين في زراعة النيلة ( منهم أربعين أسرة من البنغال بالهند) ليعلموا المصريين زراعتها بأحدث الوسائل .
وبذا تزايد محصول النيلة باستمرار أثر استيراد أجود الأصناف وانتداب أمهر الخبراء لزراعتها ، وقد ارتفعت أسعار النيلة عام 1830 فوسعت الحكومة من المساحات المنزرعة واشترت جميع التقاوي الموجودة لدي الأهالي، بل واستوردت التقاوي اللازمة للعام التالي من بعض الجهات مثل أزمير، وظل المحصول يتزايد بكثرة حتي عام 1837 .ومنذ عام 1838 انخفضت المساحات المزروعة بسبب مزاحمة النيلة الرخيصة القادمة من الهند إثر تطبيق اتفاقية بلطمة ليمان التجارية التي عقدتها بريطانيا مع الدولة العثمانية بهدف ضرب نظام محمد علي الاحتكاري. عندئذ عاد الخبراء الأرمن وتدهورت جودة الصنف .
كما اشتغل الأرمن أخصائيين بزراعة الأفيون الذي كان يستخدم في إعداد بعض الأدوية ، وقد تشجع محمد علي لزراعة هذا النوع من المحاصيل النقدية فأصدر أوامره إلي بوغوص بك يوسفيان في عام 1832 بضرورة جلب التقاوي لزراعة خمسة آلاف فدان بالوجه القلي وإحضار عشرين نفرا من الخبراء بزراعته ، وفعلا جاء إلي مصر خلال العام التالي ( 1824) عددا من الأرمن الأزميريين الخبراء في زراعة الأفيون. وقد كانت نماذج الأفيون التي زرعوها خصوصا " أفيون طيبة" ذات شهرة في الأسواق الأوربية . وبسبب بلطمة ليمان أيضا انخفض إنتاج الأفيون مع مطلع أربعينات القرن التاسع عشر حتي تنحي تماما من قائمة الصادرات بحلول عام 1845 . بيد أن أشهر إسهامات الأرمن في الزراعة المصرية حلال حكم محمد علي هي إدخال أشجار الماندارين بواسطة هوفسيب باليان الشهير بيوسف أفندي الأرمني . ففي عام 1826 أرسل يوسف أفندي إلي روفيل بفرنسا ضمن البعثة التعليمية الأولي لاستكمال دراساته العليا في علم الزراعة . وعند عودته إلي مصر عام 1832 تعطلت السفينة في مالطة ،فبقي ثلاثة أسابيع مرت خلالها سفينة من الشرق الأقصى تحمل مشاتل من الماندارين وفاكهته ، وقد لاحظ يوسف أفندي أنها سهلة التقشير وجميلة المذاق، فاشتري منها ثمانية مشاتل وعشرة صناديق. وعندما وصل إلي مصر وعرضها علي الباشا الذي أعجب بها وأمر بزراعتها في ضياعه الخاصة بشبرا واضعا يوسف أفندي مسئولا عنها، كما أمر بتسمية هذه الفاكهة باسم جالبها لكي تعرف الأجيال القادمة أن محمد علي يعترف بجميل هؤلاء الذين يخدمون مصر بحب وتفان . وبهذا جلب يوسف أفندي الأرمني فاكهة الماندارين من الخارج وزرعها في مصر. وقد أطلق عليها الفلاحون آنذاك اسم " برتقال يوسف أفندي" وعرف فيما بعد باسم " يوسف أفندي" آو اليوسفي . كما عرف في الآستانة باسم " يوسف جك".
وهكذا لم يترك الأخصائيون الزراعيون الأرمن تأثيرا علي الإنتاج المصري إذ بمغادرتهم اختفت الإسهامات التي أدوها للزراعة المصرية عدا أشجار الماندارين التي أدخلها يوسف أفندي الأرمني . كما ظهر الأرمن في ميدان الصناعة كأسطوات وأخصائيين . ففي عام 1818 تأسس بالخرنفش أول مصنع لإنتاج الحرير ولكنه لم يعط الإنتاج المنتظر، ثم أقيمت المحاولة الثانية في مصنع بركة الفيل تحت إدارة الأرمن المنتدبين من الآستانة وكان مطلوبا منهم تنظيم الإنتاج وتعليم أبناء البلد صناعة الحرير مثلما يصنع في الآستانة والهند، كما شيدت عدة مبيضات في شبرا وبولاق وشبين والمحلة الكبري والمنصورة لتبييض المنسوجات وطبعها بالألوان المختلفة . وقد اشتغل بعض الأسطوات الأرمن بهذه المبيضات ، وارتبط تصنيع اليازمات ( الطرح ) بالأسطوات الأرمن القادمين من الآستانة وهكذا ظهر الأرمن كأسطوات وأخصائيين منتدبين إلي حكومة الباشا ؛ليمارسوا صناعة محددة تتطلبها السوق وفقا لسياسة الاقتصاد الموجه
.......................................................................................................
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» الأرمن في البلاط
» الأرمن والصهاينة
» بين الأرمن واليهود
» الأرمن : تواصل عرقي
» المصريون الأرمن والإسكندرية
» الأرمن والصهاينة
» بين الأرمن واليهود
» الأرمن : تواصل عرقي
» المصريون الأرمن والإسكندرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin