الأرمن العثمانيون (1461-1909)
صفحة 1 من اصل 1
الأرمن العثمانيون (1461-1909)
شملت المنطقة التي عرفت تاريخيا ب"أرمينية القديمة" مساحة شاسعة تحدها آسيا الصغري من الغرب وسلسلة جبال القوقاز من الشمال، البحر الأسود من الشمال الغربي، وبحر قزوين"كاسبيان" من الشمال الشرقي، وأرض فارس من الجنوب الشرقي. وجدير بالذكر ان موقع أرمينية جغرافيا قد جعل منها قلعة طبيعية أغرت الغزاة مرارا وجعلتها منطقة صراع بين الإمبراطوريات المتنافسة عبر التاريخ بسبب موقعها الجغرافي- الاستراتيجي علي مفرق الطرق التجارية والعسكرية بين أوربا وآسيا.
وهكذا ، غدت أرمينية مسرحا للعمليات الحربية بني الدولتين المتصارعتين التركية العثمانية السنية (1300-1934) والفارسية الصفوية الشيعية(1502-1736) مما أسفر عن تقسيم أراضيها فيما بينهما. فقد خضعت أرمينية كلها للدولة الصفوية بين عامي 1502-1514 حينما تمكن السلطان العثماني سليم الأول(1512-1520) من الاستيلاء علي غربي أرمينية بعد هزيمة الصفويين في معركة جالديران عام 1514 . وفي عام 1516 استولي سليم علي أرمينية الصغري ( قيليقية)الواقعة تحت حكم سلاطين المماليك بمصر منذ عام 1375.
ثم تكررت الحرب سبع مرات بين الدولتين الصفوية والعثمانية منذ عام 1534 حتي عام 1616 مما ادي إلي تقسيم أرمينية إلي قسمين : شرقي وغربي. إذ أطلق اسم "أرمينية الشرقية" أو " الفارسية" علي المنطقة الممتدة علي الضفتين الشرقية والغربية لنهر آراكس (الرس). وتضم مدن يريفان وناخيتشيفان وجنزه وإيتشميادزين- المركز الروحي للأرمن- وإقليم آراراد . ومنذ عام 1828 استولت روسيا القيصرية (1533-1917) علي أرمينية الشرقية وصارت تسمي "أرمينية الروسية".
أما اسم "أرمينية الغربية" أو" العثمانية" فقد أطلق علي ست ولايات هي : بيتليس، جاردين"أرضروم" ، فان"وان"، خربوط ( معمورة العزيز) ، سيفاز( سيواس)، جزء من ديار بكر.
وهكذا ، سيطر العثمانيون علي ست ولايات أرمينية إضافة إلي قيليقية. وقد ادي تقسيم أرمينية إلي شرقية وغربية إلي تطور كل من قسميها مستقبلا.
هذا ، وقد تم تنظيم الرعايا غير المسلمين وفقا للنظام الإداري العثماني في هياكل شبه مستقلة تسمي ملل تحل محل السلطة المباشرة لحكومة السلطان ، وتمثل بؤرة التمركز الاجتماعي. واعترف العثمانيون بملة الأرمن الأرثوذكس في عام 1461. ولما كان الجاثليق- الرئيس الأعلي للكنيسة الأرمنية- يقيم في إيتشميادزين الواقعة ضمن أرمينية الشرقية خارج نطاق الدولة العثمانية، فقد أسس محمد الفاتح (1451-1481) بطريركية أرمينية بالأستانة في نفس العام. وأصبح البطريرك الأرمني مسئولا عن الموظفين والإدارة الروحية والتعليم العام والمؤسسات الدينية والخيرية لملته.
ومنذ البداية، أدرك العثمانيون ذكاء الأرمن ومهارتهم ، فنقلوا إلي الأستانة حوالي "40 " ألفا لينافسوا اليونانيين في الحرف والتجارة والفنون فترقي. وتوافدت أفواج أرمينية إلي الأستانة ، عدا الذين سبق ان سكنوها قبل ، وعدا الذين يعملون فيها مؤقتا.
كما تكونت بالأستانة شريحة من الأرمن الأثرياء الذين تعاونوا مع الحكومة العثمانية وتلقبوا منذ منتصف القرن الثامن عشر بلقب "اميرا". وقد عمل معظمهم صيارفة، وتقلدوا نظارة سك العملة السلطانية التي احتكرها أمراء أسرة دوزيان. وكان بعضهم جواهرجية وصاغة أمدوا أسرة السلطان وحاشيتهم بحوائجهم من الأحجار الكريمة والجواهر مثل أمراء أسرة يراميان. وأسهم الأرمن في غدارة المشروعات الصناعية القليلة بالأستانة والأقاليم مثل أمراء أسرة آربياريان الذين تقلدوا إدارة مناجم الفضة وأمراء أسرة داديان الذين تقلدوا إدارة مصانع البارود السلطاني والنسيج والورق. وكذا ، أمراء أسرة باليان وظيفة "معمار باشي السلطان"؛ أي كبير المعماريين
وانخرط الأرمن في الهيكل الوظيفي العثماني ، فتقلدوا أعلي الوظائف بسبب استعداداتهم لخدمة الدولة وذكائهم وجديتهم وافتقارهم إلي طموحات الاستقلال. وتشير إحصائية عن موظفي الأرمن في الحكومة العثمانية إلي وجود"22" وزيرا عملوا في الخارجية والمالية والأشغال العامة والبريد والتلغراف، وخمسة وكلاء وزارات ، وقناصل في برلين وروما وبروكسل وفيينا.دع عنك المستشارين والسكرتيرين والمترجمين والمديرين وغيرهم.
وهكذا، أضحت الأستانة مركزا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا للأرمن الذين نعموا برعاية السلاطين حتي حكم عبد الحميد الثاني(1876-1909) ونالوا مساعدتهم حتي غدوا من أرقي العناصر. بيد ان وضعية أقرانهم في الولايات الست وقيليقية كانت علي النقيض تماما.
عاش الأرمن في ولايات أرمينية الغربية عكس أقرانهم في أرمينيا الشرقية،مشتتين عبر مساحات كثيرة واسعة ويفصل بينهم عدد من المستوطنات الكردية والتركية او المراعي. وكان معظم الأرمن في هذه الولايات أميين يتحدثون اللغتين الأرمنية والتركية بلهجات محلية. وتشبثوا بتقاليدهم المحلية وعاداتهم الدينية.
كانت منازلهم صغيرة من الطوب اللبن ويتوسطها التنور. وتبدو صورة القرية الأرمنية علي هيئة منازل عشوائية متناثرة. ورغم الحذر من الغارات الكردية، عاشت عائلات أرمينية في جوار حميم معهم في منازل متلاحمة ذوات أزقة مغطاة وأسقف متماسة طالما كانت الدولة قوية وواسعة. وقد أدي الشعور بعدم الأمان إلي زواج الفتاة الأرمنية في سن مبكرة- غالبا من الثالثة عشرة حتي الخامسة عشرة- وحرص الأرمن من الجنسين علي الاختلاط بجيرانهم المسلمين مرتدين ملابس مشابهة لهم. أكثر من هذا ، ارتدت الأرمنيات البراقع في جهات متباينة بالولايات الأرمنية العثمانية.
وبعامة ، كان الأرمن في الدولة العثمانية- لا سيما الولايات- مطوقين وسط عالم متنوع القوميات والأديان. ونظرا لأنهم إحدي أقليات الدولة ، فقد فرض عليهم التمييز رسميا وعوملوا بكونهم مواطنين من الدرجة الثانية. وقد ظهر هذا في عدم قبول شهادتهم في المحاكم وحظر حمل السلاح عليهم وإلزامهم بأداء الجزية. ورغم مختلف الضغوط التي ما برحت تثقل كاهل الفلاحين العزل، إلا أن كثيرا منهم قد تشبثوا بوطنهم الأم، وارتضوا العمل فيه مزارعين أو محاصصين تحت سيطرة نخبة من الإقطاعيين والعسكريين العثمانيين.
....................................................................
وعندما انهارت بنية الدولة العثمانية إداريا وعسكريا وماليا تحت وطأة الفساد الداخلي والتحديات الخارجية إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تعالت أصوات بعض العثمانيين الاحرار بأن استمرار دولتهم منوط بالإصلاح مما تمخض عنه ما عرف بالتنظيمات (1839-1876). وفي هذا الإطار، أصدر السلطان عبد المجيد الأول (1839-1861) خطي "كلخانة" في 3 نوفمبر 1839 و"همايوني" في 18 فبراير 1856 وبمقتضاهما : كفل أمن الرعايا المسيحيين وحيواتهم وأعراضهم وملكياتهم. وألغي ضريبة القرعة العسكرية وأصبح المسيحيون مؤهلين لخدمة العسكرية( لكن مع حرية شراء الإعفاءات)، وفتح الوظائف المدنية أمام جميع الرعايا. وكبح جماح السلطة الدينية لرؤساء الملل علي نحو صارم.
ورغم الضجيج الذي ثار حول التنظيمات، فإنها عمليا لم تؤد إلي أي تحسين في الحياة اليومية للعوام خاصة الريفيين الذين لم يستفيدوا منها. بيد أن المراكز الحضرية الرئيسية قد استفادت فقط من هذه التنظيمات. وفعليا ، لم تحسن عقود التنظيمات أحوال الأرمن الغربيين ، بل زادتها سوءا. إذ امتعض الحكام الأتراك والأكراد من أي تدخل للعاصمة وشعروا أن التنظيمات قد هددت سيطرتهم علي القرويين المسلمين والأرمن التابعين لهم. ومن ناحية أخري، شجعت التنظيمات رؤساء القري الأرمنية ورجال الكنيسة في الأقاليم علي إرسال مظالمهم إلي الأستانة بغية إصلاح الأوضاع. ولهذا عهدت الحكومة المركزية للحكام من الأغاوات والبكوات والباشاوات للتحقيق في مظالم الأرمن مما عرضهم لثأر الحكام. ونجم عن هذا ، إزاحة الأرمن بعيدا عن أراضيهم، وتزايد عدد الذين فقدوا أراضيهم وهاجروا إلي المدن بشكل ملحوظ بعد عام 1856. أما أكثر الذين بقوا فيمكن وصفهم بمثابة رقيق أو أقنان.
ورغم هذا ، كان الأرمن أشد الشعوب المسيحية في الدولة العثمانية إخلاصا في خدمتها وآخرها في التحول عن الولاء لها. فلا غرو أن أطلق عليهم لقب " الملة الصادقة".
بيد أن صمة عوامل قد غيرت من سلوك الملة الصادقة . باديء ذي بدء، بحلول القرن التاسع عشر نجم عن التغييرات السياسية – الاجتماعية التي دعا إليها المتنورون والثورة الفرنسية (1789 ) في الدولة العثمانية إدخال الصحافة ووصول الخبراء التجاريين والفنيين الأوربيين . وكانت الأقليات المسيحية ، وعلي رأسها الأرمن ، اول المستفيدين من هذه التغييرات.
وأيضا ، تدخل الدول الكبري لا سيما روسيا القيصرية في الشئون الداخلية للدولة العثمانية. فقد سعت روسيا إلي كسب أراض عثمانية لمد إمبراطوريتها إلي المياه الدافئة في البحر المتوسط . لهذا، عملت علي تقويض القوة العثمانية من الداخل بإثارة الطموحات القومية لدي رعايا السلطان المسيحيين : اليونانيون والسلاف في البلقان والأرمن في الاناضول.
وكذا، تعد النهضة الفكرية عاملا قويا في اليقظة الأرمنية. كان المخيتاريون أول من أقاموا الاتصال الحقيقي بين الأرمن وأوربا في العصور الحديثة. فقد اهتم المخيتاريون كثيرا بحفظ الثقافة الأرمنية، وإحياء دراسة التاريخ الأرمني واللغة الأرمنية وفقهها. كما ترجموا الكلسيكيات الاوربية إلي اللغة الأرمنية وكتبوا أعمالا تاريخية ولغوية وأدبية ودينية معتمدين علي المصادر الأصلية باللغتين اللاتينية واليونانية وغيرهما. وجدير بالذكر ان المخيتاريين لم يمكنوا أوربا أن تطلع علي الماضي الأرمني فحسب، ولكن أعمالهم قد وجهت الفكر الغربي شطر الأرمن بالدولتين العثمانية والروسية، وقامت بدور رئيسي في صياغة النهضة الثقافية الأرمنية خلال القرن التاسع عشر.
كذلك، قام التعليم بدور رئيسي في اليقظة الأرمنية . ثمة عدد ضئيل من المدارس الابتدائية كانت قد افتتحت في الأستانة بين عامي 1790-1800 . ثم تأسست مدارس البنات بعد عام 1820. ولكن بحلول منتصف القرن التاسع عشر، كان بالأستانة وحدها –إثر التنظيمات – مكا يقرب من "5000" تلميذ وتلميذة من الأرمن الذين يذهبون إلي حوالي "40" مدرسة. وقد ساعدت الضرائب المفروضة علي الأرمن هذه المدارس التي كانت مجانية تقريبا . ومكنت حوالي "24" طالبا من الحصول علي منح دراسية في فرنسا سنويا. وعند عودة هؤلاء الخريجين كانوا ينشرون الأفكار الحديثة عن طرق التدريس والتأليف وإصدار الصحف.
كما قامت الطباعة والصحافة بدور حاسم في اليقظة الأرمنية. ففي عام 1812 أصدر الأرمن "رقيب بيزنطة" بالأستانة ، ثم أسسوا "14" دورية بالعاصمة العثمانية – نتيجة التنظيمات – بين عامي 1840-1866 . من أهمها :" ماسيس"( جبل آراراد" و"هايرنيك"( الوطن). وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قامت هذه الدوريات- التي أصبح بعضها يوميا – بدور رئيسي في اليقظة السياسية لدي جموع الأرمن القاطنين بالأناضول.
ثمة قوي أخري أدت إلي إيقاظ الروح الأرمنية تتمثل في ضغط الإرساليات التبشيرية الغربية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر مما أسفر عن تأسيس ملة أرمنية كاثوليكية مستقلة في 24 مايو 1831 وأخري بروتستانتية في 27 نوفمبر 1850. وقد منح تأسيس هذه الملل للأرمن الكاثوليك والبروتستانت فرصا كي يواصلوا تعليمهم العالي في وطنهم الأم او بالخارج، وأن يسافروا إلي أوربا والولايات المتحدة . ناهيك عن تمتعهم بالحماية الدبلوماسية من نظائرهم الأوربيين والأمريكيين.
كما أثرت هذه النشاطات التبشيرية تعليميا وثقافيا وإداريا في الملة الأرمنية.إذ تزايدت الحاجة إلي المدارس العليا داخل الملة الأرمنية لمقاومة المؤسسات التعليمية البروتستانتية. وأصبح طلاب أرمن كثيرون منذ منتصف القرن التاسع عشر علي علاقة وطيدة بالحياة الغربية وفكرها من خلال مختلف المؤسسات التعليمية لا سيما الفرنسية. وقد قامت مجموعة من هؤلاء الشباب ممن لديهم معرفة علمية وأفكار من الديمقراطية في أعقاب عودتهم بصياغة نظامنامة الملة الأرمنية؛أي الدستور الأهلي الأرمني في عام 1860 وصدقت عليه الحكومة العثمانية في 30 مارس 1863.
تلك، هي أهم العوامل التي غيرت المجتمع الأرمني وجعلته أخيرا يمتلك أدوات بدء إحياء سياسي بعد خمسة قرون من سقوط آخر مملكة أرمنية مستقلة في عام 1375.
بيد أن هناك أسبابا جعلت الأرمن هم فقط الملة المسيحية الكبيرة علي الرغم من انتعاشها ثقافيا لم تطالب بحكم ذاتي أو استقلال عن العثمانيين. فمن ناحية الاستيطان الأرمني، نجم عن الغزوات المستمرة والهجرات الأرمنية واستقرار الأتراك والأكراد والجراكسة وغيرهم في أرمينية أن أصبح الأرمن لا يشكلون إلا تجمعا في بعض أماكن ولم تكن لهم أغلبية إلا في مناطق ضئيلة بأرمينية الغربية. إذ تداخلوا بشكل وثيق في النسيج الديموجرافي المسلم بما لا يسمح لهم تكوين نواة دولة مستقلة منفصلة شأن العرب أو مسيحي البلقان.
أكثر من هذا ، تكونت الزعامة الأرمنية من الرأسماليين المدنيين الذين لم يعيشوا في أرمينية بين جموع الرءفيين المستائين ، بل عاشوا في الأستانة وأزمير والقاهرة والإسكندرية وحلب وتفليس وباكو وناخيتشيفان الجديدة وموسكو أو في المراكز الحضرية الأخري باوربا وآسيا. ولم يكن للأرمن داخل بلادهم قادة عسكريون أو نبلاء يستجمعون قوي السكان باستثناء شريحة جبلية ضئيلة.
وتجدر الإشارة إلي أن الأرمن اندمجوا في الهيكلين السياسي والإداري للدولة العثمانية بشكل أكثر من أية أقلية غير مسلمة مما جعل مكانتهم أكبر في الدولة في عين اللحظة التي غدا فيها وعيهم بهويتهم القومية أكثر حدة. وفي الواقع وجدت الصفوة المدنية الأرمنية أن العمل مع القوة الحاكمة مفيدا لرفاهيتهم الاقتصادية- الاجتماعية ، وبالتالي، سعوا إلي الحفاظ علي أوضاعهم دون إحداث تغيير مفاجيء ونصحوا رعاياهم بارتضاء أوضاعهم.
زرد علي ماسبق، الموقف السلبي للدول الأوربية تجاه الأرمن حيث كانوا يرمون إلي إبقاء الدولة العثمانية والدفاع عنها ضد توسعات روسيا.
لهذا، لم يسع الأرمن الغربيون إلي الانفصال أو الاستقلال عن الدولة العثمانية، بل طالبوا فقط بإجراء إصلاحات داخلية في الولايات الست وقيليقية في نطاق بقائهم ضمن رعاياها، ورغبتهم في تحقيق الحماية لأنفسهم وأملاكهم من الموظفين الفاسدين ومن عصابات النهب ، فضلا عن مساواتهم مع الرعايا المسلمين.
وبدلا من القيام بإصلاحات للأرمن ، سعت الحكومة العثمانية للاستيلاء علي إقليم زيتون الجبلي ذي الحكم الذاتي بولاية مرعش شمال شرق قيليقية. إذ بعد محاولات فاشلة لكبح جماح استقلال زيتون المتزايد، قررت الحكومة في عام 1862 ان تسيطر علي زيتون إثر انزعاجها من التدخل الفرنسي في لبنان العام السابق.فادعوا أن سكانها لم يدفعوا الضرائب. ولذا ، هاجم جيش عثماني ضخم المنطقة. وفي 2 أغسطس 1862 هزم الأرمن هذا الجيش وألحقوا به خسائر فادحة واستولوا علي مدافعه وذخيرته. ثم حاصر الجيش العثماني زيتون بغية تجويعها. عندئذ ، ناشد الأرمن- علي نحو ما فعل موارنة لبنان- مساعدة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الذي أجبر العثمانيين علي علي فك حصارهم مقابل السماح لهم ببناء قلعة في زيتون ومركز للجنود بها.وقد ترك تمرد زيتون أثره، إذ توالت الانتفاضات في فان(1862) وأرضروم(1863) وموش(1864). ويري بعض المؤرخين أن هذا التمرد ربما كان الإشارة الأولي ليقظة الأرمن الغربيين سياسيا.
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
رد: الأرمن العثمانيون (1461-1909)
تقدم بطريرك الأرمن الأرثوذكس بالأستانة نرسيس فارجابيديان (1874- 1884 ) طالبا إجراء إصلاحات أرمنية إلي القوي الأوربية المجتمعة في يوم 23 ديسمبر 1876 بالأستانة لمناقشة شكاوي مسيحي البلقان. بيد أن ما أثار دهشتهم هو إعلان الباب العالي دستورا ليبراليا في نفس يوم انعقاد المؤتمر موقعا عليه من عبد الحميد الثاني(1876-1909). عندئذ ، كان الأرمن أشد مسيحي الدولة تحمسا لصدور الدستور استنادا إلي أنهم صاروا مساوين للمسلمين العثمانيين طبقا للدستور الجديد.
هنا ، شعر الدبلوماسيون الأوربيون أن مثل هذا الدستور يجعل أية مناقشة تتعلق بمسيحيي البلقان عديمة الجدوي. ولكن استمرار المذابح البلغارية ورفض الحكومة العثمانية مناقشة الوضع في بلغاريا قد أعطي روسيا مبررا لإعلان الحرب علي الدولة العثمانية في 24 أبريل 1877 . اندلع القتال علي جبهتين : أوربا الشرقية وأرمينية الغربية. وبعامة، ساعدت البطريركية الأرمنية الباب العالي ولم تتحالف مع الحركة السلافية او الكنيسة الروسية.
بيد أن الأرمن في أرمينية الغربية غدوا ضاجرين من أوضاعهم التي لا تطاق خاصة عندما استغل الأكراد فرصة الحرب وهاجموا القري الأرمنية. لذا ، رحب الأرمن بالجيش الروسي تحت قيادة الجنرالات الأرمن واشتراك المتطوعين الأرمن الروس. وبحلول عام 1878 كان الروس يسيطرون تقريبا علي أرمينية الغربية، وكان الجيش الروسي علي مقربة من الأستانة. عندئذ ، طلبت الأستانة وقف إطلاق النار وبدأت المفاوضات في 31 يناير 1878 .
وهكذا ، أيقن الأرمن عدم جدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات، وخشوا تنكيل الحكومة بهم إثر اشتراك أقرانهم الأرمن الروس في الحرب. وعندما علم المثقفون الأرمن في الأستانة بأخبار الفظائع التي ارتكبها الغوغاء في أرمينية الغربية. طالبوا زعماءهم بإنهاء حذرهم ومناشدة الروس لتبني مستقبل الأرمن الغربيين في مباحثات السلام.
وفعلا ، نجحت المساعي الأرمنية جزئيا ، إذ تضمنت معاهدة " سان ستيفانو" المبرمة في 3 مارس 1878 بين الدولتين الروسية والعثمانية المادة"16" التي نصت علي :" تنفيذ الإصلاحات وضمان سلامة الأرمن من اعتداءات الأكراد والجراكسة، وألا تنسحب القوات الروسية من المناطق التي احتلتها في أرمينية الغربية حتي تقوم الحكومة العثمانية بتنفيذ تلك الإصلاحات فورا". كما تضمنت هذه المعاهدة ضم روسيا أقاليم جارس وأردهان وألاشجيرد وبايزيد من أرمينية الغربية ، وإعادة إقليم أرضروم الذي كان قد احتلته إلي الدولة العثمانية.
اعتقدت بريطانيا أن معاهدة سان إستيفانو سوف تعرض مصالحها للخطر. لذا ، جندت الدول الأوربية لدعمها وإثارة محاوف روسيا بالتهديدات الحربية. عندئذ، دعا المستشار الألماني أوتوفون بسمارك إلي عقد اجتماع أوربي لاستعراض بنود المعاهدة وتعديلها. وفعلا ، انعقد مؤتمر برلين في الفترة من 13 يونية حتي 13 يولية 1878 . وجدير بالذكر أن معاهدة برلين قد عدلت معاهدة سان إستيفانو وفق توجيهات المفاوضين البريطانيين.
وعمل الأرمن في هذا المؤتمر علي إقرار المادة"16" في معاهدة سان إستيفانو، فاستبدلها المؤتمرون بالمادة "61" في معاهدة برلين التي نصت علي :" ان يتعهد الباب العالي، وبدون أي تأخير بإدخال التحسينات والإصلاحات التي تستلزمها المتطلبات المحلية في الولايات التي يقطنها الأرمن، وضمان أمنهم تجاه الجراكسة والأكراد ، كما يتعين علي الباب العالي من حين لآخر أن يحيط القوي الكبري التي ستقوم بالإشراف علي تنفيذها، علما بأي أمر يتعلق بذلك".
ولم يناقش المؤتمر الحكم الذاتي لأرمينية الغربية، إذ طبقا للمادة "61" ألغيت القوات الروسية وحلت محلها مسئولية أوربية جماعية- دون إشراف مباشر او ضمانات دولية محددة- من أجل تنفيذ الإصلاحات في أرمينية الغربية.عندئذ ، رحل آلاف الأرمن الغربيين ليستقروا في القوقاز.
وهكذا، تصاعدت المسألة الأرمنية في أعقاب مؤتمر برلين من كونها مشكلة عثمانية محلية إلي كونها قضية دولية. وعلي مدي عامين متتاليين تظاهرت الدول الكبري بتنفيذ مسئوليتها ونبهت الحكومة العثمانية من حين لآخر إلي وعودها إزاء الأرمن.
بيد أنه منذ عام 1880 وقعت أحداث عالمية حولت أوربا إلي اتجاهات أخري. فالنشاطات السلافية في النمسا- المجر واحتمال وقوع تحالف فرنسي- روسي قد أسفر عن اتفاق ألمانيا والنمسا – المجر مع الحكومة العثمانية واستعدادهم لمساعدتها. كما أن روسيا منذ حكم القيصر الكسندر الثالث (1881-1896) قد عدلت عن سياسة حمايتها شعوب دول البلقان المسيحية التي استقلت آنذاك عن الدولة العثمانية وحماية كافة الشعوب المسيحية العثمانية. زد علي هذا، شغل التوسع الاستعماري في إفريقية وجنوب شرق آسيا والصين الدول الكبري عن متابعة القضية الأرمنية.
وهكذا ، بحلول عام 1881 بدا واضحا أن المساعدات الأوربية بشأن أرمينية الغربية غدت ضئيلة جدا. عندئذ ، تجاهل بعض المثقفين الأرمن نصائح رؤسائهم، ومستلهمين حركات المقاومة البلقانية والصراع المسلح في زيتون، وبدأوا ينظمون جماعات دفاعية في عدة مواقع. وأدي شعور الأرمن بالخداع والخذلان إلي أن راح عدد كبير منهم يناصر الطرق غير المشروعة لمقاومة استبداد عبد الحميد. واقتنع آخرون بضرورة حمل السلاح.
تطورت الحركة القومية الأرمنية من مجرد فكرة إلي جمعيات ثورية سرية محلية وعامة ما لبث أن تمخض عنها الأحزاب الثورية. وقد مارست هذه الجمعيات نشاطها الدعائي والفدائي الثوري في أقاليم الدولة العثمانية.
أما بخصوص الأحزاب الأرمنية . ففي عام 1885 تأسس حزب الأرميناجان في فان:أول حزب سياسي أرمني والحزب الوحيد الذي تأسس في أرمينية ذاتها. وقد أسسه بعض المدرسين الشباب بمدرسة المعلمين في فان بمبادرة من مجرديتش بورتقاليان (1848-1921) ، كان هذا الحزب وطنيا أرمنيا لا يتنبني أي فكر اشتراكي، وهدفه التحررالوطني لأرمينية بكل الوسائل . وقد دعا برنامج هذا الحزب إلي تعليم عام ومقاومة مسلحة والاستعداد لاحتمالية قيام حكومة ذاتية. ولم يؤكد الأرميناجان علي فكرة الانفصال، وغن نظم جماعات مسلحة من أجل الدفاع عن فان ضد الغارات الكردية إبان تسعينيات القرن التاسع عشر.
وفي عام 1887 ، تأسس حزب " الهنشاك" ( الناقوس) الاشتراكي الديمقراطي الأرمني في جنيف بسويسرا. وفي عام 1889 انضم هذا الحزب إلي مؤتمر الدولية الاشتراكية الثانية للأحزاب الاشتراكية المنعقد في باريس بوصفه حزبا اشتراكيا. ولكن منذ عام 1896 انفصل عنه جناح يميني صغير مؤسسا " حزب الهنشاك المعاد تكوينه".
أما حزب " الاتحاد الثوري الأرمني" ( الطاشناق) ، فقد تأسس عام 1890 في تفليس عاصمة إقليم القوقاز الروسي ، وهو الحزب الاشتراكي الوطني الأرمني. وينقسم برنامج حزب الطاشناق إلي ثلاثة محاور .أولا الأهداف:" يهدف حزب الطاشناق إلي تحقيق الحرية السياسية والاقتصادية لأرمينية العثمانية بوسائل التمرد والثورة". ثانيا الوسائل : الدعاية ، تعليم ثوري للشعب، تنظيم الشعب وتسليحه، الدفاع عن نفسه، أعمال التخريب ، اغتيال الموظفين الفاسدين وجميع المستغلين والخونة الأرمن. ثالثا التنظيم: تبني الحزب مبدأ اللامركزية التي تعد نظاما ملائما لمنطقة العمليات الواسعة المزمع التنفيذ فيها. هذا ، وقد خلقت اللامركزية شبكة ديناميكية من الهياكل التنظيمية أدارت العمل التنظيمي والثوري بحرية استنادا إلي ظروف كل منطقة- في إطار أهداف الحزب- مما كفل للحزب نشاطا وانتشارا.
تلك ، هي أهم الأحزاب الأرمنية. ولكن ، بينما كان الأرميناجان وطنيا قحا ، تبني الهنشاك والطاشناق الاشتراكية بوضوح. وبينما اعطي الهنشاك أولوية للاشتراكية، سلك الطاشناق- مع اشتراكيته- مثارا أكثر قومية. وثمة اختلافات أيضا في البناء الداخلي. ففي حين انتهج الهنشاك المركزية، مارس الطاشناك اللامركزية . ورغم هذا ، كان يؤمن كلاهما بأن الصراع المسلح ضروري. ويستعدان لاستخدام الإرهاب تحقيقا لاهدافهما، ويعتمدان كثيرا علي مساعدة الغرب.
اتحد الهنشاك مع الطاشناق بعد تأسيسه في عام 1890، بيد أنهما انفصلا في العام التالي لاعتبارات شخصية اكثر منها أيديلوجية . وبذا ، لم يتفق الثوار الأرمن علي تحديد مسارهم.رأي الهنشاك ان المظاهرات ضد الحكومة العثمانية سوف توعز إلي الدول الأوربية بان الأرمن لم ينسوا قط المادة "61" من معاهدة برلين. ولهذا نظم الهنشاك في عام 1890 مظاهرات في أرضروم وفي الكاتدرائية الأرمنية في كوم كابو بالأستانة. بيد انها أسفرت عن قمع وموت كثير من المتظاهرين. وأيضا، جهز أرمن روسيا في نفس العام قوة مسلحة صغيرة أعدها الطاشناق للإغارة علي الدولة العثمانية . ورغم فشل هذه الإغارة ، إلا أنها أبلغت رسالة واضحة :" لم ينس أرمن روسيا قط القضية الأرمنية".
وجهت الدولة العثمانية هذه التهديدات علي مستويين ، ديموجرافيا ؛ ويتمثل في استخدام المهاجرين القادمين من روسيا في تعزيز العناصر الإسلامية خاصة علي امتداد الحدود الروسية- العثمانية. ثم سياسيا ؛ ويتمثل في إنشاء فرق " الخيالة الحميدية" في صيف 1861 من عناصر غير تركية مثل الألبان والجراكسة والأكراد بصفة خاصة . وقد قامت هذه الفرق بدور الحرس الخاص للسلطان في الأستانة، وأنيط بها مسئولية الحفاظ علي النظام في شرقي الاناضول؛أي تتحديدا : مواجهة الأنشطة الثورية الأرمنية.
هنا ، شعر الدبلوماسيون الأوربيون أن مثل هذا الدستور يجعل أية مناقشة تتعلق بمسيحيي البلقان عديمة الجدوي. ولكن استمرار المذابح البلغارية ورفض الحكومة العثمانية مناقشة الوضع في بلغاريا قد أعطي روسيا مبررا لإعلان الحرب علي الدولة العثمانية في 24 أبريل 1877 . اندلع القتال علي جبهتين : أوربا الشرقية وأرمينية الغربية. وبعامة، ساعدت البطريركية الأرمنية الباب العالي ولم تتحالف مع الحركة السلافية او الكنيسة الروسية.
بيد أن الأرمن في أرمينية الغربية غدوا ضاجرين من أوضاعهم التي لا تطاق خاصة عندما استغل الأكراد فرصة الحرب وهاجموا القري الأرمنية. لذا ، رحب الأرمن بالجيش الروسي تحت قيادة الجنرالات الأرمن واشتراك المتطوعين الأرمن الروس. وبحلول عام 1878 كان الروس يسيطرون تقريبا علي أرمينية الغربية، وكان الجيش الروسي علي مقربة من الأستانة. عندئذ ، طلبت الأستانة وقف إطلاق النار وبدأت المفاوضات في 31 يناير 1878 .
وهكذا ، أيقن الأرمن عدم جدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات، وخشوا تنكيل الحكومة بهم إثر اشتراك أقرانهم الأرمن الروس في الحرب. وعندما علم المثقفون الأرمن في الأستانة بأخبار الفظائع التي ارتكبها الغوغاء في أرمينية الغربية. طالبوا زعماءهم بإنهاء حذرهم ومناشدة الروس لتبني مستقبل الأرمن الغربيين في مباحثات السلام.
وفعلا ، نجحت المساعي الأرمنية جزئيا ، إذ تضمنت معاهدة " سان ستيفانو" المبرمة في 3 مارس 1878 بين الدولتين الروسية والعثمانية المادة"16" التي نصت علي :" تنفيذ الإصلاحات وضمان سلامة الأرمن من اعتداءات الأكراد والجراكسة، وألا تنسحب القوات الروسية من المناطق التي احتلتها في أرمينية الغربية حتي تقوم الحكومة العثمانية بتنفيذ تلك الإصلاحات فورا". كما تضمنت هذه المعاهدة ضم روسيا أقاليم جارس وأردهان وألاشجيرد وبايزيد من أرمينية الغربية ، وإعادة إقليم أرضروم الذي كان قد احتلته إلي الدولة العثمانية.
اعتقدت بريطانيا أن معاهدة سان إستيفانو سوف تعرض مصالحها للخطر. لذا ، جندت الدول الأوربية لدعمها وإثارة محاوف روسيا بالتهديدات الحربية. عندئذ، دعا المستشار الألماني أوتوفون بسمارك إلي عقد اجتماع أوربي لاستعراض بنود المعاهدة وتعديلها. وفعلا ، انعقد مؤتمر برلين في الفترة من 13 يونية حتي 13 يولية 1878 . وجدير بالذكر أن معاهدة برلين قد عدلت معاهدة سان إستيفانو وفق توجيهات المفاوضين البريطانيين.
وعمل الأرمن في هذا المؤتمر علي إقرار المادة"16" في معاهدة سان إستيفانو، فاستبدلها المؤتمرون بالمادة "61" في معاهدة برلين التي نصت علي :" ان يتعهد الباب العالي، وبدون أي تأخير بإدخال التحسينات والإصلاحات التي تستلزمها المتطلبات المحلية في الولايات التي يقطنها الأرمن، وضمان أمنهم تجاه الجراكسة والأكراد ، كما يتعين علي الباب العالي من حين لآخر أن يحيط القوي الكبري التي ستقوم بالإشراف علي تنفيذها، علما بأي أمر يتعلق بذلك".
ولم يناقش المؤتمر الحكم الذاتي لأرمينية الغربية، إذ طبقا للمادة "61" ألغيت القوات الروسية وحلت محلها مسئولية أوربية جماعية- دون إشراف مباشر او ضمانات دولية محددة- من أجل تنفيذ الإصلاحات في أرمينية الغربية.عندئذ ، رحل آلاف الأرمن الغربيين ليستقروا في القوقاز.
وهكذا، تصاعدت المسألة الأرمنية في أعقاب مؤتمر برلين من كونها مشكلة عثمانية محلية إلي كونها قضية دولية. وعلي مدي عامين متتاليين تظاهرت الدول الكبري بتنفيذ مسئوليتها ونبهت الحكومة العثمانية من حين لآخر إلي وعودها إزاء الأرمن.
بيد أنه منذ عام 1880 وقعت أحداث عالمية حولت أوربا إلي اتجاهات أخري. فالنشاطات السلافية في النمسا- المجر واحتمال وقوع تحالف فرنسي- روسي قد أسفر عن اتفاق ألمانيا والنمسا – المجر مع الحكومة العثمانية واستعدادهم لمساعدتها. كما أن روسيا منذ حكم القيصر الكسندر الثالث (1881-1896) قد عدلت عن سياسة حمايتها شعوب دول البلقان المسيحية التي استقلت آنذاك عن الدولة العثمانية وحماية كافة الشعوب المسيحية العثمانية. زد علي هذا، شغل التوسع الاستعماري في إفريقية وجنوب شرق آسيا والصين الدول الكبري عن متابعة القضية الأرمنية.
وهكذا ، بحلول عام 1881 بدا واضحا أن المساعدات الأوربية بشأن أرمينية الغربية غدت ضئيلة جدا. عندئذ ، تجاهل بعض المثقفين الأرمن نصائح رؤسائهم، ومستلهمين حركات المقاومة البلقانية والصراع المسلح في زيتون، وبدأوا ينظمون جماعات دفاعية في عدة مواقع. وأدي شعور الأرمن بالخداع والخذلان إلي أن راح عدد كبير منهم يناصر الطرق غير المشروعة لمقاومة استبداد عبد الحميد. واقتنع آخرون بضرورة حمل السلاح.
تطورت الحركة القومية الأرمنية من مجرد فكرة إلي جمعيات ثورية سرية محلية وعامة ما لبث أن تمخض عنها الأحزاب الثورية. وقد مارست هذه الجمعيات نشاطها الدعائي والفدائي الثوري في أقاليم الدولة العثمانية.
أما بخصوص الأحزاب الأرمنية . ففي عام 1885 تأسس حزب الأرميناجان في فان:أول حزب سياسي أرمني والحزب الوحيد الذي تأسس في أرمينية ذاتها. وقد أسسه بعض المدرسين الشباب بمدرسة المعلمين في فان بمبادرة من مجرديتش بورتقاليان (1848-1921) ، كان هذا الحزب وطنيا أرمنيا لا يتنبني أي فكر اشتراكي، وهدفه التحررالوطني لأرمينية بكل الوسائل . وقد دعا برنامج هذا الحزب إلي تعليم عام ومقاومة مسلحة والاستعداد لاحتمالية قيام حكومة ذاتية. ولم يؤكد الأرميناجان علي فكرة الانفصال، وغن نظم جماعات مسلحة من أجل الدفاع عن فان ضد الغارات الكردية إبان تسعينيات القرن التاسع عشر.
وفي عام 1887 ، تأسس حزب " الهنشاك" ( الناقوس) الاشتراكي الديمقراطي الأرمني في جنيف بسويسرا. وفي عام 1889 انضم هذا الحزب إلي مؤتمر الدولية الاشتراكية الثانية للأحزاب الاشتراكية المنعقد في باريس بوصفه حزبا اشتراكيا. ولكن منذ عام 1896 انفصل عنه جناح يميني صغير مؤسسا " حزب الهنشاك المعاد تكوينه".
أما حزب " الاتحاد الثوري الأرمني" ( الطاشناق) ، فقد تأسس عام 1890 في تفليس عاصمة إقليم القوقاز الروسي ، وهو الحزب الاشتراكي الوطني الأرمني. وينقسم برنامج حزب الطاشناق إلي ثلاثة محاور .أولا الأهداف:" يهدف حزب الطاشناق إلي تحقيق الحرية السياسية والاقتصادية لأرمينية العثمانية بوسائل التمرد والثورة". ثانيا الوسائل : الدعاية ، تعليم ثوري للشعب، تنظيم الشعب وتسليحه، الدفاع عن نفسه، أعمال التخريب ، اغتيال الموظفين الفاسدين وجميع المستغلين والخونة الأرمن. ثالثا التنظيم: تبني الحزب مبدأ اللامركزية التي تعد نظاما ملائما لمنطقة العمليات الواسعة المزمع التنفيذ فيها. هذا ، وقد خلقت اللامركزية شبكة ديناميكية من الهياكل التنظيمية أدارت العمل التنظيمي والثوري بحرية استنادا إلي ظروف كل منطقة- في إطار أهداف الحزب- مما كفل للحزب نشاطا وانتشارا.
تلك ، هي أهم الأحزاب الأرمنية. ولكن ، بينما كان الأرميناجان وطنيا قحا ، تبني الهنشاك والطاشناق الاشتراكية بوضوح. وبينما اعطي الهنشاك أولوية للاشتراكية، سلك الطاشناق- مع اشتراكيته- مثارا أكثر قومية. وثمة اختلافات أيضا في البناء الداخلي. ففي حين انتهج الهنشاك المركزية، مارس الطاشناك اللامركزية . ورغم هذا ، كان يؤمن كلاهما بأن الصراع المسلح ضروري. ويستعدان لاستخدام الإرهاب تحقيقا لاهدافهما، ويعتمدان كثيرا علي مساعدة الغرب.
اتحد الهنشاك مع الطاشناق بعد تأسيسه في عام 1890، بيد أنهما انفصلا في العام التالي لاعتبارات شخصية اكثر منها أيديلوجية . وبذا ، لم يتفق الثوار الأرمن علي تحديد مسارهم.رأي الهنشاك ان المظاهرات ضد الحكومة العثمانية سوف توعز إلي الدول الأوربية بان الأرمن لم ينسوا قط المادة "61" من معاهدة برلين. ولهذا نظم الهنشاك في عام 1890 مظاهرات في أرضروم وفي الكاتدرائية الأرمنية في كوم كابو بالأستانة. بيد انها أسفرت عن قمع وموت كثير من المتظاهرين. وأيضا، جهز أرمن روسيا في نفس العام قوة مسلحة صغيرة أعدها الطاشناق للإغارة علي الدولة العثمانية . ورغم فشل هذه الإغارة ، إلا أنها أبلغت رسالة واضحة :" لم ينس أرمن روسيا قط القضية الأرمنية".
وجهت الدولة العثمانية هذه التهديدات علي مستويين ، ديموجرافيا ؛ ويتمثل في استخدام المهاجرين القادمين من روسيا في تعزيز العناصر الإسلامية خاصة علي امتداد الحدود الروسية- العثمانية. ثم سياسيا ؛ ويتمثل في إنشاء فرق " الخيالة الحميدية" في صيف 1861 من عناصر غير تركية مثل الألبان والجراكسة والأكراد بصفة خاصة . وقد قامت هذه الفرق بدور الحرس الخاص للسلطان في الأستانة، وأنيط بها مسئولية الحفاظ علي النظام في شرقي الاناضول؛أي تتحديدا : مواجهة الأنشطة الثورية الأرمنية.
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
رد: الأرمن العثمانيون (1461-1909)
وفي عام 1894 ، تزايدت الضرائب الفادحة علي الأرمن الجبليين في ساسون، فضلا عن الخدمات التي يعطلها الباشوات الأتراك والأكراد. ولذا ، شجعهم الهنشاك علي عصيان مسلح. ورغم صمود ساسون لمدة شهر، إلا أن وعود العفو العام قد أدت إلي استسلامهم.
علي أية حال ، كان الاتفاق مجرد خدعة فقط. فبدلا من العفو العام تعرضت ساسون بين 15 أغسطس- 15 سبتمبر 1894 إلي النهب وإعدام كثير من الأرمن دون مراعاة السن او الجنس.
حينئذ ، رفع القناصل الأوربيون والمبشرون المسيحيون أصواتهم عالية ضد هذا الانتهاك مما أسفر عن عودة اوربا إلي القضية الأرمنية مطالبة الحكومة العثمانية بتشكيل لجنة تحقيق. وتقيد الممثلون الأوربيون بتقرير لجنة التحقيق ومؤداه:أن أرمن ساسون اضطروا إلي حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم. بيد أن أعمال القسوة والتخريب الجماعية التي اقترفتها القوات العثمانية تعد أمرا يستحق التأنيب.
ورغم هذا ، استمرت المذابح الأرمنية منذ 13 أكتوبر 1894 حتي 30 نوفمبر 1895 ، عندما بدات القوات العثمانية والكردية باوامر من الأستانة هجوما منظما علي القري الأرمنية وعلي الأحياء الأرمنية بمدن الولايات الست- ثم بلغت المذابح ضراوتها في مدينة الرها خلال يومي28-29 ديسمبر 1895 حيث أبادوا بها حوالي ثلاثة آلاف أرمني حرقا. واستمرت المذابح وعمليات السلب حتي يولية 1896.
وتقدر المصادر عدد الضحايا بحوالي "100" ألف قتيل وتشريد أكثر من نصف مليون أرمني. هذا ، وقد شهدت فان وزيتون خسائر أقل حيث كان بهما أرمن مسلحون متمرسون. وباستثناء فئة ضئيلة من الرجالات المسلحين الذين حاربوا تحت قيادة الزعماء الشعبيين في ساسون وبيتليس وفان وموش. فقد تأثرت غالبية الأرمن سلبيا . وخلال كل هذا ، اعترض القناصل البريطانيون والفرنسيون والروس ظاهريا دون ان يتدخلوا فعليا.
وهكذا ، تبددت المظاهرات السياسية التي قام بها الهنشاك، وقتلت الحكومة العثمانية رؤساء الأرميناجان والهنشاك، وظل الطاشناق هو الحزب الأرمني الوحيد النشط.
وبينما هدأت المذابح في الولايات الأرمنية الست، شهدت الأستانة عاصفة دموية في أغسطس1896 إثر الأعمال الإرهابية التي قام بها الثوار الأرمن الطاشناقيون.إذ حركت اللامبالاة الأوربية حزب الطاشناق الذي لم يشترك في المظاهرات العامة التي نظمها الهنشاك. وفي يوم الأربعاء 26 أغسطس 1896 ، احتل "26"أرمنيا طاشناقيا عثمانيا مسلحين بمتفجرات البنك العثماني بالأستانة.
بدأ القتال مباشرة بمحاولة إغلاق أبواب البنك الرئيسية . بيد أن الطاشناقيين وجدوا صعوبة غير متوقعة في إغلاقها. عندئذ ، نشبت معركة عنيفة بين الأرمن والشرطة عبر الشارع الضيق المجاور للبنك قتل علي إثرها أربعة أرمن. وعندما ادركت السلطات العثمانية صعوبة طرد الأرمن، تمهلت في إطلاق النيران. واحتفظ الطاشناقيون بحوالي "150" رهينة من موظفي البنك وعملائه.
وأعرب الطاشناقيون أن هدفهم من احتلال البنك العثماني هو الضغط علي الدول الكبري للتدخل بفعالية لحل القضية الأرمنية خاصة وأن الاستيلاء علي البنك قد وضع المصالح الأوربية في خطر. وأعلن الطاشناقيون أنهم يحتلون البنك لمدة يومين، فإذا لم تستجب مطالبهم، فإن البنك وموظفيه والرهائن سوف ينسفون جميعا.
وبينما فشلت القوات العثمانية في استردراد البنك عنوة، نجح القنصل الروسي في الأستانة ماكسيموف في عقد تسوية بين الحكومة العثمانية والطاشناقيين تم علي إثرها إخلاء البنك وترحيلهم دون التعرض إليهم في الخارج ووعدهم بتدخل الدول الأوربية لحل القضية الأرمنية.
وفعلا غادر الطاشناقيون الأستانة في صبيحة يوم 27 أغسطس 1896 علي متن السفينة الفرنسية جيروند إلي مرسليا.
وبينما كان الطاشناقيون يمتطون السفينة الفرنسية مبحرين إلي فرنسا، تركوا خلفهم الأرمن يكفرون – لاوقات طويلة- عن جريمتهم الإرهابية دون تلبية مطالبهم . فثأر عبد الحميد الثاني لذلك بتنظيم مذبحة ضد الأرمن العزل في شوارع الأستانة.إذ بمجرد الاستيلاء علي البنك وقبل وصول الشرطة إلي مسرح الأحداث ، ظهرت عصابات تركية في شوارع الأستانة للاعتداء علي الأرمن ؛ بعضهم من القطاعات الأكثر جهلا والأيسراستثارة من الشعب، بينما كان بعضهم الآخر من المتطرفين الدينيين.
وعندما جاءت قوات الباشبوزوق ( القوات غير النظامية) مترجلة ، بدأوا العنف والقتل والسلب؛ فأي أرمني كان يقابله هؤلاء الباشبوزوق يذبح أو يضرب حتي الموت ونهبت المحلات الأرمنية في جالاتا. ولم تكن أغلبية الأرمن القتلي من الثوار أو الرأسماليين ، بل كان معظمهم من العمال الفقراء المهاجرين إلي الأستانة من ولاية سيواس التي أضحت غير صالحة للسكني. زد علي هذا ، أن الأرمن أبيدوا كلية في حي قاسم باشا وفي الحي اليهودي ب"خاسكوي". واستمر القتل في شوارع الأستانة خلال اليوم التالي27 أغسطس. ولم يتوقف إلا عندما ترامت الأخبار إلي الباب العالي في المساء بأن الغواصات البريطانية قد تحركت لحماية حياة البريطانيين.مرة أخري ، أيقظت مذبحة الأستانة الرأي العام في أوربا ضد الحكومة العثمانية التي اضطرت إلي إصدار بلاغ في 11 نوفمبر 1896 وعدت فيه بتنفيذ الإصلاحات في ولاياتها الأرمنية الست.
هذا ، وقد نجم عن مذابح الأرمن في الدولة العثمانية بين عامي 1894-1896 موت حوالي "100-150" ألف غما نتيجة مباشرة للقتل أو نتيجة للجوع والتشريد والبرد والمرض. كما هاجر آلاف الأرمن إلي البلاد العربية وروسيا والبلقان وأوربا وأمريكا. وهبط عددهم إلي النصف في ولايات أرضروم وفان وبتليس.
وهكذا ، نجح عبد الحميد في إضعاف الحركة القومية الأرمنية، إذ مارس في سياسته الأرمنية العنف والقتل علنا. وبكل قسوة ، وعلي نطاق واسع حتي جعل المذابح جزءا مألوفا في السياسة الداخلية للدولة إزاء الأرمن.كما أدت سياسة عبد الحميد إلي خلق هوة من الريبة والعداوة بين المسلمين والمسيحيين في شرقي الأناضول عندما ألب الأكراد ضد الأرمن.
وتجدر الإشارة أيضا إلي ضعف الحركة الأرمنية نتيجة تبني حزبي الهنشاك والطاشناق أيديلوجية اشتراكية وانتهاجهما الإرهاب والعنف مما أبعد عنهما الرأسماليين الأرمن. ناهيك أن أسوأ ما في الحركة القومية الأرمنية أنها لم تكن موحدة ، فالحزبان الكبيران منقسمان لأسباب شخصية وليست عملية.
لم يكن في نية عبد الحميد تغيير سياسته القمعية إزاء الأرمن. فنظرا لتقلص دولته. اعتبر ان ظهور يقظة سياسية – قومية أرمنية في شرقي الاناضول علي وجه الخصوص أمر خطير، لانه إذا نجح الأرمن في الحصول علي حكم ذاتي أو استقلال- كما فعل مسيحيو البلقان- فإن الأتراك سوف يفقدون جزءا كبيرا من المنطقة التي اعتبروها موطنهم الام.
وبذا ، أضيفت المشكلة الأرمنية إلي المشكلات اليونانية والصربية والبلغارية، وغدت تمثل خطرا جديدا يهدد وحدة أراضي الدولة العثمانية. ولذا فلا بد – من الوجهة العثمانية- وعلي ضوء التجارب السابقة، سحق البذور الأولي للنزعة القومية الأرمنية قبل فوات الأوان. وكان الأرمن يعدون كل تراجع عثماني في البلقان عاملا تشجيعيا لهم ، بينما كان ينظر إليه القادة العثمانيون بوصفه سببا إضافيا لتوطيد سيطرتهم علي الأناضول.
....................................................
ورغم أن بعض الأتراك قد استقروا نسبيا في البلاد العربية أو البلقان ، إلا أن غالبيتهم قد استقروا في الأناضول. وفوق هذا ، يعد الانأضول مصدرا زراعيا ومعدنيا أساسيا للعثمانيين ويضم طرقهم التجارية الرئيسية. ولذا ، فإن الطريق الأيسر بالنسبة للسلطات العثمانية لمنع أرمينية الغربية من الحصول علي استقلالها الذاتي عن الدولة العثمانية أو انضمامها إلي أرمينية الروسية هو تقليل عددهم في الولايات الست . هنا ، غدت المذبحة سياسة عثمانية رسمية؛ التخلص من الناس حتي لا يتشبثوا بأراضيهم. وطالما ارتضي الأرمن بوضع أقل مرتبة ، سيظلون في خدمة الدولة. ومن ثم ، فلا بد من تعويد الأرمن علي الإذعان.
وأيضا ، ساعد الموقف الدولي عبد الحميد علي الاستمرار في سياسته إزاء الأرمن. ويكفي أن نقتبس من مذكراته هذه السطور:" ..كنت أعلم في تلك الأيام بأنباء تصادم إنجلترا وروسيا في الشرق الأقصي، فلا روسيا ولا إنجلترا، ولا أيضا فرنسا التي تعمل حسابا لألمانيا ، يستطيعون التدخل بشكل جدي. وبالفعل لم يتدخلوا..لكن الدول الكبري كانت تعرف أني لن أعطي الاستقلال الذاتي لهؤلاء الأرمن المبعثرين الذين لا يكونون اكثرية في أي مكان قط. وكانت تعرف أني سأستطيع ان أضع عيني علي كل شيء..وهكذا أصبحت المسألة الأرمنية من المسائل التي تشغل الرأي العام العالمي، لكنها لم تكن بالمسألة الجادة دوليا...".
في ذلك الوقت، كانت سياسة عبد الحميد نشيطة أيضا ضد المثقفين والمنشقين الأتراك وكبح جماح عددا من رؤساء جماعة " تركيا الفتاة". هنا ، يعدل الثوريون الأرمن استراتيجيتهم، ويتحالفون مع المعارضة العثمانية ضد عبد الحميد بغية إعادة العمل بدستور 1876. ففي عام 1902 اتحدت تركيا الفتاة مع حزب الطاشناق الأرمني والعرب والألبان والأكراد والجراكسة واليونانيين واليهود في أول مؤتمر للاحرار العثمانيين المنعقد في باريس بين يومي 4-9 فبراير. ورغم انهم قد اتفقوا علي العمل من أجل إقامة دولة دستورية تحصل فيها جميع القوميات والأديان علي حقوق متساوية، إلا انهم لم يتفقوا حول التدخل الأوربي فيما يتعلق بالأقليات خاصة المادة "61" من معاهدة برلين التي أصر عليها الأرمن. وانتهي المؤتمر دون توحيد الجهود الثورية المعارضة ضد عبد الحميد.
وتستمر العمليات الأرمنية الإرهابية ضد السلطات العثمانية والمتعاونين معها . ففي 6 يناير 1903 حاول أرمني طاشناقي يدعي آجوب اغتيال ماغكيا أورمانيان بطريرك الأرمن الأرثوذكس بالأستانة (1896-1908) يوم عيد الميلاد الأرمني في كنيسة كوم كابو لاتهامه بالخيانة والضعف والتعاون مع عبد الحميد. بيد أن المحاولة قد فشلت.
وفي ذات الوقت ، تتواصل سياسة القمع العثمانية إزاء الأرمن. فتقع حوادث دامية ضدهم علي أيدي القوات العثمانية في جبل ساسون بين يومي 11-15 أغسطس 1903، ثم ثانية بين يومي 25-29 مايو 1904 . وقد رد الطاشناقيون عليها بأعمال انتقامية . خاصة محاولتهم الفاشلة لاغتيال عبد الحميد يوم 21 يولية 1905 في أعقاب خروجه من صلاة الجمعة.
وفي 27 سبتمبر 1907 ، قررت منظمتا " تركيا الفتاة" في باريس وسالونيك الانصهار في منظمة واحدة تسمي لجنة" الاتحاد والترقي". ومنذئذ ، هيمنت لجنة سالونيك علي الحركة ، وحل الضباط محل " تركيا الفتاة" التي مارست المعارضة في المنفي . وبذا ، انتقل مركزها من العواصم الأوربية إلي سالونيك.
وجدير بالذكر أنه خلال الفترة من 27-29 ديسمبر 1907، انعقد في باريس المؤتمر الثاني للأحرار العثمانيين بناء علي دعوة حزب الطاشناق. واتفق الأتراك والأرمن علي العمل سويا من أجل إسقاط عبد الحميد وإقامة دولة بدون مساعدة أوربية. وأعلن زعماء الطاشناق في هذا المؤتمر تمسكهم بوحدة الدولة العثمانية.عندئذ اتهم الهنشاكيون الطاشناق بالتعاون مع العدو.
وقتئذ، تدهور الوضعان الاقتصادي والاجتماعي عبر أنحاء الدولة العثمانية. ناهيك ان التطورات الدبلوماسية قد أضافت مزيدا من الهموم إلي هذه الدولة . ففي عام 1907 شكلت بريطانيا وروسيا وفرنسا كتلة مضادة للمثلث الألماني والنمسوي- المجري والإيطالي.. عندئذ، تخوف الرأي العام العثماني من احتمال تمزق دولتهم.
هنا، وجد المنتمون إلي حركة تركيا الفتاة أنفسهم وقد أصبحت ظهورهم إلي الحائط. ومن ثم، غدا حتميا عليهم السعي فعليا لإعادة الدستور بخاصة والحيلولة دون تمزيق الدولة بالأخص. وهكذا، بدأت تركيا الفتاة تتحرك.سار الجيش من مقدونيا تحت قيادة الشباب إلي الأستانة وأجبروا عبد الحميد- دون معركة – علي إعلان الحكومة الدستورية في 24 يولية 1908.
بعد شهور قلائل ، وبوحي من الدستور العثماني، قامت مجموعة من الأرمن الليبراليين وبعض أفراد الطبقة الوسطي الأرمنية بمحاولة تأسيس نوع مختلف من التنظيم السياسي مغايرا للتكتيكات الإرهابية. وفعلا ، أسس الثوار الأرمن كيانات لأنفسهم في الدولة العثمانية بنهاية استبداد عبد الحميد وتطلعوا إلي عصر جديد من التعاون التركي الأرمني.
ودخل "14" أرمنيا في مجلس" المبعوثان" الذي انعقد في 27 ديسمبر 1908 وتنبأوا بمستقبل زاهر. وحتي حزب الهنشاك الأرمني الذي رفض التعاون مع تركيا الفتاة ، قرر الإحجام عن أية نشاطات إرهابية في انتظار تنفيذ الإصلاحات.
بيد أن شهر العسل قد انتهي سريعا. ففي 5 أكتوبر 1908 ضمت النمسا البوسنة والهرسك. وفي اليوم التالي ، أعلنت كريت اتحادها مع اليونان، وأعلنت بلغاريا استقلالها.وفي مجلس المبعوثان أصبح حزب الأحرار العثمانيين نواة معارضة سياسية ما لبث أن اتهم لجنة الاتحاد والترقي بفرض ديكتاتورية وتسييس الجيش والتخلي عن المثل الأعلى للنزعة العثمانية لحساب الأتراك وحدهم.
وفي 13 أبريل 1909، جرت محاولة انقلاب مضاد بغية تطبيق الشريعة الإسلامية . عندئذ ، حاول عبد الحميد الثاني الثأر لنفسه. فأصدر أمره إلي مجلس
( المبعوثان)بضرورة احترام الشريعة، وحل الأحرار سريعا محل الاتحاديين. ووقعت في الأستانة عدة أحداث عنيفة.
بيد أن شيئا لا يضاهي التمردات التي نشبت في قيليقية خاصة أضنة.إذ أن إعلان تمرد الأستانة قد أثار النفوس بشدة هناك، وانتشرت إشاعة بين مسلمي أضنة مفادها أن الأرمن يستعدون للثورة مما عرضهم لمذابح اقترفها الرجعيون والقوميون الأتراك. وبدءا من 14 أبريل حتي 27 أبريل 1909 توالت عمليات العنف والذبح حتي راح ضحيتها عدة آلاف من الأرمن. ورغم أن أكثر مرتكبي هذه المذابح قد نالوا عقابهم، فالحقيقة أن بعض الأتراك الشباب في قيليقية قد وافقوا علي " إن لم يساعدوا في إفساد العلاقات الأرمنية- التركية.
ولكن انتصار خصوم " الاتحاد والترقي" ما لبث أن انهار. ففي 24 أبريل 1909 ، حاصر الجيش المقدوني الأستانة. وفي 27 أبريل أعلن " مجلس المبعوثان" خلع عبد الحميد ونفيه إلي سالونيك وإحلال أخيه الضعيف محمد رشاد الخامس (1909-1918) محله سلطانا وخليفة.
علي أية حال ، كان الاتفاق مجرد خدعة فقط. فبدلا من العفو العام تعرضت ساسون بين 15 أغسطس- 15 سبتمبر 1894 إلي النهب وإعدام كثير من الأرمن دون مراعاة السن او الجنس.
حينئذ ، رفع القناصل الأوربيون والمبشرون المسيحيون أصواتهم عالية ضد هذا الانتهاك مما أسفر عن عودة اوربا إلي القضية الأرمنية مطالبة الحكومة العثمانية بتشكيل لجنة تحقيق. وتقيد الممثلون الأوربيون بتقرير لجنة التحقيق ومؤداه:أن أرمن ساسون اضطروا إلي حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم. بيد أن أعمال القسوة والتخريب الجماعية التي اقترفتها القوات العثمانية تعد أمرا يستحق التأنيب.
ورغم هذا ، استمرت المذابح الأرمنية منذ 13 أكتوبر 1894 حتي 30 نوفمبر 1895 ، عندما بدات القوات العثمانية والكردية باوامر من الأستانة هجوما منظما علي القري الأرمنية وعلي الأحياء الأرمنية بمدن الولايات الست- ثم بلغت المذابح ضراوتها في مدينة الرها خلال يومي28-29 ديسمبر 1895 حيث أبادوا بها حوالي ثلاثة آلاف أرمني حرقا. واستمرت المذابح وعمليات السلب حتي يولية 1896.
وتقدر المصادر عدد الضحايا بحوالي "100" ألف قتيل وتشريد أكثر من نصف مليون أرمني. هذا ، وقد شهدت فان وزيتون خسائر أقل حيث كان بهما أرمن مسلحون متمرسون. وباستثناء فئة ضئيلة من الرجالات المسلحين الذين حاربوا تحت قيادة الزعماء الشعبيين في ساسون وبيتليس وفان وموش. فقد تأثرت غالبية الأرمن سلبيا . وخلال كل هذا ، اعترض القناصل البريطانيون والفرنسيون والروس ظاهريا دون ان يتدخلوا فعليا.
وهكذا ، تبددت المظاهرات السياسية التي قام بها الهنشاك، وقتلت الحكومة العثمانية رؤساء الأرميناجان والهنشاك، وظل الطاشناق هو الحزب الأرمني الوحيد النشط.
وبينما هدأت المذابح في الولايات الأرمنية الست، شهدت الأستانة عاصفة دموية في أغسطس1896 إثر الأعمال الإرهابية التي قام بها الثوار الأرمن الطاشناقيون.إذ حركت اللامبالاة الأوربية حزب الطاشناق الذي لم يشترك في المظاهرات العامة التي نظمها الهنشاك. وفي يوم الأربعاء 26 أغسطس 1896 ، احتل "26"أرمنيا طاشناقيا عثمانيا مسلحين بمتفجرات البنك العثماني بالأستانة.
بدأ القتال مباشرة بمحاولة إغلاق أبواب البنك الرئيسية . بيد أن الطاشناقيين وجدوا صعوبة غير متوقعة في إغلاقها. عندئذ ، نشبت معركة عنيفة بين الأرمن والشرطة عبر الشارع الضيق المجاور للبنك قتل علي إثرها أربعة أرمن. وعندما ادركت السلطات العثمانية صعوبة طرد الأرمن، تمهلت في إطلاق النيران. واحتفظ الطاشناقيون بحوالي "150" رهينة من موظفي البنك وعملائه.
وأعرب الطاشناقيون أن هدفهم من احتلال البنك العثماني هو الضغط علي الدول الكبري للتدخل بفعالية لحل القضية الأرمنية خاصة وأن الاستيلاء علي البنك قد وضع المصالح الأوربية في خطر. وأعلن الطاشناقيون أنهم يحتلون البنك لمدة يومين، فإذا لم تستجب مطالبهم، فإن البنك وموظفيه والرهائن سوف ينسفون جميعا.
وبينما فشلت القوات العثمانية في استردراد البنك عنوة، نجح القنصل الروسي في الأستانة ماكسيموف في عقد تسوية بين الحكومة العثمانية والطاشناقيين تم علي إثرها إخلاء البنك وترحيلهم دون التعرض إليهم في الخارج ووعدهم بتدخل الدول الأوربية لحل القضية الأرمنية.
وفعلا غادر الطاشناقيون الأستانة في صبيحة يوم 27 أغسطس 1896 علي متن السفينة الفرنسية جيروند إلي مرسليا.
وبينما كان الطاشناقيون يمتطون السفينة الفرنسية مبحرين إلي فرنسا، تركوا خلفهم الأرمن يكفرون – لاوقات طويلة- عن جريمتهم الإرهابية دون تلبية مطالبهم . فثأر عبد الحميد الثاني لذلك بتنظيم مذبحة ضد الأرمن العزل في شوارع الأستانة.إذ بمجرد الاستيلاء علي البنك وقبل وصول الشرطة إلي مسرح الأحداث ، ظهرت عصابات تركية في شوارع الأستانة للاعتداء علي الأرمن ؛ بعضهم من القطاعات الأكثر جهلا والأيسراستثارة من الشعب، بينما كان بعضهم الآخر من المتطرفين الدينيين.
وعندما جاءت قوات الباشبوزوق ( القوات غير النظامية) مترجلة ، بدأوا العنف والقتل والسلب؛ فأي أرمني كان يقابله هؤلاء الباشبوزوق يذبح أو يضرب حتي الموت ونهبت المحلات الأرمنية في جالاتا. ولم تكن أغلبية الأرمن القتلي من الثوار أو الرأسماليين ، بل كان معظمهم من العمال الفقراء المهاجرين إلي الأستانة من ولاية سيواس التي أضحت غير صالحة للسكني. زد علي هذا ، أن الأرمن أبيدوا كلية في حي قاسم باشا وفي الحي اليهودي ب"خاسكوي". واستمر القتل في شوارع الأستانة خلال اليوم التالي27 أغسطس. ولم يتوقف إلا عندما ترامت الأخبار إلي الباب العالي في المساء بأن الغواصات البريطانية قد تحركت لحماية حياة البريطانيين.مرة أخري ، أيقظت مذبحة الأستانة الرأي العام في أوربا ضد الحكومة العثمانية التي اضطرت إلي إصدار بلاغ في 11 نوفمبر 1896 وعدت فيه بتنفيذ الإصلاحات في ولاياتها الأرمنية الست.
هذا ، وقد نجم عن مذابح الأرمن في الدولة العثمانية بين عامي 1894-1896 موت حوالي "100-150" ألف غما نتيجة مباشرة للقتل أو نتيجة للجوع والتشريد والبرد والمرض. كما هاجر آلاف الأرمن إلي البلاد العربية وروسيا والبلقان وأوربا وأمريكا. وهبط عددهم إلي النصف في ولايات أرضروم وفان وبتليس.
وهكذا ، نجح عبد الحميد في إضعاف الحركة القومية الأرمنية، إذ مارس في سياسته الأرمنية العنف والقتل علنا. وبكل قسوة ، وعلي نطاق واسع حتي جعل المذابح جزءا مألوفا في السياسة الداخلية للدولة إزاء الأرمن.كما أدت سياسة عبد الحميد إلي خلق هوة من الريبة والعداوة بين المسلمين والمسيحيين في شرقي الأناضول عندما ألب الأكراد ضد الأرمن.
وتجدر الإشارة أيضا إلي ضعف الحركة الأرمنية نتيجة تبني حزبي الهنشاك والطاشناق أيديلوجية اشتراكية وانتهاجهما الإرهاب والعنف مما أبعد عنهما الرأسماليين الأرمن. ناهيك أن أسوأ ما في الحركة القومية الأرمنية أنها لم تكن موحدة ، فالحزبان الكبيران منقسمان لأسباب شخصية وليست عملية.
لم يكن في نية عبد الحميد تغيير سياسته القمعية إزاء الأرمن. فنظرا لتقلص دولته. اعتبر ان ظهور يقظة سياسية – قومية أرمنية في شرقي الاناضول علي وجه الخصوص أمر خطير، لانه إذا نجح الأرمن في الحصول علي حكم ذاتي أو استقلال- كما فعل مسيحيو البلقان- فإن الأتراك سوف يفقدون جزءا كبيرا من المنطقة التي اعتبروها موطنهم الام.
وبذا ، أضيفت المشكلة الأرمنية إلي المشكلات اليونانية والصربية والبلغارية، وغدت تمثل خطرا جديدا يهدد وحدة أراضي الدولة العثمانية. ولذا فلا بد – من الوجهة العثمانية- وعلي ضوء التجارب السابقة، سحق البذور الأولي للنزعة القومية الأرمنية قبل فوات الأوان. وكان الأرمن يعدون كل تراجع عثماني في البلقان عاملا تشجيعيا لهم ، بينما كان ينظر إليه القادة العثمانيون بوصفه سببا إضافيا لتوطيد سيطرتهم علي الأناضول.
....................................................
ورغم أن بعض الأتراك قد استقروا نسبيا في البلاد العربية أو البلقان ، إلا أن غالبيتهم قد استقروا في الأناضول. وفوق هذا ، يعد الانأضول مصدرا زراعيا ومعدنيا أساسيا للعثمانيين ويضم طرقهم التجارية الرئيسية. ولذا ، فإن الطريق الأيسر بالنسبة للسلطات العثمانية لمنع أرمينية الغربية من الحصول علي استقلالها الذاتي عن الدولة العثمانية أو انضمامها إلي أرمينية الروسية هو تقليل عددهم في الولايات الست . هنا ، غدت المذبحة سياسة عثمانية رسمية؛ التخلص من الناس حتي لا يتشبثوا بأراضيهم. وطالما ارتضي الأرمن بوضع أقل مرتبة ، سيظلون في خدمة الدولة. ومن ثم ، فلا بد من تعويد الأرمن علي الإذعان.
وأيضا ، ساعد الموقف الدولي عبد الحميد علي الاستمرار في سياسته إزاء الأرمن. ويكفي أن نقتبس من مذكراته هذه السطور:" ..كنت أعلم في تلك الأيام بأنباء تصادم إنجلترا وروسيا في الشرق الأقصي، فلا روسيا ولا إنجلترا، ولا أيضا فرنسا التي تعمل حسابا لألمانيا ، يستطيعون التدخل بشكل جدي. وبالفعل لم يتدخلوا..لكن الدول الكبري كانت تعرف أني لن أعطي الاستقلال الذاتي لهؤلاء الأرمن المبعثرين الذين لا يكونون اكثرية في أي مكان قط. وكانت تعرف أني سأستطيع ان أضع عيني علي كل شيء..وهكذا أصبحت المسألة الأرمنية من المسائل التي تشغل الرأي العام العالمي، لكنها لم تكن بالمسألة الجادة دوليا...".
في ذلك الوقت، كانت سياسة عبد الحميد نشيطة أيضا ضد المثقفين والمنشقين الأتراك وكبح جماح عددا من رؤساء جماعة " تركيا الفتاة". هنا ، يعدل الثوريون الأرمن استراتيجيتهم، ويتحالفون مع المعارضة العثمانية ضد عبد الحميد بغية إعادة العمل بدستور 1876. ففي عام 1902 اتحدت تركيا الفتاة مع حزب الطاشناق الأرمني والعرب والألبان والأكراد والجراكسة واليونانيين واليهود في أول مؤتمر للاحرار العثمانيين المنعقد في باريس بين يومي 4-9 فبراير. ورغم انهم قد اتفقوا علي العمل من أجل إقامة دولة دستورية تحصل فيها جميع القوميات والأديان علي حقوق متساوية، إلا انهم لم يتفقوا حول التدخل الأوربي فيما يتعلق بالأقليات خاصة المادة "61" من معاهدة برلين التي أصر عليها الأرمن. وانتهي المؤتمر دون توحيد الجهود الثورية المعارضة ضد عبد الحميد.
وتستمر العمليات الأرمنية الإرهابية ضد السلطات العثمانية والمتعاونين معها . ففي 6 يناير 1903 حاول أرمني طاشناقي يدعي آجوب اغتيال ماغكيا أورمانيان بطريرك الأرمن الأرثوذكس بالأستانة (1896-1908) يوم عيد الميلاد الأرمني في كنيسة كوم كابو لاتهامه بالخيانة والضعف والتعاون مع عبد الحميد. بيد أن المحاولة قد فشلت.
وفي ذات الوقت ، تتواصل سياسة القمع العثمانية إزاء الأرمن. فتقع حوادث دامية ضدهم علي أيدي القوات العثمانية في جبل ساسون بين يومي 11-15 أغسطس 1903، ثم ثانية بين يومي 25-29 مايو 1904 . وقد رد الطاشناقيون عليها بأعمال انتقامية . خاصة محاولتهم الفاشلة لاغتيال عبد الحميد يوم 21 يولية 1905 في أعقاب خروجه من صلاة الجمعة.
وفي 27 سبتمبر 1907 ، قررت منظمتا " تركيا الفتاة" في باريس وسالونيك الانصهار في منظمة واحدة تسمي لجنة" الاتحاد والترقي". ومنذئذ ، هيمنت لجنة سالونيك علي الحركة ، وحل الضباط محل " تركيا الفتاة" التي مارست المعارضة في المنفي . وبذا ، انتقل مركزها من العواصم الأوربية إلي سالونيك.
وجدير بالذكر أنه خلال الفترة من 27-29 ديسمبر 1907، انعقد في باريس المؤتمر الثاني للأحرار العثمانيين بناء علي دعوة حزب الطاشناق. واتفق الأتراك والأرمن علي العمل سويا من أجل إسقاط عبد الحميد وإقامة دولة بدون مساعدة أوربية. وأعلن زعماء الطاشناق في هذا المؤتمر تمسكهم بوحدة الدولة العثمانية.عندئذ اتهم الهنشاكيون الطاشناق بالتعاون مع العدو.
وقتئذ، تدهور الوضعان الاقتصادي والاجتماعي عبر أنحاء الدولة العثمانية. ناهيك ان التطورات الدبلوماسية قد أضافت مزيدا من الهموم إلي هذه الدولة . ففي عام 1907 شكلت بريطانيا وروسيا وفرنسا كتلة مضادة للمثلث الألماني والنمسوي- المجري والإيطالي.. عندئذ، تخوف الرأي العام العثماني من احتمال تمزق دولتهم.
هنا، وجد المنتمون إلي حركة تركيا الفتاة أنفسهم وقد أصبحت ظهورهم إلي الحائط. ومن ثم، غدا حتميا عليهم السعي فعليا لإعادة الدستور بخاصة والحيلولة دون تمزيق الدولة بالأخص. وهكذا، بدأت تركيا الفتاة تتحرك.سار الجيش من مقدونيا تحت قيادة الشباب إلي الأستانة وأجبروا عبد الحميد- دون معركة – علي إعلان الحكومة الدستورية في 24 يولية 1908.
بعد شهور قلائل ، وبوحي من الدستور العثماني، قامت مجموعة من الأرمن الليبراليين وبعض أفراد الطبقة الوسطي الأرمنية بمحاولة تأسيس نوع مختلف من التنظيم السياسي مغايرا للتكتيكات الإرهابية. وفعلا ، أسس الثوار الأرمن كيانات لأنفسهم في الدولة العثمانية بنهاية استبداد عبد الحميد وتطلعوا إلي عصر جديد من التعاون التركي الأرمني.
ودخل "14" أرمنيا في مجلس" المبعوثان" الذي انعقد في 27 ديسمبر 1908 وتنبأوا بمستقبل زاهر. وحتي حزب الهنشاك الأرمني الذي رفض التعاون مع تركيا الفتاة ، قرر الإحجام عن أية نشاطات إرهابية في انتظار تنفيذ الإصلاحات.
بيد أن شهر العسل قد انتهي سريعا. ففي 5 أكتوبر 1908 ضمت النمسا البوسنة والهرسك. وفي اليوم التالي ، أعلنت كريت اتحادها مع اليونان، وأعلنت بلغاريا استقلالها.وفي مجلس المبعوثان أصبح حزب الأحرار العثمانيين نواة معارضة سياسية ما لبث أن اتهم لجنة الاتحاد والترقي بفرض ديكتاتورية وتسييس الجيش والتخلي عن المثل الأعلى للنزعة العثمانية لحساب الأتراك وحدهم.
وفي 13 أبريل 1909، جرت محاولة انقلاب مضاد بغية تطبيق الشريعة الإسلامية . عندئذ ، حاول عبد الحميد الثاني الثأر لنفسه. فأصدر أمره إلي مجلس
( المبعوثان)بضرورة احترام الشريعة، وحل الأحرار سريعا محل الاتحاديين. ووقعت في الأستانة عدة أحداث عنيفة.
بيد أن شيئا لا يضاهي التمردات التي نشبت في قيليقية خاصة أضنة.إذ أن إعلان تمرد الأستانة قد أثار النفوس بشدة هناك، وانتشرت إشاعة بين مسلمي أضنة مفادها أن الأرمن يستعدون للثورة مما عرضهم لمذابح اقترفها الرجعيون والقوميون الأتراك. وبدءا من 14 أبريل حتي 27 أبريل 1909 توالت عمليات العنف والذبح حتي راح ضحيتها عدة آلاف من الأرمن. ورغم أن أكثر مرتكبي هذه المذابح قد نالوا عقابهم، فالحقيقة أن بعض الأتراك الشباب في قيليقية قد وافقوا علي " إن لم يساعدوا في إفساد العلاقات الأرمنية- التركية.
ولكن انتصار خصوم " الاتحاد والترقي" ما لبث أن انهار. ففي 24 أبريل 1909 ، حاصر الجيش المقدوني الأستانة. وفي 27 أبريل أعلن " مجلس المبعوثان" خلع عبد الحميد ونفيه إلي سالونيك وإحلال أخيه الضعيف محمد رشاد الخامس (1909-1918) محله سلطانا وخليفة.
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» الأرمن تحت حكم الاتحاديين (1909-1918)
» مذابح أضنة أبريل 1909 وأثرها في مصر
» عرض كتاب - مصر والأرمن- مسـألة أضنة- أبريل 1909: الطريق إلي الإبادة الأرمنية
» الأرمن والصهاينة
» بين الأرمن واليهود
» مذابح أضنة أبريل 1909 وأثرها في مصر
» عرض كتاب - مصر والأرمن- مسـألة أضنة- أبريل 1909: الطريق إلي الإبادة الأرمنية
» الأرمن والصهاينة
» بين الأرمن واليهود
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin