الأرمن في مصر : القرن التاسع عشر
صفحة 1 من اصل 1
الأرمن في مصر : القرن التاسع عشر
الأرمن في مصر : القرن التاسع عشر
تأليف: الدكتور محمد رفعت الإمام
عرض : عطا درغام
صدرت الطبعة الثالثة من كتاب (الأرمن في مصر القرن التاسع عشر) للدكتور محمد رفعت الإمام عن جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية .
صدرت الطبعة الأولي من الكتاب عام 1995 عن جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية ، والطبعة الثانية سنة 1999 ضمن سلسلة ( تاريخ المصرين ، ويحمل رقم 171) التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب.
كان الكتاب في الأصل رسالة ماجستير أعدها الدكتور محمد رفعت الإمام ، وأجازتها كلية الآداب جامعة المنصورة بتقدير "ممتاز"، وأجري عليها تعديلات وإضافات جديدة حتي خرجت في كتاب .
جاءت دراسة الدكتور محمد رفعت الإمام التي تحمل عنوان (الأرمن في مصر القرن التاسع عشر)،وتُعد الحلقة الأولي ضمن سلسلة الدراسات الأرمنية التي توالت بعد ذلك في سلسلة دراساته عن الأرمن وقضاياهم في مصر والدولة العثمانية .
اعتمدت الدراسة علي مصادر،وتأتي علي قمتها الوثائق غير المنشورة بدارالوثائق القومية ودارالمحفوظات العمومية بالقاهرة.ثم الوثائق الأرمنية بأرشيفات المطرانيات الأرمنية بمصر مثل دفاتر المجلس الملي الأرمني الأرثوذكسي بالقاهرة والإسكندرية الموجودة بأرشيف مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة ،فضلا عن سجلات المواليد والزواج والوفيات، وأيضا تعدادات الأرمن الكاثوليك المودعة بأرشيف مطرانية الأرمن الكاثوليك بالقاهرة ، هذا بالإضافة إلي المادة المستخلصة من شواهد القبور والتحف المودعة بمطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة، ثم مجموعة من المذكرات والدراسات المتباينة والموسوعات والدوريات المتنوعة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والأرمنية . وتُقسم إلي ستة فصول تسبقها مقدمة وتنهيها خاتمة وسبعة ملاحق0
يأتي الفصل الأول : بعنوان " أرمينية والأرمن " ويستعرض الملامح الجغرافية لأرمينية . ففد أثرت جغرافية أرمينية إيجابيا وسلبيا في تشكيل مجري تاريخها .أما إيجابيا ، فقد أدت جغرافية أرمينيا المعقدة إلي تحمل قاطنيها المصاعب التي أضحت شيئا طبيعيا بالنسبة إليهم. كما طبعت قاطنيها علي أصول الدفاع عن عزتهم القومية وعلي محبة الحرية. ولم تعرف أرمينية الدولة المركزية إلا نادرا،وقد بلغت أوجها إبان حكم ديكران الكبير ( 95-55 ق.م) .
أصبحت المسيحية ديانة رسمية في حوالي عام 300 م عندما اعتنقها الملك ديرتاد الثالث ( 286 – 330) علي أيدي القديس كريكور المضيء ، وبذا تكون أرمينية أقدم دولة تعترف بالمسيحية ديانة رسمية . رسم اعتناقها المسيحية المجري العام لتاريخها ، وأدخلها في صراع مع الفرس – حماة الزرادشتية ، ولما كان الأرمن مشتتين باستمرار خارج أرمينية ،فقد قامت كنيستهم بالحفاظ علي هذا الشتات، فكل أرمني أينما يعيش يكون متشبثا بكنيسته . ونتيجة لوقوع أرمينية أغلب الفترات تحت سيطرة القوة الكبيرة المهيمنة علي المنطقة ،مما ألزم الأرمن أن يصارعوا باستمرار للحفاظ علي لغتهم ودينهم وتقاليدهم وهويتهم وكيانهم القومي ، وبالتالي لم تمنحهم هذه الصراعات الفرصة كي يتحدوا ويقيموا دولة مستقلة بهم ، وبسبب ظروف أرمينية الجغرافية والاقتصادية والسياسية اضطرالأرمن أن يهاجروا من آن لآخر وشكلوا مجتمعات متناثرة عبر أنحاء العالم.
أسفرت الحروب المتعاقبة بين الدولتين الفارسية والعثمانية عن تقسيم أرمينية بينهما . فأُطلق اسم أرمينية العثمانية علي ست ولايات هي : بتليس ( بدليس ) وأرزن الروم ( أرضروم) وﭭان ( وان ) ومعمورة العزيز ( خربوط ) وجزء من ديار بكر وسيواس ،وأطلق اسم ارمينية الفارسية علي المنطقة الممتدة علي الضفتين الشرقية والغربية لنهر آراكس ( الرس) وتضم مدينة يريفان وناخشيفان وإيتشميادزين – المركز الروحي للأرمن – وجبل آراراد ، وقد استولي عليها الروس عام 1828 .
ووفقا للنظام الإداري العثماني ، تم تنظيم الرعايا غير المسلمين في هياكل شبه مستقلة تسمي " ملل " تحل محل السلطة المباشرة لحكومة السلطان وتمثل بؤرة التمركز الاجتماعي .كذا، برز دور الأرمن في الدولة العثمانية ، فقد تكونت منهم شريحة من الأثرياء كانوا متعاونين مع الحكومة العثمانية وتلقبوا بلقب " أميرا "، وانخرط كثير منهم في الهيئة الوظيفية العثمانية وتقلدوا الوظائف بسبب استعداداتهم لخدمة الدولة وذكائهم وجديتهم وافتقارهم إلي طموحات الاستقلال. وعملوا صاغة وصناع أحذية وخياطين ونجارين ونقاشين وبوابين وسقاءين وميكانيكيين ولحامين وخراطين وصناع أقفال ومراكبية وصيادين ، و احترفت النساء الأرمنيات حرفة التطريز الرفيع بالخيط الذهبي علي القطيفة التي شاعت بالأستانة ، كما برع القرويون بزراعة الزيتون والأعناب والنيلة . وكانت لهم مدارسهم الابتدائية التي ركزت مناهجها علي اللغات الأرمنية والتركية والفرنسية وبدرجة أقل علي الإنجليزية والألمانية ، وبعض المناهج التي تهم الطائفة الأرمنية . وإلي جانب ذلك ازدهرت الصحافة و المسرح والموسيقي أكدوا فيها علي الشخصية والثقافة الأرمنيتين .لكن، مع مطلع القرن التاسع عشر ، طرأت سلسلة من الأحداث ما لبثت أن أثرت علي وضعية الأرمن جعلتهم يطمحون إلي قيام حكم ذاتي والاستقلال عن الدولة العثمانية ، مما حدا بهم إلي سلسلة من الثورات المتكررة منذ عام 1893 ضد الحكومة العثمانية إلي تعرضهم للعديد من المذابح التي اشتدت ضراوتها بعد احتلال أفراد من الطاشناق البنك العثماني بالأستانة في 28 أغسطس 1896، ثم محاولتهم قتل السلطان عبد الحميد أثناء ذهابه لصلاة الجمعة مما دعاه إلي إصدارأوامره بقتل الأرمن في الأستانة وفان وتيكساروأرضروم وساسون وغيرهن . وقد أدت المذابح التي ارتكبتها الحكومة العثمانية ضد الأرمن إلي هروب الأرمن من الأستانة والولايات الأرمنية العثمانية ولجوئهم إلي مناطق عديدة ، لعل مصر أهمها .
ويتناول الكاتب في الفصل الثاني ، " هجرة الأرمن إلي مصر ، فيرصد الظروف والعوامل المختلفة التي أدت إلي هجرة الأرمن إلي مصر مع بيان أهم فترات الجذب والطرد. سعي محمد علي إلي إقامة حكم ذاتي في مصر، يتبعه القيام بسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والإدارية ،وكان الأرمن في طليعة الذين رحبوا بالعمل مع محمد علي ، مما جعله يثق فيهم حتي أنه سمح لهم بالعمل في الحرملك ومنهم خسروف تشراكيان الذي عمل مترجما لحريم محمد علي ، وإستيبان كيفوركيان الطيبيب الخاص لحريم القصر، وسوكياس تشراكيان الذي أدار الثروات الخاصة لأفراد أسرة محمد علي. كما استعان بهم محمد علي في مشروعاته ، وشجعهم علي الاستثمار في مصر .
استفاد الأرمن من وجود بوغوص يوسفيان ( 1768 – 1844 ) – ناظر التجارة والأمور الإفرنجية – وثقة محمد علي الشديدة به في النزوح إلي مصر. فقد استدعي بوغوص عددا كبيرا من الأسرات الأرمنية مثل أسرات يوسفيان ونوباريان وآبرويان وتشراكيان وحككيان وغيرهم، وهي الأسرات التي ظلت تخدم في الإدارة المصرية خلال القرن التاسع عشر .
وخلال حكم عباس الأول ( 1849 – 1854 ) تحجمت المشاركة الفعالة للأرمن في مصر ، ولكن مع بداية حكم سعيد ( 1854 – 1863 ) ومع تغلغل الامتيازات الأجنبية في مصر، تحسنت نسبيا أحوال الجالية الأرمنية وتم إعادة الموظفين الأرمن المسرحين وتعيينهم في وظائف عالية مثل نوبار نوباريان الذي شغل منصب ناظر إدارة السكك الحديدية وآراكيل نوباريان الذي شغل منصب حاكم الخرطوم وإسطفان دميرجيان الذي شغل منصب ناظر الخارجية. ويختم الكاتب الفصل الثاني باستعراض التوزيع الجغرافي للأرمن في مصر ، إذ يؤكد عدم وجود بيانات كاملة ودقيقة عن الأعداد الإجمالية للأرمن في مصر خلال القرن التاسع عشر ، ولذا تبقي مصداقية الأرقام المتاحة محل شك ؛لأنها افتراضية وتفتقر إلي دلائل قاطعة . ويشيرإلي أن الأرمن حتي منتصف القرن التاسع عشر ، كانوا متمركزين أساسا في القاهرة والإسكندرية وبأعداد هامشية في رشيد ودمياط والسويس.
و يتناول الفصل الثالث النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر ) من خلال خمسة محاور.ففي المحور الأول : المال والتجارة، ويشير إلي تبوأ التجار والصيارفة الأرمن مكانا بارزا في الاقتصاد المصري خلال النصف الاول من القرن التاسع عشر، علاوة علي تقلد الأرمن عددا من الوظائف الحكومية أتاحت لهم ممارسة أنشطتهم المالية والتجارية بشكل واسع .ونشطوا في مجال التجارة الخارجية ومنهم التاجر جرابيد ، وقد ساعدهم في ذلك بوغوص يوسفيان – المسئول عن التجارة – الذي سهل لهم عقد الصفقات ونقلها ، كما نشطوا كوكلاء تجاريين ومنهم بدروس يوسفيان. كان بوغوص بك يوسفيان أهم شخصية تجارية حتي أصبح ناظر التجارة والأمور الإفرنجية وكذا كان الأرمن بعامة أدوات تنفيذية لسياسة محمد علي الاقتصادية عدا بوغوص يوسفيان الذي ساهم بدور كبير في عملية صنع القرار الاقتصادي.
أما المحور الثاني : الزراعة ، فقد ساهم الأرمن في الزراعة المصرية كأخصائيين وخبراء ، انتدبتهم الحكومة ، لا سيما خبراء زراعة النيلة والأفيون.وأشهر مساهمات الأرمن في الزراعة المصرية هي إدخال أشجار الماندرين بواسطة يوسف أفندي عندما جلبها من الخارج وزرعها في مصر وقد أطلق عليها الفلاحون آنذاك " برتقال يوسف أفندي" وعُرف فيما بعد باسم " يوسف أفندي " او اليوسفي ، كما عُرف في الأستانة باسم " يوسف جنك".
والمحور الثالث : الصناعة ، عملوا في صناعات مختلفة ، كأخصائيين وأسطوات ، وأيضا صناعة الحرير وعمل عدة مبيضات لتبييض المنسوجات ومعامل النيلة.
وفي المحورالرابع: الحرف ، تفوقوا في حرف الصياغة ،واشتهروا فيها بإنتاج الحلي والأساوروالخواتم والحلقان ذات الذوق الرفيع ،وبرعوا في طلاء المعادن والخشب والعظم والجلد والزجاج بالماء الذهبي والفضي. وإلي جانب هذا،عملوا في صناعة الفراءو وإعداد الأحذية والحفر علي الخشب ، نجارين وبنائين وحدادين .
المحور الخامس : ملكية الأراضي ، امتلك معظم شرائح الأرمن أراض بمصر ، ولكن في حين تكونت معظم ملكيات الموظفين ورجال الحاشية من المنح في الأغلب ، تكونت ملكيات التجار والحرفيين من المشتروات أساسا .
ويتناول الفصل الرابع ، (دور الأرمن في الجهاز الحكومي في مصر القرن التاسع عشر) ،إذ ارتبط التعليم بالوظائف الحكومية ،حيث أرسل محمد علي البعثات التعليمية إلي أوربا ، وكان ضمنهم بعض أبناء الأرمن العاملين في خدمة محمد علي وأبنائه ، فقد أُرسل يوسف حككيان إلي إنجلترا لدراسة الهندسة ضمن بعثة 1817 ، وأرسل أربعة من الأرمن الكاثوليك ضمن بعثة عام 1826 إلي فرنسا وهم الأخوان أرتين وخسروف تشراكيان وإسطفان دميرجيان الذين تخصصوا في الإدارة ويوسف الأرمني الذي تخصص في الزراعة ، واختير ستة من الأرمن ضمن طلبة بعثة الأنجال إلي فرنسا في عام 1844 وهم : الاخوان إسطفان وأرتين خاتشادور والأخوان أوهان ويوسف إسطفان ونوبار أفندي الذين تخصصوا في الإدارة والقانون وبيترو أفندي الذي تخصص في الطب. وفي عام 1855 أرسل مارجاسوف الكبير ومارجوسوف الصغير لدراسة الطب والهندسة بفرنسا .
ومن أبرز الشخصيات في حقل التعليم بوغوص يوسفيان ، الذي كان مسئولا عن تنظيم البعثات التعليمية إلي أوربا ، وكذا تقلد إسطفان دميرجيان إدارة المدرسة المصرية الحربية وساعده خسروف تشراكيان سكرتير محمد علي ومترجمه آنذاك . وكذا ،تولي آرتين تشراكيان وإسطفان دميرجيان إدارة مدرسة الإدارة الملكية بالقلعة لتخريج الموظفين والمترجمين.كذلك أرتين تشراكيان الذي تعين وكيلا لمدرستي المهندسين بالقناطر الخيرية ،ثم تولي يوسف حككيان إدارتها منذ عام 1834 .
وبرز يوسف حككيان الذي اشترك ضمن اللجنة المنتدبة لتنظيم مدرسة المدفعية بطرة، ثم تولي نظارة مدرسة الفنون والصنائع، وكذلك تولي يوسف الكاشف تنظيم الشئون الإدارية كالضبط ورئاسة العمال من كتبة وخدم وغير ذلك.
وفي حقل المالية ، استأثر الأرمن بوظيفة " صراف باشي الخزينة " خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، فحتي عام 1825 ، كان يغيازار أميرا بدروسيان الآجني صراف باشي الخزينة ثم الخواجة يعقوب الأرمني ثم ابنه يوسف ثم كاسبار الأرمني وأخيرا الكسان – صراف القومبانية المصرية – حتي عام 1850.
تقلد الأرمن وظيفة الصراف في عدد من المصالح والمؤسسات الحكومية ، فنذكر منهم إبراهام الأرمني صرافا للجهادية حتي عام 1826 ثم خلفه الكسان حتي عام 1836، وأرمني آخر اسمه الكسان وظيفة الصراف في مصلحة الجير عام 1828 ، وعمل الخواجة ميلكون الديار بكري أمينا للخزينة حتي عام 1830، وتعيين كيفورك صرافا لديوان مبيعات الإسكندرية في عام 1835 ، وقد ظل الخواجة مجرديتش صرافا لقومبانية البفتة حتي عام 1851 . كما عمل الأرمن خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في وظائف عديدة بالإدارات التابعة للمالية وفروعها ومصالحها المختلفة .واشتغل عدد كبير منهم في مصلحة الجمارك التابعة للمالية،كمترجمين وكتبة ومعاونين ومثمنين ومخزنجية وغير ذلك .
ساهم الأرمن بشكل كبير في إدارة السكك الحديدة التي تأرجحت تبعيتها منذ إنشائها في عام 1853 بين أكثر من مصلحة وإدارة ونظارة ، ونذكر منهم نوبار نوباريان و تاكفور هاجوبيان ويعقوب أرتين وبوغوص نوبار. وبالإضافة إلي ذلك ، اشتغل كثيرمنهم قي وظائف معاونين ومفتشين وكمسارية ونظار محطات وفنيين وكتبة وغير ذلك ومترجمين وسكرتيرين وغير ذلك في جهاز التجارة الخارجية ،ويرجع ذلك إلي تمكنهم من لغات عديدة ، ونذكر منهم أنضون أفندي جرابيد.وكذا ،عمل عدد منهم مترجمين بنظارة الخارجية مثل:أراكيل أبرويان وإسكندربك بوزاي وجرابيد بك شيردجيان وارتين أفندي إستيبان وديكران أبرويان.
ومن الأرمن الذين توظفوا في السلك القضائي بالحقانية ، ممن تلقوا دراساتهم القانونية مثال إسطفان خاتشادور ويوسف عزيز ويوسف تشراكيان والأخوين أرتين وجرابيد رايزيان، ويُضاف إليهم أرمن عملوا مترجمين وكتبة ومبيضين ومحضرين وغير ذلك في المحاكم وإدارات الحقانية . كما اشتغل بعض الأرمن في جهاز الداخلية بالأعمال الكتابية والحسابية والترجمة والسكرتارية مثل يعقوب أفندي جرابيد ، وأيضا أرام بك بابازيان ، وهوفانيس بك هاجوبيان . وثمة عدد قليل من الأرمن الذين توظفوا في بعض المصالح التابعة للأشغال ، ففي مصلحة الري عمل كالوس مارجوسوف مهندسا، وعمل كتاباكجيان رساما بمصلحة الري، كما اشتغل هوفسيب أفندي خانكي مترجما بإدارة مصلحة الري، وأرتين أفندي مهران رساما بمصلحة التظيم والإدارة .
وفي الفصل الخامس الكاتب الدور السياسي للأرمن في مصر خلال القرن التاسع عشر) ويستعرض من خلاله دور الأرمن في بلاط الحكام ولا سيما محمد علي ، ومنهم يغيازار أميرا بدروسيان الذي كان صراف محمد علي الخاص ، ولابان ماما باش ممون محمد علي وخلفه هوفانيس ثم كيفورك بك رابائيليان ، وجيوفاني بوزاري طبيب محمد علي وإستيبان كيفوركيان طبيب إبراهيم باشا. والجدير بالذكر أن هذه الأعمال ، قد جعلت الأرمن علي مقربة من الحكام وأدت إلي توثيق الصلة بهم ، بيد أن وظيفة الترجمان أهم وظيفة مارسها الأرمن في البلاط، بل وأخطرها ،وتكمن أهميتها في جهل معظم الحكام باللغات الأوربية . ومن ثم وقوف المترجمين علي أسرار الدولة برمتها ، وبالتالي كان ذلك يحتم علي انتقاء أخطر العناصر لتقلد المهمة، وأبرز من تقلد هذا المنصب مجرديتش حككيان ،خاتشادور أوهانيسوف، ميناس ميكائيليان وأريستاجيس ألطونيان،وكذلك نوبار نوباريان.
ارتقي الأرمن أعلي المناصب في مصر ، كنظار ورؤساء نظارات، وأكثر من هذا ، ظلت بعض النظارات كالتجارة والخارجية حكرا علي الأرمن ، أو تكاد ، طوال القرن التاسع عشر ، وأبرز هؤلاء النظار خلال القرن التاسع عشر نذكر منهم : بوغوص يوسفيان ناظر التجارة ، نوبار نوباريان وزير الخارجية في عهد سعيد وعندما شكل الوزارة في عهد إسماعيل احتفظ بنظارة الخارجية ،وديكران آبرويان ناظر الخارجية أربع مرات متتالية منذ 1891 وحتي1894.
ويتناول الفصل السادس أحوال الأرمن في المجتمع المصري خلال القرن التاسع عشر) ، من خلال مجتمع الأرمن ، والتعليم ونشاطهم الصحفي والفنون.
قانونيا ، ينتمي الأرمن إلي الطوائف الشرقية غير الإسلامية التي نزحت إلي مصر من المناطق التابعة للدولة العثمانية ، وبذا لا يعد الأرمن " أجانب " ؛لأنهم كالمصريين من رعايا الدولة العثمانية ، ولكنهم كانوا معافين من الخدمة في الجيش ويدفعون مقابل مايسمي ب" البدلية العسكرية ".ودينيا ينقسم الأرمن إلي : الأرمن الأرثوذكس، وهم أغلبية يخضعون لمطرانهم الخاص ، والأرمن الكاثوليك وهم أقلية دينية يخضعون للسيادة الروحية لبابا روما، وهناك طائفة أرمنية بروتستانتية قليلة جدا. ولذا، لم تكن لها كنائسها ومؤسساتها الخيرية. وكذا ،ينقسم الأرمن إلي شرائح اجتماعية لكل منها سماتها وتقاليدها. فتتبوأ الأرستقراطية الأرمنية مثل عائلات يوسفيان ونوباريان وآبرويان وتشراكيان وحكيكيان ودميرجيان – قمة الهرم الاجتماعي ، وكان لها تقاليدها المتأصلة التي أدت إلي توثيق العري فيما بينهم بشدة. كما توجد في سفح الهرم الاجتماعي الأرمني شريحة من الفقراء الذين اعتمدوا في حصولهم علي المال علي إعانات المجلس الملي وأثرياء الأرمن ومساعدة الحكومة المصرية. أما الأرمن اللاجئون إلي مصر منذ تسعينات القرن التاسع عشر فقد تجمعوا بالمئات تحت الخيام والعشش في أفنية الكنائس والمدارس الأرمنية بالقاهرة والإسكندرية.
اختلفت علاقات الأرمن بالعناصر المختلفة الموجودة في المجتمع المصري من عنصر إلي آخر حسب سياسة الدولة إزاء هذه العناصر ووضعية الأرمن في مصر ناهيك عن مصالحهم الذاتية.واتخذت علاقات الأرمن بالأتراك العثمانيين طابعا عدائيا صارخا خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر علي إثر اندلاع الثورة الأرمنية وإقامة المذابح. كما ساءت هذه العلاقات مع اليونانيين نتيجة للتنافس الاقتصادي واتسمت بالود بينهم وبين الأقباط.
وكانت الجالية الأرمنية أولي الجاليات سبقا إلي إنشاء المدارس أثناء حكم محمد علي ، ويرجع هذا إلي مكانتهم المؤثرة في البلاط وتوليهم عدة مناصب عالية أهلتهم لنيل حظوة محمد علي ورعايته، فضلا عن اهتمام الأرمن بالتعليم عموما كوسيلة للحفاظ علي هويتهم ولغتهم وثقافتهم وعاداتهم. وكانت مدرسة "يغيازاريان أول مدرسة أرمنية في مصر ، وتأسست في عام 1828 بجوار كنيسة القديس سركيس في حارة زويلة بالقاهرة ، وفي عام 1854 استبدلت بمدرسة أحدث سميت مدرسة " خورين " وقد شيدت بجوار كنيسة العذراء في درب الجنينة ، وفي عام 1897 انتقلت إلي بولاق وتغير اسمها إلي مدرسة " كالوسديان " .كما تأسست مدرسة " آراميان بالإسكندرية في أربعينات القرن التاسع عشر. ولم يقتصر تأسيس المدارس الأرمنية خلال القرن التاسع عشر علي القاهرة والإسكندرية فحسب ، بل تأسست بالزقازيق في أوائل التسعينيات علي نفقة الأسرات الأرمنية القاطنة هناك مدرسة صغيرة " كتاب" تضم عشرة أطفال من الجنسين يدرسون اللغات الأرمنية والفرنسية والعربية وبعض المعلومات علي أيدي مدرسين من بني جنسهم .وعلي الرغم من اهتمام الأرمن بالتعليم ، وإنشاء المدارس إلا أنه لم تحقق خلال القرن التاسع عشر الهدف من إنشائها، ألا وهو الحفاظ علي هوية الأرمن ولغتهم وثقافتهم وعاداتهم. فقد آثر الأرمن الالتحاق بالمدارس الأجنبية عن مدارسهم بسبب سوء الإدارة وعدم انتظام المقررات ورغبتهم في تحقيق مستقبل أفضل بعد التخرج في المدارس الأجنبية.
ارتبط ظهور الصحافة الأرمنية في مصر بتأسيس المجلس الملي الأرمني ،ففي عام 1864 ، ظهرت صحيفة " أرماﭬيني " سنة 1865، وخلال ثمانينات وتسعينات القرن التاسع عشر ظهرت عدة صحف أرمنية انتهجت جميعها سياسة الهجوم علي السلطات العثمانية ، منها " نيغوص" ( النيل ) التي أسسها " غيفونت بابازيان عام 1889، وصحيفة " باروس " ( المنارة ) التي أسسها الأخوان ديكران وألبيار عام 1897 ، وكذا صحيفة " ليرابير" ( جالب الأخبار ) التي أسسها كريكور صرافيان بالإسكندرية عام 1897،وصحيفة "نورأور"( يوم جديد ) التي أسسها سيمباد بوراط وسيمباد بابازيان عام 1899،وفي نفس العام صحيفة "بيونيج"(العنقاء) بالإسكندرية ،وأيضا صحيفة"(أرشالويس)الفجرالتي أسسها يغيشة طوروسيان سنتئذ.
اتسمت الصحافة الأرمنية بأنها موجهة أساسا إلي الأرمن بلغتهم سواء في مصر أو خارجها، وتعبر بالدرجة الأولي عن قضاياهم الخاصة ومشاكلهم الداخلية ، وتباينت وجهات نظرها إزاء الدولة العثمانية ، إذ تملقتها عندما كانت العلاقات الأرمنية العثمانية ودية ، وهاجمتها عندما ساءت علاقتهما علي أثر تصاعد مطالب الثوار الأرمن بالاستقلال التام عن الدولة العثمانية، ولذا أُغلقت معظمها واقتيد محروها إلي السجن والنفي . ولم يقتصر إسهامات الأرمن في مجال الصحافة علي إصدار صحف بلغتهم القومية فحسب ، بل شاركوا أيضا في إصدار الصحف في مصر باللغات التركية والعربية والأوربية، فقد تقلد آريستاجيس آلطونيان ( 1801- 1858 ) نظارة جريدة الوقائع المصرية بين عامي 1840-1844. ولكن يُعد أديب إسحق من أبرز الأرمن الذين أسهموا في نهضة الصحافة المصرية وتطور الفكر المصري علي الرغم من قصر فترة تواجده بمصر ، وأثناء إقامته بمصر أصدر صحيفتي " مصر " 1878 و " التجارة " في نفس العام بالاشتراك مع سليم نقاش. وجدير بالذكرأن إسهامات الأرمن في مجال الصحافة لم تكن بيضاء برمتها ؛ إذ تعاونت فئة منهم مع الاحتلال البريطاني وروجت لمخططاته مثل الكسان صرافيان صاحب جريدة " الزمان وإسكندر كريكور صاحب مجلة " الزراعة " .
وينتهي الفصل باستعراض النشاط الفني للأرمن في مصر، من خلال مجالات الموسيقي والمسرح والفنون الجميلة خلال القرن التاسع عشر ، وما ساعدهم علي الظهور في هذه المجالات أنها كانت غير مستساغة لدن المسلمين وقتئذ .
زار مصر عدد من الموسيقيين المشهورين نذكر منهم الكسان طمبوري عازف الطمبور ، نيظان زينوب عازف الناي ،وكذلك عازف الناي آسديج حماجيان . كما وفدت من الأستانة الفرق الأرمنية لتقديم عروضها المسرحية في مصر منذ أوائل ثمانينات القرن التاسع عشر، وتُعد فرقة سيروفبي بنجليان أشهر الفرق الأرمنية التي جاءت إلي مصر بتقديم عروضها الفنية . لكن أهم إسهام حقيقي في مجال المسرح باللغة العربية للأرمن في مصر ، يتمثل في فرقة ( جوق ) يوسف خياطيان الأرمني الكاثوليكي ، ؛ إذ قدمت هذه الفرقة عددا من العروض المسرحية في مصر مثل " شارلمان " . ومنذ تسعينات القرن التاسع عشر توافدت علي مصر أعداد كبيرة من المصورين الأرمن ومن أشهرهم : صباح وخاتشيك ، ليكيجيان وشركاؤه ، مجر آيفازيان وغيرهم .
وفي الخاتمة ، يرصد الكاتب أهم النتائج التي انتهت إليها الدراسة ،وتنتهي الدراسة بالعديد من الملاحق المهمة ، والتي تعد هي الأخري مرجعا ومصدرا يفيد من يتناول هذه الدراسة. تضمنت هذه الملاحق ، الملحق الأول : حوادث هامة للأرمن خلال القرن التاسع عشر، الملحق الثاني :رصد جذور أهم الأسرات الأرمنية في مصر وتطورها، والملحق الثالث : رجال الدين الدين في القرن التاسع عشر بدءا من إيتشميادزين – المركز الروحي للأرمن – مرورا بالأستانة وبيروت والقدس حتي مصر ، والملحق الرابع : وثائق تأسيس المجلس الملي الأرمني بالقاهرة ، والملحق الخامس : ويوضح نماذج من تعدادات الأرمن الكاثوليك ، والملحق السادس : عبارة عن معجم لبعض المصطلحات الواردة بالدراسة .وأنهي الكاتب الدراسة بالملحق السابع : الذي اختص ب الخرائط والرسومات البيانية والأشكال والصور المتنوعة .
تأليف: الدكتور محمد رفعت الإمام
عرض : عطا درغام
صدرت الطبعة الثالثة من كتاب (الأرمن في مصر القرن التاسع عشر) للدكتور محمد رفعت الإمام عن جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية .
صدرت الطبعة الأولي من الكتاب عام 1995 عن جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية ، والطبعة الثانية سنة 1999 ضمن سلسلة ( تاريخ المصرين ، ويحمل رقم 171) التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب.
كان الكتاب في الأصل رسالة ماجستير أعدها الدكتور محمد رفعت الإمام ، وأجازتها كلية الآداب جامعة المنصورة بتقدير "ممتاز"، وأجري عليها تعديلات وإضافات جديدة حتي خرجت في كتاب .
جاءت دراسة الدكتور محمد رفعت الإمام التي تحمل عنوان (الأرمن في مصر القرن التاسع عشر)،وتُعد الحلقة الأولي ضمن سلسلة الدراسات الأرمنية التي توالت بعد ذلك في سلسلة دراساته عن الأرمن وقضاياهم في مصر والدولة العثمانية .
اعتمدت الدراسة علي مصادر،وتأتي علي قمتها الوثائق غير المنشورة بدارالوثائق القومية ودارالمحفوظات العمومية بالقاهرة.ثم الوثائق الأرمنية بأرشيفات المطرانيات الأرمنية بمصر مثل دفاتر المجلس الملي الأرمني الأرثوذكسي بالقاهرة والإسكندرية الموجودة بأرشيف مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة ،فضلا عن سجلات المواليد والزواج والوفيات، وأيضا تعدادات الأرمن الكاثوليك المودعة بأرشيف مطرانية الأرمن الكاثوليك بالقاهرة ، هذا بالإضافة إلي المادة المستخلصة من شواهد القبور والتحف المودعة بمطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة، ثم مجموعة من المذكرات والدراسات المتباينة والموسوعات والدوريات المتنوعة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والأرمنية . وتُقسم إلي ستة فصول تسبقها مقدمة وتنهيها خاتمة وسبعة ملاحق0
يأتي الفصل الأول : بعنوان " أرمينية والأرمن " ويستعرض الملامح الجغرافية لأرمينية . ففد أثرت جغرافية أرمينية إيجابيا وسلبيا في تشكيل مجري تاريخها .أما إيجابيا ، فقد أدت جغرافية أرمينيا المعقدة إلي تحمل قاطنيها المصاعب التي أضحت شيئا طبيعيا بالنسبة إليهم. كما طبعت قاطنيها علي أصول الدفاع عن عزتهم القومية وعلي محبة الحرية. ولم تعرف أرمينية الدولة المركزية إلا نادرا،وقد بلغت أوجها إبان حكم ديكران الكبير ( 95-55 ق.م) .
أصبحت المسيحية ديانة رسمية في حوالي عام 300 م عندما اعتنقها الملك ديرتاد الثالث ( 286 – 330) علي أيدي القديس كريكور المضيء ، وبذا تكون أرمينية أقدم دولة تعترف بالمسيحية ديانة رسمية . رسم اعتناقها المسيحية المجري العام لتاريخها ، وأدخلها في صراع مع الفرس – حماة الزرادشتية ، ولما كان الأرمن مشتتين باستمرار خارج أرمينية ،فقد قامت كنيستهم بالحفاظ علي هذا الشتات، فكل أرمني أينما يعيش يكون متشبثا بكنيسته . ونتيجة لوقوع أرمينية أغلب الفترات تحت سيطرة القوة الكبيرة المهيمنة علي المنطقة ،مما ألزم الأرمن أن يصارعوا باستمرار للحفاظ علي لغتهم ودينهم وتقاليدهم وهويتهم وكيانهم القومي ، وبالتالي لم تمنحهم هذه الصراعات الفرصة كي يتحدوا ويقيموا دولة مستقلة بهم ، وبسبب ظروف أرمينية الجغرافية والاقتصادية والسياسية اضطرالأرمن أن يهاجروا من آن لآخر وشكلوا مجتمعات متناثرة عبر أنحاء العالم.
أسفرت الحروب المتعاقبة بين الدولتين الفارسية والعثمانية عن تقسيم أرمينية بينهما . فأُطلق اسم أرمينية العثمانية علي ست ولايات هي : بتليس ( بدليس ) وأرزن الروم ( أرضروم) وﭭان ( وان ) ومعمورة العزيز ( خربوط ) وجزء من ديار بكر وسيواس ،وأطلق اسم ارمينية الفارسية علي المنطقة الممتدة علي الضفتين الشرقية والغربية لنهر آراكس ( الرس) وتضم مدينة يريفان وناخشيفان وإيتشميادزين – المركز الروحي للأرمن – وجبل آراراد ، وقد استولي عليها الروس عام 1828 .
ووفقا للنظام الإداري العثماني ، تم تنظيم الرعايا غير المسلمين في هياكل شبه مستقلة تسمي " ملل " تحل محل السلطة المباشرة لحكومة السلطان وتمثل بؤرة التمركز الاجتماعي .كذا، برز دور الأرمن في الدولة العثمانية ، فقد تكونت منهم شريحة من الأثرياء كانوا متعاونين مع الحكومة العثمانية وتلقبوا بلقب " أميرا "، وانخرط كثير منهم في الهيئة الوظيفية العثمانية وتقلدوا الوظائف بسبب استعداداتهم لخدمة الدولة وذكائهم وجديتهم وافتقارهم إلي طموحات الاستقلال. وعملوا صاغة وصناع أحذية وخياطين ونجارين ونقاشين وبوابين وسقاءين وميكانيكيين ولحامين وخراطين وصناع أقفال ومراكبية وصيادين ، و احترفت النساء الأرمنيات حرفة التطريز الرفيع بالخيط الذهبي علي القطيفة التي شاعت بالأستانة ، كما برع القرويون بزراعة الزيتون والأعناب والنيلة . وكانت لهم مدارسهم الابتدائية التي ركزت مناهجها علي اللغات الأرمنية والتركية والفرنسية وبدرجة أقل علي الإنجليزية والألمانية ، وبعض المناهج التي تهم الطائفة الأرمنية . وإلي جانب ذلك ازدهرت الصحافة و المسرح والموسيقي أكدوا فيها علي الشخصية والثقافة الأرمنيتين .لكن، مع مطلع القرن التاسع عشر ، طرأت سلسلة من الأحداث ما لبثت أن أثرت علي وضعية الأرمن جعلتهم يطمحون إلي قيام حكم ذاتي والاستقلال عن الدولة العثمانية ، مما حدا بهم إلي سلسلة من الثورات المتكررة منذ عام 1893 ضد الحكومة العثمانية إلي تعرضهم للعديد من المذابح التي اشتدت ضراوتها بعد احتلال أفراد من الطاشناق البنك العثماني بالأستانة في 28 أغسطس 1896، ثم محاولتهم قتل السلطان عبد الحميد أثناء ذهابه لصلاة الجمعة مما دعاه إلي إصدارأوامره بقتل الأرمن في الأستانة وفان وتيكساروأرضروم وساسون وغيرهن . وقد أدت المذابح التي ارتكبتها الحكومة العثمانية ضد الأرمن إلي هروب الأرمن من الأستانة والولايات الأرمنية العثمانية ولجوئهم إلي مناطق عديدة ، لعل مصر أهمها .
ويتناول الكاتب في الفصل الثاني ، " هجرة الأرمن إلي مصر ، فيرصد الظروف والعوامل المختلفة التي أدت إلي هجرة الأرمن إلي مصر مع بيان أهم فترات الجذب والطرد. سعي محمد علي إلي إقامة حكم ذاتي في مصر، يتبعه القيام بسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والإدارية ،وكان الأرمن في طليعة الذين رحبوا بالعمل مع محمد علي ، مما جعله يثق فيهم حتي أنه سمح لهم بالعمل في الحرملك ومنهم خسروف تشراكيان الذي عمل مترجما لحريم محمد علي ، وإستيبان كيفوركيان الطيبيب الخاص لحريم القصر، وسوكياس تشراكيان الذي أدار الثروات الخاصة لأفراد أسرة محمد علي. كما استعان بهم محمد علي في مشروعاته ، وشجعهم علي الاستثمار في مصر .
استفاد الأرمن من وجود بوغوص يوسفيان ( 1768 – 1844 ) – ناظر التجارة والأمور الإفرنجية – وثقة محمد علي الشديدة به في النزوح إلي مصر. فقد استدعي بوغوص عددا كبيرا من الأسرات الأرمنية مثل أسرات يوسفيان ونوباريان وآبرويان وتشراكيان وحككيان وغيرهم، وهي الأسرات التي ظلت تخدم في الإدارة المصرية خلال القرن التاسع عشر .
وخلال حكم عباس الأول ( 1849 – 1854 ) تحجمت المشاركة الفعالة للأرمن في مصر ، ولكن مع بداية حكم سعيد ( 1854 – 1863 ) ومع تغلغل الامتيازات الأجنبية في مصر، تحسنت نسبيا أحوال الجالية الأرمنية وتم إعادة الموظفين الأرمن المسرحين وتعيينهم في وظائف عالية مثل نوبار نوباريان الذي شغل منصب ناظر إدارة السكك الحديدية وآراكيل نوباريان الذي شغل منصب حاكم الخرطوم وإسطفان دميرجيان الذي شغل منصب ناظر الخارجية. ويختم الكاتب الفصل الثاني باستعراض التوزيع الجغرافي للأرمن في مصر ، إذ يؤكد عدم وجود بيانات كاملة ودقيقة عن الأعداد الإجمالية للأرمن في مصر خلال القرن التاسع عشر ، ولذا تبقي مصداقية الأرقام المتاحة محل شك ؛لأنها افتراضية وتفتقر إلي دلائل قاطعة . ويشيرإلي أن الأرمن حتي منتصف القرن التاسع عشر ، كانوا متمركزين أساسا في القاهرة والإسكندرية وبأعداد هامشية في رشيد ودمياط والسويس.
و يتناول الفصل الثالث النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر ) من خلال خمسة محاور.ففي المحور الأول : المال والتجارة، ويشير إلي تبوأ التجار والصيارفة الأرمن مكانا بارزا في الاقتصاد المصري خلال النصف الاول من القرن التاسع عشر، علاوة علي تقلد الأرمن عددا من الوظائف الحكومية أتاحت لهم ممارسة أنشطتهم المالية والتجارية بشكل واسع .ونشطوا في مجال التجارة الخارجية ومنهم التاجر جرابيد ، وقد ساعدهم في ذلك بوغوص يوسفيان – المسئول عن التجارة – الذي سهل لهم عقد الصفقات ونقلها ، كما نشطوا كوكلاء تجاريين ومنهم بدروس يوسفيان. كان بوغوص بك يوسفيان أهم شخصية تجارية حتي أصبح ناظر التجارة والأمور الإفرنجية وكذا كان الأرمن بعامة أدوات تنفيذية لسياسة محمد علي الاقتصادية عدا بوغوص يوسفيان الذي ساهم بدور كبير في عملية صنع القرار الاقتصادي.
أما المحور الثاني : الزراعة ، فقد ساهم الأرمن في الزراعة المصرية كأخصائيين وخبراء ، انتدبتهم الحكومة ، لا سيما خبراء زراعة النيلة والأفيون.وأشهر مساهمات الأرمن في الزراعة المصرية هي إدخال أشجار الماندرين بواسطة يوسف أفندي عندما جلبها من الخارج وزرعها في مصر وقد أطلق عليها الفلاحون آنذاك " برتقال يوسف أفندي" وعُرف فيما بعد باسم " يوسف أفندي " او اليوسفي ، كما عُرف في الأستانة باسم " يوسف جنك".
والمحور الثالث : الصناعة ، عملوا في صناعات مختلفة ، كأخصائيين وأسطوات ، وأيضا صناعة الحرير وعمل عدة مبيضات لتبييض المنسوجات ومعامل النيلة.
وفي المحورالرابع: الحرف ، تفوقوا في حرف الصياغة ،واشتهروا فيها بإنتاج الحلي والأساوروالخواتم والحلقان ذات الذوق الرفيع ،وبرعوا في طلاء المعادن والخشب والعظم والجلد والزجاج بالماء الذهبي والفضي. وإلي جانب هذا،عملوا في صناعة الفراءو وإعداد الأحذية والحفر علي الخشب ، نجارين وبنائين وحدادين .
المحور الخامس : ملكية الأراضي ، امتلك معظم شرائح الأرمن أراض بمصر ، ولكن في حين تكونت معظم ملكيات الموظفين ورجال الحاشية من المنح في الأغلب ، تكونت ملكيات التجار والحرفيين من المشتروات أساسا .
ويتناول الفصل الرابع ، (دور الأرمن في الجهاز الحكومي في مصر القرن التاسع عشر) ،إذ ارتبط التعليم بالوظائف الحكومية ،حيث أرسل محمد علي البعثات التعليمية إلي أوربا ، وكان ضمنهم بعض أبناء الأرمن العاملين في خدمة محمد علي وأبنائه ، فقد أُرسل يوسف حككيان إلي إنجلترا لدراسة الهندسة ضمن بعثة 1817 ، وأرسل أربعة من الأرمن الكاثوليك ضمن بعثة عام 1826 إلي فرنسا وهم الأخوان أرتين وخسروف تشراكيان وإسطفان دميرجيان الذين تخصصوا في الإدارة ويوسف الأرمني الذي تخصص في الزراعة ، واختير ستة من الأرمن ضمن طلبة بعثة الأنجال إلي فرنسا في عام 1844 وهم : الاخوان إسطفان وأرتين خاتشادور والأخوان أوهان ويوسف إسطفان ونوبار أفندي الذين تخصصوا في الإدارة والقانون وبيترو أفندي الذي تخصص في الطب. وفي عام 1855 أرسل مارجاسوف الكبير ومارجوسوف الصغير لدراسة الطب والهندسة بفرنسا .
ومن أبرز الشخصيات في حقل التعليم بوغوص يوسفيان ، الذي كان مسئولا عن تنظيم البعثات التعليمية إلي أوربا ، وكذا تقلد إسطفان دميرجيان إدارة المدرسة المصرية الحربية وساعده خسروف تشراكيان سكرتير محمد علي ومترجمه آنذاك . وكذا ،تولي آرتين تشراكيان وإسطفان دميرجيان إدارة مدرسة الإدارة الملكية بالقلعة لتخريج الموظفين والمترجمين.كذلك أرتين تشراكيان الذي تعين وكيلا لمدرستي المهندسين بالقناطر الخيرية ،ثم تولي يوسف حككيان إدارتها منذ عام 1834 .
وبرز يوسف حككيان الذي اشترك ضمن اللجنة المنتدبة لتنظيم مدرسة المدفعية بطرة، ثم تولي نظارة مدرسة الفنون والصنائع، وكذلك تولي يوسف الكاشف تنظيم الشئون الإدارية كالضبط ورئاسة العمال من كتبة وخدم وغير ذلك.
وفي حقل المالية ، استأثر الأرمن بوظيفة " صراف باشي الخزينة " خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، فحتي عام 1825 ، كان يغيازار أميرا بدروسيان الآجني صراف باشي الخزينة ثم الخواجة يعقوب الأرمني ثم ابنه يوسف ثم كاسبار الأرمني وأخيرا الكسان – صراف القومبانية المصرية – حتي عام 1850.
تقلد الأرمن وظيفة الصراف في عدد من المصالح والمؤسسات الحكومية ، فنذكر منهم إبراهام الأرمني صرافا للجهادية حتي عام 1826 ثم خلفه الكسان حتي عام 1836، وأرمني آخر اسمه الكسان وظيفة الصراف في مصلحة الجير عام 1828 ، وعمل الخواجة ميلكون الديار بكري أمينا للخزينة حتي عام 1830، وتعيين كيفورك صرافا لديوان مبيعات الإسكندرية في عام 1835 ، وقد ظل الخواجة مجرديتش صرافا لقومبانية البفتة حتي عام 1851 . كما عمل الأرمن خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في وظائف عديدة بالإدارات التابعة للمالية وفروعها ومصالحها المختلفة .واشتغل عدد كبير منهم في مصلحة الجمارك التابعة للمالية،كمترجمين وكتبة ومعاونين ومثمنين ومخزنجية وغير ذلك .
ساهم الأرمن بشكل كبير في إدارة السكك الحديدة التي تأرجحت تبعيتها منذ إنشائها في عام 1853 بين أكثر من مصلحة وإدارة ونظارة ، ونذكر منهم نوبار نوباريان و تاكفور هاجوبيان ويعقوب أرتين وبوغوص نوبار. وبالإضافة إلي ذلك ، اشتغل كثيرمنهم قي وظائف معاونين ومفتشين وكمسارية ونظار محطات وفنيين وكتبة وغير ذلك ومترجمين وسكرتيرين وغير ذلك في جهاز التجارة الخارجية ،ويرجع ذلك إلي تمكنهم من لغات عديدة ، ونذكر منهم أنضون أفندي جرابيد.وكذا ،عمل عدد منهم مترجمين بنظارة الخارجية مثل:أراكيل أبرويان وإسكندربك بوزاي وجرابيد بك شيردجيان وارتين أفندي إستيبان وديكران أبرويان.
ومن الأرمن الذين توظفوا في السلك القضائي بالحقانية ، ممن تلقوا دراساتهم القانونية مثال إسطفان خاتشادور ويوسف عزيز ويوسف تشراكيان والأخوين أرتين وجرابيد رايزيان، ويُضاف إليهم أرمن عملوا مترجمين وكتبة ومبيضين ومحضرين وغير ذلك في المحاكم وإدارات الحقانية . كما اشتغل بعض الأرمن في جهاز الداخلية بالأعمال الكتابية والحسابية والترجمة والسكرتارية مثل يعقوب أفندي جرابيد ، وأيضا أرام بك بابازيان ، وهوفانيس بك هاجوبيان . وثمة عدد قليل من الأرمن الذين توظفوا في بعض المصالح التابعة للأشغال ، ففي مصلحة الري عمل كالوس مارجوسوف مهندسا، وعمل كتاباكجيان رساما بمصلحة الري، كما اشتغل هوفسيب أفندي خانكي مترجما بإدارة مصلحة الري، وأرتين أفندي مهران رساما بمصلحة التظيم والإدارة .
وفي الفصل الخامس الكاتب الدور السياسي للأرمن في مصر خلال القرن التاسع عشر) ويستعرض من خلاله دور الأرمن في بلاط الحكام ولا سيما محمد علي ، ومنهم يغيازار أميرا بدروسيان الذي كان صراف محمد علي الخاص ، ولابان ماما باش ممون محمد علي وخلفه هوفانيس ثم كيفورك بك رابائيليان ، وجيوفاني بوزاري طبيب محمد علي وإستيبان كيفوركيان طبيب إبراهيم باشا. والجدير بالذكر أن هذه الأعمال ، قد جعلت الأرمن علي مقربة من الحكام وأدت إلي توثيق الصلة بهم ، بيد أن وظيفة الترجمان أهم وظيفة مارسها الأرمن في البلاط، بل وأخطرها ،وتكمن أهميتها في جهل معظم الحكام باللغات الأوربية . ومن ثم وقوف المترجمين علي أسرار الدولة برمتها ، وبالتالي كان ذلك يحتم علي انتقاء أخطر العناصر لتقلد المهمة، وأبرز من تقلد هذا المنصب مجرديتش حككيان ،خاتشادور أوهانيسوف، ميناس ميكائيليان وأريستاجيس ألطونيان،وكذلك نوبار نوباريان.
ارتقي الأرمن أعلي المناصب في مصر ، كنظار ورؤساء نظارات، وأكثر من هذا ، ظلت بعض النظارات كالتجارة والخارجية حكرا علي الأرمن ، أو تكاد ، طوال القرن التاسع عشر ، وأبرز هؤلاء النظار خلال القرن التاسع عشر نذكر منهم : بوغوص يوسفيان ناظر التجارة ، نوبار نوباريان وزير الخارجية في عهد سعيد وعندما شكل الوزارة في عهد إسماعيل احتفظ بنظارة الخارجية ،وديكران آبرويان ناظر الخارجية أربع مرات متتالية منذ 1891 وحتي1894.
ويتناول الفصل السادس أحوال الأرمن في المجتمع المصري خلال القرن التاسع عشر) ، من خلال مجتمع الأرمن ، والتعليم ونشاطهم الصحفي والفنون.
قانونيا ، ينتمي الأرمن إلي الطوائف الشرقية غير الإسلامية التي نزحت إلي مصر من المناطق التابعة للدولة العثمانية ، وبذا لا يعد الأرمن " أجانب " ؛لأنهم كالمصريين من رعايا الدولة العثمانية ، ولكنهم كانوا معافين من الخدمة في الجيش ويدفعون مقابل مايسمي ب" البدلية العسكرية ".ودينيا ينقسم الأرمن إلي : الأرمن الأرثوذكس، وهم أغلبية يخضعون لمطرانهم الخاص ، والأرمن الكاثوليك وهم أقلية دينية يخضعون للسيادة الروحية لبابا روما، وهناك طائفة أرمنية بروتستانتية قليلة جدا. ولذا، لم تكن لها كنائسها ومؤسساتها الخيرية. وكذا ،ينقسم الأرمن إلي شرائح اجتماعية لكل منها سماتها وتقاليدها. فتتبوأ الأرستقراطية الأرمنية مثل عائلات يوسفيان ونوباريان وآبرويان وتشراكيان وحكيكيان ودميرجيان – قمة الهرم الاجتماعي ، وكان لها تقاليدها المتأصلة التي أدت إلي توثيق العري فيما بينهم بشدة. كما توجد في سفح الهرم الاجتماعي الأرمني شريحة من الفقراء الذين اعتمدوا في حصولهم علي المال علي إعانات المجلس الملي وأثرياء الأرمن ومساعدة الحكومة المصرية. أما الأرمن اللاجئون إلي مصر منذ تسعينات القرن التاسع عشر فقد تجمعوا بالمئات تحت الخيام والعشش في أفنية الكنائس والمدارس الأرمنية بالقاهرة والإسكندرية.
اختلفت علاقات الأرمن بالعناصر المختلفة الموجودة في المجتمع المصري من عنصر إلي آخر حسب سياسة الدولة إزاء هذه العناصر ووضعية الأرمن في مصر ناهيك عن مصالحهم الذاتية.واتخذت علاقات الأرمن بالأتراك العثمانيين طابعا عدائيا صارخا خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر علي إثر اندلاع الثورة الأرمنية وإقامة المذابح. كما ساءت هذه العلاقات مع اليونانيين نتيجة للتنافس الاقتصادي واتسمت بالود بينهم وبين الأقباط.
وكانت الجالية الأرمنية أولي الجاليات سبقا إلي إنشاء المدارس أثناء حكم محمد علي ، ويرجع هذا إلي مكانتهم المؤثرة في البلاط وتوليهم عدة مناصب عالية أهلتهم لنيل حظوة محمد علي ورعايته، فضلا عن اهتمام الأرمن بالتعليم عموما كوسيلة للحفاظ علي هويتهم ولغتهم وثقافتهم وعاداتهم. وكانت مدرسة "يغيازاريان أول مدرسة أرمنية في مصر ، وتأسست في عام 1828 بجوار كنيسة القديس سركيس في حارة زويلة بالقاهرة ، وفي عام 1854 استبدلت بمدرسة أحدث سميت مدرسة " خورين " وقد شيدت بجوار كنيسة العذراء في درب الجنينة ، وفي عام 1897 انتقلت إلي بولاق وتغير اسمها إلي مدرسة " كالوسديان " .كما تأسست مدرسة " آراميان بالإسكندرية في أربعينات القرن التاسع عشر. ولم يقتصر تأسيس المدارس الأرمنية خلال القرن التاسع عشر علي القاهرة والإسكندرية فحسب ، بل تأسست بالزقازيق في أوائل التسعينيات علي نفقة الأسرات الأرمنية القاطنة هناك مدرسة صغيرة " كتاب" تضم عشرة أطفال من الجنسين يدرسون اللغات الأرمنية والفرنسية والعربية وبعض المعلومات علي أيدي مدرسين من بني جنسهم .وعلي الرغم من اهتمام الأرمن بالتعليم ، وإنشاء المدارس إلا أنه لم تحقق خلال القرن التاسع عشر الهدف من إنشائها، ألا وهو الحفاظ علي هوية الأرمن ولغتهم وثقافتهم وعاداتهم. فقد آثر الأرمن الالتحاق بالمدارس الأجنبية عن مدارسهم بسبب سوء الإدارة وعدم انتظام المقررات ورغبتهم في تحقيق مستقبل أفضل بعد التخرج في المدارس الأجنبية.
ارتبط ظهور الصحافة الأرمنية في مصر بتأسيس المجلس الملي الأرمني ،ففي عام 1864 ، ظهرت صحيفة " أرماﭬيني " سنة 1865، وخلال ثمانينات وتسعينات القرن التاسع عشر ظهرت عدة صحف أرمنية انتهجت جميعها سياسة الهجوم علي السلطات العثمانية ، منها " نيغوص" ( النيل ) التي أسسها " غيفونت بابازيان عام 1889، وصحيفة " باروس " ( المنارة ) التي أسسها الأخوان ديكران وألبيار عام 1897 ، وكذا صحيفة " ليرابير" ( جالب الأخبار ) التي أسسها كريكور صرافيان بالإسكندرية عام 1897،وصحيفة "نورأور"( يوم جديد ) التي أسسها سيمباد بوراط وسيمباد بابازيان عام 1899،وفي نفس العام صحيفة "بيونيج"(العنقاء) بالإسكندرية ،وأيضا صحيفة"(أرشالويس)الفجرالتي أسسها يغيشة طوروسيان سنتئذ.
اتسمت الصحافة الأرمنية بأنها موجهة أساسا إلي الأرمن بلغتهم سواء في مصر أو خارجها، وتعبر بالدرجة الأولي عن قضاياهم الخاصة ومشاكلهم الداخلية ، وتباينت وجهات نظرها إزاء الدولة العثمانية ، إذ تملقتها عندما كانت العلاقات الأرمنية العثمانية ودية ، وهاجمتها عندما ساءت علاقتهما علي أثر تصاعد مطالب الثوار الأرمن بالاستقلال التام عن الدولة العثمانية، ولذا أُغلقت معظمها واقتيد محروها إلي السجن والنفي . ولم يقتصر إسهامات الأرمن في مجال الصحافة علي إصدار صحف بلغتهم القومية فحسب ، بل شاركوا أيضا في إصدار الصحف في مصر باللغات التركية والعربية والأوربية، فقد تقلد آريستاجيس آلطونيان ( 1801- 1858 ) نظارة جريدة الوقائع المصرية بين عامي 1840-1844. ولكن يُعد أديب إسحق من أبرز الأرمن الذين أسهموا في نهضة الصحافة المصرية وتطور الفكر المصري علي الرغم من قصر فترة تواجده بمصر ، وأثناء إقامته بمصر أصدر صحيفتي " مصر " 1878 و " التجارة " في نفس العام بالاشتراك مع سليم نقاش. وجدير بالذكرأن إسهامات الأرمن في مجال الصحافة لم تكن بيضاء برمتها ؛ إذ تعاونت فئة منهم مع الاحتلال البريطاني وروجت لمخططاته مثل الكسان صرافيان صاحب جريدة " الزمان وإسكندر كريكور صاحب مجلة " الزراعة " .
وينتهي الفصل باستعراض النشاط الفني للأرمن في مصر، من خلال مجالات الموسيقي والمسرح والفنون الجميلة خلال القرن التاسع عشر ، وما ساعدهم علي الظهور في هذه المجالات أنها كانت غير مستساغة لدن المسلمين وقتئذ .
زار مصر عدد من الموسيقيين المشهورين نذكر منهم الكسان طمبوري عازف الطمبور ، نيظان زينوب عازف الناي ،وكذلك عازف الناي آسديج حماجيان . كما وفدت من الأستانة الفرق الأرمنية لتقديم عروضها المسرحية في مصر منذ أوائل ثمانينات القرن التاسع عشر، وتُعد فرقة سيروفبي بنجليان أشهر الفرق الأرمنية التي جاءت إلي مصر بتقديم عروضها الفنية . لكن أهم إسهام حقيقي في مجال المسرح باللغة العربية للأرمن في مصر ، يتمثل في فرقة ( جوق ) يوسف خياطيان الأرمني الكاثوليكي ، ؛ إذ قدمت هذه الفرقة عددا من العروض المسرحية في مصر مثل " شارلمان " . ومنذ تسعينات القرن التاسع عشر توافدت علي مصر أعداد كبيرة من المصورين الأرمن ومن أشهرهم : صباح وخاتشيك ، ليكيجيان وشركاؤه ، مجر آيفازيان وغيرهم .
وفي الخاتمة ، يرصد الكاتب أهم النتائج التي انتهت إليها الدراسة ،وتنتهي الدراسة بالعديد من الملاحق المهمة ، والتي تعد هي الأخري مرجعا ومصدرا يفيد من يتناول هذه الدراسة. تضمنت هذه الملاحق ، الملحق الأول : حوادث هامة للأرمن خلال القرن التاسع عشر، الملحق الثاني :رصد جذور أهم الأسرات الأرمنية في مصر وتطورها، والملحق الثالث : رجال الدين الدين في القرن التاسع عشر بدءا من إيتشميادزين – المركز الروحي للأرمن – مرورا بالأستانة وبيروت والقدس حتي مصر ، والملحق الرابع : وثائق تأسيس المجلس الملي الأرمني بالقاهرة ، والملحق الخامس : ويوضح نماذج من تعدادات الأرمن الكاثوليك ، والملحق السادس : عبارة عن معجم لبعض المصطلحات الواردة بالدراسة .وأنهي الكاتب الدراسة بالملحق السابع : الذي اختص ب الخرائط والرسومات البيانية والأشكال والصور المتنوعة .
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» المسرح في القرن التاسع عشر
» أرمينية من الفتح الإسلامي إلي مستهل القرن الخامس الهجري
» يوسف خياط من خلال كتاب فيليب سادجروف المسرح المصري في القرن التاسع عشر 1799-1882
» أديب إسحق كاتبا مسرحيا قراءة في كتاب ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر1799-1882) لفيليب سادجروف
» المسرح في القرن العشرين
» أرمينية من الفتح الإسلامي إلي مستهل القرن الخامس الهجري
» يوسف خياط من خلال كتاب فيليب سادجروف المسرح المصري في القرن التاسع عشر 1799-1882
» أديب إسحق كاتبا مسرحيا قراءة في كتاب ( المسرح المصري في القرن التاسع عشر1799-1882) لفيليب سادجروف
» المسرح في القرن العشرين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin