أديب إسحق كاتبا مسرحيا قراءة في كتاب ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر1799-1882) لفيليب سادجروف
صفحة 1 من اصل 1
أديب إسحق كاتبا مسرحيا قراءة في كتاب ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر1799-1882) لفيليب سادجروف
أديب إسحق كاتبا مسرحيا
قراءة في كتاب ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر1799-1882) لفيليب سادجروف
في عام 1874 ، قدم مارون نقاش أول مسرحية عربية له في بيروت – ويجمع الدارسون علي أنها أول مسرحية في الأدب العربي، ثم قدم مسرحيته الثانية " أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد" في بيته أيضا عام 1849 ، ثم قدم مسرحيته الثالثة " الحسود السليط " في مسرح بسيط أقامه بجوار بيته عام 1853 .
وخلال تلك الفترة وفي عهد الخديو إسماعيل ، لقيت الفرق المسرحية الأوربية تشجيعًا كبيرا في مصر . فقد استقبل الخديو إسماعيل الفرق الإيطالية والفرنسية ، كما شّيد في عام 1869 ( دار الأوبرا الخديوية) بمناسبة افتتاح قناة السويس التي قدمت عليها لأول مرة أوبر( ريجوليتو) ، كما قدمت في عام 1871 أوبرا ( عايدة) المستوحاة من التاريخ الفرعوني.
عاصر وواكب هذا النشاط المسرحي، يعقوب صنوع أول رواد المسرح المصري ؛ إذ يعد أول من قدم مسرحية مصرية علي مسرح يقوم بتمثيلها ممثلون مصريون.
وشهدت مصر توافد المبدعين الشاميين أمثال سليم نقاش بفرقته وبصحبته أديب إسحق ويوسف خياط وأحمد أبي خليل القباني وسليمان القرداحي. وينضم إليهم في القرن التاسع عشر رواد آخرون من أجل بناء مسرح مصري ، نذكر منهم محمد عثمان جلال.
وتُعد فترة القرن التاسع عشر فترة خصبة من حيث إنها تمثل البدايات الأولي للمسرح العربي الوافد إلي المنطقة العربية. تفاعلت معها دراسات عديدة رائدة نذكر منها :الدراسة الرائدة التي قام بها الدكتور محمد يوسف نجم بعنوان ( المسرحية في الأدب العربي) وكتاب الدكتور سعد الدين دغمان ( الأصول التاريخية للدراما في الأدب العربي) ويعقوب لنداو( دراسات في المسرح والسينما عند العرب) والدكتور أحمد سمير بيبرس ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر) والدكتور سيد علي إسماعيل ( تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر) وغيرها .
وتأتي دراسة فيليب سادجروف، التي تعد من الدراسات المهمة التي تناولت التأريخ للمسرح المصري في القرن التاسع عشر، وتمت طباعتها ثلاث مرات في مصر ، الأولي عن المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية بوزارة الثقافة ؛ في ترجمه للدكتور أمين العيوطي وتقديم الدكتور سيد علي إسماعيل ،والثانية أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن مشروع مكتبة الأسرة بترجمة عمرو زكريا عبدالله وتقديم الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي ، والثالثة عن المركز القومي للترجمة.
فيليب سادجروف
ولد في عام 1944في مدينة ووربك بإنجلترا ، وتلقي تعليمه الجامعي في جامعة إدنبرة بإسكتلندة حصل منها علي درجة الماجستير في اللغة العربية عام 1974، وعلي الدكتوراة عام 1983 في موضوع " تأثير الصحافة علي تطور الأدب العربي في مصر : في الفترة من عام 1798-1882" . وفي المجال الدبلوماسي ، عمل سادجروف في وزارة الخارجية البريطانية من عام 1963 إلي 1970 ، فكان نائب القنصل البريطاني بالإسكندرية في مصر عام 1967 ، وعمل بالقسم السياسي في السفارة بلبنان والسعودية من عام 1968 إلي 1970.
وفي المجال الأكاديمي ، عمل سادجروف محاضرا في قسم الترجمة بجامعة هريات وات بإدنبرة. كما عمل بقسم الدراسات العربية بجامعة إدنبرة وجامعة درهام، ثم انتقل إلي قسم الدراسات الشرق أوسطية إلي جامعة مانشستر منذ عام 1970. وأشرف سادجرو ف علي عدة رسائل للماجستير والدكتوراة في مجال الأدب العربي بصفة عامة، وفي مجال المسرح بصفة خاصة .
أما إنتاجه العلمي، فيتنوع بين تأليف الكتب ونشر المقالات والدراسات. ومن أهم كتبه." المسرح المصري في القرن التاسع عشر"و" الحركة المسرحية عند اليهود في البلاد العربية في القرن التاسع عشر"و" تاريخ الصحافة المصرية في القرن التاسع عشر" و" دور العرب في الحياة الثقافية في زنجبار من سنة 1840 إلي 1930"
وأيضا ، "المسرح العربي في سورية بعد مارون نقاش" عام 1987 و"ليلي ..أول مأساة مصرية " عام 1988 و" المسرح اليهودي العربي في بيروت " عام1992 و" الصحافة في مصر في عهد محمد علي" عام 1998 و" الصحافة الأوربية في عصر الخديو إسماعيل " عام 2005 وآخر أعماله الجزء الخاص عن الأدب العربي المنشور عام 2005 والجزء الخاص عن المسرح العربي المنشور عام 2006 في الجزئين الثالث والسادس من موسوعة "تاريخ كمبريدج للادب العربي".
كتاب جورج سادجروف ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر 1799-1882)
قسم الكاتب دراسته إلي خمسة فصول وثلاثة ملاحق، وأُطلق علي الفصل الأول تمهيدًا، ولم يكن تمهيدا بقدر ما كان ملخصا ،وبمجرد قراءة الفصل الأول نستطيع أن نُلم بكل محتوي الكتاب.
وفي الفصل الثاني الذي يحمل عنوان " الدراما العربية التقليدية ، وتناول فيه المؤلف القرقوز وخيال الظل ومسرح الدمي وأولاد رابية *وغيرها مما كانت البذرة الأولي للمسرح العربي.
وكان عنوان الفصل الثالث" المسرح الأوربي في مصر" وأسهب فيه في تناول موضوعات كثيرة من أهمها ، تناول مسرح الحملة الفرنسية ، وعروض المسارح الفرنسية والإيطالية في الإسكندرية مثل زيزينيا وروسيني وفيتوليو إيمانويل والجراند أورينت ودرياني: كما تناول تاريخ عروض مسرحي الكوميدي والأوبرا الخديوية.
زد علي ذلك ، تناوله حول مسرح القصر وعروض الأزبكية وسيرك القاهرة،واهتم هذا الفصل بالتوثيق لعروض مسرحية لم نقرأ عنها في الدراسات السابقة، وذكر أسماء وقاعات وصالات- عروض الهواة الأوربيين- لم يرد لها ذكر من قبل ، ويرجع هذا إلي اعتماده علي الدوريات الأجنبية المعاصرة ( لفترة الدراسة) وأقوال الرحالة ووثائق عهد الخديو إسماعيل .
أما الفصل الرابع "أولي التجارب في الدراما العربية"، فقد اشتمل علي جهود بعض المصريين وتجاربهم الرائدة في المسرح العربي في مصر ، أمثال : يعقوب صنوع ومحمد عثمان جلال وترجماته المسرحية المجهولة ومحمد أُنسي صاحب أول مشروع نظري لإنشاء المسرح القومي في مصر ، ويرجع لسادجروف الفضل في اكتشاف هذا المشروع ونشره في ملاحق الكتاب ، ومحمد عبد الفتاح مؤلف مسرحية (ليلي) ،ويُذكر لسادجروف فضل اكتشافها.
والفصل الخامس " المسرح السوري في مصر"، وتناول فيه فرقة سليم نقاش، مرورًا بجهود أديب إسحاق وصولا إلي يوسف خياط وقيادته للفرقة ، ثم حديثه عن جهود سليمان القرداحي و وسليمان الحداد.
واستطاع سادجروف في هذا الفصل أن يضيف فترات تاريخية وأعمال لم يرد لها ذكر في دراسات سابقة.
ومما يُذكر لسادجروف في كتابه ،أنه تعرض للأنشطة والعروض المسرحية الفنية للجاليات الأجنبية. زد علي ذلك، أنشطة وعروض مسرحية لبعض الفرق المسرحية العربية في مصر لم تُذكرفي معظم الدراسات السابقة مثل : فرقة يعقوب صنوع،و فرقة سليم النقاش،و فرقة يوسف الخياط،و فرقة سليمان القرداحي.
كشف سادجروف عن جهود مسرحية لبعض الأعلام أمثال: رفاعة الطهطاوي الذي ترجم ( هيلانة الجميلة)، وعبد الله أبو السعود الذي ترجم مسرحية ( البخيل) ،ومحمد عثمان جلال الذي ترجم ( المفضلة) و( الفخ المنصوب للحكيم المغصوب)، ومحمد عبد الفتاح مؤلف مسرحية (ليلي).
كما اعتمد الكاتب علي مذكرات ومشاهدات الرحالة حيث لم يرد لها ذكرفي دراسات سابقة.
أديب إسحق كاتبا مسرحيا
و من خلال كتاب سادجروف( المسرح المصري في القرن التاسع عشر 1799-1882)، سُنلقي الضوء علي علمين بارزين من أصل أرمني من أعلام النهضة العربية ،كانا لهما دور بارز في إثراء الحركة المسرحية في العالم العربي ، الأول : أديب إسحاق وسنتاوله في هذا العدد ، أما العلم الآخر يوسف خياط ، فسوف نفرد له دراسة أخري.
لم يتعرض سادجروف لحياة أديب إسحق تفصيليا ، وكل ماذكره عنه معلومات مقتضبة ، فذكر أنه ولد ( 1856-1884) في دمشق ، وأتقن الفرنسية والتركية ،وكان لديه استعداد أدبي ، وقد كتب الشعر وهو لا يزال في طور المراهقة.
عمل في بداية حياته في مصلحة الجمارك ببيروت ، ثم مكتب البريد ، واختلط بالأوساط الأدبية وكان نشيطا في جمعياتها الثقافية، وعمل صحافيا في بيروت.
بدأ أديب إسحق نشاطه المسرحي في بيروت عندما كتب مسرحية في بيروت عنوانها ( الحادثة الصينية ) مع أعضاء من جمعية زهرات الآداب .
ألف مع سليم النقاش فرقة مسرحية، فكان أول تعاون فعلي مسرحي سوري ولبناني، وقد ألفا معاً وترجما عددًا من المسرحيات عُرضت في المدن السورية.
وثمة حقيقة جد مهمة ؛ إذ لم يقتصر نشاط أديب إسحق المسرحي علي التأليف والترجمة فقط، بل في الإخراج والتمثيل مع سليم النقاش في سوريا قبل مجيئه إلي مصر.
استدعي سليم نقاش أديب إسحاق ليشاركه في أنشطته المسرحية ، بعد أن انتقل بفرقته إلي مصر في عام 1876 .
أعمـــــاله المــــــسرحية
أندروماك
في عام 1875 ، وفي التاسعة عشرة من عمره وبناءً علي طلب من القنصل الفرنسي في بيروت ترجم وراجع مسرحية ( أندروماك) التي كتبها راسين عام 1667 . وتدور أحداث المسرحية عندما تقع أندروماك أسيرة عندما يُقتل زوجها هيكتور وهو يدافع عن طروادة ، ولكي تُنقذ ابنها كان عليها أن تتزوج من الظافر بيروس. وكي تظل مخلصة لزوجها ولا تضحي بابنها تقررأن تموت ولكن أوريست يقتل بيروس قبل أن تقدم علي هذه الفعلة.
ويُلاحظ أن المسرحية بعيدة عن البيئة العربية والذوق العربي ، وكي تُناسب هذا الذوق ترجمها إلي نثر مسجوع ، وأضاف إليها أشعارًا جديدة وبعض الأغاني التركية لتُناسب ذوق جمهور النظارة .وعُرضت في أمسية خيرية بعد وصوله إلي الإسكندرية..
شارلمان ملك فرنسا
كتبها أديب إسحق عندما وصل إلي الإسكندرية وهي دراما من 4 فصول ، كتبت باللغة العربية نثرا وشعرا ، وكانت تتضمن أغاني . وهي ترتكز علي مسرحية هنري دي بونيه ( 1825-1901) ( ابنة رولان) وهي مأخوذة عن ملحق إضافي لأغنية رولان التي عُرضت لأول مرة في فبراير من عام 1875 .
يذهب يوسف أسعد داغر في معجم المسرحيات العربية أنها معدلة عن مسرحية للأديب الفرنسي فيكتور هوجو أو قد تكون تعديلا لمسرحية لسازيمير ديلافين .
تتعلق هذه المسرحية بالحروب التي دارت بين الفرنج والعرب الذين فتحوا الأندلس.
وتروي قصة البطل الشجاع ، جيرال الذي ينقذ فتاة صغيرة ( بيرتا) والتي حاول زعيم سكسوني أن يخطفها ويغتصبها . وهي ابنة رولان وحفيدة ( شارلمان) ويزوجها شارلمان ل( جيرال).لكن جيرال المحطم القلب يهجر الفتاة وسصحب أباه ( غانلون) الذي خدع شارلمان إلي فلسطين.
غرائب الاتفاق في أحوال العشاق
كتب إسحق في الإسكندرية ثالثة من خمسة فصول ( غرائب الاتفاق في أحوال العشاق) ،ولا شك أن فرقة النقاش قد عرضتها ، ويبدو هناك خلطا ما بين هذه المسرحية ومسرحية كتبها النقاش ويقال إنه أكملها في الخامس من مارس عام 1877 وهي ( غرائب الصدف) وقد نشرها فيما بعد في الإسكندرية يوسف النقاش شقيق سليم النقاش.
تقع أحداث المسرحية في الهند.. عندما تقع لويزا مخطوبة الجنرال سير تشارلز ، ويقع في غرامها أميرهندي ( سينكرام) وهو الذي يقبض عليها في مؤامرة لتحرير الهند من الحكم الإنجليزي ويموت ويطلق سراحها وتتزوج الإنجليزي فيما بعد.
يقتل ( سينكرام ) بيد خطيبها السابق الذي كان غائبا وقتا طويلا وهو الأمير الفرنسي ألبير الذي يتزوج أخت تشارلز
الباريسية الحسناء
ويشير سادجروف إلي أن هناك مسرحية بعنوان( أديب ) سُرق مخطوطها من بيته ب( الحدث) بالقرب من بيروت ، وُيرجح أن تكون هذه المسرحية أُعدت عن ترجمة لرواية الباريسية الحسناء التي كتبتها الكونتيسة ( داش) ونُشرت عام 1864 تدور أحداث الرواية عن الحياة الهادئة لزوجين متحابَّين، هما: «ڤكتور ديلار» الشاب الوسيم الطموح، و«ماري دملفو» القرويَّة البريئة شريفة النفس، حيث تمضي بهما الحياة سعيدةً بعد حب تَوَّجَه الزواج، ثم تصيب «ڤكتور» الأُلْفة والتعوُّد، فالملل؛ فيرى زوجته الوفيَّة مجرد قروية ساذجة، ويغفل عن جمالها الداخلي والخارجي، منجذبًا لماركيزة متزوجة، هي «أليس»، فتخلب لُبَّه بزينتها وجمالها الراقي، وطبائعها المختلفة عن طبائع بنات الريف البريئات، ليسافر إلى باريس تاركًا زوجته وأولاده خلفه متعللًا بالدراسة، وزوجته المسكينة تعلم بأمره مع «الباريسية الحسناء»، فتتبعه إلى باريس، يحدوها الحب والرغبة في الحفاظ على كيان أسرتهم، ليعود «ڤكتور» لرشده، حيث تنقذه ماري هو وحبيبته من الانتحار، فيتكشَّف له زيف غيِّه، وينبذ تلك العلاقة العابرة، ويعود لقريته مع حبه الحقيقي.
يمكن القول ، أن هذه المسرحيات اعتمدت علي نصوص أجنبية ترجمةً واقتباسًا ، ولم تلتزم أحيانا بالنصوص الأصلية بل كان يمكن التغيير في أحداثها والتصرف في الحوار ، ووضع الأشعار والأغاني لتتناسب مع الذوق المحلي. كما يٌلاحظ أن كتابة النصوص كان باللغة الفصحي ؛لأن اللهجة المصرية كانت غريبة بالنسبة إلي هذه الفرقة السورية وكان هذان الكاتبان( إسحق والنقاش) يجدان صعوبة في أن يكتبا باللهجة المصرية العامية.
من المسرح إلي الصحاقة
ويثير فيليب سادجروف حقيقة مهمة جديرة بالذكر ، تفرد بها عن الدارسين الذين تصدوا لتسجيل الحركة المسرحية في مصر خلال القرن التاسع عشر ، وهي أن أديب إسحق ورفيقه سليم نقاش لم يفشل مسرحهما ، بل كان ناجحا . وهذا يثبت بطلان ما قرره كتاب آخرون عكس ذلك مثل: باربو ويوسف نجم وجرجي زيدان ويعقوب لنداو.
ومما يؤكده سادجروف " أنه "رغم تشجيع الأهرام والوقائع المصرية لمشروع المسرح السوري في مصر وإعانات الخديو إسماعيل ومساعدة عدد من كبار رجال الحكومة مثل عمر باشا لطفي حاكم الإسكندرية ، فإن إسحق قرر في وقت ما من عام 1878 أن يكف عن أنتشطته المسرحية ويبدو من تقارير الصحافة أن هذه الفرقة كانت ناجحة علي نحو هائل ".
مما يعني أن الحركة المسرحية كانت تلقي دعما وتشجيعا من الخديو إسماعيل ، ودعم الصحف الصادرة وقتذاك ومنها الأهرام ورجال الدولة ومحبي المسرح.ولم تتوقف بسبب الفشل أو الإفلاس .
وطبقا لمعاصرهم ( سليم الأنهوري) فإن عقبات ثارت نتج عنها أن ألغيت عروض الفرقة نذكر منها:
• نصيحة جمال الدين الأفغاني للاثنين ( أديب إسحق وسليم النقاش) أن يتركا المسرح وأن يصبحا صحافيين
• أرسل أديب إسحق إلي القاهرة بخطاب تقديم إلي الأفغاني. وسرعان ما أصبح واحدا من حواريه وبمساعدته أخذ دكانا في باب اللوق وجهز مطبعة وشرع في إصدار جريدته ( مصر ) في يولية من عام 1877 .
أديــب إســحق نــاقدا مـــسرحيا
ترك أديب إسحق المسرح إلي الصحافة ، ليكشف لنا عن جانب آخر في تكوينه الفكري وموهبته الأدبية؛إذ كشفت موهبته الصحفية عن ناقد مسرحي ملم بخصائص العمل المسرحي ، متمتعا بذوق فني رفيع، يستند إلى موهبة فنية ، واطلاع واسع على مأثور الأدب المسرحي، متابعا للحركة المسرحية في مصر آنذاك.
و كتب أديب إسحق في جريدة مصر " أن سليما كان يأمل أن يحصل علي تصريح من الحكومة كي يعرض مسرحا في أحد مسارح القاهرة علي الأرجح في موسم الشتاء التالي " .وأكدت الجريدة أن الحكومة سوف تنعم عليه بهذا التصريح
وفي موضع آخر يبين فيه متابعته الواعية للحركة المسرحية في مصر، وخصوصا مسرح سليم نقاش ؛ إذ نجد أن جريدة مصر التي يُشرف علي إصدارها تعلن عن مسرحيات سليم نقاش، بل تُعلن في أعداد لاحقة عن بيع نسخ من مسرحيته في دعاية كجزء من الحملة الإعلانية لإعادة فرقة سليم إلي القاهرة ، وكانت النسخ تُباع بأسعار مخفضة فرنك واحد للنسخة.
مسرح سليم النقاش
وفي سياق الحديث عن أديب إسحق ومقدرته النقدية في الحقل المسرحي، هناك سؤال يطرح نفسه، رغم ثناء أديب إسحق علي مسرح وأسلوب سليم نقاش.. فلماذا ترك نقاش المسرح إلي الصحافة رغم امتلاكه لناصية عمله ونجاحاته التي ذكرها أديب إسحق في كتاباته في جريدة "مصر"؟.
فقد أثني أديب إسحق علي مسرحيات سليم نقاش ، وذلك لكونها حافلة بالأقوال المأثورة والأغاني المؤثرة والشعر الرقيق الممتاز.
وفي موضع آخر " إن روح الفكاهة في مسرحياته نقاش له جانب جاد". وأطلق علي مسرح سليم نقاش ( سوق عكاظ) العصر.
ويصف أديب إسحق ( سليم النقاش ) بأنه أديب متفوق في هذا الفن :" وهو من أوائل العرب الذين أسسوا مسرحا منظما . وقد كان قصد الأفندي أن يدع هذه الفرقة تعرض في القاهرة في خدمة الخديو النبيل. وقد طار إلي هذه المدينة ؛ ليحقق هدفه لأن المجتمع المصري عربي ، وفرقة المسرح العربي بلا شك أكثر فائدة له من المسرح الأوربي" .
..........................
المسرح والمجتمع
يُعتبر المسرح المرآة التي تعكس واقع المجتمع من خلال ما يقدمه من عروض مسرحية ، نصوصها تستند للواقع الذي يعيشه المجتمع فتقتبس منه الكثير من الأحداث والوقائع ليتم تجسيدها إلى عروض مسرحية مختلفة تهدف لتسليط الضوء على واقع المجتمع سواء من حيث الاستقرار أو من حيث المعاناة ،وطرح هذه المعاناة للنقاش والتحليل .ومن ثم الحصول على شركاء مختلفين في الإمكانيات والأفكار ليتم إيجاد الحلول المناسبة للتخلص من هذه الظروف الصعبة التي تمر على المجتمعات كافة. وقد سبق أديب إسحق النقاد العرب في إبراز هذه الناحية في أهمية المسرح بالنسبة للمجتمع وتفاعله مع قضاياه، وتحقيقه لنهضته.
فيري إسحق أن فن المسرح أحد أسباب تقدم المجتمع الإنساني في أوربا، وهو أحد متطلبات المجتمع ، بل إن المسارح ظلت مفتوحة حين كانت باريس محاصرة من جانب البروسيين عام 1871 .
ويعدد أديب إسحاق فوائد المسرح؛ إذ ينقل أمامك الحدث مجسداويتركك لتشكل الصورة في ذهنك ، مما يجعلها تنطبع ولا يمكن محوها بسهولة.
"إن المسرح عرض عام لأخطاء البشرية ومحاسنها ؛ إنه يبين معرفة العالمين وجهل غير المتعلمين ، كما تصور الأحداث بشكل يمكن المتفرج من تخيلها بعد ذلك.كصورة لا يمكن أن تمحي مطبوعة علي ذهنه ، ويتعذر محوها بسهولة . لكن الصوت الحي أيضا له تأثير هائل علي المستمع".
وفي نفس المقال ، يشرح المقال كيف أنهم يجنون فوائد من هذه الانطباعات ، لأنه من الواضح أن أي واحد يري شخصا مقتولا يتأثر بطريقة مختلفة عن شخص سمع فقط عن الجريمة
.........
قراءة في كتاب ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر1799-1882) لفيليب سادجروف
في عام 1874 ، قدم مارون نقاش أول مسرحية عربية له في بيروت – ويجمع الدارسون علي أنها أول مسرحية في الأدب العربي، ثم قدم مسرحيته الثانية " أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد" في بيته أيضا عام 1849 ، ثم قدم مسرحيته الثالثة " الحسود السليط " في مسرح بسيط أقامه بجوار بيته عام 1853 .
وخلال تلك الفترة وفي عهد الخديو إسماعيل ، لقيت الفرق المسرحية الأوربية تشجيعًا كبيرا في مصر . فقد استقبل الخديو إسماعيل الفرق الإيطالية والفرنسية ، كما شّيد في عام 1869 ( دار الأوبرا الخديوية) بمناسبة افتتاح قناة السويس التي قدمت عليها لأول مرة أوبر( ريجوليتو) ، كما قدمت في عام 1871 أوبرا ( عايدة) المستوحاة من التاريخ الفرعوني.
عاصر وواكب هذا النشاط المسرحي، يعقوب صنوع أول رواد المسرح المصري ؛ إذ يعد أول من قدم مسرحية مصرية علي مسرح يقوم بتمثيلها ممثلون مصريون.
وشهدت مصر توافد المبدعين الشاميين أمثال سليم نقاش بفرقته وبصحبته أديب إسحق ويوسف خياط وأحمد أبي خليل القباني وسليمان القرداحي. وينضم إليهم في القرن التاسع عشر رواد آخرون من أجل بناء مسرح مصري ، نذكر منهم محمد عثمان جلال.
وتُعد فترة القرن التاسع عشر فترة خصبة من حيث إنها تمثل البدايات الأولي للمسرح العربي الوافد إلي المنطقة العربية. تفاعلت معها دراسات عديدة رائدة نذكر منها :الدراسة الرائدة التي قام بها الدكتور محمد يوسف نجم بعنوان ( المسرحية في الأدب العربي) وكتاب الدكتور سعد الدين دغمان ( الأصول التاريخية للدراما في الأدب العربي) ويعقوب لنداو( دراسات في المسرح والسينما عند العرب) والدكتور أحمد سمير بيبرس ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر) والدكتور سيد علي إسماعيل ( تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر) وغيرها .
وتأتي دراسة فيليب سادجروف، التي تعد من الدراسات المهمة التي تناولت التأريخ للمسرح المصري في القرن التاسع عشر، وتمت طباعتها ثلاث مرات في مصر ، الأولي عن المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية بوزارة الثقافة ؛ في ترجمه للدكتور أمين العيوطي وتقديم الدكتور سيد علي إسماعيل ،والثانية أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن مشروع مكتبة الأسرة بترجمة عمرو زكريا عبدالله وتقديم الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي ، والثالثة عن المركز القومي للترجمة.
فيليب سادجروف
ولد في عام 1944في مدينة ووربك بإنجلترا ، وتلقي تعليمه الجامعي في جامعة إدنبرة بإسكتلندة حصل منها علي درجة الماجستير في اللغة العربية عام 1974، وعلي الدكتوراة عام 1983 في موضوع " تأثير الصحافة علي تطور الأدب العربي في مصر : في الفترة من عام 1798-1882" . وفي المجال الدبلوماسي ، عمل سادجروف في وزارة الخارجية البريطانية من عام 1963 إلي 1970 ، فكان نائب القنصل البريطاني بالإسكندرية في مصر عام 1967 ، وعمل بالقسم السياسي في السفارة بلبنان والسعودية من عام 1968 إلي 1970.
وفي المجال الأكاديمي ، عمل سادجروف محاضرا في قسم الترجمة بجامعة هريات وات بإدنبرة. كما عمل بقسم الدراسات العربية بجامعة إدنبرة وجامعة درهام، ثم انتقل إلي قسم الدراسات الشرق أوسطية إلي جامعة مانشستر منذ عام 1970. وأشرف سادجرو ف علي عدة رسائل للماجستير والدكتوراة في مجال الأدب العربي بصفة عامة، وفي مجال المسرح بصفة خاصة .
أما إنتاجه العلمي، فيتنوع بين تأليف الكتب ونشر المقالات والدراسات. ومن أهم كتبه." المسرح المصري في القرن التاسع عشر"و" الحركة المسرحية عند اليهود في البلاد العربية في القرن التاسع عشر"و" تاريخ الصحافة المصرية في القرن التاسع عشر" و" دور العرب في الحياة الثقافية في زنجبار من سنة 1840 إلي 1930"
وأيضا ، "المسرح العربي في سورية بعد مارون نقاش" عام 1987 و"ليلي ..أول مأساة مصرية " عام 1988 و" المسرح اليهودي العربي في بيروت " عام1992 و" الصحافة في مصر في عهد محمد علي" عام 1998 و" الصحافة الأوربية في عصر الخديو إسماعيل " عام 2005 وآخر أعماله الجزء الخاص عن الأدب العربي المنشور عام 2005 والجزء الخاص عن المسرح العربي المنشور عام 2006 في الجزئين الثالث والسادس من موسوعة "تاريخ كمبريدج للادب العربي".
كتاب جورج سادجروف ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر 1799-1882)
قسم الكاتب دراسته إلي خمسة فصول وثلاثة ملاحق، وأُطلق علي الفصل الأول تمهيدًا، ولم يكن تمهيدا بقدر ما كان ملخصا ،وبمجرد قراءة الفصل الأول نستطيع أن نُلم بكل محتوي الكتاب.
وفي الفصل الثاني الذي يحمل عنوان " الدراما العربية التقليدية ، وتناول فيه المؤلف القرقوز وخيال الظل ومسرح الدمي وأولاد رابية *وغيرها مما كانت البذرة الأولي للمسرح العربي.
وكان عنوان الفصل الثالث" المسرح الأوربي في مصر" وأسهب فيه في تناول موضوعات كثيرة من أهمها ، تناول مسرح الحملة الفرنسية ، وعروض المسارح الفرنسية والإيطالية في الإسكندرية مثل زيزينيا وروسيني وفيتوليو إيمانويل والجراند أورينت ودرياني: كما تناول تاريخ عروض مسرحي الكوميدي والأوبرا الخديوية.
زد علي ذلك ، تناوله حول مسرح القصر وعروض الأزبكية وسيرك القاهرة،واهتم هذا الفصل بالتوثيق لعروض مسرحية لم نقرأ عنها في الدراسات السابقة، وذكر أسماء وقاعات وصالات- عروض الهواة الأوربيين- لم يرد لها ذكر من قبل ، ويرجع هذا إلي اعتماده علي الدوريات الأجنبية المعاصرة ( لفترة الدراسة) وأقوال الرحالة ووثائق عهد الخديو إسماعيل .
أما الفصل الرابع "أولي التجارب في الدراما العربية"، فقد اشتمل علي جهود بعض المصريين وتجاربهم الرائدة في المسرح العربي في مصر ، أمثال : يعقوب صنوع ومحمد عثمان جلال وترجماته المسرحية المجهولة ومحمد أُنسي صاحب أول مشروع نظري لإنشاء المسرح القومي في مصر ، ويرجع لسادجروف الفضل في اكتشاف هذا المشروع ونشره في ملاحق الكتاب ، ومحمد عبد الفتاح مؤلف مسرحية (ليلي) ،ويُذكر لسادجروف فضل اكتشافها.
والفصل الخامس " المسرح السوري في مصر"، وتناول فيه فرقة سليم نقاش، مرورًا بجهود أديب إسحاق وصولا إلي يوسف خياط وقيادته للفرقة ، ثم حديثه عن جهود سليمان القرداحي و وسليمان الحداد.
واستطاع سادجروف في هذا الفصل أن يضيف فترات تاريخية وأعمال لم يرد لها ذكر في دراسات سابقة.
ومما يُذكر لسادجروف في كتابه ،أنه تعرض للأنشطة والعروض المسرحية الفنية للجاليات الأجنبية. زد علي ذلك، أنشطة وعروض مسرحية لبعض الفرق المسرحية العربية في مصر لم تُذكرفي معظم الدراسات السابقة مثل : فرقة يعقوب صنوع،و فرقة سليم النقاش،و فرقة يوسف الخياط،و فرقة سليمان القرداحي.
كشف سادجروف عن جهود مسرحية لبعض الأعلام أمثال: رفاعة الطهطاوي الذي ترجم ( هيلانة الجميلة)، وعبد الله أبو السعود الذي ترجم مسرحية ( البخيل) ،ومحمد عثمان جلال الذي ترجم ( المفضلة) و( الفخ المنصوب للحكيم المغصوب)، ومحمد عبد الفتاح مؤلف مسرحية (ليلي).
كما اعتمد الكاتب علي مذكرات ومشاهدات الرحالة حيث لم يرد لها ذكرفي دراسات سابقة.
أديب إسحق كاتبا مسرحيا
و من خلال كتاب سادجروف( المسرح المصري في القرن التاسع عشر 1799-1882)، سُنلقي الضوء علي علمين بارزين من أصل أرمني من أعلام النهضة العربية ،كانا لهما دور بارز في إثراء الحركة المسرحية في العالم العربي ، الأول : أديب إسحاق وسنتاوله في هذا العدد ، أما العلم الآخر يوسف خياط ، فسوف نفرد له دراسة أخري.
لم يتعرض سادجروف لحياة أديب إسحق تفصيليا ، وكل ماذكره عنه معلومات مقتضبة ، فذكر أنه ولد ( 1856-1884) في دمشق ، وأتقن الفرنسية والتركية ،وكان لديه استعداد أدبي ، وقد كتب الشعر وهو لا يزال في طور المراهقة.
عمل في بداية حياته في مصلحة الجمارك ببيروت ، ثم مكتب البريد ، واختلط بالأوساط الأدبية وكان نشيطا في جمعياتها الثقافية، وعمل صحافيا في بيروت.
بدأ أديب إسحق نشاطه المسرحي في بيروت عندما كتب مسرحية في بيروت عنوانها ( الحادثة الصينية ) مع أعضاء من جمعية زهرات الآداب .
ألف مع سليم النقاش فرقة مسرحية، فكان أول تعاون فعلي مسرحي سوري ولبناني، وقد ألفا معاً وترجما عددًا من المسرحيات عُرضت في المدن السورية.
وثمة حقيقة جد مهمة ؛ إذ لم يقتصر نشاط أديب إسحق المسرحي علي التأليف والترجمة فقط، بل في الإخراج والتمثيل مع سليم النقاش في سوريا قبل مجيئه إلي مصر.
استدعي سليم نقاش أديب إسحاق ليشاركه في أنشطته المسرحية ، بعد أن انتقل بفرقته إلي مصر في عام 1876 .
أعمـــــاله المــــــسرحية
أندروماك
في عام 1875 ، وفي التاسعة عشرة من عمره وبناءً علي طلب من القنصل الفرنسي في بيروت ترجم وراجع مسرحية ( أندروماك) التي كتبها راسين عام 1667 . وتدور أحداث المسرحية عندما تقع أندروماك أسيرة عندما يُقتل زوجها هيكتور وهو يدافع عن طروادة ، ولكي تُنقذ ابنها كان عليها أن تتزوج من الظافر بيروس. وكي تظل مخلصة لزوجها ولا تضحي بابنها تقررأن تموت ولكن أوريست يقتل بيروس قبل أن تقدم علي هذه الفعلة.
ويُلاحظ أن المسرحية بعيدة عن البيئة العربية والذوق العربي ، وكي تُناسب هذا الذوق ترجمها إلي نثر مسجوع ، وأضاف إليها أشعارًا جديدة وبعض الأغاني التركية لتُناسب ذوق جمهور النظارة .وعُرضت في أمسية خيرية بعد وصوله إلي الإسكندرية..
شارلمان ملك فرنسا
كتبها أديب إسحق عندما وصل إلي الإسكندرية وهي دراما من 4 فصول ، كتبت باللغة العربية نثرا وشعرا ، وكانت تتضمن أغاني . وهي ترتكز علي مسرحية هنري دي بونيه ( 1825-1901) ( ابنة رولان) وهي مأخوذة عن ملحق إضافي لأغنية رولان التي عُرضت لأول مرة في فبراير من عام 1875 .
يذهب يوسف أسعد داغر في معجم المسرحيات العربية أنها معدلة عن مسرحية للأديب الفرنسي فيكتور هوجو أو قد تكون تعديلا لمسرحية لسازيمير ديلافين .
تتعلق هذه المسرحية بالحروب التي دارت بين الفرنج والعرب الذين فتحوا الأندلس.
وتروي قصة البطل الشجاع ، جيرال الذي ينقذ فتاة صغيرة ( بيرتا) والتي حاول زعيم سكسوني أن يخطفها ويغتصبها . وهي ابنة رولان وحفيدة ( شارلمان) ويزوجها شارلمان ل( جيرال).لكن جيرال المحطم القلب يهجر الفتاة وسصحب أباه ( غانلون) الذي خدع شارلمان إلي فلسطين.
غرائب الاتفاق في أحوال العشاق
كتب إسحق في الإسكندرية ثالثة من خمسة فصول ( غرائب الاتفاق في أحوال العشاق) ،ولا شك أن فرقة النقاش قد عرضتها ، ويبدو هناك خلطا ما بين هذه المسرحية ومسرحية كتبها النقاش ويقال إنه أكملها في الخامس من مارس عام 1877 وهي ( غرائب الصدف) وقد نشرها فيما بعد في الإسكندرية يوسف النقاش شقيق سليم النقاش.
تقع أحداث المسرحية في الهند.. عندما تقع لويزا مخطوبة الجنرال سير تشارلز ، ويقع في غرامها أميرهندي ( سينكرام) وهو الذي يقبض عليها في مؤامرة لتحرير الهند من الحكم الإنجليزي ويموت ويطلق سراحها وتتزوج الإنجليزي فيما بعد.
يقتل ( سينكرام ) بيد خطيبها السابق الذي كان غائبا وقتا طويلا وهو الأمير الفرنسي ألبير الذي يتزوج أخت تشارلز
الباريسية الحسناء
ويشير سادجروف إلي أن هناك مسرحية بعنوان( أديب ) سُرق مخطوطها من بيته ب( الحدث) بالقرب من بيروت ، وُيرجح أن تكون هذه المسرحية أُعدت عن ترجمة لرواية الباريسية الحسناء التي كتبتها الكونتيسة ( داش) ونُشرت عام 1864 تدور أحداث الرواية عن الحياة الهادئة لزوجين متحابَّين، هما: «ڤكتور ديلار» الشاب الوسيم الطموح، و«ماري دملفو» القرويَّة البريئة شريفة النفس، حيث تمضي بهما الحياة سعيدةً بعد حب تَوَّجَه الزواج، ثم تصيب «ڤكتور» الأُلْفة والتعوُّد، فالملل؛ فيرى زوجته الوفيَّة مجرد قروية ساذجة، ويغفل عن جمالها الداخلي والخارجي، منجذبًا لماركيزة متزوجة، هي «أليس»، فتخلب لُبَّه بزينتها وجمالها الراقي، وطبائعها المختلفة عن طبائع بنات الريف البريئات، ليسافر إلى باريس تاركًا زوجته وأولاده خلفه متعللًا بالدراسة، وزوجته المسكينة تعلم بأمره مع «الباريسية الحسناء»، فتتبعه إلى باريس، يحدوها الحب والرغبة في الحفاظ على كيان أسرتهم، ليعود «ڤكتور» لرشده، حيث تنقذه ماري هو وحبيبته من الانتحار، فيتكشَّف له زيف غيِّه، وينبذ تلك العلاقة العابرة، ويعود لقريته مع حبه الحقيقي.
يمكن القول ، أن هذه المسرحيات اعتمدت علي نصوص أجنبية ترجمةً واقتباسًا ، ولم تلتزم أحيانا بالنصوص الأصلية بل كان يمكن التغيير في أحداثها والتصرف في الحوار ، ووضع الأشعار والأغاني لتتناسب مع الذوق المحلي. كما يٌلاحظ أن كتابة النصوص كان باللغة الفصحي ؛لأن اللهجة المصرية كانت غريبة بالنسبة إلي هذه الفرقة السورية وكان هذان الكاتبان( إسحق والنقاش) يجدان صعوبة في أن يكتبا باللهجة المصرية العامية.
من المسرح إلي الصحاقة
ويثير فيليب سادجروف حقيقة مهمة جديرة بالذكر ، تفرد بها عن الدارسين الذين تصدوا لتسجيل الحركة المسرحية في مصر خلال القرن التاسع عشر ، وهي أن أديب إسحق ورفيقه سليم نقاش لم يفشل مسرحهما ، بل كان ناجحا . وهذا يثبت بطلان ما قرره كتاب آخرون عكس ذلك مثل: باربو ويوسف نجم وجرجي زيدان ويعقوب لنداو.
ومما يؤكده سادجروف " أنه "رغم تشجيع الأهرام والوقائع المصرية لمشروع المسرح السوري في مصر وإعانات الخديو إسماعيل ومساعدة عدد من كبار رجال الحكومة مثل عمر باشا لطفي حاكم الإسكندرية ، فإن إسحق قرر في وقت ما من عام 1878 أن يكف عن أنتشطته المسرحية ويبدو من تقارير الصحافة أن هذه الفرقة كانت ناجحة علي نحو هائل ".
مما يعني أن الحركة المسرحية كانت تلقي دعما وتشجيعا من الخديو إسماعيل ، ودعم الصحف الصادرة وقتذاك ومنها الأهرام ورجال الدولة ومحبي المسرح.ولم تتوقف بسبب الفشل أو الإفلاس .
وطبقا لمعاصرهم ( سليم الأنهوري) فإن عقبات ثارت نتج عنها أن ألغيت عروض الفرقة نذكر منها:
• نصيحة جمال الدين الأفغاني للاثنين ( أديب إسحق وسليم النقاش) أن يتركا المسرح وأن يصبحا صحافيين
• أرسل أديب إسحق إلي القاهرة بخطاب تقديم إلي الأفغاني. وسرعان ما أصبح واحدا من حواريه وبمساعدته أخذ دكانا في باب اللوق وجهز مطبعة وشرع في إصدار جريدته ( مصر ) في يولية من عام 1877 .
أديــب إســحق نــاقدا مـــسرحيا
ترك أديب إسحق المسرح إلي الصحافة ، ليكشف لنا عن جانب آخر في تكوينه الفكري وموهبته الأدبية؛إذ كشفت موهبته الصحفية عن ناقد مسرحي ملم بخصائص العمل المسرحي ، متمتعا بذوق فني رفيع، يستند إلى موهبة فنية ، واطلاع واسع على مأثور الأدب المسرحي، متابعا للحركة المسرحية في مصر آنذاك.
و كتب أديب إسحق في جريدة مصر " أن سليما كان يأمل أن يحصل علي تصريح من الحكومة كي يعرض مسرحا في أحد مسارح القاهرة علي الأرجح في موسم الشتاء التالي " .وأكدت الجريدة أن الحكومة سوف تنعم عليه بهذا التصريح
وفي موضع آخر يبين فيه متابعته الواعية للحركة المسرحية في مصر، وخصوصا مسرح سليم نقاش ؛ إذ نجد أن جريدة مصر التي يُشرف علي إصدارها تعلن عن مسرحيات سليم نقاش، بل تُعلن في أعداد لاحقة عن بيع نسخ من مسرحيته في دعاية كجزء من الحملة الإعلانية لإعادة فرقة سليم إلي القاهرة ، وكانت النسخ تُباع بأسعار مخفضة فرنك واحد للنسخة.
مسرح سليم النقاش
وفي سياق الحديث عن أديب إسحق ومقدرته النقدية في الحقل المسرحي، هناك سؤال يطرح نفسه، رغم ثناء أديب إسحق علي مسرح وأسلوب سليم نقاش.. فلماذا ترك نقاش المسرح إلي الصحافة رغم امتلاكه لناصية عمله ونجاحاته التي ذكرها أديب إسحق في كتاباته في جريدة "مصر"؟.
فقد أثني أديب إسحق علي مسرحيات سليم نقاش ، وذلك لكونها حافلة بالأقوال المأثورة والأغاني المؤثرة والشعر الرقيق الممتاز.
وفي موضع آخر " إن روح الفكاهة في مسرحياته نقاش له جانب جاد". وأطلق علي مسرح سليم نقاش ( سوق عكاظ) العصر.
ويصف أديب إسحق ( سليم النقاش ) بأنه أديب متفوق في هذا الفن :" وهو من أوائل العرب الذين أسسوا مسرحا منظما . وقد كان قصد الأفندي أن يدع هذه الفرقة تعرض في القاهرة في خدمة الخديو النبيل. وقد طار إلي هذه المدينة ؛ ليحقق هدفه لأن المجتمع المصري عربي ، وفرقة المسرح العربي بلا شك أكثر فائدة له من المسرح الأوربي" .
..........................
المسرح والمجتمع
يُعتبر المسرح المرآة التي تعكس واقع المجتمع من خلال ما يقدمه من عروض مسرحية ، نصوصها تستند للواقع الذي يعيشه المجتمع فتقتبس منه الكثير من الأحداث والوقائع ليتم تجسيدها إلى عروض مسرحية مختلفة تهدف لتسليط الضوء على واقع المجتمع سواء من حيث الاستقرار أو من حيث المعاناة ،وطرح هذه المعاناة للنقاش والتحليل .ومن ثم الحصول على شركاء مختلفين في الإمكانيات والأفكار ليتم إيجاد الحلول المناسبة للتخلص من هذه الظروف الصعبة التي تمر على المجتمعات كافة. وقد سبق أديب إسحق النقاد العرب في إبراز هذه الناحية في أهمية المسرح بالنسبة للمجتمع وتفاعله مع قضاياه، وتحقيقه لنهضته.
فيري إسحق أن فن المسرح أحد أسباب تقدم المجتمع الإنساني في أوربا، وهو أحد متطلبات المجتمع ، بل إن المسارح ظلت مفتوحة حين كانت باريس محاصرة من جانب البروسيين عام 1871 .
ويعدد أديب إسحاق فوائد المسرح؛ إذ ينقل أمامك الحدث مجسداويتركك لتشكل الصورة في ذهنك ، مما يجعلها تنطبع ولا يمكن محوها بسهولة.
"إن المسرح عرض عام لأخطاء البشرية ومحاسنها ؛ إنه يبين معرفة العالمين وجهل غير المتعلمين ، كما تصور الأحداث بشكل يمكن المتفرج من تخيلها بعد ذلك.كصورة لا يمكن أن تمحي مطبوعة علي ذهنه ، ويتعذر محوها بسهولة . لكن الصوت الحي أيضا له تأثير هائل علي المستمع".
وفي نفس المقال ، يشرح المقال كيف أنهم يجنون فوائد من هذه الانطباعات ، لأنه من الواضح أن أي واحد يري شخصا مقتولا يتأثر بطريقة مختلفة عن شخص سمع فقط عن الجريمة
.........
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» يوسف خياط من خلال كتاب فيليب سادجروف المسرح المصري في القرن التاسع عشر 1799-1882
» الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق
» المسرح في القرن التاسع عشر
» المسرح في القرن التاسع عشر
» الأرمن في مصر : القرن التاسع عشر
» الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق
» المسرح في القرن التاسع عشر
» المسرح في القرن التاسع عشر
» الأرمن في مصر : القرن التاسع عشر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin