الصهاينة والأرمن
صفحة 1 من اصل 1
الصهاينة والأرمن
الصهاينة والأرمن
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد 65 – مايو 2003
.............................
تعد تجربة المذابح الأرمنية في الدولة العثمانية ( 1894 – 1922 ) من المحرمات " تابو" ليس فقط في الخطاب اليهودي عامة ، بل وفي الخطاب الإسرائيلي الرسمي خاصة . ففي عام 1982 قام الهولوكوستي إيلي فيزل والحاخام آرثر هرتزبرج والمؤتمر اليهودي الأمريكي ومتحف يادفاشيم الإسرائيلي بالانسحاب من المؤتمر عقد في تل أبيب حول الإبادة الجماعية ، وذلك لأن الباحثين المشرفين عليه ضمنوه حلقات دراسية عن الحالة الأرمنية مخالفين بذلك إلحاح الحكومة الإسرائيلية الواقعة تحت صغط حليفتها الإستراتيجية تركيا واللوبيات اليهودية ، ليس هذا فحسب بل إن إسرائيل قد أوصت مجلس الهولوكوست في الولايات المتحدة بحذف أي ذكر للأرمن في متحف الهولوكوست التذكاري بواشنطن.
وثمة عوامل إضافية ولكنها فاعلة وراء تعنت الإدارة الإسرائيلية إزاء التجربة الإبادية الأرمنية. فمن منظور منفعي تلاقت المصالح الأرمنية ما بعد السوفيتية مع مصالح الجوار القريب: إيران والعرب ، أصحاب العلاقات المتناقضة مع تركيا وإسرائيل علي السواء. وفي عين اللحظة اتفقت المصالح الإسرائيلية الأذربيجانية المدعومة بسياسات النفط واللوبي اليهودي الآذري شطر مشكلة قره باغ ( كاراباغ) المتنازع عليه بين أرمينية وآذربيجان في جنوب القوقاز، ناهيك عن معضلة الحي الأرمني بالقدس القديمة في منظومة الإستراتيجية الإسرائيلية. ويغذي كل هذا من الخلف العقيدة الرابضة في العقل الجمعي اليهودي بفرادة ضحويتهم " الهولوكوست" وريادتها مما ينعكس سلبيا علي الحالة الإبادية الأرمنية وغيرها.
ومما هو بليغ الدلالة في هذا السياق أن اليهود مدينون للدولة العثمانية وتركيا من بعدها. فقد استوعبت الدولة العثمانية اليهود" المضطهدين" في أوربا إثر سقوط الأندلس واعترفت بهم " ملة" منذ عام 1461 – نفس سنة الاعتراف العثماني بملة الأرمن الأرثوذكس- وصاروا من أعمدة الحياة العثمانية . كما كان اليهود العثمانيون بمثابة الخيوط الأولية في النسيج الصهيوني بفلسطين ، دع عنك دورهم المحوري بين الصهيونية والعثمانية حتي صدور وعد بلفور عام 1917 . واستمرت هذه الحميمية بعد سقوط العثمانية وترسيخ التركية حتي ظهور مايسمي ب"إسرائيل" عندئذ توطدت الأواصر التركية- الصهيونية- ولاغرو أن تركيا أول دولة إسلامية تعترف ب"إسرائيل" . وقامت تركيا وإسرائيل- في آن واحد – بدور العميل الاستراتيجي للمصالح الرأسمالية ضد المصالح الشيوعية. ولعل مما زاد من التقارب بين التركية والصهيونية حقيقة بجد مهمة مؤداها أن كلا الكيانين علي عداء أيديولوجي مع جوارهما القريب وربما البعيد أيضا وهكذا، تشكل محور" عربي أرمني إيراني" متناغم المصالح وعلي نقيض لأيديولوجي – يدعمه بقوة من الخلف إرث تاريخي مرير- في مواجهة محور" تركي صهيوني". ولاريب. فإن الشراكة التركية – الصهيونية تسعي حثيثا ، وبدأب من أجل اجتثاث القومية العربية والقضية الأرمنية والثقلية الإيرانية.
في ضوء ماسبق ، يمكن تفسير الممارسات اليهودية عموما والصهيونية خصوصا ضد القضية الأرمنية . وفي الإطار أيضا نستطيع فهم تصريحات ريفيكا كوهين- سفيرة إسرائيل في جنوب بلاد القوقاز- خلال فبراير 2002 التي وصفت فيها ما حدث للأرمن العثمانيين بأنه مجرد " مأساة فظيعة" ولا يرقي إلي جريمة " إبادة جنس" . والمعروف أن هذه التصريحات قد أحدثت دويا داخل الأوساط الأرمنية والمهجرية رسميا وشعبيا، واندهش الأرمن بشدة من الموقف الإسرائيلي الناكر للإبادة الأرمنية؛ وهي الدولة التي ولدت مباشرة عشية ثاني في مذابح القرن العشرين علي أيدي الناجين من المعسكرات النازية . ومما يزيد من الدهشة الأرمنية أن هذا الإنكار يأتي في الوقت الذي لم يفكر فيه أي من أرمن أرمينية الأم أو المهجر في إنكار الحقيقة المؤلمة الخاصة بالمذابح التي تعرض لها اليهود . وفي هذا الصدد يذكر الأرمن اليهود بأن آلافا منهم إبان الحرب العالمية الثانية قد وجدوا في أرمينية السوفيتية ملاذا آمنا لهم من " موت محقق" رغم معاناتها من ويلات الحرب، علاوة علي هذا فغن كثيرا من الأرمن واليهود كانوا يحاربون معا في صفوف الجيش الفرنسي ضد النازية . وفي كلمة ترمي الممارسة الأرمنية علي الصعيد اليهودي " الهولوكوستي" إلي مغازلة الشعور اليهودي بأن الأرمن واليهود " ضحايا جريمة واحدة". وربما توظيف الهيمنة اليهودية عالميا لصالح القضية الأرمنية . بيد أن المحصلة صفرية في هذا الميدان حتي الوقت الراهن عدا بعيض الأصوات الأكاديمية والإعلامية " الهولوكوستسة".
وفي تقديري أن جذور الإنكار الصهيوني إزاء القضية الأرمنية ممتد ليس إلي بلورة الفكرة الصهيونية في تسعينات القرن التاسع عشر فقط، بل إلي تدويل هذه القضية وفقا للمادة "61" من معاهدة برلين 1878 الخاصة بإجراء إصلاحات للأرمن في ولاياتهم الست شرقي الأناضول. وجدير بالذكر أن كافة القوي الدولية والإقليمية والمحلية قد استثمرت بنجاح تدويل القضية الأرمنية في تحقيق مآربها عدا الأرمن الذين كانوا الخاسر الأكبر والأوحد لعملية التدويل. هنا حنق اليهود علي الأرمن الممقوتين أساسا من الأولين بسبب الصراع الضاري بينهم في المحيط العثماني. وعندئذ راح الحاخامات والنخبة اليهودية يطالبون مرارا وتكرارا بأوضاع لليهود شبيهة بالأرمن.
وقد تجلت الروح اليهودية العدائية للأرمن أثناء المذابح الحميدية 1894 – 1896 عندما قام يهود الآستانة وضواحيها بدور المرشدين عن الأرمن الثائرين والهاربين . كما أنهم قد احتكروا شراء المنهوبات الأرمنية بثمن بخس وأعادوا بيعها بأبهظ الأثمان . ليس هذا فكفي ، بل إن أبا الحركة الصهيونية تيودور هرتزل سعي أثناء المذابح الحميدية إلي عقد صفقة تبادلية بموجبها يسمح السلطان بالاستيطان ليهودي
في فلسطين نظير معالجة القضية الأرمنية بالتأثير علي الإعلام الأوروبي والأمريكي والضغط علي الزعامة الأرمنية . ولكن السلطان رفض استيطان اليهود الأجانب، وسمح باستيطان اليهود العثمانيين أو الأجانب الذين يتجنسون بالعثمانية .وهكذا وضع حجر الأساس للنكبة العربية منذ أكثر من قرن، وبقيت القضية الأرمنية إحدى أوراق اللعب الصهيوني علي الطاولة السياسية .
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد 65 – مايو 2003
.............................
تعد تجربة المذابح الأرمنية في الدولة العثمانية ( 1894 – 1922 ) من المحرمات " تابو" ليس فقط في الخطاب اليهودي عامة ، بل وفي الخطاب الإسرائيلي الرسمي خاصة . ففي عام 1982 قام الهولوكوستي إيلي فيزل والحاخام آرثر هرتزبرج والمؤتمر اليهودي الأمريكي ومتحف يادفاشيم الإسرائيلي بالانسحاب من المؤتمر عقد في تل أبيب حول الإبادة الجماعية ، وذلك لأن الباحثين المشرفين عليه ضمنوه حلقات دراسية عن الحالة الأرمنية مخالفين بذلك إلحاح الحكومة الإسرائيلية الواقعة تحت صغط حليفتها الإستراتيجية تركيا واللوبيات اليهودية ، ليس هذا فحسب بل إن إسرائيل قد أوصت مجلس الهولوكوست في الولايات المتحدة بحذف أي ذكر للأرمن في متحف الهولوكوست التذكاري بواشنطن.
وثمة عوامل إضافية ولكنها فاعلة وراء تعنت الإدارة الإسرائيلية إزاء التجربة الإبادية الأرمنية. فمن منظور منفعي تلاقت المصالح الأرمنية ما بعد السوفيتية مع مصالح الجوار القريب: إيران والعرب ، أصحاب العلاقات المتناقضة مع تركيا وإسرائيل علي السواء. وفي عين اللحظة اتفقت المصالح الإسرائيلية الأذربيجانية المدعومة بسياسات النفط واللوبي اليهودي الآذري شطر مشكلة قره باغ ( كاراباغ) المتنازع عليه بين أرمينية وآذربيجان في جنوب القوقاز، ناهيك عن معضلة الحي الأرمني بالقدس القديمة في منظومة الإستراتيجية الإسرائيلية. ويغذي كل هذا من الخلف العقيدة الرابضة في العقل الجمعي اليهودي بفرادة ضحويتهم " الهولوكوست" وريادتها مما ينعكس سلبيا علي الحالة الإبادية الأرمنية وغيرها.
ومما هو بليغ الدلالة في هذا السياق أن اليهود مدينون للدولة العثمانية وتركيا من بعدها. فقد استوعبت الدولة العثمانية اليهود" المضطهدين" في أوربا إثر سقوط الأندلس واعترفت بهم " ملة" منذ عام 1461 – نفس سنة الاعتراف العثماني بملة الأرمن الأرثوذكس- وصاروا من أعمدة الحياة العثمانية . كما كان اليهود العثمانيون بمثابة الخيوط الأولية في النسيج الصهيوني بفلسطين ، دع عنك دورهم المحوري بين الصهيونية والعثمانية حتي صدور وعد بلفور عام 1917 . واستمرت هذه الحميمية بعد سقوط العثمانية وترسيخ التركية حتي ظهور مايسمي ب"إسرائيل" عندئذ توطدت الأواصر التركية- الصهيونية- ولاغرو أن تركيا أول دولة إسلامية تعترف ب"إسرائيل" . وقامت تركيا وإسرائيل- في آن واحد – بدور العميل الاستراتيجي للمصالح الرأسمالية ضد المصالح الشيوعية. ولعل مما زاد من التقارب بين التركية والصهيونية حقيقة بجد مهمة مؤداها أن كلا الكيانين علي عداء أيديولوجي مع جوارهما القريب وربما البعيد أيضا وهكذا، تشكل محور" عربي أرمني إيراني" متناغم المصالح وعلي نقيض لأيديولوجي – يدعمه بقوة من الخلف إرث تاريخي مرير- في مواجهة محور" تركي صهيوني". ولاريب. فإن الشراكة التركية – الصهيونية تسعي حثيثا ، وبدأب من أجل اجتثاث القومية العربية والقضية الأرمنية والثقلية الإيرانية.
في ضوء ماسبق ، يمكن تفسير الممارسات اليهودية عموما والصهيونية خصوصا ضد القضية الأرمنية . وفي الإطار أيضا نستطيع فهم تصريحات ريفيكا كوهين- سفيرة إسرائيل في جنوب بلاد القوقاز- خلال فبراير 2002 التي وصفت فيها ما حدث للأرمن العثمانيين بأنه مجرد " مأساة فظيعة" ولا يرقي إلي جريمة " إبادة جنس" . والمعروف أن هذه التصريحات قد أحدثت دويا داخل الأوساط الأرمنية والمهجرية رسميا وشعبيا، واندهش الأرمن بشدة من الموقف الإسرائيلي الناكر للإبادة الأرمنية؛ وهي الدولة التي ولدت مباشرة عشية ثاني في مذابح القرن العشرين علي أيدي الناجين من المعسكرات النازية . ومما يزيد من الدهشة الأرمنية أن هذا الإنكار يأتي في الوقت الذي لم يفكر فيه أي من أرمن أرمينية الأم أو المهجر في إنكار الحقيقة المؤلمة الخاصة بالمذابح التي تعرض لها اليهود . وفي هذا الصدد يذكر الأرمن اليهود بأن آلافا منهم إبان الحرب العالمية الثانية قد وجدوا في أرمينية السوفيتية ملاذا آمنا لهم من " موت محقق" رغم معاناتها من ويلات الحرب، علاوة علي هذا فغن كثيرا من الأرمن واليهود كانوا يحاربون معا في صفوف الجيش الفرنسي ضد النازية . وفي كلمة ترمي الممارسة الأرمنية علي الصعيد اليهودي " الهولوكوستي" إلي مغازلة الشعور اليهودي بأن الأرمن واليهود " ضحايا جريمة واحدة". وربما توظيف الهيمنة اليهودية عالميا لصالح القضية الأرمنية . بيد أن المحصلة صفرية في هذا الميدان حتي الوقت الراهن عدا بعيض الأصوات الأكاديمية والإعلامية " الهولوكوستسة".
وفي تقديري أن جذور الإنكار الصهيوني إزاء القضية الأرمنية ممتد ليس إلي بلورة الفكرة الصهيونية في تسعينات القرن التاسع عشر فقط، بل إلي تدويل هذه القضية وفقا للمادة "61" من معاهدة برلين 1878 الخاصة بإجراء إصلاحات للأرمن في ولاياتهم الست شرقي الأناضول. وجدير بالذكر أن كافة القوي الدولية والإقليمية والمحلية قد استثمرت بنجاح تدويل القضية الأرمنية في تحقيق مآربها عدا الأرمن الذين كانوا الخاسر الأكبر والأوحد لعملية التدويل. هنا حنق اليهود علي الأرمن الممقوتين أساسا من الأولين بسبب الصراع الضاري بينهم في المحيط العثماني. وعندئذ راح الحاخامات والنخبة اليهودية يطالبون مرارا وتكرارا بأوضاع لليهود شبيهة بالأرمن.
وقد تجلت الروح اليهودية العدائية للأرمن أثناء المذابح الحميدية 1894 – 1896 عندما قام يهود الآستانة وضواحيها بدور المرشدين عن الأرمن الثائرين والهاربين . كما أنهم قد احتكروا شراء المنهوبات الأرمنية بثمن بخس وأعادوا بيعها بأبهظ الأثمان . ليس هذا فكفي ، بل إن أبا الحركة الصهيونية تيودور هرتزل سعي أثناء المذابح الحميدية إلي عقد صفقة تبادلية بموجبها يسمح السلطان بالاستيطان ليهودي
في فلسطين نظير معالجة القضية الأرمنية بالتأثير علي الإعلام الأوروبي والأمريكي والضغط علي الزعامة الأرمنية . ولكن السلطان رفض استيطان اليهود الأجانب، وسمح باستيطان اليهود العثمانيين أو الأجانب الذين يتجنسون بالعثمانية .وهكذا وضع حجر الأساس للنكبة العربية منذ أكثر من قرن، وبقيت القضية الأرمنية إحدى أوراق اللعب الصهيوني علي الطاولة السياسية .
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» محمد علي والأرمن
» الشريفة مصباح والأرمن
» أرمنيا والأرمن في معجم المنجد
» روبرت فيسك والأرمن : قراءة في زمن المحارب
» عرض كتاب - مصر والأرمن- مسـألة أضنة- أبريل 1909: الطريق إلي الإبادة الأرمنية
» الشريفة مصباح والأرمن
» أرمنيا والأرمن في معجم المنجد
» روبرت فيسك والأرمن : قراءة في زمن المحارب
» عرض كتاب - مصر والأرمن- مسـألة أضنة- أبريل 1909: الطريق إلي الإبادة الأرمنية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin