الأرمن : تواصل عرقي

الأرمن : تواصل عرقي
بقلم : الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد الثاني – فبراير 1998
....................
في رحم الأسطورة : محاولات تطبيع
تذكر أسطورة إغريقية أن اسم :أرمينية" ينسب إلي أرمينوس الإغريقي . وقد صيغت هذه الأسطورة بعد استعمار الإغريق ساحل البحر الأسود وأجزاء من آسيا الصغري لتخدم فكرة طبع " هوية إغريقية" علي جميع سكان المنطقة .
وجدير بالذكر أن مؤرخي الإغريق القدماء قد ذكروا عددا من الروايات التاريخية حول أصول الشعب الأرمني ، فطبقا ل"هيرودوت" في القرن الخامس قبل الميلاد ، عاش الأرمن أساسا في تراقيا وعبروا منها إلي فريجيا بآسيا الصغري ثم تحركوا تدريجيا في اتجاه غرب نهر الفرات إلي ما أصبح يعرف ب"أرمينية".
وطبقا للمؤرخ الجغرافي " سترابو" الذي كتب في القرن الأول قبل الميلاد ، فقد جاء الأرمن من اتجاهين ، أحدهما من الغرب أو فريجيا ، والآخر من الجنوب الشرقي أو منطقة بلاد ما وراء النهرين وزاجروس. وبعبارة أخري لم يكن الأرمن حسب روايات الإغريق القدماء من السكان الأصليين في المنطقة وقد ظهروا خلال الفترة الممتدة من الهجرة الفيرجيه إلى آسيا الصغرى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد حتى الهجوم القمري على أوراردو في القرن الثامن قبل الميلاد وقد أتاح سقوط مملكه أوراردو للأرمن ان يضعوا لأنفسهم موطأ قدم في المنطقة
واستوت علي آراراد:
و بخلاف الإغريق طبقا للروايات الأرمنية الأولى المدونة بين القرنين الخامس والثلاثين الميلاديين في كتابات المؤرخين الكلاسيكيين مثل موفسيس خوريناتسى أبى المؤرخين الأرمن فإن الأرمن ينحدرون من سلائل يافث ابن النبي نوح عليه السلام فبعد أن رست السفينة على جبل أرارد طبقا لما ورد في سفر التكوين: استقرت عائله نوح أولا في أرمينيه ثم تحركت الأجيال التالية جنوبا إلى أرض بابل كان هايج- قائد الأرمن مستاء من استبداد بابل ،فتمرد عليها وقرر العودة إلى أرض السفينة طارده بيل الشرير قائد البابليين وأسفرت الحرب بينهما عن مقتل بيل و تكوين دوله أرمينية. أصبح هايج أول حاكم أرمني و استمر أبناؤه يحكمون الأرمن حتى الملك باروير- حفيد هايج -الذي أسس أول مملكه في أرمينيه وواجه العدو الآشوري.
ندع الأساطير والروايات المؤدلجه جانبا و نولى وجوهنا شطر العلوم الحديثة لنرى ماذا تقول عن أصول الشعب الأرمني..؟.
متحف عرقي
تذهب أدق النظريات العلمية حول أصول الشعب الأرمني إلى أنه خلال النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد قد أصبحت المنطقة التي صارت تسمى" أرمينيه " موطنا لعدد من السكان الذين تباينوا في أصولهم العرقية .
1- السكان الأصليون في المنطقة
وهم من أصل قوقازي - أرمينوي أقاموا مملكة عرفت باسم "أوراديو" وهذه المملكة التي ظهرت قبل أرمينية القديمة عبارة عن اتحاد قبائل محلية ازدهرت منذ القرن التاسع حتي بواكير القرن السادس قبل الميلاد ز وقد نافست آشور بشدة في سبيل السيطرة علي الشرق الأدنى ، وأطلق الآشوريون علي هذه المملكة اسم " أوراديو" ربما نسبة إلي جبل أراراد ز وكانت مدينة فان الواقعة علي شاطئ بحيرة فان عاصمة هذه المملكة.
2- النازحون من البلقان
وهم قبائل من أصول هندو- أوربية نزحوا إلي المنطقة تحت ضغط الجماعات اللإليرية مثل الخوري والموشسكي والإسكيثين الأرميناجان والهاياسا . ويري العلماء المحدثين أن عنصري الأرميناجان والهاياسا يشكلان جزءا هاما في بنية الشعب الأرمني
3- الحيثيون
قام الحيثيون، كعصر عرقي بدور هام في تكوين البنية الأرمنية. فلا يمكن أن يختفي العصر قبل التاريخي لأرمينية دون أن يترك – أثرا ما – في البنية النهائية للشعب الأرمني .
وبذلك غزا النازحون مملكة أوراديو وفرضوا عليها حكمهم . وفي البداية حمل كل عنصر سماته الخاصة ثم مالبثت هذه العناصر أن انصهرت في كيان واحد ، ساهم فيه الأوراد يون بطابعهم الزراعي، في حين ساهم النازحون بلغتهم وبنائهم الاجتماعي المرتكز علي دعائم منظمة جيدا ، وكذا اتسمت هذه العناصر جميعها بطابع حربي .
وهكذا يعد الأرمن نتاج امتزاج جنسي للشعوب آنفة الذكر. وربما يؤيد هذا الرأي ما وصل إليه علماء الأنثربولوجي والبيولوجي والفيلولوجي.
الأنثربولوجي
أجمع كل الأنثروبولوجيين الذين قاموا بدراسة تشريح أرمني: القامة، الرأس، الوجه، الأنف، لون الشعر، العيون، البشرة، أبعاد الصدر، السواعد..إلخ . علي استنتاج مؤداه أن الأرمن نتاج خليط جنسي ،وأنهم احتفظوا ببصمات عناصر جنسية عديدة . ويلاحظ الأنثروبولوجيون وجود خمسة عناصر متباينة بوضوح في التشريح الأرمني ، وهي عناصر تضاهي العناصر في أوروبا من زوايا مختلفة . هذه العناصر هي:

1- العنصر القوقازي – الأرمينوي بنسبة 53%
2- العنصر الألبي بنسبة 22%
3- العناصر الشمالية بنسبة 1%
4- العنصر الديناري بنسبة 9%
5- عناصر أخري بنسبة 6%
وبامتزاج العناصر آنفة الذكر يتشكل الأرمن من البناء الجنسي الآتي :
1- طبقة هائلة منسجمة تمثل 53%
2- طبقة هامة من العنصر قبل الآري تمثل 22 %
3- طبقة نقية من الدماء من عناصر آرية تمثل 25 %
البيولوجي
بدون الدخول في تفاصيل ، انقسم الدم البشري إلي أربع فصائل هي : A-AB-O-B ، وباستثناء الناس المعزولين تماما مثل الإسكيمو الذين يحملون فصيلة O فكل الناس الآخرين يحملون أربع فصائل موزعة بشكل متباين .
وبتحليل الدم الأرمني عن طريق اختبار أشخاص عديدين أسفر عن الآتي :
A = 53% - 46
B=12%-10
AB=14%-5
O=33%-27
يلاحظ هنا أن فصيلة A تظهر بوضوح لدي العناصر الأوروبية وفصيلة B تظهر بين العناصر الآسيوية والإفريقية ، وفصيلة O تظهر في أقدم عناصر في التاريخ، أما فصيلة AB تظهر نسبيا في العناصر السابقة وهكذا، بناء علي النسب المئوية للدم الأرمني ، يصنف الأرمن ضمن الشعوب الأوروبية بشكل ملحوظ .
علي أية حال يمكن استنتاج عدد من الملاحظات الهامة بناء علي قائمة تحليل الدم الأرمني :
1- نسبة فصيلة O تكون ضئيلة في الأرمن ، إذ لا تتعد 33% إلي أقصي حد . الشيء الهام هنا أن هذه النسبة تكون الأقل بين جميع شعوب العالم ، وهذا يعني أن الشعب الأرمني مكون بشكل جوهري من عناصر حديثة . ويدعم هذا الاستنتاج النظرية المرتكزة علي الحفريات الأثرية بأن سكان الهضبة الأرمنية فيما قبل التاريخ قد اختفوا أو انحرفوا مع تكوين العنصر الأرمينو- قوقازي في الألف الثالث قبل الميلاد تقريبا .
2- بالنسبة للعدد الأكبر من فصيلة A إذا صنفنا شعوب العالم المختلفة طبقا لنسبة الفصيلة A سوف نعلم أن الأرمن يشغلون المكانة الثالثة بعد البرتغاليين(52%) والنرويجيين (50%) مباشرة . وتثبت هذه الظاهرة أن النموذج الأوروبي هو الذي يسود بشكل جوهري في البنية البيولوجية للشعب الأرمني.
3- بالنسبة لفصيلة A وفصيلة AB الأعلي في العالم سوف نري أنه حتي في الظروف غير المواتية ، فبالنسبة لا تقل عن 65 % ، وهي أعلي نسبة في العالم ، ولأن فصيلة AB ربما تعد مشتقة من فصيلة A ، فبالنسبة الإجمالية المتحدة في الشعب الأرمني نثبت أنهم نتاج خليط من العناصر الأوروبية الأكثر نموذجية في العالم .
الفيلولوجي
أما بالنسبة لفقه اللغة Philology ، فبعد مناقشات طويلة ، تصنف اللغة الأرمنية كفرع مستقل ضمن المجموعة الغربية من اللغات الهندو- أوروبية. وقد أجريت تجارب عديدة لمقارنة اللغة الأرمنية مع غيرها من اللغات. وعموما تسود وجهة النظر القائلة بأن اللغة الأرمنية مرتبطة علي نحو قريب جدا باللغات التراقية والفريجية والآرية القديمة ، ومتأثرة بشكل قوي باللغات اليونانية والفارسية ، كما تظهر فيها بصمات اللغتين الليدية والسريانية وأخيرا تركت اللغة الأورادية بصماتها علي اللغة الأرمنية في عدم وجود الجنس ( تذكير وتأنيث) ووجود 3400 كلمة فضلا عن خصوصيات نحوية ثانوية .
وهكذا ، فإن وجود بصمات لغوية عديدة علي اللغة الأرمنية يؤكد استنتاج أن الأرمن خليط عدة عناصر عرقية ولغوية .
والثابت إثنيا ، أنه لا توجد شعوب نقية الدماء علي نحو مطلق . ورغم هذا يعد الأرمن من أقل العناصر المخلطة في العالم ، ويرجع هذا إلي ان عملية تكوين الشعب الأرمني لم تستغرق فترة طويلة. كما أن أرمينية معزولة جغرافيا عن العالم الخارجي بحدود طبيعية صارمة . وكذا ، فإن اتجاه الأرمن إلي الانعزال في مسائل دينية قد دعم هذه المسألة ، ناهيك عن تشبثهم بالزواج فيما بينهم فقط في الغالب.
مسميات المكان والسكان
أطلق أبناء الشعب الجديد علي أنفسهم "هاي" Hai وعلي بلدهم " هايستان ". ويرجح بأن كلمة هاي مأخوذة عن اسم قبيلة هاياسا Hayasa التي تشكل جزءا كبيرا في بنية الشعب الأرمني ، وأنها مشتقة من كلمة Pati أو Khati وهي اسم وطني للحيثيين وتعني الكلمتان " رئيس" أو " أمير" . ويري علماء فقه اللغة أن كلمة Pati ومنها Peter ( الأب) قد تطورت إلي كلمة Hair بالأرمنية حيث تحول حرف " P " إلي " H " وحرف " T " إلي " I " .
أما Armeniaفهو الاسم الذي أطلقه الفرس علي منطقة هايستان ، وربما اشتقوه من اسم قبيلة أرميناجان Armenagan ، وانتقلت هذه الكلمة عن طريقهم إلي اليونانيين الذين أسموهم Armenioi ثم انتقلت عن طريق الأخيرين إلي معظم لغات العالم فصارت تكتب Armenia بالإنجليزية وArménie بالفرنسية . وهكذا .
وأطلق الآراميون علي أرمينية اسم "هارمينياب" Harmiinyab وأطلق عليها الآشوريون اسم " أرمانيا " أو" أرمينارا" وسماها الجورجيون " سوميختي " Somekheti وكناها الأتراك باسم " إرمنستان " Ermenistan .
وجدير بالذكر أن كلمة Armenia قد دخلت اللغة العربية وصارت تكتب بتاء مربوطة في آخرها ، وتشكل بفتح أو كسر أولها ثم سكون الراء وكسر الميم وياء ساكنة وكسر النون وياء خفيفة مفتوحة ، وأصبحت بالنسبة إليها أرمني وأرمنية علي غير قياس بدلا من أرميني وأرمينية والجمع أرمن بفتح الميم .