مشكلة قره باغ علي خريطة السياسة الدولية
صفحة 1 من اصل 1
مشكلة قره باغ علي خريطة السياسة الدولية
مشكلة قره باغ علي خريطة السياسة الدولية
بقلم: الدكتور محمد رفعت الإمام
أريف – العدد 47 – نوفمبر 2001
...................................
في الشهر الماضي وفي العدد ( 146) ، السنة السابعة والثلاثون ، نشرت مجلة " السياسة الدولية" الصادرة عن مركز الأهرام لدراسات السياسية والإستراتيجية تقريرا عن " مشكلة كاراباخ : صراع الشرعيات بين منطق الدولة وحق الشعب : ، أعده كاتب السطور الباحث في الدراسات التاريخية والمعاصرة ورئيس تحرير هذه المجلة . وسنحاول في هذا الحيز المكاني الضيق ، تقديم أهم خطوطه العريضة.
في سياق تراجع سلطة موسكو المركزية وتفكك الاتحاد السوفيتي ، انبثقت عدة قضايا وصراعات في القوقاز تضرب بجذورها إلي التراكمات والتعقيدات الإثنية في خط متواز مع الصراعات الراهنة . ويكمن الدفع الذاتي المحوري لمعظمها في البعد الإثني – اللغوي مطعما بالبعد الديني ، ناهيك عن الدوافع الخارجية المستوردة حديثا إلي المنطقة سواء اقتصادية مثل البترول القوقازي أو جيو سياسية مثل الهيمنة علي آسيا الوسطي . وفي هذا الإطار تقع مسألة الصراع حول إقليم قره باغ ( كاراباخ) بين جمهوريتي أرمينية وأذربيجان .
وفي الواقع ، تشكل قره باغ جزءا من تاريخ أرمينيو منذ العصور القديمة . وقد خضعت للاحتلالات المتعاقبة من قبل القوي الإمبراطورية التي هيمنت علي أرمينية بسبب موقعها الجيو استراتيجي . وفي 7 يولية 1923 أعلن ستالين أن إقليم قره باغ ذو حكم ذاتي في الجمهورية الآذرية , ويرجع ذلك إلي رغبته في استرضاء تركيا والمصالح النفطية الروسية في أذربيجان وميكيافيللية ستالين القائمة علي تطويع الجمهوريات القوقازية بتغذية الصراع فيما بينها . وبهذا القرار تحدي ستالين وقائع الجغرافيا وحقائق التاريخ. ولم ينه هذا القرار حالة النزاع بين الأرمن والآذريين . بل ولد حالة احتقان نمت تدريجيا في دوائر قره باغ.
ولا شك ان هامش الحرية الذي أوجدته الببيريسترويكا قد أفسح المجال أمام الأرمن سواء في إقليم قره باغ أو في الوطن الأرمني الأم لتصعيد القضية من النقطة التي طمست عندها عام 1923 : أي المطالبة باستقلال الإقليم . ومنذ فبراير 1988 ، اندلعت حركة احتجاجية سلمية متناغمة بين الإقليم والشعب في أرمينية تطالب موسكو بالانفصال عن أذربيجان وسط سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات والمظاهرات.
ومنطقيا ، يعد الموقف الأرمني والسوفيتي علي طرفي نقيض ،إذ أن المطالب الأرمنية تنطلق من قاعدة قومية لتحقيق تغييرات جيوسياسية ، بينما تنطلق السلطة في موسكو من منطق أمم معاد للقومية . وعندئذ اقتنع الأرمن بأنهم لن يحصلوا علي مطالبهم بالوسائل الشرعية الدستورية أو عبر السلطة القائمة . ويمكن القول بأن مشكلة قره باغ قد تطورت منذ عام 1988 حتي عام 1992 في إطار جدلية تناقصية مزدوجة . وصار الموقف منها موقفا مصيريا مستقبليا للكيانين الأرمني والأذربيجاني . ومن هنا ، شكل إقليم قره باغ جزءا لا يتجزأ من مشروع – قومي سياسي لكلا الشعبين الأرمن والآذري . والتراجع عنه في فترة يقظة قومية مثالية ، لم يكن واردا عند الطرفين ؛لأنه يعين من منظور الواقعية السياسية الرضا باجتزاء علي الخريطة القومية المنتظرة.
وهكذا ، بوصول المنطق السياسي إلي حائط مسدود، وسقوط الإتحاد السوفيتي كقوة ضابطة ، انفلات القوي المتصارعة ، سوف يفرض منطق القوة نفسه ويتحول التناقض الأيديولوجي إلي مصادمة عسكرية . وفي الواقع شكل انهيار الاتحاد السوفيتي لحظة المفترق التي دفعت أرمن قره باغ للإحاطة مجددا بواقعهم والبحث عن مواقعهم وبلورة طموحاتهم علي ضوء المعطيات المستحدثة للإفادة من مرحلة خلط الأوراق والتفتيش عن ترتيبات جيوسياسية جديدة في القوقاز ، إذ أن الفراغ الناجم عن انهيار الماركسية أعاد ملأ النمو المتزايد للأيديولوجيات القومية . وفي هذا المناخ ، اندفع أرمن قره بباغ لإعادة تركيز شرعية هويتهم القومية علي قاعدة إبراز أنهم ليسوا جماعة هامشية بعثرتها أمواج التاريخ في الخضم الآذري الواسع ، بل هم جماعة تاريخية حية متراصة البنيان تمتد جذورها في عمق كياينة الشعب الأرمني . وبذا ، أعلن أرمن قره باغ استقلالهم عن أذربيجان في عام 1991 وقيام جمهوريتهم المستقلة بكل مؤسساتها الدستورية . بيد أن هذا الإعلان لم يحظ حتي الآن بالاعترافات الدولية.
وتتمحور مشكلة قره باغ حول مفهومين في القانون الدولي يتعايشان بصعوبة ويتواجهان بسهولة : منطق الدولة وحقها الشرعي في الحفاظ علي كيانها تجاه الأخطار ، ومنطق الشعوب وحقها في تقرير مصيرها في كيان سياسي مستقل . ومن هنا ، لن تحقق المعالجة القانونية للمشكلة حلا مرضيا للطرفين مما سيفتح الباب لاحقا أمام عمل عسكري سعي المتصارعون عبره إلي تأكيد قوتهم وتفوقهم كمدخل لمكاسب سياسية محتملة . وبدأت مؤشرات التصعيد العسكري منذ أواخر عام 1991 ، وظلت مستمرة حتي 12 مايو 1994 حين هدأت الأوضاع العسكرية بموجب اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين أذربيجان وقره باغ وأرمينية إفساحا للمجال أمام المفاوضات التي لا تزال مستمرة حتي الآن دون إحراز أية نتائج ملحوظة . وبذلك تضاف مشكلة قره باغ بكل تعقيداتها إلي المشكلة الدولية الكبري لتأخذ مكانتها بين المشكلتين الفلسطينية والبلقانية .
......................................................................................................
بقلم: الدكتور محمد رفعت الإمام
أريف – العدد 47 – نوفمبر 2001
...................................
في الشهر الماضي وفي العدد ( 146) ، السنة السابعة والثلاثون ، نشرت مجلة " السياسة الدولية" الصادرة عن مركز الأهرام لدراسات السياسية والإستراتيجية تقريرا عن " مشكلة كاراباخ : صراع الشرعيات بين منطق الدولة وحق الشعب : ، أعده كاتب السطور الباحث في الدراسات التاريخية والمعاصرة ورئيس تحرير هذه المجلة . وسنحاول في هذا الحيز المكاني الضيق ، تقديم أهم خطوطه العريضة.
في سياق تراجع سلطة موسكو المركزية وتفكك الاتحاد السوفيتي ، انبثقت عدة قضايا وصراعات في القوقاز تضرب بجذورها إلي التراكمات والتعقيدات الإثنية في خط متواز مع الصراعات الراهنة . ويكمن الدفع الذاتي المحوري لمعظمها في البعد الإثني – اللغوي مطعما بالبعد الديني ، ناهيك عن الدوافع الخارجية المستوردة حديثا إلي المنطقة سواء اقتصادية مثل البترول القوقازي أو جيو سياسية مثل الهيمنة علي آسيا الوسطي . وفي هذا الإطار تقع مسألة الصراع حول إقليم قره باغ ( كاراباخ) بين جمهوريتي أرمينية وأذربيجان .
وفي الواقع ، تشكل قره باغ جزءا من تاريخ أرمينيو منذ العصور القديمة . وقد خضعت للاحتلالات المتعاقبة من قبل القوي الإمبراطورية التي هيمنت علي أرمينية بسبب موقعها الجيو استراتيجي . وفي 7 يولية 1923 أعلن ستالين أن إقليم قره باغ ذو حكم ذاتي في الجمهورية الآذرية , ويرجع ذلك إلي رغبته في استرضاء تركيا والمصالح النفطية الروسية في أذربيجان وميكيافيللية ستالين القائمة علي تطويع الجمهوريات القوقازية بتغذية الصراع فيما بينها . وبهذا القرار تحدي ستالين وقائع الجغرافيا وحقائق التاريخ. ولم ينه هذا القرار حالة النزاع بين الأرمن والآذريين . بل ولد حالة احتقان نمت تدريجيا في دوائر قره باغ.
ولا شك ان هامش الحرية الذي أوجدته الببيريسترويكا قد أفسح المجال أمام الأرمن سواء في إقليم قره باغ أو في الوطن الأرمني الأم لتصعيد القضية من النقطة التي طمست عندها عام 1923 : أي المطالبة باستقلال الإقليم . ومنذ فبراير 1988 ، اندلعت حركة احتجاجية سلمية متناغمة بين الإقليم والشعب في أرمينية تطالب موسكو بالانفصال عن أذربيجان وسط سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات والمظاهرات.
ومنطقيا ، يعد الموقف الأرمني والسوفيتي علي طرفي نقيض ،إذ أن المطالب الأرمنية تنطلق من قاعدة قومية لتحقيق تغييرات جيوسياسية ، بينما تنطلق السلطة في موسكو من منطق أمم معاد للقومية . وعندئذ اقتنع الأرمن بأنهم لن يحصلوا علي مطالبهم بالوسائل الشرعية الدستورية أو عبر السلطة القائمة . ويمكن القول بأن مشكلة قره باغ قد تطورت منذ عام 1988 حتي عام 1992 في إطار جدلية تناقصية مزدوجة . وصار الموقف منها موقفا مصيريا مستقبليا للكيانين الأرمني والأذربيجاني . ومن هنا ، شكل إقليم قره باغ جزءا لا يتجزأ من مشروع – قومي سياسي لكلا الشعبين الأرمن والآذري . والتراجع عنه في فترة يقظة قومية مثالية ، لم يكن واردا عند الطرفين ؛لأنه يعين من منظور الواقعية السياسية الرضا باجتزاء علي الخريطة القومية المنتظرة.
وهكذا ، بوصول المنطق السياسي إلي حائط مسدود، وسقوط الإتحاد السوفيتي كقوة ضابطة ، انفلات القوي المتصارعة ، سوف يفرض منطق القوة نفسه ويتحول التناقض الأيديولوجي إلي مصادمة عسكرية . وفي الواقع شكل انهيار الاتحاد السوفيتي لحظة المفترق التي دفعت أرمن قره باغ للإحاطة مجددا بواقعهم والبحث عن مواقعهم وبلورة طموحاتهم علي ضوء المعطيات المستحدثة للإفادة من مرحلة خلط الأوراق والتفتيش عن ترتيبات جيوسياسية جديدة في القوقاز ، إذ أن الفراغ الناجم عن انهيار الماركسية أعاد ملأ النمو المتزايد للأيديولوجيات القومية . وفي هذا المناخ ، اندفع أرمن قره بباغ لإعادة تركيز شرعية هويتهم القومية علي قاعدة إبراز أنهم ليسوا جماعة هامشية بعثرتها أمواج التاريخ في الخضم الآذري الواسع ، بل هم جماعة تاريخية حية متراصة البنيان تمتد جذورها في عمق كياينة الشعب الأرمني . وبذا ، أعلن أرمن قره باغ استقلالهم عن أذربيجان في عام 1991 وقيام جمهوريتهم المستقلة بكل مؤسساتها الدستورية . بيد أن هذا الإعلان لم يحظ حتي الآن بالاعترافات الدولية.
وتتمحور مشكلة قره باغ حول مفهومين في القانون الدولي يتعايشان بصعوبة ويتواجهان بسهولة : منطق الدولة وحقها الشرعي في الحفاظ علي كيانها تجاه الأخطار ، ومنطق الشعوب وحقها في تقرير مصيرها في كيان سياسي مستقل . ومن هنا ، لن تحقق المعالجة القانونية للمشكلة حلا مرضيا للطرفين مما سيفتح الباب لاحقا أمام عمل عسكري سعي المتصارعون عبره إلي تأكيد قوتهم وتفوقهم كمدخل لمكاسب سياسية محتملة . وبدأت مؤشرات التصعيد العسكري منذ أواخر عام 1991 ، وظلت مستمرة حتي 12 مايو 1994 حين هدأت الأوضاع العسكرية بموجب اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين أذربيجان وقره باغ وأرمينية إفساحا للمجال أمام المفاوضات التي لا تزال مستمرة حتي الآن دون إحراز أية نتائج ملحوظة . وبذلك تضاف مشكلة قره باغ بكل تعقيداتها إلي المشكلة الدولية الكبري لتأخذ مكانتها بين المشكلتين الفلسطينية والبلقانية .
......................................................................................................
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» السياسة ليست دين ( دينا )
» القضية الأرمنية في المعاهدات الدولية للدكتور محمد رفعت الإمام
» مشكلة دارفور
» القضية الأرمنية في المعاهدات الدولية للدكتور محمد رفعت الإمام
» مشكلة دارفور
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin