مؤرخ أرمنى يكتب عن الثورة العرابية
صفحة 1 من اصل 1
مؤرخ أرمنى يكتب عن الثورة العرابية
مؤرخ أرمنى يكتب عن الثورة العرابية
الأزمة المصرية لسنة 1881-1882 والسياسة الروسية
دراسة مستندة للوثائق الروسية الرسمية
للمؤرخ الأرمنى جورجي ترسيسوف(*)
تعتبر سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر حدا فاصلا فى تاريخ الاقتسام الاستعماري لأفريقيا،فحتى سنة1876كانت الدول الأوروبية تحكم 11%فقط من مساحة هذه القارة،ثم عند بدء الحرب العالمية الأولى فى سنة1914كانت أفريقيا كلها تقريبا قد خضعت لهذه الدول.وكانت مصر من أول ضحايا هذا التوسع الاستعماري،فرغم أنها كانت حتى هذا التاريخ الأخير رسميا جزءا من الدولة العثمانية،فإنها فى الحقيقة والواقع صارت منذ سنة1882 مستعمرة بريطانية.. وتطلق تسمية(( الأزمة المصرية لسنة 1881-سنة 1882على فترة تحضير بريطانيا للتدخل العسكري المسلح فى مصر وتنفيذها له.
وتتصف هذه الأزمة بخصائص اقتسام بلدان العالم فى زمن التحول من الاحتكار الرأسمالي إلى الاستعمار،وهو الزمن الذى سبق تاريخيا الحروب الاستعمارية التي استهدفت هذا الاقتسام.ولهذا فإنه بالرغم من حدة الصراع بين الدول الاستعمارية على الحصول على ((مكان تحت الشمس))فإنه لم يؤد إلى نشوب الحروب بينهما ،إذكانت المنازعات تسوى إما بحل وسط (يتم طبعا على حساب الشعوب التي تعرضت للهجمات الاستعمارية،وإما بإذعان الطرف الأضعف للطرف الأقوى والأشد تصميما). وعلى هذا النحو تطورت الأحداث فى مصر.فقد كانت منذ أمد طويل مسرحا للتنافس بين اثنين من دول أوروبا الغربية هما بريطانيا وفرنسا،اللتين أقامتا بمصر (( الرقابة الثنائية))التي بدأت مالية ثم صارت سياسية .ولكن عندما قررت بريطانيا الانفراد بالسلطة فى مصر لم تلق مقاومة فعالة من فرنسا ويرجع ذلك إلى عدة أسباب يهمنا اثنان هما.:
أولا –أنه في سنة 1881و1882 كان يواجه فرنسا خياران ،إما انتصار الحركة الوطنية الثورية المصرية وهى معادية للمصالح الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا معا ،ولإما خضوع مصر لبريطانيا ،فلم يكن غريبا ان تفضل الخيار الثاني الدوائر الحاكمة فى فرنسا وعلى رأسها تلك التي تمثل البنوك والشركات ،فإنها كانت تجنى أرباحا هائلة من الديون المصرية-قدرت انه حتى فى ظل الحكم البريطاني فإنه سيمكنها أن تشارك فى استغلالها.
وثانيا –لم يكن فى مقدور فرنسا ان تدخل فى صراع مكشوف مع بريطانيا،لأنها كانت مهددة من الشرق بخصيمة أقوى منها هي ألمانيا.ومن المعلوم أن حكومة بسمارك الألمانية كانت تشجع التوسع البريطاني فى مصر،لسعيها إلى إثارة الصراع بين بريطانيا وفرنسا أو إفساد العلاقات بينهما لمدة طويلة على اقل تقدير.وكانت النمسا والمجر تؤيد ألمانيا فى سياستها هذه،ثم أيدتها فيها إيطاليا حليفتهما الجديدة التي انضمت إلى كتلتيهما فى شهر مايو سنة 1882 إثر استيلاء فرنسا على تونس. أما روسيا فقد كان لها موقف خاص من المسالة المصرية ،فبالرغم من أنها كانت فى العهد القيصري دولة استعمارية مثل الدول الرأسمالية بأوروبا الغربية ، فإن سياستها فى خصوص هذه المسألة كانت تختلف عن سياسات هذه الدول فى خصوصها،فلئن لم تكن لروسيا فى مصر مصالح تهددها حركتها الثورية،إلا انه لم يكن من صالحها ان تسيطر بريطانيا على مصر إذ كانت بريطانيا عندئذ هي المنافسة الرئيسية والفعلية لروسيا فى الشرقين الأدنى والأوسط وتوترت جدا العلاقة بينهما إبان المسألة الشرقية فى سنة1877وسنة1878 ولهذا كان طبيعيا أن لا تحبذ روسيا تقوية بريطانيا لمركزها فى شرق البحر المتوسط وتحكمها فى قناة السويس وهى شريان المواصلات بين أوروبا وآسيا وذات الأهمية الكبرى اقتصاديا واستراتيجيا.
إن هذه العوامل المتناقضة دفعت روسيا إلى الدخول طرفا فى الأزمة المصريةلسنة1881-1882 إذ لم يكن فى وسعها ان تظل بعيدة عنها،ولقد حاولت فعلا مقاومة المخططات البريطانية أثناء هذه الأزمة .وهذا الجانب منها الذى يمثل صراع السياسة الروسية ضد إقامة الحكم البريطاني فى مصر هو موضوع هذا البحث وهو يعتمد على معلومات مستقاة من محفوظات (وثائق) وزارة الخارجية الروسية ومحفوظات (وثائق) روسية أخرى.
نذكر بالحقائق المعلومة عن هذه الأزمة المصرية .أدت المظاهرة التي جرت فى يوم 9 سبتمبر سنة1881 بالقاهرة وقادها الاميرالاى احمد عرابي بك زعيم الحركة الوطنية المصرية المعروف أدت سقوط وزارة مصطفى رياض باشا التي كانت خاضعة تماما للدولتين الغربيتين (بريطانيا وفرنسا) وشكلت وزارة جديدة برئاسة محمد شريف باشا ،من زعماء الجناح اليميني للحركة الوطنية المصرية ،وكان يسيطر على هذه الوزارة وعلى مجلس النواب (الذى انتخب فى شهر ديسمبر سنة1881)ممثلو كبار الملاك والتجار الذين يميلون إلى التفاهم مع رأس المال الأجنبي ،ورغم ذلك فإنه تحت ضغط تصاعد الحركة الوطنية شعبيا أقر مجلس النواب حقه الدستوري فى اعتماد الميزانية الأمر الذى حد كثيرا من الرقابة الأجنبية عليها. وفى أوائل شهر فبراير سنة1882 استقالت وزارة شريف باشا وخلفتها وزارة محمود سامي البارودي التي شغل فيها احمد عرابي بك وزارة الحربية ،فانتقلت السلطة إلى الجناح اليساري للحركة الوطنية المصرية الذى كان يتكون من الضباط الديمقراطيين ومن المثقفين ،بعد ان أدى إقرار الدستور فى يوم 7 فبراير سنة1882 إلى الإطاحة فعلا بالرقابة الأجنبية(البريطانية والفرنسية).وتزايد الصراع بين عامة المؤيدين لعرابي باشا وبين كبار الملاك المؤيدين من الخديوي توفيق باشا(بريطانيا وفرنسا)إذ هالهم انتشار الحركة الوطنية وانتفاضات الفلاحين ضدهم وضد السيطرة الأجنبية.فماذا كان موقف ممثل روسيا الرسمي فى مصر قنصلها العام لكس من الأحداث المصرية فى أواخر سنة1881 وفى أوائل سنة1882؟-يلاحظ أولا أن سياسة روسيا القيصرية كانت حينئذ هي سياسة دولة استعمارية تسيطر عليها طبقتا كبار الملاك والبرجوازية فلا يمكنها أن تتعاطف مع ثورة مصر الوطنية وان لكس كان يمثل تماما هذه السياسة.إلا أن عدم وجود مصالح توسعية لروسيا فى مصر قد مكن لكس ان يقدر الوضع خير مما قدره به ممثلا بريطانيا وفرنسا فيها ،فمثلا كان لكس يكره الزعماء الوطنيين المصريين لأنهم كانوا فى نظره وهو دبلوماسي روسي قيصري ((عصاة)) يقاومون السلطة والملكية الشرعية،ولكن هذا لم يمنعه من إدراك أن الوطنيين كانوا يتمتعون بتأييد عامة الشعب المصري.فقد كتب فى تقرير له فى سنة1881(أفكار العرب –أي المصريين –هائجة وهم يتجمعون حول عرابي باشا الذى يعتبرونه زعيمهم فى مطالبتهم بالدستور وبكل حرياتهم ،يعلقون عليه جميع آمالهم فى التخلص من الوصاية الأجنبية)وفى ذات التقرير يعترف بأن وزارة البارودي باشا وعرابي باشا تحظى بالشعبية/ويضيف أنه(لو بقيت بريطانيا وفرنسا ساكنتين لبقيت هذه الوزارة ،وسيكون ذلك طبقا لجميع الاحتمالات فى مصلحة مصر).
وحتى في ذلك الحين أدرك لكس ان الدولتين الغربيتين (بريطانيا وفرنسا) وخاصة بريطانيا لن تقفا غير عابئتين بالتغير الجاري فى مصر.ففي شهر ديسمبر سنة1881 علق على رسالة وزير الخارجية البريطانية لورد جرا نفيل المؤرخة فى يوم4 نوفمبر سنة1881،التي أعلن فيها(أن سياسة بريطانيا ليس لديها نية الاعتداء على مصر)-علق عليها بما يلي(يقول العرب- أي المصريون-لو لم يكن حقا لبريطانيا أطماع فى مصر،لما كانت فى حاجة للإعلان عن حسن نيتها).
وفى تقرير آخر يتحدث لكس عن تشكيل الوزارة الوطنية المصرية الجديدة مشيرا إلى عدم رضا الدولتين الغربيتين (بريطانيا وفرنسا) عنها،لخشيتهما من إلغاء أو على الأقل إضعاف الرقابة الثنائية ويقول(إن البريطانيين والفرنسيين يتحدثون فعلا عن احتلال مصر)ويدل سير الأحداث ان التهديد بالتدخل البريطاني أو البريطاني الفرنسي في مصر اخذ يقترب فعلا ويتحول إلى واقع.ففي شهر مايو سنة1882 أرسلت بريطانيا وفرنسا أسطولين إلى الإسكندرية وفى خلال أيام من وصولهما اى فى يوم 25 مايو سنة1882 قدمتا إنذارهما النهائي المشترك إلى وزارة البارودي باشا وعرابي باشا وفيه طلبتا استقالتها ،فاضطرت إلى الاستقالة .
ولكن هاتين الدولتين لم تستطيعا تحقيق مطلب آخر لهما وهو نفى عرابي باشا من مصر وإبعاد كبير معاونيه(على فهمي باشا،وعبد العال حلمي باشا)إلى بلديهما)،بل أن غضب العناصر الوطنية فى الجيش والشعب من هذا التدخل الأجنبي،وتهديد هذه العناصر للخديوي توفيق باشا ،أجبره رغم خضوعه للبريطانيين على إعادة عرابي باشا وحده إلى الحربية دون إعادة الوزارة المستقيلة وظلت مصر ثلاثة أسابيع بدون وزارة.
وأخذت السياسة البريطانية تحاول أن تستغل هذا الوضع فى مصر لتفاقم الأزمة بها ولتجد مسوغا لتدخلها العسكري المسلح فيها فأوقعت الخلاف بين كبار الملاك الذين يتزعمهم الخديوي توفيق باشا والدستوريين مؤيديه وبين الوطنيين ،وعمقت الصراع بين المصريين وبين الأوروبيين المقيمين فى مصر .ولم تفت لكس ملاحظة هذه التحريضات فقد أبلغ حكومته حتى قبل تقديم الإنذار النهائي البريطاني الفرنسي المشترك فى يوم 25 مايو سنة1882 ان(القنصل البريطاني العام السيد أدوارد ماليت منشغل فى دسائس سرية لخلق اكبر درجة من الفوضى فى مصر لاعتقاده ان ذلك سيكون فى مصلحة حكومته). وبعدئذ وعند روايته عن مذبحة الإسكندرية التي حصلت فى يوم11 يوليه سنة1882 بين المصريين والأوروبيين كتب لكس لحكومته أن (كثير ين فى مصر وضمنهم عرابي باشا نفسه يدعون ان الصدام وقع بناء على تدبير نمن البريطانيين، بل وأنفقت لوقوعه أموالا بريطانية،فمن الواضح أنهم كانوا يأملون ان تتخذ المذبحة شكلا خطيرا يؤدى إلى ضرب أسطولهم للإسكندرية ونزول قواتهم بها،ولكن قوات عرابي باشا حالت دون ذلك بتفريقها جموع المتجمهرين.والىن فإن الأميرال البريطاني سيمور لا يستطيع النوم هادئا ،ويحلم فقط بتدمير الإسكندرية والاستيلاء عليها بقواته مدعمة بمدد من القوات البريطانية يأتي من مالطة).وأبلغ باشكوف القاضي الروسي بمحكمة القاهرة الابتدائية المختلطة حكومته عن هذا التهديد الذى كانت مصر تتعرض له بقوله(ينبغي تجنب احتلال قوات أجنبية لمصر ،لان هذا يعنى خرابها وإراقة الدماء ويعلم الله وحده كيف سينتهي الأمر. أنه من الواضح ان بريطانيا ليست ضد هذه النتيجة ولكنها لا تناسبنا).
الأزمة المصرية لسنة 1881-1882 والسياسة الروسية
دراسة مستندة للوثائق الروسية الرسمية
للمؤرخ الأرمنى جورجي ترسيسوف(*)
تعتبر سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر حدا فاصلا فى تاريخ الاقتسام الاستعماري لأفريقيا،فحتى سنة1876كانت الدول الأوروبية تحكم 11%فقط من مساحة هذه القارة،ثم عند بدء الحرب العالمية الأولى فى سنة1914كانت أفريقيا كلها تقريبا قد خضعت لهذه الدول.وكانت مصر من أول ضحايا هذا التوسع الاستعماري،فرغم أنها كانت حتى هذا التاريخ الأخير رسميا جزءا من الدولة العثمانية،فإنها فى الحقيقة والواقع صارت منذ سنة1882 مستعمرة بريطانية.. وتطلق تسمية(( الأزمة المصرية لسنة 1881-سنة 1882على فترة تحضير بريطانيا للتدخل العسكري المسلح فى مصر وتنفيذها له.
وتتصف هذه الأزمة بخصائص اقتسام بلدان العالم فى زمن التحول من الاحتكار الرأسمالي إلى الاستعمار،وهو الزمن الذى سبق تاريخيا الحروب الاستعمارية التي استهدفت هذا الاقتسام.ولهذا فإنه بالرغم من حدة الصراع بين الدول الاستعمارية على الحصول على ((مكان تحت الشمس))فإنه لم يؤد إلى نشوب الحروب بينهما ،إذكانت المنازعات تسوى إما بحل وسط (يتم طبعا على حساب الشعوب التي تعرضت للهجمات الاستعمارية،وإما بإذعان الطرف الأضعف للطرف الأقوى والأشد تصميما). وعلى هذا النحو تطورت الأحداث فى مصر.فقد كانت منذ أمد طويل مسرحا للتنافس بين اثنين من دول أوروبا الغربية هما بريطانيا وفرنسا،اللتين أقامتا بمصر (( الرقابة الثنائية))التي بدأت مالية ثم صارت سياسية .ولكن عندما قررت بريطانيا الانفراد بالسلطة فى مصر لم تلق مقاومة فعالة من فرنسا ويرجع ذلك إلى عدة أسباب يهمنا اثنان هما.:
أولا –أنه في سنة 1881و1882 كان يواجه فرنسا خياران ،إما انتصار الحركة الوطنية الثورية المصرية وهى معادية للمصالح الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا معا ،ولإما خضوع مصر لبريطانيا ،فلم يكن غريبا ان تفضل الخيار الثاني الدوائر الحاكمة فى فرنسا وعلى رأسها تلك التي تمثل البنوك والشركات ،فإنها كانت تجنى أرباحا هائلة من الديون المصرية-قدرت انه حتى فى ظل الحكم البريطاني فإنه سيمكنها أن تشارك فى استغلالها.
وثانيا –لم يكن فى مقدور فرنسا ان تدخل فى صراع مكشوف مع بريطانيا،لأنها كانت مهددة من الشرق بخصيمة أقوى منها هي ألمانيا.ومن المعلوم أن حكومة بسمارك الألمانية كانت تشجع التوسع البريطاني فى مصر،لسعيها إلى إثارة الصراع بين بريطانيا وفرنسا أو إفساد العلاقات بينهما لمدة طويلة على اقل تقدير.وكانت النمسا والمجر تؤيد ألمانيا فى سياستها هذه،ثم أيدتها فيها إيطاليا حليفتهما الجديدة التي انضمت إلى كتلتيهما فى شهر مايو سنة 1882 إثر استيلاء فرنسا على تونس. أما روسيا فقد كان لها موقف خاص من المسالة المصرية ،فبالرغم من أنها كانت فى العهد القيصري دولة استعمارية مثل الدول الرأسمالية بأوروبا الغربية ، فإن سياستها فى خصوص هذه المسألة كانت تختلف عن سياسات هذه الدول فى خصوصها،فلئن لم تكن لروسيا فى مصر مصالح تهددها حركتها الثورية،إلا انه لم يكن من صالحها ان تسيطر بريطانيا على مصر إذ كانت بريطانيا عندئذ هي المنافسة الرئيسية والفعلية لروسيا فى الشرقين الأدنى والأوسط وتوترت جدا العلاقة بينهما إبان المسألة الشرقية فى سنة1877وسنة1878 ولهذا كان طبيعيا أن لا تحبذ روسيا تقوية بريطانيا لمركزها فى شرق البحر المتوسط وتحكمها فى قناة السويس وهى شريان المواصلات بين أوروبا وآسيا وذات الأهمية الكبرى اقتصاديا واستراتيجيا.
إن هذه العوامل المتناقضة دفعت روسيا إلى الدخول طرفا فى الأزمة المصريةلسنة1881-1882 إذ لم يكن فى وسعها ان تظل بعيدة عنها،ولقد حاولت فعلا مقاومة المخططات البريطانية أثناء هذه الأزمة .وهذا الجانب منها الذى يمثل صراع السياسة الروسية ضد إقامة الحكم البريطاني فى مصر هو موضوع هذا البحث وهو يعتمد على معلومات مستقاة من محفوظات (وثائق) وزارة الخارجية الروسية ومحفوظات (وثائق) روسية أخرى.
نذكر بالحقائق المعلومة عن هذه الأزمة المصرية .أدت المظاهرة التي جرت فى يوم 9 سبتمبر سنة1881 بالقاهرة وقادها الاميرالاى احمد عرابي بك زعيم الحركة الوطنية المصرية المعروف أدت سقوط وزارة مصطفى رياض باشا التي كانت خاضعة تماما للدولتين الغربيتين (بريطانيا وفرنسا) وشكلت وزارة جديدة برئاسة محمد شريف باشا ،من زعماء الجناح اليميني للحركة الوطنية المصرية ،وكان يسيطر على هذه الوزارة وعلى مجلس النواب (الذى انتخب فى شهر ديسمبر سنة1881)ممثلو كبار الملاك والتجار الذين يميلون إلى التفاهم مع رأس المال الأجنبي ،ورغم ذلك فإنه تحت ضغط تصاعد الحركة الوطنية شعبيا أقر مجلس النواب حقه الدستوري فى اعتماد الميزانية الأمر الذى حد كثيرا من الرقابة الأجنبية عليها. وفى أوائل شهر فبراير سنة1882 استقالت وزارة شريف باشا وخلفتها وزارة محمود سامي البارودي التي شغل فيها احمد عرابي بك وزارة الحربية ،فانتقلت السلطة إلى الجناح اليساري للحركة الوطنية المصرية الذى كان يتكون من الضباط الديمقراطيين ومن المثقفين ،بعد ان أدى إقرار الدستور فى يوم 7 فبراير سنة1882 إلى الإطاحة فعلا بالرقابة الأجنبية(البريطانية والفرنسية).وتزايد الصراع بين عامة المؤيدين لعرابي باشا وبين كبار الملاك المؤيدين من الخديوي توفيق باشا(بريطانيا وفرنسا)إذ هالهم انتشار الحركة الوطنية وانتفاضات الفلاحين ضدهم وضد السيطرة الأجنبية.فماذا كان موقف ممثل روسيا الرسمي فى مصر قنصلها العام لكس من الأحداث المصرية فى أواخر سنة1881 وفى أوائل سنة1882؟-يلاحظ أولا أن سياسة روسيا القيصرية كانت حينئذ هي سياسة دولة استعمارية تسيطر عليها طبقتا كبار الملاك والبرجوازية فلا يمكنها أن تتعاطف مع ثورة مصر الوطنية وان لكس كان يمثل تماما هذه السياسة.إلا أن عدم وجود مصالح توسعية لروسيا فى مصر قد مكن لكس ان يقدر الوضع خير مما قدره به ممثلا بريطانيا وفرنسا فيها ،فمثلا كان لكس يكره الزعماء الوطنيين المصريين لأنهم كانوا فى نظره وهو دبلوماسي روسي قيصري ((عصاة)) يقاومون السلطة والملكية الشرعية،ولكن هذا لم يمنعه من إدراك أن الوطنيين كانوا يتمتعون بتأييد عامة الشعب المصري.فقد كتب فى تقرير له فى سنة1881(أفكار العرب –أي المصريين –هائجة وهم يتجمعون حول عرابي باشا الذى يعتبرونه زعيمهم فى مطالبتهم بالدستور وبكل حرياتهم ،يعلقون عليه جميع آمالهم فى التخلص من الوصاية الأجنبية)وفى ذات التقرير يعترف بأن وزارة البارودي باشا وعرابي باشا تحظى بالشعبية/ويضيف أنه(لو بقيت بريطانيا وفرنسا ساكنتين لبقيت هذه الوزارة ،وسيكون ذلك طبقا لجميع الاحتمالات فى مصلحة مصر).
وحتى في ذلك الحين أدرك لكس ان الدولتين الغربيتين (بريطانيا وفرنسا) وخاصة بريطانيا لن تقفا غير عابئتين بالتغير الجاري فى مصر.ففي شهر ديسمبر سنة1881 علق على رسالة وزير الخارجية البريطانية لورد جرا نفيل المؤرخة فى يوم4 نوفمبر سنة1881،التي أعلن فيها(أن سياسة بريطانيا ليس لديها نية الاعتداء على مصر)-علق عليها بما يلي(يقول العرب- أي المصريون-لو لم يكن حقا لبريطانيا أطماع فى مصر،لما كانت فى حاجة للإعلان عن حسن نيتها).
وفى تقرير آخر يتحدث لكس عن تشكيل الوزارة الوطنية المصرية الجديدة مشيرا إلى عدم رضا الدولتين الغربيتين (بريطانيا وفرنسا) عنها،لخشيتهما من إلغاء أو على الأقل إضعاف الرقابة الثنائية ويقول(إن البريطانيين والفرنسيين يتحدثون فعلا عن احتلال مصر)ويدل سير الأحداث ان التهديد بالتدخل البريطاني أو البريطاني الفرنسي في مصر اخذ يقترب فعلا ويتحول إلى واقع.ففي شهر مايو سنة1882 أرسلت بريطانيا وفرنسا أسطولين إلى الإسكندرية وفى خلال أيام من وصولهما اى فى يوم 25 مايو سنة1882 قدمتا إنذارهما النهائي المشترك إلى وزارة البارودي باشا وعرابي باشا وفيه طلبتا استقالتها ،فاضطرت إلى الاستقالة .
ولكن هاتين الدولتين لم تستطيعا تحقيق مطلب آخر لهما وهو نفى عرابي باشا من مصر وإبعاد كبير معاونيه(على فهمي باشا،وعبد العال حلمي باشا)إلى بلديهما)،بل أن غضب العناصر الوطنية فى الجيش والشعب من هذا التدخل الأجنبي،وتهديد هذه العناصر للخديوي توفيق باشا ،أجبره رغم خضوعه للبريطانيين على إعادة عرابي باشا وحده إلى الحربية دون إعادة الوزارة المستقيلة وظلت مصر ثلاثة أسابيع بدون وزارة.
وأخذت السياسة البريطانية تحاول أن تستغل هذا الوضع فى مصر لتفاقم الأزمة بها ولتجد مسوغا لتدخلها العسكري المسلح فيها فأوقعت الخلاف بين كبار الملاك الذين يتزعمهم الخديوي توفيق باشا والدستوريين مؤيديه وبين الوطنيين ،وعمقت الصراع بين المصريين وبين الأوروبيين المقيمين فى مصر .ولم تفت لكس ملاحظة هذه التحريضات فقد أبلغ حكومته حتى قبل تقديم الإنذار النهائي البريطاني الفرنسي المشترك فى يوم 25 مايو سنة1882 ان(القنصل البريطاني العام السيد أدوارد ماليت منشغل فى دسائس سرية لخلق اكبر درجة من الفوضى فى مصر لاعتقاده ان ذلك سيكون فى مصلحة حكومته). وبعدئذ وعند روايته عن مذبحة الإسكندرية التي حصلت فى يوم11 يوليه سنة1882 بين المصريين والأوروبيين كتب لكس لحكومته أن (كثير ين فى مصر وضمنهم عرابي باشا نفسه يدعون ان الصدام وقع بناء على تدبير نمن البريطانيين، بل وأنفقت لوقوعه أموالا بريطانية،فمن الواضح أنهم كانوا يأملون ان تتخذ المذبحة شكلا خطيرا يؤدى إلى ضرب أسطولهم للإسكندرية ونزول قواتهم بها،ولكن قوات عرابي باشا حالت دون ذلك بتفريقها جموع المتجمهرين.والىن فإن الأميرال البريطاني سيمور لا يستطيع النوم هادئا ،ويحلم فقط بتدمير الإسكندرية والاستيلاء عليها بقواته مدعمة بمدد من القوات البريطانية يأتي من مالطة).وأبلغ باشكوف القاضي الروسي بمحكمة القاهرة الابتدائية المختلطة حكومته عن هذا التهديد الذى كانت مصر تتعرض له بقوله(ينبغي تجنب احتلال قوات أجنبية لمصر ،لان هذا يعنى خرابها وإراقة الدماء ويعلم الله وحده كيف سينتهي الأمر. أنه من الواضح ان بريطانيا ليست ضد هذه النتيجة ولكنها لا تناسبنا).
رد: مؤرخ أرمنى يكتب عن الثورة العرابية
(إنها لا تناسبنا) هذا رأى موظف روسي قيصري مقيم فى مصر.فماذا كانت وجهة نظر الحكومة الروسية القيصرية ذاتها؟من شهر نوفمبر سنة1881 طلب لكس من وزير الخارجية الروسية جيرز التعليمات اللازمة لمعالجة الموقف السياسي فى مصر،فأبلغه جيرز بهذه التعليمات بكتابه إليه المؤرخ فى يوم 18 نوفمبر سنة1881 ومضمونها ان مصلحة روسيا هي ألا تقع مصر فى يدي أحد الدولتين الغربيتين( بريطانيا وفرنسا)وان يتجنب خطر سيطرتهما وحدهما على قناة السويس ذات الأهمية البالغة لروسيا لكونها طريقها البحري إلى الشرق الأقصى،ولهذا فإن الحكومة الروسية ترغب فى إبقاء الحالة على ما هي عليه أي إبقاء السياسة التركية العثمانية على مصر لاعتقاد جيرز أنها تحميها من الأطماع الأجنبية.وكانت الوسيلة الأساسية التي اعتمدت عليها روسيا فى منع التدخل البريطاني الفرنسي فى مصر هي العمل المشترك للدول المحايدة اى تحالف الأباطرة الثلاث لروسيا ( ألمانيا والنمسا والمجر) واتفقت روسيا مع ألمانيا والنمسا والمجر على انه فى حالة زيادة خطر التدخل فى مصر فعلى دول هذا التحالف أن توحي للسلطان العثماني بالالتجاء إلى الدول الكبرى مجتمعة(أي للوفاق الأوروبي) للمحافظة على السيادة العثمانية على مصر،لأن هذا سيضمن للدول المحايدة أساسا للتدخل الفعلي .
وعليه كتب جيرز إلى لكس فى شهر ديسمبر 1881 (عليك فى الوقت الحاضر أن تتخذ موقف المراقب اليقظ ،وان تتحفظ ولا تأخذ زمام المبادرة،ولكن يجب ألا يأخذ موقفك المتحفظ مظهر عدم اللا مبالاة وعدم الاهتمام بالشئون المصرية).وقد استمرت روسيا ملتزمة هذا الموقف إذ أكده جيرز للكس فى برقية خاصة مؤرخة فى يوم 12 مايو1882 قال فيها(نحن نرغب فى بقاء الحالة فى مصر كما هي عليه بقدر ما يمكن ذلك،ومنع التدخل سواء التركي العثماني أو البريطاني والفرنسي ولكن مع الحفاظ على الوفاق الأوروبي العام وخاصة مع ألمانيا والنمسا والمجر.ويجب أن تشرك فى تصرفاتك زميلنا الألماني والنمسوى.
ولكن هذه البرقية حوت أمر جديدا إذا ما قورنت بالتعليمات السابقة المعطاة فى ديسمبر سنة1881 , فبعد ان كانت تلك التعليمات تتطلب من لكس اتخاذ موقف المراقب اليقظ فحسب،صار متوقعا منه ان يتصرف وإن كان قد ألزم فى تصرفه بان يكون متمشيا مع تصرف ممثلي ألمانيا والنمسا والمجر.ويجب التسليم بأن هذا الإلزام كان مقيدا جدا له(أي للكس) لأن ألمانيا (ومن ورائها النمسا والمجر)التي كانت روسيا تعتمد على مساندتها لم تكن تنوى معارضة خطط بريطانيا –فقد كانت الموافقة الرسمية لألمانيا على التصرف المشترك مع روسيا هي مجرد مناورة تهدف منها ألمانيا (حكومة بسمارك )المحافظة على المظهر الحسن لعلاقتها مع روسيا ثم الظهور أمام الدولة العثمانية (تركيا) التي كانت (ألمانيا) تسعى إلى كسب النفوذ فيها –بمظهر الحامية لمصالحها. وقد أدى هذا الموقف المزدوج لألمانيا وهو التأييد الفعلي لبريطانيا والتعاون الرسمي الظاهري مع روسيا ضد بريطانيا-أدى هذا الموقف إلى تقييد سياسة روسيا واضطرارها إلى تنسيقها مع سياسة ألمانيا. وفى الواقع فإن الدول المحايدة لم تشترك معا فى العمل والتصرف إلا مرة واحدة إثر مذبحة الإسكندرية التي وقعت فى يوم 11 يونيو سنة1882 ،عندما أدت السياسة الاستفزازية لبريطانيا بألمانيا والنمسا والمجر أن تغيرا مؤقتا لوسائلهما.فقبل ذلك كان قنصلاهما العامان –حسب تعبير روتشين- يسمحان لماليت قنصل بريطانيا العام(بأن يفعل ما يشاء تماما) ولكنهما الآن(أي بعد هذه المذبحة) عادا وقلقا على رعاياهما فكان ذلك سببا لعملهما المشترك الذى أقدم عليه مع لكس. ولكن ماذا كان العمل المشترك ؟كان قيام القناصل العامين لهذه الدول الثلاث (روسيا وألمانيا والنمسا والمجر) مع القنصل العام لإيطاليا ومع درويش باشا المندوب العثماني-قيامهم بالتوسط لدى الخديوي توفيق باشا وبينه وبين الوطنيين لتشكيل وزارة مصرية جديدة،لاعتقادهم أن تصفية الأزمة الوزارية التي بدأت فى شهر مايو سنة1881 (بسبب الإنذار النهائي البريطاني الفرنسي المشترك)ستخفف التوتر فى مصر وتمنع تكرار مثل مذبحة الإسكندرية المشار إليها. وقد كانت ألمانيا وحليفتاها تهتم فى المقام الأول بحياة رعاياها فى مصر .ولكنها كانت تولى الأولوية لهدف آخر هو إزالة كل حجة للتدخل الاجنبى فى مصر يؤدى إلى تغيير الوضع القائم بها أي الاستيلاء عليها.ففي رسالة إلى ملنكوف أوضح لكس أن تشكيل هذه الحكومة الجديدة نتيجة لتدخل الدول المحايدة (يضمن بقاء الوضع القائم فى مصر طبقا لرغبة جيرز) غير أن هذا التفاؤل لم يكن سائدا فى سان بطرسبرج عاصمة روسيا-فعلى هامش برقية لكس عن تأليف وزارة راغب باشا (فى يوم 20يونيو سنة1882),وأمام ماذكره فيها(نتمنى لها النجاح التام إذا لم تدس لها الدولتان الغربيتان-أي بريطانيا وفرنسا الدسائس) كتب معلقا القيصر اسكندر الثالث(ستفعلان ذلك بكل تأكيد) لم يتناقص،فقد كتب إلى وزارة الخارجية الروسية فى أوائل شهر يوليه سنة1882يقول(إن بريطانيا والخديوي توفيق لا يرغبان فقط فى الحد من نفوذ الوطنيين في مصر)بل (إنهما يحاولان خلق الظروف التي تجعل احتفاظ عرابي باشا بالسلطة غير ممكن )،وخلص إلى نتيجة مؤداها أنه( لا حل للموقف الصعب الحالي إلا بمساعدة الدول الكبرى) وعلقت السياسة الروسية أملها فى التدخل المشترك للدول المحايدة(فى مصر) على مؤتمر القسطنطينية الدولي الذى افتتح بها فى يوم 23 يونيو 1882 لبحث المسألة المصرية. فبعد افتتاحه وفى يوم 30 يونيو سنة1882 وجهت وزارة الخارجية(الروسية) إلى الدول المشتركة فيه(وهى كل الدول الكبرى أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا بالإضافة لروسيا ذاتها)مذكرة أوضحت فيها برنامجها لتسوية المسألة المصرية مستندا للمبادئ الأساسية التالية وهى
وعليه كتب جيرز إلى لكس فى شهر ديسمبر 1881 (عليك فى الوقت الحاضر أن تتخذ موقف المراقب اليقظ ،وان تتحفظ ولا تأخذ زمام المبادرة،ولكن يجب ألا يأخذ موقفك المتحفظ مظهر عدم اللا مبالاة وعدم الاهتمام بالشئون المصرية).وقد استمرت روسيا ملتزمة هذا الموقف إذ أكده جيرز للكس فى برقية خاصة مؤرخة فى يوم 12 مايو1882 قال فيها(نحن نرغب فى بقاء الحالة فى مصر كما هي عليه بقدر ما يمكن ذلك،ومنع التدخل سواء التركي العثماني أو البريطاني والفرنسي ولكن مع الحفاظ على الوفاق الأوروبي العام وخاصة مع ألمانيا والنمسا والمجر.ويجب أن تشرك فى تصرفاتك زميلنا الألماني والنمسوى.
ولكن هذه البرقية حوت أمر جديدا إذا ما قورنت بالتعليمات السابقة المعطاة فى ديسمبر سنة1881 , فبعد ان كانت تلك التعليمات تتطلب من لكس اتخاذ موقف المراقب اليقظ فحسب،صار متوقعا منه ان يتصرف وإن كان قد ألزم فى تصرفه بان يكون متمشيا مع تصرف ممثلي ألمانيا والنمسا والمجر.ويجب التسليم بأن هذا الإلزام كان مقيدا جدا له(أي للكس) لأن ألمانيا (ومن ورائها النمسا والمجر)التي كانت روسيا تعتمد على مساندتها لم تكن تنوى معارضة خطط بريطانيا –فقد كانت الموافقة الرسمية لألمانيا على التصرف المشترك مع روسيا هي مجرد مناورة تهدف منها ألمانيا (حكومة بسمارك )المحافظة على المظهر الحسن لعلاقتها مع روسيا ثم الظهور أمام الدولة العثمانية (تركيا) التي كانت (ألمانيا) تسعى إلى كسب النفوذ فيها –بمظهر الحامية لمصالحها. وقد أدى هذا الموقف المزدوج لألمانيا وهو التأييد الفعلي لبريطانيا والتعاون الرسمي الظاهري مع روسيا ضد بريطانيا-أدى هذا الموقف إلى تقييد سياسة روسيا واضطرارها إلى تنسيقها مع سياسة ألمانيا. وفى الواقع فإن الدول المحايدة لم تشترك معا فى العمل والتصرف إلا مرة واحدة إثر مذبحة الإسكندرية التي وقعت فى يوم 11 يونيو سنة1882 ،عندما أدت السياسة الاستفزازية لبريطانيا بألمانيا والنمسا والمجر أن تغيرا مؤقتا لوسائلهما.فقبل ذلك كان قنصلاهما العامان –حسب تعبير روتشين- يسمحان لماليت قنصل بريطانيا العام(بأن يفعل ما يشاء تماما) ولكنهما الآن(أي بعد هذه المذبحة) عادا وقلقا على رعاياهما فكان ذلك سببا لعملهما المشترك الذى أقدم عليه مع لكس. ولكن ماذا كان العمل المشترك ؟كان قيام القناصل العامين لهذه الدول الثلاث (روسيا وألمانيا والنمسا والمجر) مع القنصل العام لإيطاليا ومع درويش باشا المندوب العثماني-قيامهم بالتوسط لدى الخديوي توفيق باشا وبينه وبين الوطنيين لتشكيل وزارة مصرية جديدة،لاعتقادهم أن تصفية الأزمة الوزارية التي بدأت فى شهر مايو سنة1881 (بسبب الإنذار النهائي البريطاني الفرنسي المشترك)ستخفف التوتر فى مصر وتمنع تكرار مثل مذبحة الإسكندرية المشار إليها. وقد كانت ألمانيا وحليفتاها تهتم فى المقام الأول بحياة رعاياها فى مصر .ولكنها كانت تولى الأولوية لهدف آخر هو إزالة كل حجة للتدخل الاجنبى فى مصر يؤدى إلى تغيير الوضع القائم بها أي الاستيلاء عليها.ففي رسالة إلى ملنكوف أوضح لكس أن تشكيل هذه الحكومة الجديدة نتيجة لتدخل الدول المحايدة (يضمن بقاء الوضع القائم فى مصر طبقا لرغبة جيرز) غير أن هذا التفاؤل لم يكن سائدا فى سان بطرسبرج عاصمة روسيا-فعلى هامش برقية لكس عن تأليف وزارة راغب باشا (فى يوم 20يونيو سنة1882),وأمام ماذكره فيها(نتمنى لها النجاح التام إذا لم تدس لها الدولتان الغربيتان-أي بريطانيا وفرنسا الدسائس) كتب معلقا القيصر اسكندر الثالث(ستفعلان ذلك بكل تأكيد) لم يتناقص،فقد كتب إلى وزارة الخارجية الروسية فى أوائل شهر يوليه سنة1882يقول(إن بريطانيا والخديوي توفيق لا يرغبان فقط فى الحد من نفوذ الوطنيين في مصر)بل (إنهما يحاولان خلق الظروف التي تجعل احتفاظ عرابي باشا بالسلطة غير ممكن )،وخلص إلى نتيجة مؤداها أنه( لا حل للموقف الصعب الحالي إلا بمساعدة الدول الكبرى) وعلقت السياسة الروسية أملها فى التدخل المشترك للدول المحايدة(فى مصر) على مؤتمر القسطنطينية الدولي الذى افتتح بها فى يوم 23 يونيو 1882 لبحث المسألة المصرية. فبعد افتتاحه وفى يوم 30 يونيو سنة1882 وجهت وزارة الخارجية(الروسية) إلى الدول المشتركة فيه(وهى كل الدول الكبرى أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا بالإضافة لروسيا ذاتها)مذكرة أوضحت فيها برنامجها لتسوية المسألة المصرية مستندا للمبادئ الأساسية التالية وهى
رد: مؤرخ أرمنى يكتب عن الثورة العرابية
أولا –تسوية المسألة المصرية يجب أن تمارسها كل دول الوفاق الأوروبي لا دولة واحدة,
وثانيا-واجب المؤتمر هو إعادة الحالة إلى ما كانت عليه فى مصر وتدعيمها إن أمكن
وثالثا- من الأفضل أن يكون الضغط الادبى (المعنوي)كافيا لتحقيق هذا الغرض
ورابعا- إذا تبين أن الضغط الادبى(المعنوي) غير كاف فإن اتخاذ الإجراءات اللازمة يكون من حق دول الوفاق مجتمعة واعتبرت السياسة الروسية أن التدخل العسكري الاجنبى فى مصر هو آخر الإجراءات وفضلت فى حالة ضرورته إرسال قوات عثمانية لا بريطانية وفرنسية إلى مصر إذا رفض السلطان العثماني إرسال قواته المسلحة إليها . وفى هذه الحالة الأخيرة قيدت تدخل بريطانيا وفرنسا أو إحداهما بشروط تجرده من مغزاه.
فقد كانت هذه الشروط تتضمن ان يكون إرسال الدولتين الغربيتين(بريطانيا وفرنسا) قواتهما المسلحة إلى مصر منوطا (باتفاقهما مع الدول الأخرى) ،(وطبقا لبرنامج محدد واضح يكون الهدف النهائي منه(إعادة الحالة إلى ما كانت عليه)، بل واستدركت وزارة الخارجية الروسية فى مذكراتها المحتوية هذه الشروط(إن هذه الحالة لها بعض الجوانب غير المناسبة)ولهذا اقترحت إجراء تغيير فيها (باستبدال رقابة دولية بالرقابة الثنائية البريطانية الفرنسية على ألا تتدخل فى الغدارة المصرية)،كما صرحت فى هذه المذكرة بأن (الأحداث قد أظهرت عدم مناسبة الرقابة الثنائية البريطانية الفرنسية ،ولهذا فمن المشكوك فيه مناسبة إعادتها). وبذلك عبرت روسيا عن موقفها هو ليس فقط إعادة الحالة فى مصر إلى ما كانت عليه،بل إلغاء الرقابة الثنائية(البريطانية الفرنسية)أيضا ولم توافق على تدخل الدولتين الغربيتين (بريطانيا وفرنسا)فى مصر إلا بهذه الشروط. ولكن هذه الخطة الماهرة حقا للسياسة الروسية ، لم تلق تأييدا من الدول المشتركة فى مؤتمر القسطنطينية الدولي،فقد بذلت بريطانيا كل ما فى وسعها لإحباط هذا المؤتمر وتلقت فى ذلك مساندة لا بستهان بها من ألمانيا وحليفتيها (النمسا والمجر وإيطاليا) وحتى من فرنسا- التي كان متوقعا أن تكبح جماحها –فإنها فى الواقع لم تقاوم خططها العدوانية .ولهذا فقد اقتصر ما أنجزه هذا المؤتمر على إبرام (ميثاق النزاهة) فى يوم 25 يونيه سنة1882 .وبموجب هذا الميثاق تعهدت الدول الكبرى الموقعة عليه(بعدم السعي إلى احتلال أي جزء من مصر أو إلى أي امتياز خاص بها فى مصر)أما البروتوكول الذى أبرمته هذه الدول وهى المشتركة فى هذا المؤتمر فى يوم27 يونية سنة1882 وحرم عليها أثناء انعقاده التدخل المنفرد فى مصر.فإنه قد أضيفت إلى نصه بناء على اقتراح من اللورد دوفرين ممثل بريطانيا نجح فى اعتماده عبارة((إلا للضرورة القصوى)) فجردته هذه العبارة المضافة من فحواه ،إذ صارت هذه الدول غير ملتزمة بما قرره فى حالة الضرورة القصوى.وقد تميز موقف فرنسا بان ممثلها دى نواي قد أيد هذا الاقتراح البريطاني وهو مايدل على ان التنكيل بالحركة الوطنية قد فاق لديها-أي فرنسا-كل اعتبار آخر.ثم انتقل المؤتمر إلى مناقشة إرسال القوات المسلحة التركية العثمانية إلى مصر .ولما كان هذا الأمر لا يتماشى مع خطط بريطانيا فغنها عطلت بكل الطرق اتخاذ قرار بشأنه.
وفى هذه الأثناء كانت الحكومة البريطانية تعد العدة لضربتها القاضية فى مصر التي وجهتها إليها فى يوم 11 يوليه سنة1882 حينما أمر الأميرال سيمور قائد أسطولها بمياه الإسكندرية بضربها بناء على تعليماتها-أي هذه الحكومة- طبعا .وكانت حجته (للتحرش بالمصريين وخلق حالة الضرورة التي تبرر التدخل العسكري المسلح فى مصر)هي اتهامهم بتقوية تحصينات الإسكندرية لكي يضربوا الأسطول البريطاني الراسي بمياهها.وهو اتهام ظاهر السخافة،لأنه لم يكن الأسطول وحده راسيا أمامها بل كان يرسو أمامها أيضا الأسطول الفرنسي وسفن حربية وتجارية لدول أخرى. فكان واضحا ان تهديد هذه التحصينات للأسطول البريطاني هو محض خيال لتدبير التدخل العسكري المسلح المذكور. وقد أخطر لكس رسميا بهذا الاعتداء البريطاني فى يوم 5 يوليه سنة1882 حينما أخبره كارترايت القائم بأعمال القنصلية البريطانية العامة فى مساء ذلك اليوم بأنه(من المحتمل جدا أن يضطر الأميرال سيمور لضرب الإسكندرية ولكنه لم يتخذ بعد قراره النهائي) فأرسل لكس فى اليوم التالي (6 يولية سنة1882) برقية إلى سان بطرسبرج يعبر فيها عن قلقه بقوله(بالرغم من الهدوء النسبي السائد فى البلاد فإن الأميرال سيمور يبحث عن حجة لضرب الإسكندرية.ومن اللازم وقفه حتى يمكن تجنب مذبحة للمسيحيين .
وفى يوم 7يولية سنة 1882 اشترك لكس فى اجتماع القناصل الأجانب فى مصر الممثلين للدول التي شاركت فى مؤتمر القسطنطينية الدولي ،وقد اتخذوا قرارا أبلغوه إلى الأميرال سيمور طلبوا فيه الامتناع عن ضرب الإسكندرية لما ينطوي عليه ذلك من تهديد الحياة وأملاك الأوروبيين ،فلم يعبأ بطلبهم بعد ان أثبتت التجربة ـن فرنسا ودول التحالف الثلاثي لن تفعل شيئا،وبعد ان امتنع قنصل بريطانيا عن حضور هذا الاجتماع. وفى يوم11 يولية سنة1882 ضرب الأميرال سيمور الإسكندرية ضربا شديدا بالقنابل،استمر لليوم التالي ثم غادرت قوات عرابي باشا وعدد كبير من أهالي الإسكندرية التي شبت بها الحرائق ،وفى يوم 14 يولية سنة 1882 نزلت إليها القوات البحرية البريطانية فبدأ الاحتلال البريطاني لمصر. ووصف ضرب الإسكندرية القبطان لومن قائد القلبر البحري(1)الروسي ((زابياكا)) الذى كان يمخر البحر أمام الإسكندرية قائلا إن ((البريطانيين تمكنوا من تدمير القلاع بسرعة نسبية بسبب تفوقهم النسبي فى المدفعية وعدم صلاحية القلاع ذاتها لقدمها وعدم كفاية تدريب صف ضباطهم وجنودهم،ولكنه فى ذات الوقت سجل شجاعتهم جميعا قائلا(إن البريطانيين أنفسهم لا يمارون فى ذلك)وأضاف أن الضباط المصريين وعرابي باشا شخصيا ظلوا ملازمين لمدافعهم خلال المعركة فشجعوا جنودهم).ويجدر بالذكر أنه قبيل ضرب الإسكندرية انسحبت منها السفن الأجنبية فيما عدا سفت الأسطول البريطاني،وكان البحارة الروس يراقبون سير المعركة من السفينتين الحربيتين الروسيتين آسيا وزابياكا اللتين كانتا تمخران البحر على مقربة من ساحل الإسكندرية,وإثر انتهاء الضرب عادت السفن الأجنبية الأخرى إلى ميناء الإسكندرية،فسلم الأميرال سيمور قباطنتها مذكرات طلب فيها إليهم تشكيل قوة بوليس دولية عامة مشتركة لإعادة النظام إلى مدينة الإسكندرية،وكان غرضه إضفاء الصفة الدولية على عملية القرصنة التي قارفها،وقد أرسل القبطان الروسي أماز وف قائد السفينة الحربية الروسية آسيا إلى شستاكوف وزير الحربية الروسية برقية يطلب فيها تعليماته بشان اشتراك بحارته فى هذه القوة.وفى المناقشة التي جرت بخصوص هذه المسألة بين جيرز وشستاكوف اقترح الأخير رفض طلب البريطانيين هذا حتى لا يبدو الروس فى تصرفاتهم ملازمين وتابعين لهم،وتردد جيرز وترك الأمر لتصرف القيصر (اسكندر الثلث)ذاته فأقر رأى شستاكوف ،ولهذا أرسلت التعليمات المطلوبة إلى أماز وف برفض الاشتراك فى القوة البوليسية الدولية العامة المشتركة ،فانحصر نشاط البحارة الروس فى النزول إلى البر بالإسكندرية لفترة وجيزة لإخماد الحرائق المشتعلة فى المنازل القريبة من القنصلية الروسية ثم عادوا إلى سفينتيهم الحربيتين ،والتزم قبطاناهما الحياد الدقيق بعدم اشتراك بحارتهما فى إخماد باقي الحرائق فى مدينة الإسكندرية بعد ان احتلها البريطانيون.وقد أكد الأميرال سيمور ان البريطانيين سيمكنهم وحدهم إطفاء هذه الحرائق بعد ان وصلت سفن حربية بريطانية جديدة (الإسكندرية)،ومع ذلك ظلت هذه الحرائق مشتعلة حتى يوم 17 يولية سنة1882 حين خمدت من تلقاء نفسها،ووصف لكس حالة الإسكندرية بعد ضربها بأنها خربت خرابا تاما و(احترق أحسن حي من هذه المدينة تماما بكامله وصار كوما من الحجارة).وإذا كان البريطانيون لم يفعلوا شيئا تقريبا لإطفاء الحرائق بمدينة الإسكندرية،فغنهم بذلوا مجهودا كبيرا فى ((إعادة النظام)) إليها ويتحدث سجل السفينة الحربية ((زابياكا)) عن ذلك بقوله(إنه لم يتم إلا بإطلاق الرصاص دون تمييز وبطريقة غير إنسانية بتاتا) وأبلغ لكس حكومته (إن القوات البريطانية فى مدينة الإسكندرية لا تلتزم النظام بدقة،وأنها كثيرا ما تشاكس المارة بل وتسلبهم أموالهم)كما ان القوات البريطانية قد سارت على هذا المسلك أيضا فى مواني قناة السويس (التي احتلتها بعدئذ),فقد كتب القبطان جور قائد السفينة الحربية الروسية ((إركليك))أي( هرقل) الراسية بميناء بورسعيد (أن الأهالي يشكون هنا ،كما فى الإسكندرية من عربدة وشغب الجنود البريطانيين ليلا ،وان شغبهم يصل حد إطلاق النار على المارة بدون تمييز.وللأسف لا تحوى وثائق المحفوظات الروسية شيئا تقريبا عن عمليات القوات المسلحة البريطانية فى داخل مصر،والسبب فى ذلك يرجع إلى ان القيادة البريطانية لم تسمح للكولونيل سولوجوب ممثل أركان الحرب الروسية الذى أتى إلى مصر لمتابعة هذه العمليات الحربية-لم تسمح له بالاقتراب من مسرحها .
رد: مؤرخ أرمنى يكتب عن الثورة العرابية
ولتعد إلى الساسة الروسية، فقد أدركت روسيا بعد ضرب البريطانيين الإسكندرية وشروعهم فى احتلال مصر الذى تلاه مباشرة،أن التدخل الدولي المشترك طبقا لمقررات مؤتمر القسطنطينية الدولي لا يحول دون تنفيذ المخطط البريطاني-ولهذا أرسلت وزارة الخارجية الروسية فى يوم 26 يولية 1882 تعليماتها إلى أونو القائم بالأعمال الروسي بالقسطنطينية بالانسحاب من هذا المؤتمر لانفراد بريطانيا بالتدخل فى مصر ،وتضمنت البرقية التي حوت هذه التعليمات تأكيد روسيا التمسك بسياسة عدم تغيير الوضع القائم بمصر إلا بموافقة الدول الكبرى.وتنفيذا لهذه التعليمات أبلغ أونو ممثلي الدول الأخرى المؤتمر(ان سير الأعمال التي تمت خارجه وبعيدا عنه جعلت مناقشاته شكلية صورية ،وان هذا ليس من شانه أن يشجع حكومته التي تهمها هيبتها قبل كل شيء،على تكليفه بالاستمرار فى الاشتراك فى مثل هذه المفاوضات العقيمة. وكانت روسيا تأمل أن تقتدي بها فى الانسحاب من هذا المؤتمر دول أخرى ،ولكنها كانت الدولة الوحيدة التي احتجت على التدخل البريطاني فى مصر،وأما باقي دول الوفاق الاوروبى فإنها اتخذت من بريطانيا موقفا يتصف بالتساهل.
وقد وصف أونو موقف مندوبي الدول فى هذا المؤتمر من ضرب الإسكندرية بما يلي(قال ممثل فرنسا دى نواي إنه وإن كان لا يوافق على ضرب البريطانيين للإسكندرية إلا أنه يعتقد أنهم سيقفون عند حد تلقين المصريين هذا الدرس،ولذلك فلا مبرر لقلق).وقال كورت ممثل إيطاليا بفظاظة أنه يحبذ ضرب البريطانيين للإسكندرية لان إيطاليا تمقت تصرف فرنسا فى شمال أفريقيا) وكان هرشفلد ممثل ألمانيا يظهر عدم المبالاة تماما لدرجة انه قال له(أي لاونو)حتى قبل ان يعلم بهذا التدخل العسكري المسلح البريطاني ليسوى كل أموره بما يراه مناسبا ،فإذا كان البريطانيون يرغبون فى ضرب الإسكندرية فما الذى نستطيع فعله)ولما لم تلق روسيا تأييدا من الدول الأخرى وواجهت احتمال عزلنها السياسية،لم تخاطر بالقطيعة مع الوفاق الاوروبى ،فأبرق جيرز فى يوم أول أغسطس سنة1882 إلى أونو بأمر القيصر له بالعودة إلى مكانه بمؤتمر القسطنطينية الدولي،وكان مبرر ذلك هو وجود احتمال ضئيل فى ان تؤثر روسيا فى تسوية المسألة المصرية ،وعلل جيرز هذه العودة فى برقية أخرى مرسلة (إلى أونو)فى ذات اليوم بتغير الظروف وأشار إلى تصريح لممثل بريطانيا فى هذا المؤتمر لورد دوفرين صدر فى يوم 30 يولية سنة1882 وتضمن ان بريطانيا توافق على اشتراك جميع الدول فى تقرير المركز السياسي لمصر مستقبلا.وطلب جيرز إلى أونو التمسك عند عودته للمؤتمر بهذا التصريح البريطاني وحث المؤتمر المذكور على إصدار تصريح مشترك يعلن (أن الحل النهائي للمسألة المصرية يجب ان يكون من اختصاص الوفاق الاوروبى) ولم يلق بيان اونو للمؤتمر المذكور المتضمن ماتقدم أية معارضة من ممثلي الدول الأخرى حتى من ممثلي بريطانيا ،فلقد صار معلوما ان مصير مصر لن يتقرر فى المؤتمر ذاته. وبعد ان طمأنت بريطانيا جميع الدول انه ليس لديها خطط لاغتصاب وضم مصر ،واصلت تدخلها العسكري المسلح بها وتقدمها فى داخلها،وأنجزت بكسبها معركة التل الكبير(التي جرت فى يوم 13 سبتمبر سنة1882 ،ثم احتلالها القاهرة فى يوم 15 سبتمبر سنة1882،ولأقامت فى مصر حماية بريطانية مقنعة وغير معلنة .وجدير بالتسجيل انه حتى بعد أن صار الاحتلال البريطاني لمصر أمرا واقعا،ظلت السياسة الروسية القيصرية تهتم بالمسألة المصرية،إذ قررت مقاومة إكساب هذا الاحتلال الشرعية بعدم الاعتراف بضم بريطانيا لمصر فعلا وبتأييد حق الدولة العثمانية(تركيا)، فى السيادة عليه.وكذلك قاومت روسيا انفراد بريطانيا بالتحكم فى قناة السويس،إذ لعبت دورا كبيرا فى إرغام بريطانيا على الاعتراف بحياد هذه القناة وحق مصر فى السيادة عليها بموجب معاهدة القسطنطينية المبرمة فى يوم 29 أكتوبر سنة1882،
ولكن هذا يخرج عن نطاق البحث الحالي.وفى الختام أنقل ما كتبه قنصل روسيا العام فى مصر ختروفو (الذى خلف لكس فى سنة1883) فى تقريره عن تحليل الأزمة المصرية لسنة 1881 سنة1882 ،من ان صراع مص ر ضد بريطانيا وإن كان قد انتهى بالفشل إلا أنه أكسبها تجربة سيكون لها أثرها مستقبلا(فلا يمكن لأحد أن ينكر ان أحداث السنة الماضية قد تركت أثرا عميقا فى فكر الشعب المصري وخاصة جنوده،فإن هؤلاء العرب(المصريين) الذين حاولوا القيام ضد السيطرة والاستغلال الأوربيين لم يعودوا أولئك الفلاحين والبدو الذين علموا أن يرتجفوا أمام هيبة الملابس الأوروبية).ومن المسلم به أن مصر ظلت خلال الحكم البريطاني لها تصارعه حتى انتهى بانتصارها واستقلالها استقلالا تاما
..................................................................................................
(*)عن كتاب الثورة العرابية (3 وثائق)للمستشار فؤاد حسن حافظ .-الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة1982
(1)القلبرهوسفينة شراعية سريعة ،وزابياكا معناها باللغة الروسية العربيد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin