بصمات رمضانية
صفحة 1 من اصل 1
بصمات رمضانية
بصمات رمضانية
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد 116 – أغسطس 2007
...................................
لا ريب أنه بكل المقاييس وأية مقاييس ، فقدت الثقافة المصرية الأصيلة – والتاريخية منها تحديدا – أحد أبرز نجومها برحيل الأستاذ الدكتور عبد العظيم رمضان في 4 يولية 2007 ، وعندما يستعرض المرء بانوراما حياة " مؤرخ الحركة الوطنية المصرية " يجد نفسه أمام زخم من التداخلات والتفاعلات والتداعيات علي صعد شتي. إنه مؤرخ " دءوب مثابر" ، متنوع الإنتاج ، متعدد المؤلفات . وتجدر الإشارة إلي أن مؤرخنا الراحل كان علي رأس مؤرخين قلائل ، وقلائل جدا ممن تصدوا لدراسة التاريخ في إطار منهجيات علمية واضحة المعالم. وبالتالي تميز إنتاجه العلمي بالالتزام المنهجي والتناول الموضوعي ، ومن ثم ابتعد كثيرا عن العشوائية والضبابية والميوعة . في كلمة اتسم عالمنا الجليل ب" رؤية متكاملة " تبلور ينابيع معرفية متنوعة وأصيلة وخصبة. ولم تكن بصمات أستاذنا العلمية من تلك التي يسهل محوها أو تجاهلها أو نسيانها أو إسقاطها ، وفي تقديري المتواضع أن إنجازه الأشهر عن " تطور الحركة الوطنية في مصر 1918- 1936 " يعد من كلاسيكيات الدراسات التاريخية في القرن العشرين وكان بمثابة " نقلة موضوعية" في منهجه وتناوله وأسلوبه . زد أيضا أن عمله عن " صراع الطبقات في مصر" يأتي في طليعة الدراسات المبكرة التي فسرت التاريخ المصري الحديث من منظور المادية التاريخية . ولا يخفي جرأة " جبرني الحركة الوطنية" في التصدي لدراسة قضايا أقرب للمعاصرة منها للدراسات التاريخية التقليدية مثل دراسته عن حرب 1967 والأخرى عن حرب 1973 وغيرهما. وحري بالذكر أن الدكتور عبد العظيم رمضان يعد أيضا من المؤرخين القلائل الذين خرجوا من عباءة الأكاديمية البحتة وانخرط في الحياة العامة بكل تداعياتها الإيجابية والسلبية. وبذا صار تأثيره الجمعي يشمل قطاعات متعددة ومتباينة عبر فنوات الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بدلا من انحباس تأثيره داخل جدران الجامعة وعلي قلة من طلبة الدراسات العليا . ورغم ان خطاب الصحافة قد وصف مؤرخنا ب" الكاتب السياسي"، فالحقيقة أن الرجل لم يكن دوما أسيرا للكتابة السياسية ، بل تخطاها كثيرا إلي مختلف ميادين الثقافة والاقتصاد والاجتماع . وثمة ما يجدر تسجيله هنا أن د . رمضان قد خاض العديد من المعارك في الحقل الإعلاميين وكان خلالها وبحق مناضلا من الطراز الفريد ، وقد اتسم في معاركه العلمية والسياسية والإنسانية بأخلاق الفرسان .إذ كان واضحا شفافا في مبارزاته من منطلق إيمانه العميق بأيديولوجيته وقناعته الذاتية .
والحقيقة أن مزايا راحلتا الجليل لا تحصي ولاتعد ولايتسع لها أي مقام .ويكفيه فخرا ، وخلودا أنه أسس واحدة من أشهر وأنجح السلاسل التاريخية في مصرنا العزيزة؛ إنها سلسلة " تاريخ المصريين" التي أحدثت نقلة نوعية فارقة في التراكم المعرفي التاريخي ليس للأكاديميين فحسب ، بل ولجميع الجمهور المصري " المثقف" . لقد فتحت السلسلة أبوابها للجميع ، الصغير قبل الكبير ن المغمور قبل المشهور بلا حساسيات أو حسابات أو محسوبيات . لقد نشرت السلسلة طائفة من الدراسات العلمية الجادة التي كانت حبيسة أرفف قاعات الرسائل العلمية بالكليات أو يكون مصيرها النشر المبتور غير الأمين . وأعادت السلسلة نشر ليس بالقليل من الدراسات التاريخية الكلاسيكية التي كنا نبذل جهودا مضنية للاطلاع عليها في مكتبات هنا وهناك في طبعات رديئة ممزقة غالبا علاوة علي فقدان معظمها من المكتبات .
ولذا أخشي وأعتقد أن هذا الشعور ينتاب كثيرا من المخلصين الغيورين علي تاريخنا أن تتوقف هذه السلسلة المثمرة البناءة برحيل مؤسسها ولذا أناشد المسئولين عن إصدار هذه السلسلة أن تستمر ويوضع اسم مؤسسها في الإصدارات الجديدة في مكان يليق بتاريخ الرجل وإسهاماته وإنجازاته. وأتمنى أن تبدأ سلسلة تاريخ المصريين في مرحلتها الجديدة بدراسة علمية جادة عن مؤسس" تاريخ المصريين" ومؤرخ " الحركة الوطنية المصرية".
......................................................................................................
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف – العدد 116 – أغسطس 2007
...................................
لا ريب أنه بكل المقاييس وأية مقاييس ، فقدت الثقافة المصرية الأصيلة – والتاريخية منها تحديدا – أحد أبرز نجومها برحيل الأستاذ الدكتور عبد العظيم رمضان في 4 يولية 2007 ، وعندما يستعرض المرء بانوراما حياة " مؤرخ الحركة الوطنية المصرية " يجد نفسه أمام زخم من التداخلات والتفاعلات والتداعيات علي صعد شتي. إنه مؤرخ " دءوب مثابر" ، متنوع الإنتاج ، متعدد المؤلفات . وتجدر الإشارة إلي أن مؤرخنا الراحل كان علي رأس مؤرخين قلائل ، وقلائل جدا ممن تصدوا لدراسة التاريخ في إطار منهجيات علمية واضحة المعالم. وبالتالي تميز إنتاجه العلمي بالالتزام المنهجي والتناول الموضوعي ، ومن ثم ابتعد كثيرا عن العشوائية والضبابية والميوعة . في كلمة اتسم عالمنا الجليل ب" رؤية متكاملة " تبلور ينابيع معرفية متنوعة وأصيلة وخصبة. ولم تكن بصمات أستاذنا العلمية من تلك التي يسهل محوها أو تجاهلها أو نسيانها أو إسقاطها ، وفي تقديري المتواضع أن إنجازه الأشهر عن " تطور الحركة الوطنية في مصر 1918- 1936 " يعد من كلاسيكيات الدراسات التاريخية في القرن العشرين وكان بمثابة " نقلة موضوعية" في منهجه وتناوله وأسلوبه . زد أيضا أن عمله عن " صراع الطبقات في مصر" يأتي في طليعة الدراسات المبكرة التي فسرت التاريخ المصري الحديث من منظور المادية التاريخية . ولا يخفي جرأة " جبرني الحركة الوطنية" في التصدي لدراسة قضايا أقرب للمعاصرة منها للدراسات التاريخية التقليدية مثل دراسته عن حرب 1967 والأخرى عن حرب 1973 وغيرهما. وحري بالذكر أن الدكتور عبد العظيم رمضان يعد أيضا من المؤرخين القلائل الذين خرجوا من عباءة الأكاديمية البحتة وانخرط في الحياة العامة بكل تداعياتها الإيجابية والسلبية. وبذا صار تأثيره الجمعي يشمل قطاعات متعددة ومتباينة عبر فنوات الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بدلا من انحباس تأثيره داخل جدران الجامعة وعلي قلة من طلبة الدراسات العليا . ورغم ان خطاب الصحافة قد وصف مؤرخنا ب" الكاتب السياسي"، فالحقيقة أن الرجل لم يكن دوما أسيرا للكتابة السياسية ، بل تخطاها كثيرا إلي مختلف ميادين الثقافة والاقتصاد والاجتماع . وثمة ما يجدر تسجيله هنا أن د . رمضان قد خاض العديد من المعارك في الحقل الإعلاميين وكان خلالها وبحق مناضلا من الطراز الفريد ، وقد اتسم في معاركه العلمية والسياسية والإنسانية بأخلاق الفرسان .إذ كان واضحا شفافا في مبارزاته من منطلق إيمانه العميق بأيديولوجيته وقناعته الذاتية .
والحقيقة أن مزايا راحلتا الجليل لا تحصي ولاتعد ولايتسع لها أي مقام .ويكفيه فخرا ، وخلودا أنه أسس واحدة من أشهر وأنجح السلاسل التاريخية في مصرنا العزيزة؛ إنها سلسلة " تاريخ المصريين" التي أحدثت نقلة نوعية فارقة في التراكم المعرفي التاريخي ليس للأكاديميين فحسب ، بل ولجميع الجمهور المصري " المثقف" . لقد فتحت السلسلة أبوابها للجميع ، الصغير قبل الكبير ن المغمور قبل المشهور بلا حساسيات أو حسابات أو محسوبيات . لقد نشرت السلسلة طائفة من الدراسات العلمية الجادة التي كانت حبيسة أرفف قاعات الرسائل العلمية بالكليات أو يكون مصيرها النشر المبتور غير الأمين . وأعادت السلسلة نشر ليس بالقليل من الدراسات التاريخية الكلاسيكية التي كنا نبذل جهودا مضنية للاطلاع عليها في مكتبات هنا وهناك في طبعات رديئة ممزقة غالبا علاوة علي فقدان معظمها من المكتبات .
ولذا أخشي وأعتقد أن هذا الشعور ينتاب كثيرا من المخلصين الغيورين علي تاريخنا أن تتوقف هذه السلسلة المثمرة البناءة برحيل مؤسسها ولذا أناشد المسئولين عن إصدار هذه السلسلة أن تستمر ويوضع اسم مؤسسها في الإصدارات الجديدة في مكان يليق بتاريخ الرجل وإسهاماته وإنجازاته. وأتمنى أن تبدأ سلسلة تاريخ المصريين في مرحلتها الجديدة بدراسة علمية جادة عن مؤسس" تاريخ المصريين" ومؤرخ " الحركة الوطنية المصرية".
......................................................................................................
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin