النشاط الموسيقي والغنائي للأرمن في مصر
صفحة 1 من اصل 1
النشاط الموسيقي والغنائي للأرمن في مصر
نشط الأرمن في حقلي الموسيقي والغناء.إذ قدمت معظم المؤسسات الثقافية والاجتماعية الأرمنية حفلاتها وعروضها – نفس أغراض العروض المسرحية- علي أكبر وأشهر المسارح المصرية ، فضلا عن مسارحها الخاصة.
اشتهرت الحياة الموسيقية الغنائية الأرمنية المصرية بعروض أوبريت " ليبليبيجي هو هور أغا"( بائع الحمص ) التي كتب نصوصها الشعرية تاكفور ناليان وألف موسيقاها ديكران تشوهاجيان(1837-1898) . وتعد من أقوي العروض الفنية التي قدمتها الفرق الأرمنية منذ ثمانينات القرن التاسع عشر في الأستانة وأوربا ومصر.
وتدور حول الصراع الطبقي.كما كان شيئا جديدا في الحياة الموسيقية الأرمنية المصرية عروض أوبرا "أنوش" التي ألفت علي أشعار هوفهانيس طومانيان ووضع موسيقاها الموسيقار ديكرانوف ( أرمين ديكرانيان 1879-1950) وقدمها في مصر أريستاجيان مع عتاصر محلية غير محترفة.
وقد تكرر عرض آنوش مرات ومرات علي مسارح القاهرة والإسكندرية بين عشريمات وخمسينات القرن العشرين.بيد أنها لم تكن علي مستوي جيد من الكفاءة، ولم تحقق جماهيرية واسعة. وفي عام 1949 ، ألف الموسيقي ج.آبريجيان و س.سركسيان أوبرا " هيكيات " ( حدوتة) وعرضاها بالقاهرة حيث لاثت نجاحا مقبولا.
كما شكل أرمن مصر الفرق الموسيقية والكورالية . ومن أقدمها " فرقة الموسيقيين الأرمن" التي تأسست بالإسكندرية في أواخر أبريل 1901 بقيادة مايسترو إيطالي . وكان هدفها عزف الموسيقي الأرمنية بالآلات الموسيقية الأوربية. وقد اشتهرت هذه الفرقة ليس علي المستوي الأرمني فحسب ، ولكن أيضا علي مستوي الجاليات الأوربية في مصر.
وفي القاهرة ، تأسست أقدم الفرق في 1 يويلة 1902 وتسمي " فرقة موسيقي آراكس" .وكانت تهدف إلي تشجيع سماع الموسيقي الأرمنية وتذوقها بين شباب الأرمن . بيد أن الفرقة قد انقسمت في عام 1903 إلي فرقتين مستقلتين هما : " فرقة آراكس الموسيقية " و" فرقة كنار الموسيقية " ، ولكل منهما مجلس إدارة مستقل ، ثم اتحدت الفرقتان في العام التالي مكونتين معا فرقة " آلراراديان الموسيقية" تحت قيادة مايسترو فرنسي.
توالي فيما بعد تأسيس الفرق الموسيقية والكورالية والغنائية الأرمنية. ففي القاهرة : فانفار لمدرسة كالوسديان (1924) ، أوركسترا هنشاك لفاهان بارسيغيان(1931) ، كورال غوتان( 1934) ، كورال هامازكايين ( 1934) ، فرقة كورال جوميداس ( 1940) تحت قيادة لوطفيج بيليوسيان ، ونظم الموسيقي غازاروس غازاروسيان كورالا باسم " شنورهالي" لا يزال يعمل حتي الآن في كنيسة الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة .
أما في الإسكندرية ، فكانت فرقة الماندولين كنار تحت قيادة خاتشيك صندلجيان (1923) ، كورال فاغارشاج سرفانسديانتس (1891-1958) الذي أسسه عام 1925 ، وحقق شهرة في أوساط الجالية الأرمنية والجاليات الأوربية بمصر حتي مغادرته البلاد في عام 1928 . وعلقت جريدة "آريف" علي حفلاته بأن الغناء الأرمني أقرب شيء لروح الأرمن ويقوي وطنيتهم وينمي ثقافتهم خصوصا في مناخ الشتات، فقد جدد سرفانسديانتس الروح الأرمنية لدي الأرمن المصريين ، ويعد هذا أمرا ضروريا خاصة وأنهم يعيشون بعيدا عن بلدهم. كما أسس يرفانت ألكسانيان أوركسترا كنار عام 1930.
جدير بالذكر أن حفلات هذه الفرق لم تجذب فقط الجماهير الأرمنية ، ولكنها أيضا جذبت الأجانب الشغوفين عموما بالموسيقي خاصة الموسيقي الأرمنية الشعبية النابعة من القلب والمعبرة عن أعظم المعاني الإنسانية ؛ الحب والرقص والعمل. وبجانب هذه الفرق ، أثري الموسيقيون والمغنيون الأرمن الحياة الموسيقية – الغنائية . ويمكن تقسيمهم إلي : وافدين ومحليين .
بالنسبة للفريق الأول ، يعد هاروتيون سينانيان (1872-1939) من أوائل الشخصيات الموسيقية الأرمنية الأستانية اللامعة التي زارت مصر عام 1905، وموسيقيا فإنه متعدد المواهب ، مؤلف وأوركسترا ومعلم وكاتب مقالات وعازفف ماهر علي آلتي الكمان والبيانو. وقد نالت مؤلفاته وحفلاته الموسيقية في مصر إقبالا جماهيريا من متذوقي الموسيقي المصريين والأجانب والأرمن.
وفي ذلك الوقت ، ألف أحد أجمل أعماله ، وهو المارش الذي أهداه إلي الخديو عباس حلمي الثاني (1892-1914) بمناسبة مرور"13" سنة علي اعتلائه العرش، ونظم سينانيان في 6 مايو 1905 علي مسرح الأزبكية بالقاهرة حفلة موسيقية عزفت خلالها الأوركسترا تحت قيادته هذا المارش.
كما تعد حفلات الموسيقار سوغومون سوغومونيان (1869-1935) الشهير ب" جوميداس"عام 1911 حدثا كبيرا ةمهما في الحياة الموسيقية الأرمنية المصرية. ففي أوائل يناير 1911 ، وجه أرمن مصر عن طريق هوفهانيس موتافيانتس – مدير الفرع المصري لمؤسسة النفط مانتاشوف – دعوة إلي جوميداس لإلقاء محاضرات وإقامة حفلات في الإسكندرية .
وفي 29 يناير ، وافق علي المجيء إلي الثغر وإقامة حفلة مكونة من الموسيقي الأرمنية الكنائسية والريفية ، وإلقاء محاضرتين عن نشأتها وتطورها.
نظم جوميداس كورالا بالإسكندرية مكونا من "190" شخص من الجنسين .وفي فترة وجيزة ، دربهم من مؤلفاته الموسيقية علي "7" مقطوعات كبيرة من الموسيقي الكنائسية و"15" أغنية ريفية . وقد أقيمت أول حفلة في 5 يونية 1911 علي مسرح الهمبرا بالإسكندرية، ثم عرضت الثانية في 16 يونية علي مسرح عباس بالقاهرة .
وجدير بالذكر أن حفلتي جوميداس قد وصفتا بأنهما تجسيد لروح الشعب الأرمني، تلك الروح الحماسية التي لا تقدر أية قوة أن تكبتها او تطفاها .كما استمتع الأجانب بموسيقي جوميداس لانها ذات مغزي إنساني.
وبعد مغادرة جوميداس مصر ، حضر إليها المغني الأوبرالي الأرمني الفرنسي بالأوبرا الأهلية بباريس آرميناج شاهمراديان (1878-1939) لاول مرة في عام 1912 . وقدم حفلاته علي مسرح عباس بالقاهرة والهمبرا بالإسكندرية. وجذب بصوته العذب الأرمن والأجانب وأطربهم وأسكرهم. ثم كرر زيارته إلي مصر بين عامي 1925-1928 . وتكون برنامجه من أعمال كبار الموسيقيين الأرمن (جوميداس) والروس ( تسشايكوفسكي) وغيرهم . وقد صاحبه باقة من العازفين المهرة علي آلات الكمان والتشيللو والبيانو . وشمل برنامجه أغنيات رومانسية وشعبية ودينية أنشدها بصوته التينور علي أشهر المسارح المصرية.
ولأنه كان يغني بالأرمنية والفرنسية ، فقد كان جمهوره من الأرمن والأجانب ولا سيما الفرنسيين. وفي ابتداءالأمر ، استقبله الأرمن بتصفيق شديد خاصة عندما كان يغني من أعمال جوميداس عازفا علي وتر شجنهم في الغربة بعيدا عن الوطن وحنينهم للعودة إليه. ولكنه ، بمرور الوقت ، فقد جماهيريته وسط الأرمن الذين أحجموا عن حضور حفلاته التي أقامها علي مسرح حديقة الأزبكية خلال عام 1928 . وربما يرجع ذلك إلي تكرار نفس برنامجه وعدم تجديده ، وانتقدت جريدتا "آريف" و"آراكس" الجمهور الأرمني علي عدم حضور حفلات هذا المطرب الكبير بصحبة موسيقيين مرموقين لدرجة ان نصف الصالة قد اكتمل بالكاد . ولهذا ، غادر شاهمراديان مصر في منتصف عام 1928.
اما المغنية الأرمنية الإيطالية لوسي سيفومايان (1892-1969 ) ، فقد أنعشت بحفلاتها الموسيقية – الغنائية . ففي زيارتها الأولي لمصر بين عامي 1923-1924 ، قدمت حفلاتها منفردة وجماعية علي مسرحي الأوبرا ال ملكية وحديقة الأزبكية بالقاهرة ومسرح الهمبرا بالإسكندرية. وقد تميزت بصوتها السوبرانو الممتاز وحركتها الرشيقة . ورغم افتخار الأرمن بها لأنها تشهرهم وترفع رءوسهم شامخة في العالم ، إلا أنهم انصرفوا عن حضور حفلاتها ، بينما اكتظت الصالات بمستمعيها الأجانب لا سيما من الإيطاليين الذين صفقوا لها بأصوات عالية . ويرجع هذا إلي غنائها باللغة الإيطالية دون الأرمنية ، خلو برنامجها من الأعمال الأرمنية ، ناهيك عن عدم استساغة أرمن مصر وقتذاك للفن الأوبرالي.
ولهذا ، استدركت سيفوميان هذا النقص إبان زيارتها الثانية إلي مصر خلال عام 1927 ، فأضافت إلي برنامجها الأوبرالي أغنيات أرمنية شعبية من أعمال موسيقيين أرمن مثل جوميداس وميليكيان ودير غيفونتيان . وبذلك، نجحت في إلهاب مشاعر الأرمن المصريين وجذبتهم إلي حفلاتها التي قوبلت بترحاب أرمني ملحوظ. وفي نفس الوقت ، حافظت علي جماهريتها الأصيلة بين المستمعين الأجانب في مصر . وبهذه السياسة المتوازنة ، حققت زيارتها الثانية نجاحات ملموسة.
..........................
وكذا / قام الموسيقار الأرمني الإيراني أشود بادماكريان (1898-1981 ) وزوجته المغنية روز بدور مهم في الحياة الموسيقية الأرمنية- المصرية علي مدي عقد كامل بين عامي 1936-1946 . قدم الزوجان أعمالهما الفردية والجماعية علي أشهر المسارح المصرية. وتألف برنامجهما من مقطوعات إيرانية وأرمنية وروسية وأوربية. ونظرا لنجاحهما ، تعاقدت الإذاعة المصرية مع بادماكريان علي إذاعة بعض حفلاته الجماعية وتعاقدت مع زوجته لإقامة حفل فردي شهريا .
بيد أن أهم إنجاز حققه بادماكريان في مصر، هو إحياء حفل زواج الأميرة فوزية بنت الملك فؤاد الأول من الأمير محمد رضا بهلوي المقام في حديقة البلدية بالإسكندرية يوم 24 مارس 1939 بناء علي تكليف من الشواربي باشا محافظ الإسكندرية.
وقد تكون البرنامج من ثلاث فقرات : الأولي ، رقصات وأغنيات من أخوات كولر وكيتي كالوتاس وديانا وارد . الثانية ، النشيد الوطني الإيراني " إيران –إيران" بالإضافة إلي زفاف مانيجيه من الأوبرا الإيرانية "مانيجيه بجيان" نظم الفردوسي وتلحين بادماكريان وأداء زوجته مع س. زادوي. واختتمت الفقرة بالنشيد الوطني الإيراني " شاهنشاه" والنشيد المصري " بلادي بلادي". الثالثة مصرية بصوت الآنسة أم كلثوم.
وهب بادماكريان نفسه لدراسة ونشر الغناء والموسيقي الأرمنية. فمنذ نعومة أظفاره، اهتم بتدوين الأغاني الشعبية الأرمنية من منطلق إيمانه بأنها الأساس في الفن الأصيل. ولذا ، كانت الأغاني الشعبية نقطة الانطلاق في أعماله سواء أغاني منفردة أو كورالية.وألف أغاني وتوزيعات لأغاني شعبية. وله بعض البحوث عن الموسيقي الأرمنية ، كما ألقي العديد من المحاضرات العامة عن هذه الموسيقي التي اعتبرت عملا قوميا في ظل ظروف المهجر.
كما قام يادماكريان بدور مهم في ميدان التربية الموسيقية للأطفال الأرمن عندما ابتكر منهجا شيقا لقراءة وتدوين الموسيقي في المراحل التعليمية الأولي. وانشغل بادماكريان لسنوات طويلة بقيادة الكورال. وفي هذا الصدد ، كان من أهم إنجازاته أنه استطاع عن طريق الغناء الكورالي أن يجذب شباب الأرمن إلي الأغنية الشعبية. ولقد أصدر بادكاكريان أثناء الحرب العالمية الثانية تحت ظروف مادية قاسية ديوانا ضخما للموسيقي الأرمنية يتضمن أكثر من 700 أغنية من الأغاني الفولكلورية والدينية والأغاني المنتشرة في المدن وأغاني شعراء الربابة أمثال صيات نوفا والأغاني الوطنية والثورية وبعض أغاني الأوبريتات والأوبرات الأرمنية والأغاني المدرسية وأغاني الأطفال ، كلها دونها بالتوتة الموسيقية . ويعد هذا العمل إنجازا لم يتحقق في مصر خلال القرن العشرين، وليس فقط علي مستوي الجالية الأرمنية .
وتعد حفلات الموسيقار الأرمني آرام خاتشادوريان (1903-1978) في مصر عام 1961 ، حدثا فنيا عظيما في الحياة الثقافية فقط، ولكنه امتد إلي كافة الدوائر الإعلامية والثقافية المصرية. وبهذه المناسبة، منح الرئيس جمال عبد الناصر خاتشادوريان وسام الفن من الدرجة الأولي لم يحصل عليه أي أجنبي من قبل.
وبخلاف الأرمن الفرادي الوافدين، ثمة فرق أرمنية أنعشت الحياة الموسيقية الأرمنية- المصرية مثل " فرقة الغناء والرقص الأرمنية " التي قدمت عروضها في مصر بين شهري أكتوبر- نوفمبر 1959 بناء علي دعوة من ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي . وقد تكونت هذه الفرقة من "61 " فنانا وإداريا ، وهي الفرقة الاحترافية الوحيدة التي تمثل الفولكلور الأرمني . قدمت الفرقة" 8" حفلات علي مسرح الأوبرا بالقاهرة و"6" حفلات علي مسرح محمد علي بالإسكندرية . ولم يقتصر برنامجها علي العروض الفولكلورية الروسية والأرمنية فحسب ، ولكن المفاجاأ كانت تقديم أغان شعبية باللغة العربية.
تركت حفلات الفرقة أصداء في الأوساط الفنية والثقافية المصرية. وقيمها النقاد المصريون علي النحو التالي :" في الأساس الفرقة شرقية . ولكنه الشرق بتطوره الرقيق . ولهذا ، فإن هذا الفن قريب إلي قلبنا وروحنا .أما الأغاني العربية، فقد قدمت بتوزيع وأداء باهرين". ثم امتد التقييم أيضا إلي الأرمن أنفسهم لا سيما الأرمن المصريين:" ولا يمكننا أن نتصور الأرمن بطريقة أخري، هؤلاء الأرمن الذين نعرفهم في بلدنا . أليس هذا هو الشعب الذي يعمل بالفن الرفيع؟ الفن التشكيلي والموسيقي وفن الصياغة . ولهذا ، توقعنا من الفرقة هذا الفن الرقيق والراق".
أما علي المستوي الأرمني المصري ، فقد أشعلت الفرقة بعروضها الفولكلورية الأرمنية الروح القومية في نفوس أبناء الجالية. وفي هذا الخصوص، علقت جريدة "سافارناج" الأسبوعية بقولها : " ..نحن محرومون في مصر من الوطن، ولكننا مسرورون بسماع الأغنيات والرقصات الأرمنية التي تتجسد فيها كل المعاني فقط ، وبعد انتهاء الحفلات شعرنا بأننا قد عشنا مرة أخري بكل كياننا في وطننا ...".
تلك أهم إسهامات الأرمن الوافدين إلي مصر من خارجها في إثراء الحياة الموسيقية الأرمنية – المصرية . ويلاحظ تعدد الاماكن التي نزحوا منها ؛ الأستانة وإيران وفرنسا وإيطاليا والاتحاد السوفيتي.كما يلاحظ ان إسهاماتهم لم تنحصر فقط في النطاق الأرمني، ولكنها شملت النطاقات المختلفة .
ولهذا ، كان جمهورهم خليطا من الأرمن والأجانب والمصريين متذوقي الفنون الرفيعة. وقد تميزت عروضهم بإنعاش الحياة الموسيقية – الغنائية المصرية من ناحية ، وإذكاء روح القومية الأرمنية في مصر من ناحية أخري.
كما أسهم الأرمن المصريون في إثراء الحياة الموسيقية الأرمنية- المصرية . ففي مجال عزف آلة البيانو وتدريسها ، تعد نيفارت داماديان ( 1910- ) من أبرز الشخصيات الموسيقية في مصر حيث تتلمذ وتخرج علي يديها أجيال متعاقبة من عازفي البيانو المهرة.
أدت أول حفلة فردي ( ريسيتال ) في 11 مارس 1938 بقاعة ( أورينتال هول) بالجامعة الأمريكية . وأقامت ريسيتالات في الإذاعة المصرية بين عامي 1938-1942. كما اشتركت في حفلات فنية بالقاهرة والإسكندرية.
وكان لدامايان بصفتها عازفة منفردة برنامجا واسعا شمل مقطوعات من أعمال كبار الموسيقيين أمثال : سكارلاتي ، باخ، موتسارت، بيتهوفن، شوبان، شومان، ليست، بارخوتاريان، خاتشادوريان، وغيرهم. ويؤكد هذا أنها أدت أعمالا لموسيقيين من عصور ومدارس متباينة من الباروك والكلاسيك والرومانتيك والانطباعية والمدارس القومية متضمنا نطاقا واسعا من التكنيك بدءا من الأعمال الصغيرة لبارخوتاريان ذات التكنيك الرقيق البسيط حتي المقطوعات المعقدة لليست.
ورغم نشاطها المثمرفي مجال العزف ، إلا أنها وجدت ذاتها أكثر في الميدان التربوي . فمنذ أرعينات القرن الماضي وهبت نفسها تماما لتدريس آلة البيانو.
نظمت في 4 فبراير 1940 أول استماع لتلاميذها ، وهو ما استمر سنويا دونما انقطاع علي مدي"23" عاما ، أي حتي عام 1962 ، أقيم أول استماع في منزلها ، ومنذ عام 1941 حتي عام 1958 في "اورينتال هول" بالجامعة الأمريكية ، وبين عامي 1959-1962 في قاعة تيكيان بالنادي الفني الأرمني . وقد اشترك في هذه الاستماعات "138" تلميذ وتلميذة ، منهم "115" أرمني و"23" من جنسيات أخري. ولما كانت هذه الاستماعات من حيث نوعيتها واستمراريتها تعد الوحيدة في مصر ، فقد خلقت حماسا في الدوائر الموسيقية وجذبت انتباه النقاد الفنيين في الصحافة الأرمنية والمصرية.
ومنذ عام 1959 ، عينت داماديان أستاذة لتدريس البيانو بالمعهد العالي للموسيقي الكونسرفتوار بالقاهرة بناء علي دعوة من مؤسس المعهد وعميده الأول أبي بكر خيرت.
وبجانب داماديان ، ظهرت بعض الأرمنيات اللاتي قمن بتدريس البيانو مثل تاكوهي أراميان ،أليس مانوجيان ، زابيل كيليجيان . وبخلافهن أيضا ،المغنية وعازفة البيانو آسدغيج بابلانيان مدرسة الغناء والبيانو في الكونسرفتوار إبان أربعينات القرن العشرين ، ونويمي ميليكيان درويشيان التي كانت تنظم حفلا سنويا لتلاميذها ، فضلا عن تدريس البيانو منذ عام 1960 في كونسرفتوار القاهرة.
ومن الأرمنيات عازفات البيانو أسترا مصرليان ( 1932 - ) التي تلقت دراستها الموسيقية الأولية بالقاهرة علي أيدي نيفارت داماديانو البروفيسور تيجرمان . ثم أكملت دراستها في كونسرفتوار باريس بين عامي 1947-1951 ، وفي العام التالي ، قدمت أولي حفلاتها بمصر ثم أثيوبيا .
وتوالت حفلاتها بين عامي 1954- 1957 في القاهرة والإسكندرية وبيروت وإسطنبول وأنقرة وأديس أبابا وجنيف ولوزان، وهي الحفلات التي أثبتت فهمها الموسيقي العميق وتربيتها الممتازة بكونسرفتوار باريس وشخصيتها الأدائية المتميزة.
وقد تميز برنامجها بأنه يضم أعمالا لمؤلفين موسيقيين أرمن مع أقرانهم الأوربيين والروس. ولكن النقاد الأرمن قد أثنوا علي أسترا ، لأنها بعزف الموسيقي الأرمنية في المهجر تقوي الروح القومية لدي الأرمن من ناحية ، وتنشلر هذه الموسيقي بين الأجانب من ناحية أخري.
وجير بالذكر حفلات عازف البيانو زافين خاتشادوريان وشقيقته ميلانيه في مصر بين عامي 1947-1949 . ويلاحظ سيطرة البرنامج الأوربي علي نشاطيهما الموسيقي. وثمة أيضا عازف البيانو أوجين بابازيان (1859-1963) الذي درس البيانو في معهد الموسيقي بالإسكندرية علاة علي شهرته كقائد كورال ................
أما في مجال عزف الكمان ( الكمنجة) وتدريسها بمصر ، فقد ظهر عدد لا ليس بقليل من الأرمن. ففي عام 1908، ذاعت حفلات عازف الكمان هايج جودينيان بالقاهرة بين متذوقي الموسيقي .
كما كان عازف الكمان آرميناج يسايان (1887-1952) أستاذا ممتازا في آلة الكمان ومن دعائم تأسيس معهد الموسيقي الشرقية بمصر. وجدير بالذكر أيضا حفلات الكمانجست روبين كازاخانيان إبان الثلاثينات الماضية. وقد تخصص في عزف الموسيقي الشرقية فقط .وحفلات مانوج باريكيان – من أشهر عازفي الكمان في العالم- بالقاهرة خلال يناير 1945.
كما بدأ عازف الكمان الشهير جيراير كنتارجيان حياته في مصر، وتألق بها منذ أواخر الثلاثينات حتي أواخر أربعينيات القرن العشرين. وقد وصفه قسطندي رزق في موسوعته قائلا:" وتوجه إلي تحصيل علم الكمان منذ بلوغه السنة الخامسة من عمره. وكان موضع دهشة وإعجاب الأساتذة الذين تخرج عليهم. ومن الغريب أنه توصل بذكائه إلي العزف علي الكمان أمام الجمهور بالليسيه فرنسيه وهو في التاسعة من عمره. ونال الاستحسان ما شجعه علي العزف بقاعة بورت الأمريكانية وفوق مسرح تياترو بالإسكندرية علي ما ذكرته الجرائد العربية وأفاضت في مدحه. ولاحظ النقاد الموسيقيون أن برنامجه يتسم بالمقطوعات الموسيقية الصعبة لكبار المؤلفين العالميين.
وفي مجال عزف آلة الناي ، ظهر العازف والمؤلف الموسيقي أمين بك بوزاري ( البرزي) الذي عزف في معظم تختات مشاهير الموسيقي العربية بمصر خلال الربع الأول من القرن العشرين.
وفي ميدان عزف آلو العود ، تألق من الأرمن مرجر مليك (1854-1939) الشهير ب" مرجري عودي" وهابيت مصرليان (1874-1919) المعروف ب"آفيت عودي" المولود بمصر، وهو أول من أدخل آلة العود إلي الدولة العثمانية.
أما في ميدان الغناء الأوبرالي ، فقد بدأ المغني مهران يرجات ذو الصوت الباريتوني أول خطوات مشواره الفني بالغناء علي مسرحي الأوبرا والهمبرا بمصر بين عامي 1941-1947 . وفي نفس التوقيت أيضا ظهرت المغنية الأوبرالية كوهار خاتشادوريان( كاسباريان) ذات الصوت السوبرانو.اتسم برنامجها بكونه خليطا من الأغنيات الأرمنية والفرنسية والألمانية والإيطالية رومانسية وكلاسيكية. وقد نقلت الإذاعة المصرية مباشرة جميع عروضها.
بيد أن جيلان رطل (1914-1984) تعد أشهر الأرمنيات اللاتي تركن بصمة واضحة علي خريطة الفن الأوبرالي ، لأنها رائدة من أبرز رواد هذا الفن في مصر، وقد تتلمذ علي يديها جميع مغنيين ومغنيات الأوبرا الذين يشكلون فرقة الأوبرا المصرية،كا أوقفت حياتها علي خدمة الثقافة الموسيقية واستطاعت خلالها ان تتبني النظريات الفنية التي استفاد منها عشرات من نجوم الفن الأوبرالي.
وجدير بالذكر أن جيلان رطل كانت صاحبة صوت عذب، ولكنها آثرت الالتحاق بالكونسرفتوار وحصلت علي دبلوم تدريس البيانو ،ثم توجهت إلي إيطاليا لاستكمال دراستها حتي حصلت علي الدكتوراة في علم تربية الصوت وتدريبه. وبذلك ، أصبحت أول سيدة مصرية تتخصص في تدريس علم الصوت. وعملت مع الدكتور علي مصطفي مشرفة وكامل كيلاني- رائد أدب الأطفال في مصر والعالم العربي- ضمن مشروع تعريب الأغاني العالمية.كما طالبت دوما بتعريب الأوبريتات العالمية حتي يسهل فهمها علي عامة الشعب بعد تعريب " الأرملة الطروب" ونجاحها.
وفي دنيا الموسيقي الشرقية العربية ، اشتهر فؤاد جرابيد بانوسيان (1916-1988) المعروف ب"فؤاد الظاهري". بعد تخرجه في معهد فؤاد الأول للموسيقي العربية ، عين مدرسا للأناشيد بوزارة المعارف . وفي عام 1946 ، عمل أستاذا للغناء الجماعي بمعهد الفنون المسرحية. وفي عام 1948 ، عمل أستاذا لآلة الكمان بمعهد فؤاد الأول للموسيقي العربية.كما عمل قائدا لفرقة " الفجر" التي كانت تقدم الموسيقي العربية التقليدية ، فضلا عن إشرافه علي فرقة الإذاعة المصرية للوتريات.
قام الظاهري بعمل الموسيقي التصويرية لحوالي "350" فيلم سينمائي ، حازت بعضها جوائز عن التأليف الموسيقي مثل " رد قلبي" و" الزوجة الثانية" . ويعد من أوائل الموسيقيين الذين استعملوا الآلات الشرقية بجانب الآلات الغربية في الكتابة الموسيقية التصويرية حيث ظهرت آلات العود والقانون والناي مع الأوركسترا السيمفوني مثل فيلمي " صراع في الوادي ". " خان الخليلي".
أما في الإذاعة المصرية ، فقد كتب الظاهري الموسيقي الخاصة بأشهر الأعمال الإذاعية مثل " أحسن القصص" و" قصة الغار" . ومن أهم مؤلفاته الإذاعية " الأرض الثائرة" وهي أول قصيد سيمفوني ألف بعد ثورة 23 يولية 1925 . كما ألف موسيقي "15" مسرحية لمسرح التلفزيون ، وغيرها لمسرح القومي. وكتب موسيقي لكثير من المسلسلات التلفزيونية.
وقد تميز الظاهري بأنه أول من أدخل التوزيع الغنائي في الكورال في الأفلام السينمائية والبرامج الإذاعية. وعندما ظهرت فكرة ترجمة الأفلام الأجنبية الممتازة إلي اللغة العربية عن طريق الدوبلاج ،أشرف علي أغلبها . وفي مقدمتها الفيلم التاريخي " علاء الدين والمصباح السحري" حيث ترجمت الأغاني إلي العربية وسجلتها موسيقي أوركسترا لندن السيمفوني علي شريط خاص وغناها عبد الحليم حافظ.
كما قام الظاهري بتدريس قواعد وأسس الموسيقي العالمية لبعض مؤلفي الموسيقي في صدر حياتهم الفنية . ودرس لبعض الملحنين ، وقام بتوزيع موسيقي كبار الملحنين المصريين، فضلا عن موسيقاه العالمية ووظفه في خدمة الموسيقي المصرية.
وهكذا ، كرس فؤاد الظاهري حياته للتأليف الموسيقي والتدريس في سبيل تطوير الموسيقي المصرية . ورغم انه أرمني الأصل ، إلا أنه ابتعد تماما عن الموسيقي الأرمنية ، وجذبته دنيا الموسيقي المصرية التي مابرح يزهر ويثمر فيها عبر مختلف الأعمال السينمائية والإذاعية والمسرحية والغنائية بكل فروعها وأنواعها .
وبخلاف ما سبق ، تميزت الحياة الموسيقية الأرمنية المصرية بإحياء ذكري الموسيقيين العالميين المشهورين والاحتفاء بهم. وقد جري هذا التقليد إبان أربعينيات القرن العشرين حيث انقسم الحفل إلي قسمين رئيسيين ؛ أولهما محاضرة عن حياة الموسيقار المحتفي به وسماته الفنية ، وثانيهما عزف أشهر مقطوعاته الموسيقية ، علي سبيل المثال ، نظم النادي الفني الأرمني "أيام احتفال ل شومان ، مندلسون، بيتهوفن".
بيد أن شوبان قد حظي بأكثر من احتفال في النادي الفني الأرمني. كما احتفل نادي جوجانيان في 22 يونية 1949 بالذكري المئوية لوفاته. ولم تقتصر هذه الظاهرة علي الأجانب فقط، ولكنها امتدت أيضا إلي الموسيقيين الأرمن وخاصة جوميداس الذي نال أكبر نصيب من الحفلات الاحتفائية.
ومنذ تأسيس القسم الأوربي بالإذاعة المصرية عام 1934 ، قدم أرمن وفرقة كورالية أرمنية أغنياتهم ومقطوعاتهم باللغات المختلفة عبر الأثير مباشرة . كما ان الموسيقي والغناء الأرمنيين قد شغلوا مساحة محورية علي خريطة القسم الأرمني بالإذاعة المصرية منذ تأسيسه في عام 1954.
وجدير بالذكر أن الأرمن لم يسهموا فقط في تدعيم الموسيقي الشرقية العربية المصرية ، ولكنهم أسهموا أيضا تقنيا خاصة الخواجة سيتراك ميشيان صاحب " فابريقة إسطوانات ميشيان : بشارع عبد العزيز الشهير بوسط القاهرة . وقد قام بتسجيل إسطوانات موسيقية وغنائية لمشاهير العزف والغناء خلال الربع الأول من القرن العشرين.منهم علي سبيل المثال : زكي مراد ، إبراهيم شفيق ، أحمد المحلاوي ، إسماعيل الدسوقي ، تودد، سليمان أبو داوود، سيد مصطفي
بيد أن أهم وأشهر الفنانين الذين سجل لهم ميشيان إسطوانات وحفظ تراثهم في الذاكرة الفنية المصرية هو الشيخ سيد درويش
(1893-1923 ). ورغم وجود شركات إسطوانات كبيرة ومرموقة علي الساحة الفنية مثل أوديون وبيضافون وجرامفون ،إلا أن الشيخ آثر التعامل مع الخواجة الذي احتكر تقريبا تسجيل معظم إنتاج فنان الشعب.
وهكذا ، يتضح أن الأرمن لم يتقوقعوا داخل أنفسهم موسيقيا وغنائيا ، ولكنهم انفتحوا علي الموسيقي والغناء بجناحيها الغربي والشرقي. ورغم أنهم تشبثوا بموسيقاهم الشرقية الأرمنية حفظا لهويتهم وتدعيما لها،إلا أنهم قد تمثلوا الموسيقات الأخري نظرا لطبيعتها الإنسانية المشتركة. وبذا أثروا الحياة الموسيقية الغنائية الأرمنية – المصرية .
...........................
المراجع
1- زين نصار / الموسيقا المصرية المتطورة
2- عبد الحميد توفيق زكي / أعلام الموسيقي المصرية عبر 150سنة
3- قسطندي رزق / الموسيقي الشرقية والغناء العربي
4- كمال النجمي / تراث الغناء بين الموصلي وزرياب وأم كلثوم وعبد الوهاب
5- كيفورك ديكرانيان / آرام خاتشودريان
6- محمد رفعت الإمام / الأرمن في مصر
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» النشاط التجاري للأرمن في مصر
» النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر
» النشاط السينمائي للأرمن في مصر الحديثة
» الوضع القانوني للأرمن في مصر
» الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس
» النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر
» النشاط السينمائي للأرمن في مصر الحديثة
» الوضع القانوني للأرمن في مصر
» الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin