النظم الإدارية للأرمن الكاثوليك والبروتستانت في مصر

لم يكن الأرمن الكاثوليك في الدولة العثمانية يشكلون ملة مستقلة بأنفسهم حتي عام 1831 عندما اعترف السلطان محمود الثاني بملة الأرمن الكاثوليك تحت ضغط التبشير البابوي والسياسة الأوربية. وارتبطت مطرانية الأرمن الكاثوليك في مصر دينيا ببطريكية الأرمن الكاثوليك بالأستانة حتي نهاية الحرب العالمية الأولي. ثم ارتبطت بدير بزمار وبطريركية الأرمن الكاثوليك بلبنان.
وجدير بالذكر أن طائفة الأرمن الكاثوليك كانت ثالثة الطوائف التي حظيت باعتراف الحكومة المصرية رسميا بطائفتها ولائحتها النظامية في 18 نوفمبر 1905 بعد طائفتي الأقباط الأرثوذكس (1993) والإنجيليين (1902) . ويرجع هذا إلي المساعي الجادة التي بذلها يعقوب أرتين باشا- وكيل نظارة المعارف العمومية (1884-1906)- وأسرة خانكي القانونية وأسرة ماتوسيان الشهيرة بإنتاج الدخان والسجائر. وجميعهم من الأرمن الكاثوليك.
وفقا للقانون النظامي( اللائحة النظامية) لطائفة الأرمن الكاثوليك، تتألف من فرعي القاهرة والإسكندرية. ولكل منهما مجلس إدارة ولجان منبثقة منه تحت رئاسة المطران. ويتكون مجلس الإدارة من "9" علمانيين منتخبين ورجل دين واحد. ويجب أن يكون أعضاء هذا المجلس من ذوات ومعتبري الطائفة. ويكون الانتخاب بالجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات مع جواز إعادة انتخابهم.أما العضو الديني فيعينه المطران لمدة ثلاث سنوات مع جواز تثبيته بعد هذه المدة.
ويشترط في العضو المرشح لمجلس الإدارة أن يكون من الأرمن الكاثوليك ، رعية الحكومة المصرية ، لا يقل عمره عن "25" سنة ، يجب ان يكون من المقيمين بالقطر المصري منذ سنتين علي الأقل، يجب ان يسدد الجعل السنوية ، وويجب ألا يكون محكوما عليه في جناية أو جنحة أو من المفلسين او المحجور عليهم، وتنطبق عليه نفس الشروط علي الأرمني الكاثوليكي الذي له حق انتخاب عضو مجلس الإدارة عدا أن يكون بالغا من العمر "25" سنة علي الأقل. وبعد إقرار كافة الانتخابات والتعينات لابد من عرضها علي نظارة (وزارة) الداخلية للتصديق عليها.
ويجتمع مجلسا الإدارة مرة شهريا علي الاقل.كما يجتمع المجلسان معا مرة واحدة سنويا لانتخاب لجنة برئاسة المطران يكون من اختصاصها الفصل بصفة استئناف في القرارات التي اتخذها المجلسان . وتتكون هذه اللجنة من "8" أعضاء يختارون من بين أعضاء مجلسي القاهرة والإسكندرية ومن الخارج إذا احتاج الحال لذلك بحيث يكون لهؤلاء معلومات أو خبرة خصوصية بالمواد الشرعية التي يحال علي اللجنة الفصل فيها.
وقد تمتع مجلس الإدارة بسلطات واسعة نسبيا . فقد كان يباشر جرد كافة ممتلكات الطائفة من عقارات ومنقولات مما يختص بالكنائس والأديرة والمدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية . ويسمل هذا الجرد السنوي كافة مستندات الملكية وكل ما كان من حقوق الطائفة ويتخذ المجلس كافة الوسائل الضرورية لحسن إدارة الممتلكات السابق ذكرها ويصدر قراراته بشان المشتروات والمبيعات والمبادلات والإيجارات والأبنية والترميمات. كما يدخل في اختصاص المجلس تحديد الضريبة الطائفية السنوية علي الأرمن الكاثوليكناهيك عن التزامه بانتظام سجلات المعمودية والزواج والدفن.
وتنبثق عن مجلس الإدارة بالقاهرة والإسكندرية لجنتان إحداهما خاصة بإدارة الأوقاف الخيرية والاخري للفصل في الأحوال الشخصية . وتتكون كل لجنة من "5" أعضاء برئاسة نائب المطران.
اختصت لجنة الاحوال الشخصية بعقود الزواج والميراث وغيرهما. وكانت تبحث القضايا التي يرفعها الارمن الكاثوليك اولا ثم تحولها إلي المحاكم المصرية للنظر فيها. وكانت اللجنة تستند في القضايا المتعلقة بالزواج إلي احكام الكنيسة الكاثوليكية . وكان يستعاض عن الطلاق بالتفريق الجسماني.اما قضايا الميراث، فقد كان يحق للجنة إصدار الأحكام فيها إذا وافق الجانبان علي شرعيتها. وكانت الأحكام الصادرة من اللجنة " تبلغ وتنفذ بالطرق الإدارية بناء علي طلب أصحاب الشان وتحت مسئوليتهم".
وتجتمع الجمعية العمومية لطائفة الارمن الكاثوليك سنويا في يوم الاحد الثالث من يناير بالنسبة لأرمن الإسكندرية تحت رئاسة نائب المطران وفي يوم الاحد الثاني من فبراير بالنسبة للقاهرة تحت رئاسة المطران أو نائبه. ويدف هذا الاجتماع إلي سماع تلاوة التقرير عن إدارة السنة الماصية وفحص حساباتها والتصديق عليها ، فضلا عن مناقشة جميع المسائل والمقترحات التي تهم الطائفة.
وبخصوص مطران الأرمن الكاثوليك في مصر، لم يرد أي نص في القانون النظامي بشانه. ولكنه كان يختار بواسطة بطريركية الأرمن الكاثوليك بالأستانة حتي عام 1914( ثم من دير بزمار بلبنان فيما بعد) ويصدق السلطان عليه ويمنحه البراءة السلطانية. وبموجبها ، ياتي إلي مصر ولا يبدأ ممارسة عمله رسميا إلا بعد اعتراف الحكومة المصرية به رئيسا لطائفته.
وهكذا ، يلاحظ مما سبق أن الحكومة المصرية رغم اعترافها رسميا بالقانون النظامي لطائفة الأرمن الكاثوليك ومنحها سلطات واسعة نسبيا لمجلس إدارتها، إلا انها أخضعت كافة أمور الطائفة لإشرافها العالي.
اما الأرمن البروتستانت " الإنجيليون" فعلي عكس أقرانهم الأرثوذكس والكاثوليك، لم تعترف بهم الحكومة المصرية كطائفة دينية مستقلة علي الاساس العرقي. ويعزي هذا إلي قلة أعدادهم من ناحية، وانقسام هذا العدد القليل إلي تيارات متناحرة من ناحية أخري. وقد حاول الأرمن البروتستانت مرارا صياغة لائحة نظامية وتقديمها إلي الحكومة من أجل التصديق عليها . ولكن جميع محاولاتهم قد باءت بالفشل. ولهذا ، اندرجوا ضمن طائفة الإنجيليين الوطنيين وخضعوا لاحكام لائحتها النظامية التي أقرتها الحكومة المصرية في عام 1902.
وبذا، بينما نجحت مساعس الأرمن الأرثوذكس والكاثوليك بمصر في الحصول علي اعتراف رسمي بهم من الحكومة المصرية، أخفق أقرانهم البروتستانت في مسعاهم. وبينما أدي الاعتراف الرسمي باللوائح النظامية لطائفتي الأرثوذكس والكاثوليك إلي استقرارها الداخلي نسبيا والحفاظ علي تماسكها ، نجم عن عدم الاعتراف بالأرمن البروتستانت تشتتهم وذوبانهم في المحيط البروتستانتي العام.