عرض كتاب القضية الأرمينية في الدولة العثمانية
صفحة 1 من اصل 1
عرض كتاب القضية الأرمينية في الدولة العثمانية
القضية الأرمينية في الدولة العثمانية
أحمد الشرقاوي
كتاب القضية الارمينية في الدولة العثمانية
امتدت الدولة العثمانية في (1299هـ – 1923م) في الرقعتين المكانية والزمانية بشكل لم تبلغه دولة أخرى، بل وشملت تحت مظلة نفوذها السياسي والروحي-كدولة خلافة إسلامية- مساحة مترامية الأبعاد على ثلاث قارات، من أطراف شبه القارة الهندية إلى جنوب القارة الإفريقية، مع تواجد غير ثابت في بعض مناطق أعماق أوربا.
وضمت في كيانها السياسي مجموعات كبيرة من التشكيلات الإثنية والأقليات العرقية، وكانت فسيفساء الشعوب التي تحكمها بمثابة لوحة من الموزاييك استمرت بديعة المنظر فترة من الزمان، توحي بالتناسق والتناغم، طالما بقيت الدولة قوية، وقليلاً ما كانت تظهر الثورات والتمردات في المناطق المكتظة بالأعراق المختلفة، مثل برميل البارود المسمى "شبه جزيرة البلقان"، والتي كانت تمثلها الولاية العثمانية "إيالة الرومللي".
وكتاب الدكتور محمد رفعت الإمام، يستعرض هذه القضية بشكل إجمالي، لكنه يستعرض بعض التفاصيل التي تعطي تصورًا متكاملاً للقارئ عن أبعاد القضية، ولا يكاد يغيب عن هذه الصورة شيء من تلك الجوانب واللمسات التي تحاول رسم بورتريه مأسوي لشعب عانى "الاضطهاد"، وتعرض لـ "المذابح الجماعية"، كما يدعي الأرمن، وكما يصف ويصدق المؤلف هذه الدعاوى بشكل واضح، يعتبر غير مبرر من باحث أكاديمي ينبغي عليه الحياد التام، خاصة والكتاب عبارة عن أجزاء مستلة من رسالته للدكتوراه.
المندوب السامي
وفي واقعة ذات مدلول – تهم القارئ – كان المؤلف يلقي بحثًا في أحد المؤتمرات، وقدمه منسق المؤتمر بقوله: "الدكتور محمد رفعت الإمام المندوب السامي للأرمن في مصر" وبرغم كونها دعابة؛ إلا أن المؤلف اعتبرها كلمات ذات مغزى يعطي خلفية للحضور عن المرجعية الأيديولوجية والتوجه الفكري له بشكل يفقده المصداقية والحيادية لدى المتلقي، وهو ما اعترض عليه بشدة في كواليس المؤتمر.
ولكنه هنا – على صفحات الكتاب – يقع بنفسه في نفس الخطأ، أو بمعنى آخر يثبت على نفسه ما اعتبره من قبل اتهامًا بالانحياز، فنرى في صفحة الإهداء الجملة التالية: "إلى الشعب الفلسطيني.. مأساة متكررة"، وهو ما يعد - في العرف الأكاديمي حكمًا مسبقًا في القضية قبل استعراض تفاصيلها بشكل محايد، وترك الحكم للقارئ، أو حتى الوصول إلى الحكم والنتيجة عبر حجج وأسانيد وثائقية بعيدة عن أي تعاطف أو تحيز.
وتاريخ الشعب الأرمني – كما في المقدمة – محاط بضبابية كثيفة على المشهد المعرفي المصري، وربما العربي، لاسيما أم قضاياه الكبرى وهي الإبادة العرقية التي يدعون أن السلطات الحكومية العثمانية قد اقترفتها ضد الجنس الأرمني بغية تحقيق تناغم في التركيبة الإثنية للبناء الطوراني.
هذا الاتهام الخطير يلقيه المؤلف في مقدمته قبل استعراض الحقائق والترتيب المنطقي للأحداث، مما يبرز تبنيه وجهة النظر الأرمنية والاتهامات الموجهة ضد الدولة العثمانية، والتي اعتبرها حقائق مؤكدة، وبرغم أنه – بالفعل – استعرض جانبًا من الحقائق، وكذلك الترتيب المنطقي للأحداث، فإنها اصطبغت بالشكل الإعلامي المأسوي الأرمني.
ولا غرو، فالرجل رئيس تحرير الملحق الشهري العربي لجريدة أريف الأرمنية الصادرة في القاهرة، كما جاء في تعريف المؤلف على صفحة الغلاف الأخير للكتاب.
والمؤلف في هذا الكتاب تبعد عنه الحيادية ويستخدم عبارات مشبعة بمدلولات تقلص الفرصة تمامًا أمام ذهن القارئ ليعمل عقله في الأحداث، ويحكم عليها بالمنطق العقلي، فيستخدم المؤلف عناوين فصوله ليضع القارئ في القفص الأيديولوجي الذي سجن فيه المؤلف نفسه؛ متأثرًا بـ "المأساة الأرمنية" متناسيًا قول الحكيم: إذا جاءك أحد الخصمين يشكو وقد فقئت إحدى عينيه، فلا تحكم له، حتى يأتيك الخصم الآخر، فربما تكون قد فقئت عيناه الاثنتان.
وقد حاولتُ قدر الاستطاعة أن أستخلص أبعاد القضية الأرمنية من خلال هذا الكتاب، ليستعرضها القارئ، حتى يكون الكتاب بالفعل قد ألقى بقعة واسعة من الضوء على هذه القضية، فيبدد الضبابية الكثيفة التي خيمت على المشهد المعرفي المصري والعربي، وللمؤلف فضل السبق والريادة الأكاديمية في ذلك؛ إذ كان من أوائل الباحثين المصريين الذي تناولوا هذه القضية في رسالتيه للماجستير والدكتوراه.
والقارئ سوف يجذب انتباهه كم لا بأس به من عبارات وتعبيرات "المأساة"، و"الظلم" و"الحظ العاثر، الذي يحيق بالأرمن، كأنهم هم الذين يحملون "صخرة سيزيف" وليس سيزيف نفسه.
هذه المبالغات في تصوير وتصور المسألة الأرمنية ليست بجديدة، إنما هي قديمة قدم المسألة الأرمنية نفسها، وتكاد تكون أحد أركانها، مما أدى في النهاية إلى هذا التناقض الواضح في أعمال وكتابات معظم من تناولوا تلك القضية.
بعيدا عن الحياد
وفي هذا الكتاب نعرض نماذج من ذلك في ثنايا طرح المؤلف للقضية. يقول المؤلف واصفًا أحوال الأرمن في العهد العثماني:
"انخرط الأرمن في الهيكل الوظيفي العثماني، فتقلدوا أعلى الوظائف بسبب استعدادهم لخدمة الدولة وذكائهم وجديتهم، وافتقارهم إلى طموحات الاستقلال، وتشير إحصائية عن موظفي الأرمن في الحكومة العثمانية إلى وجود 22 وزيرًا عملوا في الخارجية والمالية والخزانة...".
ويقول أيضًا: "أضحت الآستانة مركزًا اقتصاديًّا وثقافيًّا، وسياسيًّا للأرمن الذين نعموا برعاية السلاطين حتى حكم عبد الحميد الثاني (1876-1909م)، ونالوا مساعدتهم حتى غدوا من أرقى العناصر...".
لكن المؤلف في نفس الصفحة يستنتج من تلك الحقائق التي أوردها النتيجة التالية:
"وبعامة، كان الأرمن في الدولة العثمانية – لاسيما الولايات – مطوقين وسط عالم متنوع القوميات والأديان؛ ونظرًا لأنهم إحدى أقليات الدولة، فقد فرض عليهم التمييز رسميًّا، وعوملوا بكونهم مواطنين من الدرجة الثانية"!!!
وفي محاولة ناجحة للمؤلف بدأ فيها عرض العوامل التي غيرت سلوك "الملة الصادقة" أي الأرمن، كما كانوا يسمون في العهد العثماني، يورد العوامل التالي:
1.التغييرات السياسية الاجتماعية.
2.الثورة الفرنسية والصحافة.
3.وصول الخبراء التجاريين والفنيين الأوربيين.
4.تدخل الدول الكبرى –لاسيما روسيا– بإثارة الطموحات القومية.
5.الإرساليات التبشيرية الغربية.
وبرغم نجاح المؤلف في استخلاص هذه العوامل، فإنه أراد أن يحمِّل تلك العوامل عبء المسألة الأرمنية، بالاشتراك في تبعتها مع الحكومات العثمانية، فيخرج الأرمن أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فيقول:
"كان الأرمن أشد الشعوب المسيحية في الدولة العثمانية إخلاصًا في خدمتها، وآخرها في التحول عن الولاء لها".
ثم يقول عن التغييرات السياسية والاجتماعية: "كانت الأقليات المسيحية وعلى رأسها الأرمن أول المستفيدين من هذه التغييرات".
ويخلص إلى القول: "تطورت الحركة القومية الأرمنية من مجرد فكرة إلى جمعيات ثورية سرية محلية وعامة، ما لبثت أن تمخض عنها الأحزاب الثورية، وقد مارست هذه الجمعيات نشاطها الدعائي والفدائي والثوري في أقاليم الدولة العثمانية".
فأين إذن أشد الشعوب ولاءً للدولة؛ أقصد الدولة العثمانية وليس الدولة الروسية التي كان الولاء الحقيقي متعلق بها، وهو ما أشار إليه المؤلف في العوامل سالفة الذكر وما أكده بقوله: "تصاعدت المسألة الأرمنية في أعقاب مؤتمر برلين من كونها مشكلة عثمانية داخلية إلى كونها قضية دولية".
إذ كان ضمن بنود وشروط المؤتمر – والمؤتمر الذي سبقه – ألا تنسحب القوات الروسية من المناطق التي احتلتها في أرمينيا الغربية حتى تقوم الحكومة العثمانية بتنفيذ الإصلاحات وضمان سلامة الأرمن فيها.
وهو ما أورده المؤلف وزاد عليه متحدثًا عن المثقفين الأرمن أنهم: "طالبوا زعماءهم بإنهاء حذرهم ومناشدة الروس لتبني مستقبل الأرمن... وفعلاً نجحت المساعي الأرمنية جزئيًّا...".
أحمد الشرقاوي
كتاب القضية الارمينية في الدولة العثمانية
امتدت الدولة العثمانية في (1299هـ – 1923م) في الرقعتين المكانية والزمانية بشكل لم تبلغه دولة أخرى، بل وشملت تحت مظلة نفوذها السياسي والروحي-كدولة خلافة إسلامية- مساحة مترامية الأبعاد على ثلاث قارات، من أطراف شبه القارة الهندية إلى جنوب القارة الإفريقية، مع تواجد غير ثابت في بعض مناطق أعماق أوربا.
وضمت في كيانها السياسي مجموعات كبيرة من التشكيلات الإثنية والأقليات العرقية، وكانت فسيفساء الشعوب التي تحكمها بمثابة لوحة من الموزاييك استمرت بديعة المنظر فترة من الزمان، توحي بالتناسق والتناغم، طالما بقيت الدولة قوية، وقليلاً ما كانت تظهر الثورات والتمردات في المناطق المكتظة بالأعراق المختلفة، مثل برميل البارود المسمى "شبه جزيرة البلقان"، والتي كانت تمثلها الولاية العثمانية "إيالة الرومللي".
وكتاب الدكتور محمد رفعت الإمام، يستعرض هذه القضية بشكل إجمالي، لكنه يستعرض بعض التفاصيل التي تعطي تصورًا متكاملاً للقارئ عن أبعاد القضية، ولا يكاد يغيب عن هذه الصورة شيء من تلك الجوانب واللمسات التي تحاول رسم بورتريه مأسوي لشعب عانى "الاضطهاد"، وتعرض لـ "المذابح الجماعية"، كما يدعي الأرمن، وكما يصف ويصدق المؤلف هذه الدعاوى بشكل واضح، يعتبر غير مبرر من باحث أكاديمي ينبغي عليه الحياد التام، خاصة والكتاب عبارة عن أجزاء مستلة من رسالته للدكتوراه.
المندوب السامي
وفي واقعة ذات مدلول – تهم القارئ – كان المؤلف يلقي بحثًا في أحد المؤتمرات، وقدمه منسق المؤتمر بقوله: "الدكتور محمد رفعت الإمام المندوب السامي للأرمن في مصر" وبرغم كونها دعابة؛ إلا أن المؤلف اعتبرها كلمات ذات مغزى يعطي خلفية للحضور عن المرجعية الأيديولوجية والتوجه الفكري له بشكل يفقده المصداقية والحيادية لدى المتلقي، وهو ما اعترض عليه بشدة في كواليس المؤتمر.
ولكنه هنا – على صفحات الكتاب – يقع بنفسه في نفس الخطأ، أو بمعنى آخر يثبت على نفسه ما اعتبره من قبل اتهامًا بالانحياز، فنرى في صفحة الإهداء الجملة التالية: "إلى الشعب الفلسطيني.. مأساة متكررة"، وهو ما يعد - في العرف الأكاديمي حكمًا مسبقًا في القضية قبل استعراض تفاصيلها بشكل محايد، وترك الحكم للقارئ، أو حتى الوصول إلى الحكم والنتيجة عبر حجج وأسانيد وثائقية بعيدة عن أي تعاطف أو تحيز.
وتاريخ الشعب الأرمني – كما في المقدمة – محاط بضبابية كثيفة على المشهد المعرفي المصري، وربما العربي، لاسيما أم قضاياه الكبرى وهي الإبادة العرقية التي يدعون أن السلطات الحكومية العثمانية قد اقترفتها ضد الجنس الأرمني بغية تحقيق تناغم في التركيبة الإثنية للبناء الطوراني.
هذا الاتهام الخطير يلقيه المؤلف في مقدمته قبل استعراض الحقائق والترتيب المنطقي للأحداث، مما يبرز تبنيه وجهة النظر الأرمنية والاتهامات الموجهة ضد الدولة العثمانية، والتي اعتبرها حقائق مؤكدة، وبرغم أنه – بالفعل – استعرض جانبًا من الحقائق، وكذلك الترتيب المنطقي للأحداث، فإنها اصطبغت بالشكل الإعلامي المأسوي الأرمني.
ولا غرو، فالرجل رئيس تحرير الملحق الشهري العربي لجريدة أريف الأرمنية الصادرة في القاهرة، كما جاء في تعريف المؤلف على صفحة الغلاف الأخير للكتاب.
والمؤلف في هذا الكتاب تبعد عنه الحيادية ويستخدم عبارات مشبعة بمدلولات تقلص الفرصة تمامًا أمام ذهن القارئ ليعمل عقله في الأحداث، ويحكم عليها بالمنطق العقلي، فيستخدم المؤلف عناوين فصوله ليضع القارئ في القفص الأيديولوجي الذي سجن فيه المؤلف نفسه؛ متأثرًا بـ "المأساة الأرمنية" متناسيًا قول الحكيم: إذا جاءك أحد الخصمين يشكو وقد فقئت إحدى عينيه، فلا تحكم له، حتى يأتيك الخصم الآخر، فربما تكون قد فقئت عيناه الاثنتان.
وقد حاولتُ قدر الاستطاعة أن أستخلص أبعاد القضية الأرمنية من خلال هذا الكتاب، ليستعرضها القارئ، حتى يكون الكتاب بالفعل قد ألقى بقعة واسعة من الضوء على هذه القضية، فيبدد الضبابية الكثيفة التي خيمت على المشهد المعرفي المصري والعربي، وللمؤلف فضل السبق والريادة الأكاديمية في ذلك؛ إذ كان من أوائل الباحثين المصريين الذي تناولوا هذه القضية في رسالتيه للماجستير والدكتوراه.
والقارئ سوف يجذب انتباهه كم لا بأس به من عبارات وتعبيرات "المأساة"، و"الظلم" و"الحظ العاثر، الذي يحيق بالأرمن، كأنهم هم الذين يحملون "صخرة سيزيف" وليس سيزيف نفسه.
هذه المبالغات في تصوير وتصور المسألة الأرمنية ليست بجديدة، إنما هي قديمة قدم المسألة الأرمنية نفسها، وتكاد تكون أحد أركانها، مما أدى في النهاية إلى هذا التناقض الواضح في أعمال وكتابات معظم من تناولوا تلك القضية.
بعيدا عن الحياد
وفي هذا الكتاب نعرض نماذج من ذلك في ثنايا طرح المؤلف للقضية. يقول المؤلف واصفًا أحوال الأرمن في العهد العثماني:
"انخرط الأرمن في الهيكل الوظيفي العثماني، فتقلدوا أعلى الوظائف بسبب استعدادهم لخدمة الدولة وذكائهم وجديتهم، وافتقارهم إلى طموحات الاستقلال، وتشير إحصائية عن موظفي الأرمن في الحكومة العثمانية إلى وجود 22 وزيرًا عملوا في الخارجية والمالية والخزانة...".
ويقول أيضًا: "أضحت الآستانة مركزًا اقتصاديًّا وثقافيًّا، وسياسيًّا للأرمن الذين نعموا برعاية السلاطين حتى حكم عبد الحميد الثاني (1876-1909م)، ونالوا مساعدتهم حتى غدوا من أرقى العناصر...".
لكن المؤلف في نفس الصفحة يستنتج من تلك الحقائق التي أوردها النتيجة التالية:
"وبعامة، كان الأرمن في الدولة العثمانية – لاسيما الولايات – مطوقين وسط عالم متنوع القوميات والأديان؛ ونظرًا لأنهم إحدى أقليات الدولة، فقد فرض عليهم التمييز رسميًّا، وعوملوا بكونهم مواطنين من الدرجة الثانية"!!!
وفي محاولة ناجحة للمؤلف بدأ فيها عرض العوامل التي غيرت سلوك "الملة الصادقة" أي الأرمن، كما كانوا يسمون في العهد العثماني، يورد العوامل التالي:
1.التغييرات السياسية الاجتماعية.
2.الثورة الفرنسية والصحافة.
3.وصول الخبراء التجاريين والفنيين الأوربيين.
4.تدخل الدول الكبرى –لاسيما روسيا– بإثارة الطموحات القومية.
5.الإرساليات التبشيرية الغربية.
وبرغم نجاح المؤلف في استخلاص هذه العوامل، فإنه أراد أن يحمِّل تلك العوامل عبء المسألة الأرمنية، بالاشتراك في تبعتها مع الحكومات العثمانية، فيخرج الأرمن أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فيقول:
"كان الأرمن أشد الشعوب المسيحية في الدولة العثمانية إخلاصًا في خدمتها، وآخرها في التحول عن الولاء لها".
ثم يقول عن التغييرات السياسية والاجتماعية: "كانت الأقليات المسيحية وعلى رأسها الأرمن أول المستفيدين من هذه التغييرات".
ويخلص إلى القول: "تطورت الحركة القومية الأرمنية من مجرد فكرة إلى جمعيات ثورية سرية محلية وعامة، ما لبثت أن تمخض عنها الأحزاب الثورية، وقد مارست هذه الجمعيات نشاطها الدعائي والفدائي والثوري في أقاليم الدولة العثمانية".
فأين إذن أشد الشعوب ولاءً للدولة؛ أقصد الدولة العثمانية وليس الدولة الروسية التي كان الولاء الحقيقي متعلق بها، وهو ما أشار إليه المؤلف في العوامل سالفة الذكر وما أكده بقوله: "تصاعدت المسألة الأرمنية في أعقاب مؤتمر برلين من كونها مشكلة عثمانية داخلية إلى كونها قضية دولية".
إذ كان ضمن بنود وشروط المؤتمر – والمؤتمر الذي سبقه – ألا تنسحب القوات الروسية من المناطق التي احتلتها في أرمينيا الغربية حتى تقوم الحكومة العثمانية بتنفيذ الإصلاحات وضمان سلامة الأرمن فيها.
وهو ما أورده المؤلف وزاد عليه متحدثًا عن المثقفين الأرمن أنهم: "طالبوا زعماءهم بإنهاء حذرهم ومناشدة الروس لتبني مستقبل الأرمن... وفعلاً نجحت المساعي الأرمنية جزئيًّا...".
رد: عرض كتاب القضية الأرمينية في الدولة العثمانية
نحر التاريخ
ويواصل الدكتور الإمام استعراضه للقضية الأرمنية متحدثًا عن "مذابح 1894 – 1896" تحت عنوان: "نحر أمة"، فيضيف إلى عوامل هذه القضية ركناً أساسيًّا وهو أنشطة الأحزاب الأرمنية المسلحة، لكن الرجل – بذكاء القاص وفطنة الأديب المأسوي – يستميل إليه قلوب القراء، ويستدر تعاطفهم وتبريراتهم عندما يسمي نشاط هذه الأحزاب المسلح بأنه "نشاط فدائي وثوري" أو "مقاومة مسلحة"، ويسمي احتواء الحكومة العثمانية لهذا النشاط ومعارضته "نحر أمة".
ثم يتمادى في تقمص شخصية الثائر القومي الأرمني عندما يقول: "سعت الحكومة العثمانية للاستيلاء على إقليم زيتون الجبلي ذي الحكم الذاتي بولاية مرعش... بعد محاولات فاشلة لكبح جماح استقلاله المتزايد".
ولا ندري من أين جاء المؤلف بخبر الحكم الذاتي لإقليم زيتون، ولا كيف يعقل أن "تستولي" الحكومة على إقليم هو بالفعل في قلب مناطق سيطرتها وحكمها.
المؤلف نفسه أعطى العذر للحكومة العثمانية في مقاومة "تمرد زيتون" بقوله: "وقد ترك تمرد زيتون أثره؛ إذ توالت الانتفاضات في فان (1862) وأرضروم (1863) ويرى بعض المؤرخين أن هذا التمرد ربما كان الإشارة الأولى ليقظة الأرمن سياسيًّا".
ويتناسى المؤلف هنا ذكاء القارئ ورفضه للأحكام المقولبة وسابقة التجهيز...؛ خاصة وهي متناقضة مع ما يعرض -برغم ذكاء العرض- لكن تبدو الحقيقة في النهاية، نهاية الصراع بين ذكاء المؤلف في عرضه الذي يبرر أفعالهم، وذكاء القارئ الذي يرى الحقائق واضحة فيستفزه الاستنتاج المتناقض الذي "يفرضه عليه" الكتاب.
إذ يورد المؤلف نماذج من برامج الأحزاب "الثورية" الأرمنية، ففي حزب الأرميناجان يقول: "وهدفه التحرر الوطني لأرمينيا" بكل الوسائل، وقد دعا برنامج هذه الحزب إلى مقاومة مسلحة.
وعن حزبي الهانشاك والطاشناق يقول: "يهدف الحزب إلى تحقيق الحرية السياسية والاقتصادية لأرمينية العثمانية بوسائل التمرد والثورة"، ثم "تستمر العمليات الأرمنية الإرهابية ضد السلطات العثمانية والمتعاونين معها".
وتأتي ثالثة الأثافي، وهي اللب الحقيقي للختام المأسوي للقضية الأرمنية في العهد العثماني؛ إذ عند قيام الحرب العالمية الأولى ذهب وفد اتحادي -من الاتحاد والترقي- لمقابلة زعماء الطاشناق الذين أعدو تعهد حزبهم بتبني الجهاد، وأن الأرمن سوف يؤدون واجباتهم بكونهم مواطنين مخلصين، وبرغم هذا فإن مكنونات الأرمن في سائر الدولة، كانت تأمل انتصارًا روسيًّا ربما يضع حدًّا لاضطهاداتهم، ولكنهم لم يعبروا علانية عن مشاعرهم، وأكثر القراء من الثكنات العثمانية في خلال متكررة".
وبناءً عليه فإن الأتراك "اتهموا الأرمن العثمانيين بالخيانة العظمى"، كما كانت "الحالة متوترة في منطقة زيتون عند نشوب الحرب بسبب عدم إقبال الأرمن على التجنيد وفرار بعضهم إلى الجبال وقتال مطارديهم من الأتراك".
كانت تلك العبارات كفيلة وحدها ببيان الكثير من الحقائق التي ينبني عليها التصور العام للقضية الأرمنية في الدولة العثمانية، لو أوردها المؤلف خالصة من آرائه واستنتاجاته وعناوينه الموحية.
ويواصل الدكتور الإمام استعراضه للقضية الأرمنية متحدثًا عن "مذابح 1894 – 1896" تحت عنوان: "نحر أمة"، فيضيف إلى عوامل هذه القضية ركناً أساسيًّا وهو أنشطة الأحزاب الأرمنية المسلحة، لكن الرجل – بذكاء القاص وفطنة الأديب المأسوي – يستميل إليه قلوب القراء، ويستدر تعاطفهم وتبريراتهم عندما يسمي نشاط هذه الأحزاب المسلح بأنه "نشاط فدائي وثوري" أو "مقاومة مسلحة"، ويسمي احتواء الحكومة العثمانية لهذا النشاط ومعارضته "نحر أمة".
ثم يتمادى في تقمص شخصية الثائر القومي الأرمني عندما يقول: "سعت الحكومة العثمانية للاستيلاء على إقليم زيتون الجبلي ذي الحكم الذاتي بولاية مرعش... بعد محاولات فاشلة لكبح جماح استقلاله المتزايد".
ولا ندري من أين جاء المؤلف بخبر الحكم الذاتي لإقليم زيتون، ولا كيف يعقل أن "تستولي" الحكومة على إقليم هو بالفعل في قلب مناطق سيطرتها وحكمها.
المؤلف نفسه أعطى العذر للحكومة العثمانية في مقاومة "تمرد زيتون" بقوله: "وقد ترك تمرد زيتون أثره؛ إذ توالت الانتفاضات في فان (1862) وأرضروم (1863) ويرى بعض المؤرخين أن هذا التمرد ربما كان الإشارة الأولى ليقظة الأرمن سياسيًّا".
ويتناسى المؤلف هنا ذكاء القارئ ورفضه للأحكام المقولبة وسابقة التجهيز...؛ خاصة وهي متناقضة مع ما يعرض -برغم ذكاء العرض- لكن تبدو الحقيقة في النهاية، نهاية الصراع بين ذكاء المؤلف في عرضه الذي يبرر أفعالهم، وذكاء القارئ الذي يرى الحقائق واضحة فيستفزه الاستنتاج المتناقض الذي "يفرضه عليه" الكتاب.
إذ يورد المؤلف نماذج من برامج الأحزاب "الثورية" الأرمنية، ففي حزب الأرميناجان يقول: "وهدفه التحرر الوطني لأرمينيا" بكل الوسائل، وقد دعا برنامج هذه الحزب إلى مقاومة مسلحة.
وعن حزبي الهانشاك والطاشناق يقول: "يهدف الحزب إلى تحقيق الحرية السياسية والاقتصادية لأرمينية العثمانية بوسائل التمرد والثورة"، ثم "تستمر العمليات الأرمنية الإرهابية ضد السلطات العثمانية والمتعاونين معها".
وتأتي ثالثة الأثافي، وهي اللب الحقيقي للختام المأسوي للقضية الأرمنية في العهد العثماني؛ إذ عند قيام الحرب العالمية الأولى ذهب وفد اتحادي -من الاتحاد والترقي- لمقابلة زعماء الطاشناق الذين أعدو تعهد حزبهم بتبني الجهاد، وأن الأرمن سوف يؤدون واجباتهم بكونهم مواطنين مخلصين، وبرغم هذا فإن مكنونات الأرمن في سائر الدولة، كانت تأمل انتصارًا روسيًّا ربما يضع حدًّا لاضطهاداتهم، ولكنهم لم يعبروا علانية عن مشاعرهم، وأكثر القراء من الثكنات العثمانية في خلال متكررة".
وبناءً عليه فإن الأتراك "اتهموا الأرمن العثمانيين بالخيانة العظمى"، كما كانت "الحالة متوترة في منطقة زيتون عند نشوب الحرب بسبب عدم إقبال الأرمن على التجنيد وفرار بعضهم إلى الجبال وقتال مطارديهم من الأتراك".
كانت تلك العبارات كفيلة وحدها ببيان الكثير من الحقائق التي ينبني عليها التصور العام للقضية الأرمنية في الدولة العثمانية، لو أوردها المؤلف خالصة من آرائه واستنتاجاته وعناوينه الموحية.
مواضيع مماثلة
» حمل كتاب القضية الأرمنية في الدولة العثمانية
» القضية الأرمنية في الدولة العثمانية ( 1887 -1923 )
» الدعاية البريطانية ضد الدولة العثمانية
» مفهوم المتحدة للإبادة 1948 والحالة الأرمنية في الدولة العثمانية 1915-1916
» الدعاية البريطانية ضد الدولة العثمانية 1917-1918 للدكتور محمد رفعت الإمام
» القضية الأرمنية في الدولة العثمانية ( 1887 -1923 )
» الدعاية البريطانية ضد الدولة العثمانية
» مفهوم المتحدة للإبادة 1948 والحالة الأرمنية في الدولة العثمانية 1915-1916
» الدعاية البريطانية ضد الدولة العثمانية 1917-1918 للدكتور محمد رفعت الإمام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin