حوار في مجلة الأهرام العربي-حرب القوقــاز تطهير عرقي

حرب القوقــاز تطهير عرقي

السبت 30 / 8 / 2008

أجرت الحوار ـ ميرفت فهد
صفحات التاريخ تحمل بين طياتها قصصا لشعوب وقعت ضحية لشعوب أخري‏,‏ صفحات سوداء مخضبة بحروف تقطر دما‏.‏ فهذه الشعوب ارتكبت أخطر وأضخم الجرائم ضد الإنسانية فيما أطلق عليه‏'‏ إبادة الجنس‏'‏ التي توصف علي نحو دقيق بأنها‏'‏ الجريمة النموذج‏'‏ ضد الإنسانية بل و‏'‏جريمة الجرائم‏'.‏ الدكتور محمد رفعت الإمام‏-‏ مدرس التاريخ الحديث والمعاصر جامعة الإسكندرية‏-‏ في كتابه إبادة الجنس البشري‏..‏ دراسة وثائقية في الأعمال التحضيرية لاتفاقية الإبادة‏1946-1948'‏ يلقي الضوء علي الميلاد الرسمي لاتفاقية الإبادة‏,‏ ويكشف في حواره مع مجلة‏'‏ الأهرام العربي‏',‏ أن الإبادة تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإنساني‏.‏
‏*‏ ما الذي دفعك إلي اختيار موضوع‏'‏ إبادة الجنس‏'‏ والكتابة عنه؟
هناك العديد من العوامل التي دفعتني إلي دراسة‏'‏ إبادة الجنس‏':‏ بحكم تخصصي في التاريخ الحديث والمعاصر لدي قناعة بأن الوضع الراهن ما هو إلا ابن طبيعي للتاريخ‏.‏ ومن ثم فإن جذور المشكلات الآنية توجد في التاريخ‏.‏ وفي هذا الإطار يجب أن تكون الدراسات التاريخية في خدمة القضايا المعاصرة وغير منفصلة عنها وإذا لم يكن في الإمكان تقديم الحلول المثلي لها فعلي الأقل تقديم التفسيرات الحقيقية لما يحدث الآن‏.‏ وأيضا بحكم انتمائي للعالمين ـ العربي والإسلامي فإن ما حدث ويحدث وربما سيحدث في فلسطين والعراق والسودان وأفغانستان والبوسنة والهرسك وكوسوفو وغيرها يبعث علي ضرورة اهتمام المؤرخ بجريمة‏'‏ إبادة الجنس‏'‏ من منظور أكاديمي قانوني واجتماعي وتاريخي‏.‏ والخلاصة‏:‏ المعرفة العلمية بماهية جريمة‏'‏ إبادة الجنس‏'‏ تجعلنا أكثر نجاحا من تحاشيها والتصدي لها‏.‏
‏*‏ إذن ما تعريف جريمة‏'‏ إبادة الجنس‏'‏؟
رغم أن ظاهرة‏'‏ إبادة الجنس‏'‏ معروفة منذ عصور تاريخية قديمة فإن مفهوم الجريمة لم يحدد ويقنن إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية‏.‏ وقد ابتكر مصطلح‏genocide‏ أي إبادة الجنس البشري‏,‏ فقيه القانون البولندي اليهودي رافائيل ليمكن‏(1900-1959)‏ في كتابه‏'‏ حكم المحور في أوروبا المحتلة‏'‏ الصادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن عام‏1944‏ ليصف رعب التجربة اليهودية في ألمانيا الهتلرية‏.‏ ويتألف مصطلح‏genocide‏ من كلمة‏genos‏ اليونانية بمعني جماعة واللاحقة اللاتينية‏cide‏ بمعني قتل‏.‏ وبذلك يكون المعني الإجمالي للكلمة‏'‏ قتل جماعة‏'.‏ وقد اشترط ليمكن في صياغة مفهوم‏'‏ إبادة الجنس البشري‏'‏ وجود خطة منظمة ومنفذة ترمي إلي إفناء هذه الجماعة برمتها‏.‏ كما عرف الإبادة الثقافية بأنها تدمير المؤسسات الحيوية في حياة جماعة‏.‏ أما الإبادة البيولوجية فهي منع التكاثر فيها‏.‏
وفي‏9‏ نوفمبر‏1946,‏ تبنت الأمم المتحدة مصطلح‏'‏ إبادة الجنس‏'.‏ وفي‏11‏ ديسمبر‏1946,‏ اعتمدت الجمعية العامة القرار رقم‏96‏ الخاص بإبادة الجنس‏.‏ وبموجبه وقعت هذه الجريمة تحت طائلة القانون الدولي وعرفت الإبادة بأنها‏'‏ إنكار حق الوجود لجماعات بشرية بأكملها‏'.‏ وبعد سلسلة من الجهود‏,‏ أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في‏9‏ ديسمبر‏1948‏ بموجب القرار رقم‏260‏ اتفاقية منع جريمة إبادة الجنس والعقاب عليها‏,‏ سواء وقعت في زمن السلم أم في زمن الحرب حسبما نصت المادة الأولي‏.‏
وقد عرفت الاتفاقية هذه الجريمة في مادتها الثانية بأنها‏'‏ أي من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عرقية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه‏:‏
أولا‏:‏ قتل أعضاء من الجماعة
ثانيا‏:‏ إلحاق أذي جسدي أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة
ثالثا‏:‏ إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا
رابعا‏:‏ فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة
خامسا‏:‏ نقل الأطفال عنوة من الجماعة إلي جماعة أخري
وبذلك تتكون جريمة إبادة الجنس من أربعة أركان‏:‏ فعل جنائي مع تعمد تدمير كلي أو جزئي لجماعة عرقية أو قومية أو عنصرية أو دينية مستهدفة‏.‏