البحر بيضحك ليه...والبحر في جديدة المنزلة زمان

البحر بيضحك ليه...والبحر في جديدة المنزلة زمان
............................................
البحر بيضحك ليه... وأنا ماشية اتدلع املا القلل........أغنية فلكلورية تعبر عن البحر، وبالطبع ليس المقصود بالبحر هنا البحر بمفهومه الجغرافي، ولكن نهر وكل ما يتفرع منه من ترع ومصارف وقنوات.. ويذكر بعض المفسرين أن نهر النيل ورد في القرآن الكريم باسم اليم،وذلك عندما أوحي الله عز وجل- ليوكابد أم موسي عليه السلام((وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7 )) (القصص:7 )....، ووعندما طلبت من ابنتها مريم أن تتبع التابوت((وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)) (القصص: 11) وأعتقد لن يكون البحر بمفهومه الجغرافي المعروف لصعوبة تتبعه..فالبحرالمقصود هنا هو نهر النيل.
وقد قدس قدماء المصريين نهر النيل ، وجعلوا له يوم سنويًا للاحتفال به كل عام( وفاء النيل)،وقصة عروس النيل التي تلقي فيه والاختلاف حول حقيقتها هل هي تمثال أم عذراء حية....؟..وكان المصريون القدماء يقسمون علي أن يحافظوا علي نهر النيل، وألا يلوثوه او يلقوا فيه القاذورات أو الحيوانات الميتة.
واستطاع نهر النيل أن ينقل المصريين نقلة حضارية كبيرة، وحافظ علي استقرار المصريين واستقرار الزراعة وتنوع المحاصيلن وكذا اهتم حكام مصر وأمراء الأقاليم عبر العصور علي شق الترع والمصارف والقنوات لتسهيل ري الأراضي والتوسع في الزراعة.
وسنقتصر في هذا المقال في الحديث عن البحر في جديدة المنزلة بشكله القديم إلي أن وصل إلي شكله الحالي ،وسنُعطي له وصفًا دقيقًا معتمدين علي الذاكرة .
ومن الواضح جدًا أن بحر القرية حديث العهد ، ولم يستمر طويلًا حتي تم ردمه كغيره من الترع في قري مصر المحروسة ، وذلك بعد انتشار التلوث فاتبعت الحكومة سياسة الصرف المغطي للقضاء علي التلوث الذي أصاب مياه الترع.
والبحر في الأساس متفرع من ترعة رئيسية ممتدة من الجمالية وحتي عزبة ( أبو الأخضر) تسمي ( ترعة أبو الأخضر)..واختلفت المسميات حول ترعة القرية ، حيث يختلط لدي البعض اسم الترعة ما بين ( ترعة العامرة) و( ترعة أبو عامر) و( البحر الصغير)..وإن كان الاسم الحقيقي لبحر القرية هو ( ترعة أبو عامر)، وذلك واضح جدا من خلال اللوحة المثبتة علي كوبري ميزانية العامرة التي تتفرع منها ترعتنا، وكذا اللوحة المثبتة علي كوبري القرية القديم بين الجديدة والفروسات قبل هدمه.
ويُنسب اسم الترعة إلي ( أبو عامر) صاحب الأراضي الكثيرة في منطقة الرياح في مدينة المنزلة في مكان مدرسة المنزلة الصناعية بموقعها الحالي والأراضي المحيطة بها ،والأراضي أمامها قبل بناء المساكن الشعبية بعد ثورة يوليو 1952 .
ونخلص من ذلك أن الاسم الذي يُطلق علي بحر القرية( ترعة أبو عامر)؛ ليتم توثيق هذه المعلومة حتي لا تضيع مع غيرها من المعلومات التي ضاعت بسبب غياب التوثيق ، والتفريط في أرشيفات كثيرة في مجلس مدينة المنزلة ،وأيضًا إدارة المنزلة التعليمية التي ضاع أغلب أرشيفها بسبب التنقل عبر أماكن مختلفة.
ونود أن نلفت النظر أن ترعتنا ليست البحر الصغير، الذي وصلت الحملة الفرنسية المطرية عن طريقه ، ولكن العلاقة بين قريتنا وبين البحر الصغير هو تقريبًا ( خندق الصفرا) الذي كان يُغذي القرية، وتعتمد فيه علي ري الأراضي الزراعية، ولم يبق منه غير شكله الحالي المعروف به ، وهذه المعلومة يؤكدها بعض الإخباريين في القرية.
ويبدأ البحر( ترعة أبو عامر)...(وسنذكره في المقال باسم البحر) بشكله الذي عرفه الفلاحون من عند ميزانية العامرة أمام غيط ( العاطل) عند مسجد العامرة ، ويختلف في اتساعه من منطقة لأخري.
يبدأ ضيقًا جدًا عند منطقة العاطل، ثم يبدأ في الاتساع تدريجيًا حتي غيط الحاج السيد عجوة.
ويضيق شيئًا فشيئًا بمساحة صغيرة جدًا من أمام غيط الحاج عبده إمبابي حتي أمام غيط الحاج إبراهيم عجوة حتي الشيخ مراد، وتتسع مساحته كثيرًا تكاد تقترب من مساحته الأولي كما عند غيط السيد عجوة.
وتُعد هذه المنطقة تقربًا من أعمق المناطق عبر امتدا هذا البحر، ويستمر الاتساع حتي طريق الوسط مابين الشيخ مراد وماكينة الحسينة عند الجميزة الضخمة.
ويضيق البحر بعد ذلك بداية من طريق الوسط مرورًا بمزرعة قورة حتي منزل الحاج السيد فهيد ومصنع الطوب وحارة الصاوي، ويأخذ طريقه في الاتساع أمام ماكينة رحمو للطحين، حتي منزل الحاج حسن الشبيني حتي الكوبري القديم بين الجديدة والفروسات.
يبدأ الاتساع مرة أخري بداية من منزل الحاج الدسوقي البرعي مرورًا بمنزل الأستاذ محمود عبد المجيد الأمير حتي منزل الشيخ عبد الرحمن غزال.
وتضيق المساحة مرة أخري بعد منزل الشيخ عبد الرحمن غزال مرورًا بمعمل محلب( الصيدلية الحالية ومنزل الحاج محمد الحسيني الشبيني)حتي مركز الشباب القديم بمنزل الحاج السعيد حراز.
يأخذ البحر في الاتساع مرة أخري بعد منزل الحاج السعيد حراز بداية من الشارع الموصل لحارة المدرسة ، ليصل إلي اتساع كبير ، ويتفرع منه خندق في الفروسات إلي منطقة الحسام، ويعود مرة أخري إلي صغر مساحته من أمام منزل المرحوم محمد حمزة إمبابي حتي منزل الحاج إسماعيل البرلسي.
بعد منزل الحاج إسماعيل البرلسي يبدأ الاتساع مرة أخري من أمام منزل المرحوم يوسف غزال لمسافة أقل من خمسة وعشرين مترًا تقريبًا حتي كافتريا الفراعنة في مكانها الحالي أمام منزل المرحوم عيسي بدوي المشد.
تضيق هذه المساحة وتتفاوت من منطقة لأخري، وهذه المرة يستمر الضيق من عند منزل المرحوم عيسي بدوي المشد مرورًا بغيط البرلسية والشامي والضبايعة وكوبري السكة الحديدة ويبدأ في الاتساع قبل السد الترابي عند المجيرة( مكان لبيع الجير).
بعدها تتفاوت المساحة بين الضيق والاتساع ،وإن كانت تتسع قليلًا من أمام منزل الحاج نسيم الأمير حتي غيط العزايلة، ثم تأخذ في الضيق مرورا بالخزان حتي منطقة الرياح حيث ينتهي البحر.
كان امتلاء البحر بالمياه يبعث في سكان القرية الأمل والتفاؤل، وعندما نسير في الصباح علي طريق البحر قبل شروق الشمس كنا نتنسم روائح ذكية نشعر وكأنها تبعث علي التفاؤل والاستبشار بالخير؛ لأن الفلاحين سيروون أراضيهم.
كانت المياه تشهد أحيانًا ارتفاعًا غير عادي حتي تكاد تصل إلي الطريق دون ضيق أو تبرم من الأهالي ؛ فذلك دليل علي الخير الذي سيغمر القرية .
وتمتد الخنادق وماكينات الري بطول طريق البحر من بدايته عند العاطل وحتي نهايته ، والخنادق تسمح بمرور المياه او للصرف علي عمق كبير، وأشهرها خندق الصفرا، وخندق الكوبري القديم الذي كان يمر بجوار منزل الحاج حسن الشبيني ، وقبل تطوير المسجد الحالي كان المصلون يعتمدون عليه في الوضوء عن طريق مصاطب خلف المسجد القديم، وكانت النسوة يستخدمنه في الاستحمام في ساعات متأخرة من الليل بعيدًا عن تلصص عيون الرجال.
وتمتد المياه عبر ماسورة ضخمة أسفل الطريق حتي بئر مياه عميقة لكل ماكينة ري وبه ماسورة بطول يصل ألي أكثر من خمسة متر تصعد منها المياه لتضخ إلي أعلي عبر فتحة الماكينة في الحوض الأمامي لتنطلق بعدها عبر القنوات الفرعية التي تروي الأراضي.
تعمل جميع ماكينات الري في وقت واحد مستغلة ارتفاع منسوب مياه البحر لري جميع أراضي القرية، وكل فلاح ينتظر دوره في الري خلال 24 ساعة لا تتعطل فيها الماكينات.
وتميز طريق البحر بالغاب الذي انتشر في أماكن مخصوصة بعينها ،وكان يمتد عند غيط الحاج السيد عجوة مرورا بغيط المرحوم عبده إمبابي حتي غيط الشيخ مراد، و يقل الغاب و يختفي بعدها ؛ ليزيد أم غيط البرلسية مرورًا بغيط الشامي ويقل بعدا ويزيد عند غيط العزايلة.
جاد البحر ببعض الأسماك في أماكن مخصوصة توضع فيها الجوبيات، وخصوصًا في المنطقة الممتدة من أمام غيط الحاج إبراهيم عجوة حتي الشيخ مراد، وأحيانًا كانت تمر بعض المراكب الصغيرة التي ترمي الغزل لصيد الأسماك ويحدث ذلك نادرًا جدًا.
ويحلو للأطفال الصيد بصنارات الغاب، ووضع السمك في مشكاك في المياه: ( المشكاك يتكون من قطعتين صغيريتن من الغاب إحداهما أكبر من الأ.خري لغرسها في الطين ويصل بينهما خيط توضع الأسماك فيه).
وعلي الرغم من التحذيرات من الاستحمام في البحرلتجنب خطر الإصابة بالبلهارسيا، إلا أن الأطفال كانوا يستحمون في البحر..ومن الاماكن الشهيرة للاستحمام عند العاطل أمام مسجد العامرة وامام مصلية الحاج السيد عجوة ومصلية الحاج إبراهيم عجوة وعند الشيخ مراد وعند مصلية الحسينة عند مزرعة قورة وعند منزل الحاج السيد فهيد وعند الكوبري القديم وعند غيط البرلسية.كما اعتمد الفلاحون في القرية علي مياه البحر في سقي و تنظيف المواشي .
واعتمدت ربات البيوت في القرية علي غسل الأواني( المواعين) في البحر ، وأثاء سيرك علي طريق البحر ستجد عبر شاطئيه النسوة مصطفات من العاطل وجتي الكوبري القديم وقليلًا بعده.
كان منظرًا عاديًا جدًا ان تحمل ربة المنزل أو إحدي بنات الأسرة كل الأواني لغسلها ف البحر في الصباح ، وبعد العصر...وكذا غسل الملابس ، وكل ذلك لغياب الماء النظيف عن منازل القرية قبل توصيلها مع مطلع ثمانينيات القرن الماضين واختفت هذه ىالظاهرةبعد انتشار تلوث مياه البحر بالصرف الصحي حتي ردمه تمامًا.
أمام مزاعم المدنية الزائفة اختفت مظاهر الجمال في القرية بسبب حماقات شوهت هذا الجمال، ولوثت مياه البحر.
فلم نعد نتنسم فيه روائحه الذكية، بل تزكم أنوفنا بمياه الصرف الصحي التي لم يرحم بها الناس في القرية البحر بطبيعته الجميلة، وعبرت عن كرههم وتشويههم لكل ماهو جميلن فغضبت عليهم الطبيعة ولحقت بهم الأمراض.
وأمام حماقات البشر واعتداء الإنسان علي الطبيعة الربانية الجميلة، اضطرت الحكومة إلي استخدام الصرف المغطي وردم البحر في مناطق معينة، وتركته مفتوحًا عند مناطق أخري.
وللأسف أصبحت هذه المناطق المفتوحة مرتعًا للقمامة والأوبئة والحيوانات الميتة، وذلك علي الرغم من استغلال بعض الاماكن التي تم ردمها في زراعة الأشجار وتزيينها بالحدائق التي تمتد في بعض الأماكن.
وفي النهاية كم نتمني من الجهات المسئولة في مركز المنزلة، ونناشد المجلس المحلي محاولة تطهير الأماكن التي لم يتم ردمها ورفع القمامة منها.
ولم نكن ببعيد عن تلك الحملة التي أثارها البعض في الجديدة والفروسات ضد أحد الصحافيين الذي صور بعض الأماكن وعرضها في فيديو ، وثارت ثائرتهم وطلبوا تقديم اعتذار علي هذه المناظر التي أساءت للجديدة والفروسات.
وإذا كنا نعتبر تصوير هذه الأماكن يحمل الإساءة لنا، فلماذا نصمت إزاء التلوث في هذه الاماكن......؟ ...الإساءة هي السكوت علي هذه المناظر وعدم التحرك الفعال للقضاء عليها وتنظيفها....فإذا كنا نلوم الجهات المسئولة علي تقاعسها فلماذا لا نتحرك نحن ونكون إيجابيين.....؟!!!!!