إبادة الجنس والتطهير العرقي والعنصرية
صفحة 1 من اصل 1
إبادة الجنس والتطهير العرقي والعنصرية
إبادة الجنس والتطهير العرقي والعنصرية
بقلم : الدكتور محمد رفعت الإمام
أريف العدد 137 – مايو 2009
...............................
ثمة التباس واضح في العديد من الأدبيات ومصطلح التطهير العرقي ethnic cleansing وجريمة إبادة الجنس ، فقد يستخدم أحيانا كمرادف لجريمة الإبادة وأحايين أحري كأحد أنماطها . وتجدر الإشارة إلي ان مصطلح " التطهير العرقي" ينحدر من المصطلحات التي استخدمها النازيون في مخططهم للنقاء العرقي بجعل الأراضي الألمانية طاهرة من غير الألمان لاسيما اليهود. كما استخدمه البولنديون والتشيكيون في أعقاب الحرب العالمية الثانية بهدف تخليص بلادهم من الألمان والأوكرانيين . وأثناء المداولات الخاصة بإعداد اتفاقية الإبادة اقترح بعض أعضاء الجنة السادسة أن تصنف كجريمة " إبادة جنس" الإجراءات الإجبارية التي تهدف إلي إرغام أعضاء جماعة ما علي ترك ديارها من أجل الهروب من خطر سوء المعاملة المستمر. بيد أن اللجنة ارتأت ان هذا الاقتراح ينأي جدا عن مرامي الاتفاقية ويفضل لمثل هذا النهج أن يندرج في قضايا حقوق الإنسان وحقوق الأقليات .
وبذا افتقر نصطلح " التطهير العرقي" إلي التعريف القانوني الدقيق عكس مصطلح " إبادة الجنس" , ورغم ذلك , ثمة تباين جلي بين التطهير العرقي و"إبادة الجنس" ؛إذ تصنف عمليات القتل تطهيرا عرقيا إذا استهدفت إحدى الجماعات الأربع المحمية وفقا للمادة الثانية من الاتفاقية في أحد أقاليم الدولة . وتصنف هذه العمليات " إبادة جنس" إذا قصدت إنكار شرعية وجود جماعة معينة في الإقليم واعتبارهم أجانب عن ذلك الإقليم , ومن ثم وجب إفناؤهم بأية طريقة من الطرائق المحصورة في المادة الثانية من الاتفاقية.
علي أية حال تكاد تتطابق ممارسات التطهير العرقي مع نظيرتها الإبادية ماعدا النية الغائبة. وإذا كانت ممارسات التطهير العرقي ترمي إلي " تطهير" الإقليم من جماعة ، فالممارسة الإبادية لا تقتصر علي, ولا تتحدد بنطاق إقليمي, ولكنها تستهدف أساسا تدمير الجماعة ذاتها . وفي كلمة : تبتغي سياسة التطهير العرقي المكان فقط , بينما تنشد جريمة " إبادة الجنس " الإنسان ذاته, ورغم هذا يجب لألا يؤخذ هذا الفارق كدليل علي ان التطهير العرقي لا يمثل عملا بربريا وجريمة دولية ضد الإنسانية تستوجب العقاب .
وفي ذات الاتجاه أيضا وجه مؤرخو " اتفاقة إبادة الجنس " ومحللوها ملاحظة انتقادية إلي مفهومها عن " إبادة الجنس" بإسقاط أفعال " الفصل العنصري apartheid من بين الأفعال الإبادية . وحسب رؤيتهم ثمة علاقة عضوية وثيقة بين أفعال " الفصل العنصري" وجريمة الإبادة.وإزاء هذا النقد , وبموجب القرار رقم 2 ( 23) , شكلت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة " جماعة عمل" من الخبراء لدراسة صلة " الفصل العنصري" باتفاقية الإبادة . وقد تمخضت الجهود عن دراسة متعلقة بمسالة " الفصل العنصري من وجهة نظر القانون الجنائي الدولي" و وقد عددت في متنها أمثلة لممارسات " الفصل العنصري " التي اعتبرها الخبراء من قبيل وقائع " إبادة الجنس" .
أ – تأسيس مناطق خاصة للجماعات ، أو مايسمي ب" سياسة البانتوستان" , التي أضرت بالشعوب الأفريقية بعد تكديسهم معا في مناطق ضيقة لا تؤهلهم للحصول علي سبل الحياة الكريمة ، كما أضرت بالسكان الهنود بنفيهم إلي مناطق تفتقر تماما إلي الشروط البيئية التي تمكنهم من ممارسة مهنهم التقليدية .
ب- التنظيمات الخاصة بحركة الأفارقة في المناطق العمرانية ، لا سيما الفصل الجبري بين رجالهم ونسائهم لفترات طويلة ، ومن ثم الحيلولة دون التكاثر الأفريقي ج- السياسات السكانية بوجه عام ، والتي قيل أنها شملت سوء التغذية المتعمد لقطاعات عريضة من السكان ، وكذلك التحكم في مواليد قطاع غير البيض بغية خفض أعداد أفراد هذا القطاع ، بينما ظلت السياسة الرسمية هي محاباة هجرة البيض إلي البلاد .
د- سجن الزعماء السياسيين ( أو زعماء الجماعات السياسية ) من غير البيض وإساءة معاملتهم هم والسجناء غير البيض بوجه عام .
ه – قتل السكان غير البيض بفعل نظام الاستعباد أو العمل بالسخرة ، وبوجه خاص فيما يسمي ب" المعسكرات الانتقالية " أو " مخيمات الترانزيت " .
إضافة إلي ذلك ،أوردت الدراسة آنفة الذكر وصفا لكيفة ارتكاب الساسة في جنوب أفريقيا ورودسيا الجنوبية وناميبيا جريمة " إبادة الجنس " والتواطؤ فيها . وطالب الخبراء بتطبيق المادة الرابعة من " اتفاقية الإبادة" المختصة بالمسئولية الجنائية علي ممارسي سياسات " الفصل العنصري". أكثر من هذا أوصت جماعة الخبراء لجنة حقوق الإنسان ان تقترح تعديلا لاتفاقية الإبادة علي نحو يجعل " الأفعال غير الإنسانية الناتجة عن سياسات الفصل العنصري وتستوجب العقاب وفقا للاتفاقية" .
وبناء علي ماسبق، وبدلا من إجراء أي تعديل علي " اتفاقية الإبادة" تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 3068 ( 28) الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 1973 " الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري" . وقد أعلنت مادتها الأولي أن " الفصل العنصري " جريمة ضد الإنسانية ، وأن أعمال غير الإنسانية الناجمة عن سياسات " الفصل العنصري" وممارساته وكذا السياسات والممارسات المماثلة تشكل انتهاكا لمبادئ القانون الدولي لاسيما مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه . كما تمثل تهديدا خطيرا للأمن والسلم الدوليين .
ورغم أن ديباجة الاتفاقية سالفة الذكر لم تنكر وجود أوجه شبه كبيرة بين جريمتي " إبادة الجنس" و" الفصل العنصري " ، فغن مهندسي الاتفاقية ارتأوا أن ممارسات " الفصل العنصري" تعد جريمة ضد الإنسانية أكثر من كونها ضربا من ضروب " إبادة الجنس" ؛ ولذا بدخول الاتفاقية حيز التنفيذ منذ 18 يولية 1976 ، لم يعد من اللازم تقنيا ان تشتمل أية وثيقة دولية لاحقة خاصة بإبادة الجنس علي مواد متعلقة بالفصل العنصري . ولكن تجدر الإشارة إلي أن ممارسات " الفصل العنصري" وآثارها لا تقل ضراوة وجسامة عن الممارسات الإبادية . ولا يخفي في هذا الصدد أن " العنصرية" تعد بكل أشكالها واحدة من الأسباب الرئيسية للإبادة. وباختصار تكرس "إبادة الجنس " حالة شديدة التطرف من العنصرية .
بقلم : الدكتور محمد رفعت الإمام
أريف العدد 137 – مايو 2009
...............................
ثمة التباس واضح في العديد من الأدبيات ومصطلح التطهير العرقي ethnic cleansing وجريمة إبادة الجنس ، فقد يستخدم أحيانا كمرادف لجريمة الإبادة وأحايين أحري كأحد أنماطها . وتجدر الإشارة إلي ان مصطلح " التطهير العرقي" ينحدر من المصطلحات التي استخدمها النازيون في مخططهم للنقاء العرقي بجعل الأراضي الألمانية طاهرة من غير الألمان لاسيما اليهود. كما استخدمه البولنديون والتشيكيون في أعقاب الحرب العالمية الثانية بهدف تخليص بلادهم من الألمان والأوكرانيين . وأثناء المداولات الخاصة بإعداد اتفاقية الإبادة اقترح بعض أعضاء الجنة السادسة أن تصنف كجريمة " إبادة جنس" الإجراءات الإجبارية التي تهدف إلي إرغام أعضاء جماعة ما علي ترك ديارها من أجل الهروب من خطر سوء المعاملة المستمر. بيد أن اللجنة ارتأت ان هذا الاقتراح ينأي جدا عن مرامي الاتفاقية ويفضل لمثل هذا النهج أن يندرج في قضايا حقوق الإنسان وحقوق الأقليات .
وبذا افتقر نصطلح " التطهير العرقي" إلي التعريف القانوني الدقيق عكس مصطلح " إبادة الجنس" , ورغم ذلك , ثمة تباين جلي بين التطهير العرقي و"إبادة الجنس" ؛إذ تصنف عمليات القتل تطهيرا عرقيا إذا استهدفت إحدى الجماعات الأربع المحمية وفقا للمادة الثانية من الاتفاقية في أحد أقاليم الدولة . وتصنف هذه العمليات " إبادة جنس" إذا قصدت إنكار شرعية وجود جماعة معينة في الإقليم واعتبارهم أجانب عن ذلك الإقليم , ومن ثم وجب إفناؤهم بأية طريقة من الطرائق المحصورة في المادة الثانية من الاتفاقية.
علي أية حال تكاد تتطابق ممارسات التطهير العرقي مع نظيرتها الإبادية ماعدا النية الغائبة. وإذا كانت ممارسات التطهير العرقي ترمي إلي " تطهير" الإقليم من جماعة ، فالممارسة الإبادية لا تقتصر علي, ولا تتحدد بنطاق إقليمي, ولكنها تستهدف أساسا تدمير الجماعة ذاتها . وفي كلمة : تبتغي سياسة التطهير العرقي المكان فقط , بينما تنشد جريمة " إبادة الجنس " الإنسان ذاته, ورغم هذا يجب لألا يؤخذ هذا الفارق كدليل علي ان التطهير العرقي لا يمثل عملا بربريا وجريمة دولية ضد الإنسانية تستوجب العقاب .
وفي ذات الاتجاه أيضا وجه مؤرخو " اتفاقة إبادة الجنس " ومحللوها ملاحظة انتقادية إلي مفهومها عن " إبادة الجنس" بإسقاط أفعال " الفصل العنصري apartheid من بين الأفعال الإبادية . وحسب رؤيتهم ثمة علاقة عضوية وثيقة بين أفعال " الفصل العنصري" وجريمة الإبادة.وإزاء هذا النقد , وبموجب القرار رقم 2 ( 23) , شكلت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة " جماعة عمل" من الخبراء لدراسة صلة " الفصل العنصري" باتفاقية الإبادة . وقد تمخضت الجهود عن دراسة متعلقة بمسالة " الفصل العنصري من وجهة نظر القانون الجنائي الدولي" و وقد عددت في متنها أمثلة لممارسات " الفصل العنصري " التي اعتبرها الخبراء من قبيل وقائع " إبادة الجنس" .
أ – تأسيس مناطق خاصة للجماعات ، أو مايسمي ب" سياسة البانتوستان" , التي أضرت بالشعوب الأفريقية بعد تكديسهم معا في مناطق ضيقة لا تؤهلهم للحصول علي سبل الحياة الكريمة ، كما أضرت بالسكان الهنود بنفيهم إلي مناطق تفتقر تماما إلي الشروط البيئية التي تمكنهم من ممارسة مهنهم التقليدية .
ب- التنظيمات الخاصة بحركة الأفارقة في المناطق العمرانية ، لا سيما الفصل الجبري بين رجالهم ونسائهم لفترات طويلة ، ومن ثم الحيلولة دون التكاثر الأفريقي ج- السياسات السكانية بوجه عام ، والتي قيل أنها شملت سوء التغذية المتعمد لقطاعات عريضة من السكان ، وكذلك التحكم في مواليد قطاع غير البيض بغية خفض أعداد أفراد هذا القطاع ، بينما ظلت السياسة الرسمية هي محاباة هجرة البيض إلي البلاد .
د- سجن الزعماء السياسيين ( أو زعماء الجماعات السياسية ) من غير البيض وإساءة معاملتهم هم والسجناء غير البيض بوجه عام .
ه – قتل السكان غير البيض بفعل نظام الاستعباد أو العمل بالسخرة ، وبوجه خاص فيما يسمي ب" المعسكرات الانتقالية " أو " مخيمات الترانزيت " .
إضافة إلي ذلك ،أوردت الدراسة آنفة الذكر وصفا لكيفة ارتكاب الساسة في جنوب أفريقيا ورودسيا الجنوبية وناميبيا جريمة " إبادة الجنس " والتواطؤ فيها . وطالب الخبراء بتطبيق المادة الرابعة من " اتفاقية الإبادة" المختصة بالمسئولية الجنائية علي ممارسي سياسات " الفصل العنصري". أكثر من هذا أوصت جماعة الخبراء لجنة حقوق الإنسان ان تقترح تعديلا لاتفاقية الإبادة علي نحو يجعل " الأفعال غير الإنسانية الناتجة عن سياسات الفصل العنصري وتستوجب العقاب وفقا للاتفاقية" .
وبناء علي ماسبق، وبدلا من إجراء أي تعديل علي " اتفاقية الإبادة" تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 3068 ( 28) الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 1973 " الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري" . وقد أعلنت مادتها الأولي أن " الفصل العنصري " جريمة ضد الإنسانية ، وأن أعمال غير الإنسانية الناجمة عن سياسات " الفصل العنصري" وممارساته وكذا السياسات والممارسات المماثلة تشكل انتهاكا لمبادئ القانون الدولي لاسيما مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه . كما تمثل تهديدا خطيرا للأمن والسلم الدوليين .
ورغم أن ديباجة الاتفاقية سالفة الذكر لم تنكر وجود أوجه شبه كبيرة بين جريمتي " إبادة الجنس" و" الفصل العنصري " ، فغن مهندسي الاتفاقية ارتأوا أن ممارسات " الفصل العنصري" تعد جريمة ضد الإنسانية أكثر من كونها ضربا من ضروب " إبادة الجنس" ؛ ولذا بدخول الاتفاقية حيز التنفيذ منذ 18 يولية 1976 ، لم يعد من اللازم تقنيا ان تشتمل أية وثيقة دولية لاحقة خاصة بإبادة الجنس علي مواد متعلقة بالفصل العنصري . ولكن تجدر الإشارة إلي أن ممارسات " الفصل العنصري" وآثارها لا تقل ضراوة وجسامة عن الممارسات الإبادية . ولا يخفي في هذا الصدد أن " العنصرية" تعد بكل أشكالها واحدة من الأسباب الرئيسية للإبادة. وباختصار تكرس "إبادة الجنس " حالة شديدة التطرف من العنصرية .
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» إبادة السريان
» ماهية إبادة الجنس
» كتاب إبادة الجنس البشري
» إبادة الجنس وجرائم الحرب
» إبادة النوع بين قضايا الصراع وحقوق الإنسان
» ماهية إبادة الجنس
» كتاب إبادة الجنس البشري
» إبادة الجنس وجرائم الحرب
» إبادة النوع بين قضايا الصراع وحقوق الإنسان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin