منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة
منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» إبراهيم محمد علي إمبابي........مقاتل وشاهد من زمن الحروب
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام

» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام

» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام

» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام

» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام

» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام

» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام

» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin

» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin

» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Emptyالإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin

 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

الأرمن المصريون والقضية الأرمنية

اذهب الى الأسفل

الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Empty الأرمن المصريون والقضية الأرمنية

مُساهمة من طرف عطا درغام السبت 15 نوفمبر 2014 - 10:42

تصاعدت المسألة الأرمنية في أعقاب مؤتمر برلين 1878 من كونها مشكلة عثمانية محلية إلي دائرة القضايا الدولية . وفي هذا المؤتمر ، أقر المؤتمرون في المادة "61" ضرورة قيام الباب العالي بإصلاحات فقط- تحت الإشراف الأوربي- في الولايات الأرمنية العثمانية الست دون منحها الحكم الذاتي أو الاستقلال.
وقد استمر هذا المفهوم سائدا لحل القضية الأرمنية حتي اندلاع الحرب العالمية الأولي.
وهكذا ، جسدت المادة "61" من معاهدة برلين 1878 لب القضية الأرمنية وحلها طبقا لما أقرته دول المؤتمر. بيد أن هذه المادة صارت وسيلة تستثمرها الدول الكبري في تحقيق مصالحها ويهددون بها السلطان عبد الحميد الثاني. ولم يفد الأرمن منها شيئا، بل علي النقيض، قد أثارت ضغائن السلطان ضدهم . ولذا ، قرر محاصرتهم بكل الوسائل كيلا تتكرر في أرمينية وقائع البلقان وعرضتهم لأشد الاضطهادات وأفظع المذابح. أكثر من هذا ن غضت الدول الموقعة في برلين طرفها عن تنفيذ المادة "61" ولم يعيروا اهتماما بالقضية الأرمنية.
أثارت القضية الأرمنية علي نحو ما وصلت إليه موجات استياء في كافة دوائر المهجر الأرمني حيث سعي الأرمن إلي إحياء المادة "61" والضغط علي أوربا لإيقاظ ضميرها من أجل تأييد حقوق الأرمن في أرمينية العثمانية ( الغربية).
وتجدر الإشارة هنا إلي أن الجالية الأرمنية المصرية قد قامت بدور محوري في تحريك القضية الأرمنية عبر المحافل السياسية الدولية.إذ طالبت معظم طبقاتها بإحداث إصلاحات إيجابية في أرمينية العثمانية وفقا للمادة "61" . ولكن تنفيذ هذه الإصلاحات قد تباين في منظور كل طبقة عن الأخرى.
في الابتداء، دار أعيان مصر ( الصفوة) من الباشاوات – لا سيما كبار موظفي الحكومة- ورجال الدين المتحفظين في فلك السياسة التي سلكتها بطريركية الأرمن الأرثوذكس- الراعي الرسمي للقضية الأرمنية – والصفوة الأرمنية بالأستانة.
فقد كان الهيكل البطريركي وأفنديات المجلس الملي مرتبطين علي نحو وثيق بالحكومة العثمانية ويمتدحون السلطان عبد الحميد ويقرون بتبعيتهم المطلقة له . ولذا ، اعتمدوا في تنفيذ المادة "61" علي ما تراه الحكومة العثمانية ، ومن ثم أغمضوا عيونهم ، بل واستهانوا بما يجري لأرمن في الولايات المختلفة.
انتهجت الصفوة الأرمنية في مصر نفس سياسة قرينتها الأستانية ، وخشيت أن تتعرض مصالحها للخطر من جراء القضية الأرمنية. وبالتالي ، جاء تصورهم للقضية الأرمنية معبرا عن مصالحهم وانعكاسا لطموحاتهم.
وقد تركزت رؤيتهم السياسية علي أل يقلقوا الحكومة العثمانية ، وأكثر من هذا ،أرجعوا المذابح التي اقترفها النظام العثماني ضد الأرمن إلي نشاط الأرمن الثوريين.
أما التجار الأرمن ، فقد سلكوا مسلكا آخر إزاء القضية الأرمنية . فقد اعتقدت هذه الطبقة أن أرمن مصر في إمكانهم أن ينتهجوا موقفا إيجابيا شطر تحسين المستوي المعيشي لأرمن الولايات مستخدمين قدراتهم المادية ورؤيتهم السياسية وروحهم القومية. وثمة اقتراح طرحته هذه الطبقة مؤداه توحيد جميع اللجان الثورية الأرمنية في منظمة مركزية عليا يكون مقرها مصر.
وقد استندوا علي عدة حيثيات تؤيد اقتراحهم: " أيمكننا أن نجد مكانا أفضل من مصر التي تنبثق منها الأفكار الحرة " ونظرا لكونها علي الحياد في قضيتنا ... ونظرا لموقعها الجغرافي الإستراتيجي حيث يمكن الوصول منها إلي أرمينية عن طريق الخليج الفارسي ( العربي)، أو يمكن الوصول منها إلي قيليقية ، وعن طريقها ، يمكن الوصول مباشرة إلي أرمينية بسرعة.
أيمكننا أن نجد بخلاف أرمن الدولة العثمانية وروسيا تجمعا أرمينيا كبيرا مثل الأرمن الموجودين في مصر؟ . هل توجد في البلاد الأوربية جالية تضاهي الجالية الأرمنية المصرية من حيث مكانتها الرفيعة ونسيجها الاجتماعي المترابط وامتيازاتها العديدة" . ولكن لم نعثر علي ما يشير إلي محاولة تنفيذ هذا الاقتراح.
ولما كان هؤلاء التجار ذوي مصالح مشتركة مع الرأسمالية الأوربية ، فقد عقدوا آمالهم علي أوربا ، خاصة بريطانيا ، لرفع وطأة الفقر عن شعب أرمينية العثمانية.
ولتحقيق هذه الآمال ، عقدوا اجتماعا بالقاهرة في 23 نوفمبر 1885 ليتشاوروا في كيفية رفع المعاناة عن الأرمن قاطني أرمينية العثمانية . واتفقوا علي إرسال التماسات إلي الحكومات الأوربية بغية تحقيق آمالهم.
وفي أوائل عام 1886 صدق "250" أرمني علي أول التماس أرسلوه إلي لورد سالزبري – رئيس وزراء بريطانيا – وناشدوه بمطالبة الأستانة تنفيذ المادة "61" لإصلاح أحوال الأرمن المتردية في الولايات . بيد أن سالزبري قد أخبرهم رسميا بان الحكومة البريطانية سوف تفعل ما تراه مناسبا في الوقت المناسب .
كانت بريطانيا تتظاهر بتأييد القضية الأرمنية ومنح أرمينية استقلالا ذاتيا في مؤتمر برلين . ولكنها في الواقع كانت تستغل هذه القضية بقدر ما تتيح لها من سلاح تحمي به مصالحها في الدولة العثمانية وضد روسيا .
وفوق هذا ، لم تعد تهتم بالأرمن بعد أن احتلت جزيرة قبرص. وهكذا ، وفي ضوء هذا الموقف ، وعلي أثر الرد البريطاني ، أحبطت آمال التجار الأرمن في تحقيق المادة "61" ارتكازا علي أوربا . ومن ثم ، أقلعوا عن إرسال أية التماسات إلي جهات أخري.
....................................................................................
وبخلاف تياري الباشوية- رجال الدين والتجار ، انبثق تيار ثالث أطلق علي نفسه " التيار التقدمي". وقد تألف هذا التيار في غالبه من الشباب المتأثرين بالأفكار الوطنية الديمقراطية والمتطلعين إلي تحقيق حرية الشعب الأرمني واستقلاله علي أيدي روسيا.
انعقد الاجتماع التأسيسي لجمعية التيار التقدمي في 4 أبريل 1886 بالقاهرة . وقد انضوي تحت لوائها شباب من الوافدين الجدد من أرمينية العثمانية. وفي هذا الاجتماع ، استعرض الخطباء الحالة السيئة للأرمن العثمانيين ودعوا إلي التكاتف من أجل تحقيق الهدف السامي..
وفي أواخر هذا العام ، أسس هؤلاء التقدميون أيضا جمعية " الإنقاذ" بالإسكندرية ، والتي غيرت اسمها فيما بعد إلي "أرمينية " ، وسارت علي نهج جمعية القاهرة .
بلغ عدد المنتمين إلي هذا التيار "83 " عضوا بالقاهرة بين عامي 1886 -1887 ، و"100" عضوا في الإسكندرية . ورغم عدم وجود إحصاءات عن عدد الأعضاء بين أرمن المناطق الأخرى ، إلا أن إجمالي عدد أعضاء جمعية التقدميين قد تراوح بين (250-300) عضو . وتجدر الإشارة إلي أن معظم قطاعات أرمن مصر قد استقبلوا هذه الجمعية بحماس ملحوظ كما اتضح إبان  الحملات التبرعية التي نظموها لإغاثة  الأرمن العثمانيين.
أقلقت الشعبية المتزايدة للجمعية التقدمية أبناء الصفوة الأرمنية الذين ما انفكوا يشتكونها للسلطات المصرية ، والتي قامت بإنذار وتهديد بعض رؤساء الجمعية. ثم زادت الصفوة من تضييق الخناق علي الجمعية عندما طالبت الأخيرة روسيا سميا بتنفيذ المادة "61" . ففي أواخر عام 1888 ، زار مصر بعض كبار المسئولين الروس مما أتاح للمتقدمين فرصة الإعراب عن تأييدهم للسياسة الروسية وتطلعهم إلي حل القضية الأرمنية عن طريقها. وفي أواخر عام 1890 ، سلم الأرمن التقدميون إلي الأمير نيقولا – أثناء زيارته للقاهرة – وثيقة تحوي مائتين من أرمن مصر راجين أن يتوسط لدن أبيه القيصر إسكندر الثالث (1881-1894) كي يتدخل فعليا من أجل تنفيذ المادة "61" .
وقد بلغ نشاط الأرمن التقدميين ذروته في عام 1889 عندما أصدر غيفونث بابازيان جريدة " نيغوص" ( النيل ) الأسبوعية بالإسكندرية . ولما كان توجه هذه الجريدة مطابقا لأهداف جمعية التقدميين ، فقد تعمقت العلاقة بين الجمعية والجريدة حتي أضحت الأخيرة لسان حال التقدميين وبوق الدعاية لأفكارهم.
انتقدت نيغوص أعيان أرمن مصر والمجلس الملي الأرمني بالأستانة لانتهاجهم سياسة الحكومة العثمانية بحذافيرها . ولهذا ، شكل الأعيان الأرمن تكتلا معاديا ضد الجريدة والجمعية ، ونجحوا في محاربة غيفونث بابازيان عندما تسببوا في أن يتلقي خطابا من ازمرليان- مطران أرمن مصر (1885-1890) – يأمره فيه بالعودة إلي الأستانة. ورغم أن مؤيدي نيغوص قدموا شكاوي ودعاوي إلي السلطات الحكومية المصرية ضد هذا المطلب، إلا أن نظارة الداخلية قد رحلت بابازيان إلي الأستانة في حراسة الشرطة علي متن سفينة مصرية.
أثار طر بابازيان ضجة في أوساط التقدميين وانقلب اجتماعهم بمطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة والمناهض للأرمن القادمين من أزمير  إلي مشاجرة تدخلت فيها الشرطة وقد قبضت علي نشطاء التقدميين بموجب بلاغ من وجهاء الأرمن.
وبعد هذا الحادث ، أخذ التيار التقدمي يضعف شيئا فشيئا حتي انحل نهائيا بسبب ضغوط الشرطة المستمرة ، ناهيك عن حدوث انشقاقات به.
وهكذا ، يلاحظ أن أرمن مصر قد اهتموا بالقضية الأرمنية منذ تدويلها في مؤتمر برلين 1878 وتبلورها في المادة "61" . ولكن، حتي منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر ، تباينت رؤية كل طبقة منهم عن الأخرى بخصوص تنفيذ المادة "61" . فبينما اعتمدت الصفوة علي المؤسسة العثمانية الرسمية الحاكمة في تنفيذها ، تطلع التجار والتقدميون إلي التدخل البريطاني والروسي لتنفيذها. وقتذاك، لم يتمكن أرمن مصر من الضغط لا علي أوربا ولا علي الباب العالي من أجل حل القضية الأرمنية بتنفيذ المادة آنفة الذكر. ولهذا سعي التيار الثوري الأرمني إلي كسب أراض بين أرمن مصر لصالح القضية.
تمتعت المنظمات الثورية الأرمنية بحرية نسبية في مصر. وتعلق جريدة " بيوزنطيون" علي هذه الحرية بقولها :" كان في استطاعة السلطان عبد الحميد أن يطارد الشباب التركي حتي لو كانوا في باريس ، إلا أن الشرطة العثمانية قلما قبضت علي شاب تركي أو أرمني هارب من الأستانة ولاجيء من القاهرة.
ففي بداية عام 1890 ظهرت فلول حزب الهنشاك في مصر واستغلوا الحرية المتاحة بها حتي نجحوا خلال فترة وجيزة في اكتساب أعضاء وتكوين خلايا لحزبهم.
وجدير بالذكر أن أول مؤتمر رسمي لحزب الهنشاك قد انعقد بلندن عام 1896 ، وبدأ خلاله أول شرخ يظهر في الحزب. ففي هذا المؤتمر ، طالبت الأغلبية بطرح فكرة الاشتراكية جانبا من أهداف الحزب واستبدالها بسياسة قومية صرفة.أما الأقلية فقد أيدت الاشتراكية ، ولذا ، انقسم الحزب علي نفسه ، ومن ثم ، اجتمعت الأغلبية برئاسة الكاتب الصحفي والأديب آربيار آربياريان (1852-1908) في قاعة أخري واختاروا مجلسا جديدا وطالبوا بتسليم متعلقات الحزب إليهم. ثم أعلنت الأغلبية الهنشاكية في عام 1897 أنهم أسسوا حزبا جديدا يسمي " الهنشاك" المعاد تكوينه واتخذوا مصر مقرا له.
اعتبر الهنشاكيون الجدد المادة "61" من مؤتمر برلين 1878 خطوة أولية نحو تحرير أرمن الدولة العثمانية . وفي هذا الخصوص، كتب آربياريان ما يلي:" تعد المادة (61) من أقوي الحجج لدينا لأنها جعلت المسألة الأرمنية قضية أوربية دولية، وليست قضية عثمانية داخلية ".
وكان الهنشاكيون الجدد يعقدون اجتماعات وينظمون مظاهرات كي يذكروا الحكومات الأوربية بمآسي الشعب الأرمني ويطالبونها بتنفيذ المادة "61" . ولكن هذه الحكومات لم تلتفت إليها بتاتا.
ورغم هذا ن مضي الهنشاكيون الجدد في سياستهم المنحازة لأوربا . ففي عام 1904 ازدادت اضطهادات عبد الحميد للأرمن ن ولذا ، دعا الجاثليق مجرديتش الأول (خريميان)( 1892-1907) كل الأرمن ومؤسساتهم لمناشدة الحكومة الأوربية إحياء المادة "61" . عندئذ ، لبي الهنشاكيون الجدد نداء الجاثليق ، وعقدوا اجتماعا شعبيا في 2 مايو 1904 بمسرح "فاربيت " بالقاهرة لشجب المذابح . وجدير بالذكر أن هذا الاجتماع الذي حضره حوالي "2000" شخص لم يقتصر علي الأرمن وحدهم ، بل حضره ممثلون عن السوريين وغيرهم. وأسفر هذا الاجتماع عن بيان موحد ، قرروا فيه إبلاغ معاناة الأرمن العثمانيين إلي حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية ومناشدتهم التوسط باسم الإنسانية كي تكف الحكومة العثمانية عن مذابحها واضطهاداتها ضد الأرمن. ولكن هذا البيان لم يحرك ساكنا لدي الحكومات المرسل إليها.
........................................................
وهكذا ، لم تثمر سياسة الهنشاكيين الجدد الميالة لأوربا . فلم ترغب بريطانيا وفرنسا التدخل لصالح الأرمن لأنهم كانوا ينتهزون أية فرصة ممكنة لاستمالة السلطان عبد الحميد المولع بالسياسة الألمانية . ولم تفطن قيادة الهنشاكيين الجدد إلي أن الدول الأوربية المشتركة في برلين 1878 قد اجتمعت ليس لتقرير مصير الشعوب الصغيرة ، بل لعقد اتفاقيات خاصة بهم دون النظر إطلاقا إلي إرادة هذه الشعوب. أكثر من هذا ، انتهجت هذه الدول سياسة عدائية ضد المصالح الأساسية لتلك الشعوب.
ويلاحظ أن البيان الموحد قد تجاهل روسيا . والحقيقة أن الهنشاكيين الجدد كنوا لا يتوقعون أي مكاسب من روسيا بسبب سياستها الاستعمارية. ولذا ، تمادوا في انتقادها رافعين شعار ك " ممن نأمل تحقيق آمالنا ؟ . هل من روسيا التي احتلت فنلندا واستولت علي أملاكها ؟!" . وقد تبلور اتجاه أعضاء الحزب لنبذ السياسة الروسية في ردهم علي المرسوم الذي أصدره القيصر نيقولا الثاني (1894- 1917) في 25 يونية 1903 بمصادرة الأوقاف العامة للكنيسة الأرمنية بأرمينية الروسية.
ففي القاهرة والإسكندرية ، عقد الهنشاكيون الجدد اجتماعات ونظموا مظاهرات لإدانة استيلاء روسيا علي أملاك الكنيسة الأرمنية . ووصف الكاتب الأرمني يرفانت أوديان هذه المظاهرات بقوله :" كانت المظاهرات قوية حيث اضطر قنصل روسيا السيد ماكسيموف أن يغادر القاهرة إلي الإسكندرية ليدعونا إلي إيقاف المظاهرات المناهضة لروسيا " . بيد أن محاولات القنصل الروسي منيت بالفشل وظل الأرمن يتظاهرون أمام القنصلية . ولذا، هدد القنصل المتظاهرين ، وفعلا قبضت الشرطة المصرية علي بعضهم وحكم بالسجن من شهرين إلي خمسة شهور.
ومع ذلك، لم يحقق حزب الهنشاك المعاد تكوينه نجاحا ملحوظا في مصر بشان القضية الأرمنية رغم أنه ترك الاشتراكية الجذابة ذات الآراء الحالمة وألقي بنفسه في أحضان السياسة الأوربية . ناهيك أن سياسة الحزب وفلسفته كانت خالية من أية مضامين واضحة مما أدبي إلي اضمحلاله .
وبدلا من توجيه طاقات الحزب إلي خدمة القضية الأرمنية أو انتهاج سياسة وطنية لصالح الأرمن ، انغمس الهنشاكيون الجدد في صراع عنيف مع الهنشاكيين القدامي الديمقراطيين الاشتراكيين ، ولم يصفح الجدد عن القدامي المتعاونين مع الروس الاشتراكيين في القوقاز ، وأعلنوا بان علاقة مثل هؤلاء الأرمن بأولئك الاشتراكيين سوف تثير غضب الحكومة القيصرية وشعبها ضد الأرمن وينبئ بمخاطر لا تحمد عقباها بالنسبة لمستقبل الأرمن السياسي.
كما نتج عن هذا الصراع كشف خفايا مثيرة بين الجانبين علي صفحات الجرائد الناطقة بلسانهم. وقد استغل قائد شرطة الأستانة ما كشفه آربياريان في مقالاته عن أعضاء حزب الهنشاك وقبض علي بعضهم . وردا علي هذا ، اتهم الحزب آربياريان بالتواطؤ والمخابرة ، وأطلقوا علي أتباعه لقب النظاميين ؛ أي المأجورين من جهاز الشرطة العثمانية.
لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل تعداه إلي تخطيط الاغتيالات والإرهاب المنظم . فقد اغتال القدامي اثنين من الجدد ، فانتقم الأخيرون باغتيال ثلاثة من القدامي الذين لم يقفوا مكتوفي الأيدي وبادروا في 12 فبراير 1908 باغتيال آربياريان في شارع المناخ بالقاهرة.
وقد أثبتت تحقيقات القضاء المصري في قضية مقتل آربياريان ان القاتل بدروس هاسونيان أتي من أمريكا موفدا لإتمام جريمته. وذكر الجاني انه قتل المجني عليه انتقاما منه لأنه طعن في جريدته علي حزب " الهنشاك" وكان يضرب فيها علي نغمات الفوضويين ( الاشتراكيين ). كما اعترف القاتل بان أرمينيا يسمي زاريه كوتشيان – تاجر خردوات بشارع كلوت بك- قد حرضه علي قتل آربياريان لأنه يطعن في الأرمن من أعضاء حزبنا ويقبح سياستنا وأعمالنا، وقتله خدمة عظيمة للامة الأرمنية.
وأعطاه مالا ومسدسا ووعد بإنقاذه من العقاب. وعندما قبضت الشرطة علي وتشيان ضبطت عنده كمية من المراسلات والصور الفوتوغرافية والمنشورات الدالة علي اشتراكه في جمعيات الثورة الأرمنية وان له يدا في قتل آربياريان .
كشفت تحقيقات قضية مقتل آربياريان الإرهاب الذي تعرض له أثرياء أرمن مصر من قبل الأحزاب الثورية الأرمنية التي هددت حياتهم مقابل المال. فقد ظهر أن القاتل عضو في جمعية إرهاب تهدد الأغنياء بالقتل إذا لم يدفعوا لها مطلوبها من المال. وقد كان القتيل من أكبر مناهضي الجمعية المذكورة التي أسست لها شعبة في مصر وهددت كثيرين من أعيان الأرمن ووجهائهم وفي مقدمتهم بوغوص نوبار باشا ؛ إذ طلبوا منه افتداء حياته مبلغ خمسين ألف جنيها. كما أكدت التحقيقات أن مصدر تهديد هؤلاء الأغنياء من الأستانة وليس مصر. ولم يقتصر تهديدهم علي الأغنياء فقط ، بل امتد إلي معارضيهم أيديولوجيا وسياسيا لدرجة التنكيل بكل من يناوئهم .
هذا ، وقد أحدثت قضية مقتل آربياريان أصداء متفاوتة ليس في الدوائر الأرمنية فحسب ، بل تجاوزتها إلي الشارع المصري والحكومة المصرية.
ففي الأوساط الأرمنية المصرية ، اجتمع الأرمن الأرثوذكس في أول مارس 1908 بكنيستهم وقرروا رفع عريضة إلي الباب العالي والسير الدون جورست المعتمد البريطاني في مصر(1907-1911) يطلبون فيها :" إبعاد أشقياء الأرمن الذين ينتمون إلي الجمعيات السرية عن القطر المصري دفعا لشرهم واجتنابا لأذاهم..وإن في العاصمة عدة من هؤلاء.. وقد جعلوا همهم كتابة التهديد والوعيد إلي كبار الأرمن. فوجودهم في هذه العاصمة خطر علي الأمن العام".
وتعالت الأصوات في الصحافة عقب القبض علي هاسونيان تطالب السلطات الحكومية بضرورة القبض علي الزعماء المحرضين لأنه ليس صاحب الشأن الأول في الجناية ، بل بمثابة اليد والآخرون بمثابة الرأس . إنه آلة بيد غيره".
وبسبب الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة المصرية بخصوص مراقبة الأرمن في أعقاب حادثة القتل ، فقد خشي الأرمن أن تتجاوز الحكومة حد المعاقبة والاقتصاص إلي الحجر علي الحرية الشخصية وحرية الاجتماع.. ونفي كل من يشتبه بسيرته...أو من تلقي إليه تهمة الانتماء إلي عصابة إرهاب وتهديد "
بيد أن الحكومة طمأنت الأرمن بأنها تصد من وراء إجراءاتها حفظ الراحة العمومية وأن مصر لا تزال مضيافة لكل عامل نافع.
وبعد انتهاء التحقيقات أصدرت محكمة الجنايات حكمها في 10 يونية 1908 بإعدام بدروس هاسونيان وبراءة شريكه زاريه كوتشيان.
ولكن البوليس السري قبض علي الأخير وأودعه السجن لان الحكومة قررت نفيه من القطر. هذا وقد نفذ حكم الإعدام في هاسونيان شنقا يوم الخميس 20 أغسطس 1908 . واعترف القاتل قبيل شنقه للمطران الأرمني بأنه لم يعرف آربياريان إطلاقا ولم يره أبدا قبل يوم مقتله . وذكر له بان المحرضين الهنشاكيين قد أفهموه بان آربياريان ينتقد أعمال المنظمات الثورية الأرمنية ونشاطاتها وانه عميل للسلطان عبد الحميد. وأضاف بأنه شرع في قتله ليخلص شعبه من العدو. ولم يكن يعرف أن آربياريان شخص نزيه علي عكس ما قيل له.
سعي أتباع آربياريان إلي اغتيال نازاربيجيان وصباح كوليان من حزب الهنشاك ، ولكن محاولاتهم أصيبت بالفشل. ومهما يكن من أمر، باغتيال آربياريان – رأس الهنشاكيين الجدد- أخذ تيارهم يضعف تدريجيا في مصر خاصة في ظل التغييرات التي حدثت في الحياة السياسية الأرمنية عشية اندلاع ثورة تركيا الفتاة وما بعدها.
............................................................
منذ أوائل القرن العشرين ، وكرد فعل النشاطات الثورية الأرمنية ، سعت الصفوة الأرمنية المصرية إلي القبض علي زمام القضية الأرمنية وزعامة أرمن المهجر . وتطلعت هذه الصفوة إلي توحيد صفوف الأحزاب الثورية التي تعمل كل منها في انفصال تام عن بعضها . وقد عبر مفكرو هذا الاتجاه عن هذه الفكرة بقولهم : " إن الحالة الخطيرة التي يعيشها أرمن الأناضول تستدعي أن تتضافر جهود الأحزاب الثورية التي تأسست من اجل قضية هؤلاء الأرمن ويتعاونوا في العمليات التي يقومون بها " .
وفعلا ، نجح أرمن مصر خلال منتصف سبتمبر 1908 بفضل مؤازرتهم المادية في توحيد صفوف الأحزاب الثورية الأرمنية وتأسيس منظمة الاتحاد الفكري الأرمني من بعض أعضاء حزب الأرميناجان السابقين والهنشاكيين الجدد والثوريين الوطنيين . وقد ارتكزت سياسة هذا الاتحاد علي تحرير أرمينية الخاضعة للحكم العثماني وتأسيس حكومة مستقلة بها ذات دستور يخول حريات واسعة ويضمن لكافة عناصر المنطقة المعيشة الكريمة وتنمية ثقافاتهم بحرية وسلام طبقا لإمكانياتهم. هنا ، يلاحظ بان الاتحاد يرمي إلي حل القضية الأرمنية عن طريق استقلال أرمينية، وليس عن طريق تنفيذ المادة "61" . كما كان الاتحاد يؤيد فكرة التضامن مع الشعوب التي تسعي للاستقلال عن الكم العثماني في مقدونيا وألبانيا والشام.
بيد أن هذا الاتحاد قد أجهض مبكرا ، فقد كان اتحادا ظاهريا فقط سادته الانشقاقات والانقسامات . ناهيك عن أن برنامجه السياسي لم يتفق مع مسار الصفوة الأرمنية.
ولكن ثمة تطور جديد طرا علي الحياة السياسية الأرمنية المصرية . فبعد شهور قلائل من نجاح ثورة تركيا الفتاة وبوحي من الدستور العثماني (24 يولية 1908)، قامت مجموعة من الليبراليين وأبناء الطبقة الوسطي الأرمنية بتأسيس نمط مختلف من التنظيم السياسي المغاير لتكتيكات العنف السياسي.
وجديربالذكر هنا أن الجالية الأرمنية المصرية تعد المهجر الأرمني القوي الوحيد الذي مارس حياته السياسية بحرية تامة. فقد هيأت الأوضاع السياسية والاقتصادية- الاجتماعية لهذا المهجر في وجود البريطانيين مناخا فكريا لتكوين حزب سياسي جديد في 31 أكتوبر 1908 بالإسكندرية يسمي "ساهماناتير رامجافار" ( الحزب الديمقراطي الدستوري) الذي أيد التقاليد الليبرالية الأوربية ومثل الطبقات الوسطي الأرمنية في المهجر . وقد تشكل هذا الحزب من أشتات الأرميناجان وفئة ضئيلة من أعضاء حزبي الهنشاك والطاشناق – الذين ارتابوا في حماس زعمائهم- والأرمن المهنيين.
ويعد حزب الرامجافار من أهم الاحزاب السياسية الأرمنية الرئيسية التي تأسست في المهجر الأرمني بعامة والمصري بخاصة . وقد دارت فلسفته حول محورين أساسين متكاملين ؛ أولهما عثماني وثانيهما أرمني خاص.
بالنسبة لمحور العثماني ، تفاءل زعماء الحزب بخصوص مستقبل ثورة تركيا الفتاة وأعلنوا أنه بعد انهيار الاستبداد  الحميدي وتأسيس الحكم الدستوري، بدأت مرحلة جديدة من التقدم والازدهار لكافة العناصر التي تتألف منها الدولة العثمانية .
وأراد  الرامجافار إعادة  النظر في الدستور العثماني بمعناه الواسع وتحويله إلي دستور ديمقراطي يكفل اللامركزية في إدارة الدولة العثمانية بما في ذلك الولايات ذوات الأغلبية الأرمنية. ورفض الحزب أن تنصهر أقليات الدولة العثمانية أو تنسلخ من أجل الاستقلال ، كما رفض كل أوجه الروح الوطنية الأصولية أو أية روح دخيلة علي تفكير الشعب.
أما المحور الأرمني ، فيمكن تحديد معالمه في النقاط الآتية :
أولا : احترام الفرمانات العثمانية التي نصت علي حماية حقوق الأرمن وعدم انتهاك حرية العبادة والتنمية التربوية والتقدم الثقافي
ثانيا : إعادة النظر في الدستور الملي بحيث يتناسب مع الاحتياجات  الآنية.
ثالثا : فصل النشاط الديني عمن النشاط الإداري داخل الملة الأرمنية.
رابعا : الحفاظ علي اللغة الأرمنية والعمل علي نشرها في خط متواز مع التاريخ والآداب ، والمحافظة علي الشواهد القومية حتي لا تضمر أو تزول
وبمرور الوقت، اكتسب حزب الرامجافار الدستوري شعبية ليس بين أبناء الطبقة الوسطي وحدها، بل امتدت إلي أبناء الصفوة الذين أعلنوا بأنهم قد نبذوا أية أفكار راديكالية أو سياسية جدلية وانضموا إلي حزب الرامجافار حيث يتماشي برنامجه مع آرائهم ورؤيتهم السياسية والاقتصادية- الاجتماعية.
ورغم أن معظم أعضاء حزب الهنشاك المعاد تكوينه لم ينصهروا لا في الاتحاد الفكري ولا في حزب الرامجافار الدستوري وظلوا يعملون لفترة وجيزة بصفتهم منظمة مستقلة  إلا أنهم انتهجوا سياسة تلاءمت مع المجري العام لحزب الرامجافار حسبما أكد بيانهم الصادر في 12 سبتمبر 1908 الذي نص علي أن حزب الهنشاك المعاد تكوينه يوقف برامجه الثورية المسلحة ويؤيد وحدة أراض الدولة العثمانية ولا ينتهج أية سياسة استقلالية . ويرفض الحزب أي شعور بالعداوة أو الأخذ بالثأر بين الأرمن والأتراك وسائر عناصر الدولة العثمانية بحيث تتسبب هذه الصراعات في تصدع الاتحاد. وبما أن أرمن الأناضول يعدون أنفسهم جزءا من الشعب العثماني ، فغنهم يرغبون في الحفاظ علي هويتهم دون الاندماج التام  في الحسد العثماني ، ويرغبون في الحفاظ علي امتيازاتهم الدينية والثقافية ، ويأملون ممارسة دورهم في السياسة العثمانية بشكل نشيط ورئيسي.
ولم يكن لحزب الطاشناق أية فعاليات تذكر في مصر حتي عم 1908، فقد اتسمت لجانه الفرعية المنبثقة في مصر بضعف التنظيم وقلة الأعضاء حتي أنهم فشلوا في تأسيس لجنة مركزية تمثل الحزب، علاوة علي ذلك ن لم يكن الحزب يمتلك جريدة خاصة ، واقترح أعضاؤه استئجار عمود في جريدة آزاد بم ( المنبر الحر) للدفاع عن وجهة نظرهم.
ويرجع ضعف حزب الطاشناق في مصر إلي المجادلات والمشاحنات التي اندلعت بين أعضائه بسبب برنامج الحزب. فقد سمي الحزب في عام 1907 بالاشتراكي دون أن يمت بصلة مباشرة للآراء الماركسية، وانضم إلي مؤتمر الاشتراكيين الثاني.
وبسبب سلوكه هذا الطريق الاشتراكي، تولدت أصوات معارضة من بين صفوفه .ففي مصر ، اعترض المفكرون الطاشناقيون ( سارحات ، آغاسير، آرانسار) علي السياسة التي اتبعتها لجنة الحزب العليا وطالبوها باتباع سياسة قومية بحتة. بيد أن معارضتهم لاقت الفشل ، وطردوا من صفوف الحزب لأنهم تجرءوا ورفعوا صوت المعارضة ضد اللجنة المركزية العليا.
وقد أسفر نجاح ثورة تركيا الفتاة عن دعم تواجد حزب الطاشناق- المتعاون مع الاتحاديين – في الحياة السياسية الأرمنية المصرية. وحتذاك كان الطاشناق لا يتحدث عن استقلال أرمينية ، بل كان يطلب تحسين أوضاع الأرمن في الولايات الأرمنية العثمانية شرقي الأناضول. وانخدعت شبيبة الحزب وخلاياه بان الاتحاديين يعملون علي نشر العدالة والمساواة والحرية بين كافة أبناء الدولة العثمانية وعناصرها المتباينة. وظل الحزب يسير في ركاب سياسة الاتحاديين حتي بعد تنفيذ الأخيرين مذبحة أضنة ضد الأرمن في أبريل 1909.
وهكذا ، يلاحظ أن الحياة السياسية لأرمن في مصر خلال العقد الأول من القرن العشرين لم تكن مقصورة علي تمثيل الأحزاب السياسية الأرمنية ( الهنشاك، الطاشناق) ، بل تخطتها إلي تشكيل أحزاب أخري بمصر( الهنشاك المعاد تكوينه، الرامجافار الدستوري) . كما يلاحظ أن جميع هذه الاحزاب قد اتبعت نهج السياسة الأوربية والصفوة الأرمنية في حل القضية الأرمنية ( المادة 61).
أكثر من هذا ،انساقت هذه الأحزاب وراء دعايات الاتحاديين الكاذبة بمنح عناصر الدولة العثمانية مزيدا من الحريات والعدالة.
ولذا ، نسجوا تصورات غير واقعية عن القضية الأرمنية وحلها؛ فلم يركزوا علي استقلال أرمينية واكتفوا بالمطالبة بحكم ذاتي علي هيئة الرب الحميدي ذاته بشان القضية الأرمنية . عندئذ ، أصابت الأحزاب خيبة أمل ومرارة قاسية.
ولكن تطورات القضية الأرمنية بين عامي 1912-1914 ، أي منذ اندلاع حرب البلقان حتي قيام الحرب العالمية الأولي، قد نقلتها إلي طور جديد ازدادت خلاله فعالية أرمن مصر إزاء القضية الأرمنية وزعامتهم لها.
عندما اندلعت حرب البلقان في أكتوبر 1902 وتأزم موقف الدولة العثمانية إبانها، تحرك الأرمن المصريون بحرية نسبية ضد الدولة العلية خاصة وان لهم علاقات وثيقة بالرأسمال البريطاني – الفرنسي . ففي 2 نوفمبر 1912 بعث ممثلو الجالية الأرمنية في مصر برسالة إلي الجاثليق الأرمني كيفورك الخامس (1912-1930) المقيم بإيتشميادزين في أرمينية الروسية ( الشرقية) يخبرونه فيها : " أن كل الشكاوي الرسمية إلي الحكومة العثمانية مصيرها اللامبالاة وبما أن موقف البطريركية الأرمنية في الأستانة لا يشجع علي مطالبة الحكومات الأوربية بحماية الأرمن في الأناضول، وبما أن هذا الإجراء ذاته يعد خيانة في المنظور العثماني لأنه بمثابة دعوة لتدخل حكومات أجنبية في شئون البلاد الداخلية، فلهذه الاعتبارات كلها ، تقع مسئولية حماية أرمن الدولة العثمانية علي عواتق الأرمن الموجودين خارجها ليرفعوا التماسات إلي الدول الكبري وحكومات البلقان يطلعونهم فيها علي الموقف المتردي والمؤسف للأرمن، ويناشدونهم العمل بكل الوسائل الممكنة كي تنضم الولايات الأرمنية إلي ما سيتخذ من إجراءات تنفيذية تخص الأقاليم الأوربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية في مؤتمر التسوية المرتقب.
ولما كانت روسيا القيصرية حليفة بريطانيا وفرنسا، فقد تجاسر أرمن مصر وطلبوا مساعدتها : " نؤمن بان تحقيق أماني الشعب الأرمني سوف يتوقف كثيرا علي الشعور الإنساني النبيل للقيصر" أكثر من هذا ، ناشدوا الجاثليق بان يضمن حماية الحكومة القيصرية لأرمن الدولة العثمانية.
وردا علي رسالة أرمن مصر ، بعث الجاثليق في 8 نوفمبر 1912 خطابا إلي مطرا نيتي الأرمن الكاثوليك بالقاهرة والإسكندرية أعرب فيها انه " بعد الهزائم التي تتكبدها الدولة العثمانية، سوف تظهر المسألة الشرقية برمتها وسوف ينعقد مؤتمر في المدي القريب لحلها من ممثلي الدول الكبري. ولا يمكن أن يظل الأرمن مكتوفي الأيدي في لحظة التطور التاريخية الكبري حيث عن الأرمن تكبدوا عذابات واضطهادات ومذابح غير محتملة ولا يمكن وصفها علي أيدي السلطات العثمانية. وهم اليوم محرومون من حقوق الإنسان الأساسية ومن أمان أموالهم وأعراضهم ، وتتكرر مذابحهم في أماكن مختلفة . ولذا ، كلف الجاثليق أرمن مصر بإرسال التماسات رسمية إلي الحكومات الأوربية والولايات المتحدة لتحسين أحوال الشعب الأرمني الشهيد في الدولة العثمانية ، كما كلفهم بإرسال  برقيات تدعو إلي حل القضية الأرمنية عند انعقاد مؤتمر التسوية.
وبناء علي هذا ، عقدت المطرانيتان اجتماعات  متكررة لمناقشة المسألة الحيوية الواردة في الخطاب الجاثليقي واتفقتا علي تنفيذ تعليمات الجاثليق حرفيا.
وفعلا ، أعدت المطرانيتان برقية واحدة باسم أرمن مصر وأرسلوها في 13 ديسمبر 1912 إلي الحكومات البريطانية والفرنسية والروسية والإيطالية والنمسوية والأمريكية كل عام علي حده. وقد ركزت البرقية علي الحالة المأساوية التي يعيشها الأرمن العثمانيون وعدم أمان حيواتهم وأموالهم وأعراضهم في ظروف الحرب البلقانية. وناشدوا هذه الحكومات بمعاملة إنسانية تجاه شعب مسيحي حي وشهيد طالما مثل الحضارة في الشرق وناضل من أجلها في معارك كثيرة . كما لفتت البرقية الأنظار إلي المادة "61" من معاهدة برلين وضرورة إنشاء نظام إداري في الولايات الأرمنية وقيليقية يمكن الأرمن من حياة آمنة تليق بالبشر وضمان مقتنياتهم وأغراضهم.
ويرتبط بالخطاب الجاثليقي ، مسألة جد مهمة في الحياة السياسية الأرمنية المصرية مؤداها تكليف الجاثليق لبوغوص نوبار باشا كي يكون نائبا عنه وزعيما لأرمن المهجر فيما يخص القضية الأرمنية منذ أوائل عام 1913 . وقد تمخض عن هذا تشكيل الوفد القومي الأرمني الذي اتخذ من باريس مقرا له لمتابعة القضية الأرمنية حتي انتهاء مؤتمر لوزان 1923 .
هذا ، وقد اقتصر دور هذا الوفد حتي نشوب الحرب العالمية الأولي علي تقديم الالتماسات والتقارير لممثلي وقناصل ووزراء الدول الأوربية وبيان مدي الظلم الواقع علي الأرمن العثمانيين وتذكيرهم بالمادتين "61" من معاهدة سان إستيفانو و"61" من معاهدة برلين 1878 ، وشرح الخطط الخاصة بإصلاح الولايات الأرمنية التي أهملتها دوما الدولة العثمانية.
وفي 13 يناير 1913 ، شكل المجلس الملي الأرمني بالقاهرة لجنة للتباحث في الموضوع الحيوي..أمان حيوات وأموال وأعراض إخواننا الأرمن في الدولة العثمانية ..." واقترحوا أيضا تشكيل لجنة مماثلة في الأماكن التي يقطنها الأرمن بهدف تقديم المساعدات لوفد باريس الجاثليقي شريطة أن تسير هذه اللجان جميعا في اتجاه واحد، وألا تحدث في بعض الأماكن حركات وعمليات متناقضة أو حتي مضرة بالقضية.
بيد أن الأحزاب السياسية وإدارة مطرانيتي الأرمن الكاثوليك والبروتستانت قد احتجوا علي هذا الاقتراح مما دعا المجلس الملي في 20 فبراير 1913 إلي تكوين فريق مساعد من أرمن مصر لوفد باريس اقتصر انتخاب أعضائه من بين إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة. وتمثل دور هذا الفريق في الاتصال بوفد باريس الجاثليقي ، تقديم مقترحات ومعلومات إليه، تنفيذ تعليماته.
لم يقتصر حماس أرمن مصر لصالح القضية الأرمنية- والذي تزايد خلال الحرب البلقانية – علي اتباع الوسائل السلمية فقط، بل تعدتها إلي الممارسة المسلحة . فقد أسس لفيف من الشباب الأرمني في مصر لجنة بزعامة الثوري مهران دامايان (1863-1945) أطلقوا عليها " اللجنة الوطنية للدفاع عن النفس" . وينتمي هؤلاء الشباب إلي حزبي  الهنشاك المعاد تكوينه والرامجافار الدستوري ممن خرجوا عن الخط العام لحزبيهما .
سعت لجنة الدفاع عن النفس إلي تنظيم مسلحة ضد الحكومة العثمانية في قيليقية . والحقيقة أن هذه الفكرة الجريئة قد تولدت لديهم قبيل اندلاع الحرب البلقانية عندما جاء إلي مصر أحد أغاوات زيتون بقليقية لجمع تبرعات من أجل انتفاضة مرتقبة في مدينتهم.
بيد أن أغنياء أرمن مصر قد أشاحوا بوجوههم عن هذا الأغا بناء علي توجيهات بوغوص نوبار باشا الذي بعثها إلي مجلس مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة في 7 فبراير 1913 وحذرهم بأن هذا الموضوع سوف ينكشف بلا محالة . ويمكن أن يشعل المشاعر المتطرفة لدي العناصر المعادية  للأرمن . كما أوضح الباشا للقائمين علي جمع التبرعات مدي الخطورة التي يمكن أن يتعرض لها الأرمن إذا قاموا بأعمال متهورة ، حتي ولو كانت نواياهم حسنة ، إذ يمكن استغلالها ذرائع سهلة للهجوم عليهم.
ورغم أن أغنياء الأرمن في مصر لم يشجعوا الأغا الأرمني "حامع التبرعات" وعاد خالي اليدين ، إلا انه استطاع إشعال روح الوطنية بين بعض الشباب، وتمخض عنها ميلاد لجنة الدفاع عن النفس الأرمنية مع استعار نيران الحرب البلقانية.
استغل اليونانيون هذا الجو الأرمني المشبع بالانتقام ضد الحكومة العثمانية كي يضربوا عدوهم من الداخل. فقد وعد وزير الخارجية اليونانية جاروميليس أعضاء لجنة الدفاع بمساعدتهم في تنظيم انتفاضة مسلحة. وفعلا ، أوكل إلي بعض الشباب الأرمني بالقاهرة والإسكندرية مسئولية نقل العتاد الذي سيحصلون عليه من اليونانيين إلي قيليقية بحرا.ونجح دامايان في اجتياز الأراضي العثمانية حتي وصل إلي منطقة تشورك مارزفان ( دورت بول بالتركية) لتنظيم الفدائيين الذين سيصلون هناك.
وجدير بالذكر أن لجنة الدفاع قد خططت انتفاضات مسلحة في مناطق زيتون وهاجن ومارزفان في آن واحد.
وحينما انتهت لجنة الدفاع من الترتيبات الأولية اللازمة للقيام بالانتفاضات ، أرسلت مبعوثها موشيغ سيروبيان إلي أثينا للحصول علي ما وعد به اليونانيون من عتاد. وفعلا، وضع الأخيرون تحت تصرف اللجنة ثلاثة آلاف بندقية من طراز "جرا" لتنفيذ مهمتهم بسرعة.
عندئذ ، أرسلت اللجنة هذه الأسلحة علي متن مركب شراعي إلي منطقة تشورك مارزفان، ولكنها لم تستطع إنزال الأسلحة لان الحكومة العثمانية قد اكتشفت أمر الانتفاضة فأرسلت بارجة ألمانية مدرعة تسمي "ستراسبورج" لمراقبة الشاطئ ومنع وصول العتاد القادم من الأرمن إلي المنطقة . وعندما رأي دامايان ورفاقه البارجة المدرعة ، اضطروا إلي العودة لمصر .
أحدثت مجازفة دامايان ارتباكا وقلقا في الأوساط السياسية العثمانية والدوائر الأرمنية بالأستانة ومصر. فقد أثبتت التحقيقات العثمانية أن ثمة محاولات فعلية قام بها بعض الأرمن الثوريين من مصر في أبريل 1913 لترتيب انتفاضة مسلحة ب قيليقية. وأكدت التحريات أن جاثليق قيليقية ساهاج الثاني وبطريرك الأستانة زافين يغيايان (1913-1922) والقيادات الحزبية والصفوة الأرمنية كانوا رافضين بشدة لهذه التحركات الخطيرة وناشدوا الثوار بألا ينزلقوا في تطرف.
وهكذا ، فشلت عملية تنظيم انتفاضة مسلحة بقيليقية فشلا ذريعا لأنها لم تلق الدعمين المادي والمعنوي من القيادات الأرمنية.إذ اعتقدت القاعدة العريضة من الأرمن المصريين بخطورة القيام بمثل هذه الانتفاضة لأنها تعد مجازفة تعطي الأتراك حجة كافية لتنظيم المزيد من المذابح. ومن ناحية أخري ، أسفرت عن مذابح قيليقية ( أبريل 1909) عن خلخلة المنطقة سكانيا بدرجة أدت إلي غياب الكثافة الأرمنية التي تعضد الانتفاضة.

عطا درغام
Admin

عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الأرمن المصريون والقضية الأرمنية Empty رد: الأرمن المصريون والقضية الأرمنية

مُساهمة من طرف عطا درغام السبت 15 نوفمبر 2014 - 10:43

ورغم أن بعض الشباب الثوريين الحزبيين قد انشقوا علي أحزابهم وشكلوا اللجنة الوطنية للدفاع عن النفس ، إلا أن أغلبية الحزبيين قد سلكوا مسلكا مغايرا آنذاك. فثمة ظاهرة ميزت الحياة السياسية الأرمنية المصرية عشية انتهاء الحرب البلقانية تمثلت في تكوين ائتلاف من الاحزاب للعمل معا عند انعقاد مؤتمر الصلح.
اجتمعت لجان أحزاب الهنشاك والطاشناق والرامجافار الدستوري لتشكيل جبهة واحدة ، واقترحوا تقديم كافة المساعدات المالية لحماية الحقوق الشرعية للشعب الأرمني وضمان حقوقه المدنية والقومية وتقديم العون له لمواجهة الأخطار المستقبلية. ولم تقتصر نشاطات هذه الحركة علي الحزبيين فقط ، بل شملت كافة طبقات الأرمن في مصر. وأصدرت الجبهة الموحدة منشورا عاما وأعلنوا فيه: " أن هدف نشاط الجبهة ليس حزبيا ، بل يهدف إلي تحقيق مصالح كافة الأرمن بما في ذلك الثوريين والحزبيين ومن لا ينتمي إلي أي حزب. فلتكن الجبهة الموحدة سببا لإحياء الأمل ونقطة دافعة لأرمن مصر ومقبرة للأعمال القبيحة التي تسببها العصبية المدمرة للحزبية الضيقة.
أحدثت دعوة الجبهة الموحدة أصداء سريعة . ففي 4 يونية 1913 اجتمع نحو "60" أرمنيا من الأعيان في فناء كنيسة الأرمن الأرثوذكس ( بين السورين ) وأعلنوا أن كافة طبقات الجالية الأرمنية في مصر يجب أن تتوحد لنصرة القضية الأرمنية. ليس هذا فحسب ، بل قرروا ضرورة تنظيم برنامج دفاعي واضح المعالم للزود عن الشعب الأرمني. وفي ختام اجتماعهم انتخبوا لجنة اختصت بالتنسيق مع جبهة الأحزاب الموحدة فيما يتعلق بطبيعة دورهم ومدي إسهاماتهم.
اجتمعت جبهة الاحزاب الأرمنية الموحدة في 8 يونية 1913 بمسرح برينتانيا تحت رئاسة الأديب ديكران جامسراجان صاحب معمل سجائر جامسراجان. واتفق المجتمعون علي النقاط الآتية :
أولا : الترحيب بالمصالحة بين سائر طبقات الشعب الأرمني في مصر وأحزابه ومؤسساته من أجل حماية الحقوق القومية والسياسية والدستورية للأرمن.
ثانيا : تقديم شكاوي ضد الأوضاع التي تهدد سلامة الولايات الأرمنية وأمنها، وسوء حالها يوما بعد يوم بسبب إهمال الحكومة المركزية بالأستانة وسياستها الخطيرة التي تنتهجها بانتهاك هيمنة الشرعية في الدولة.
ثالثا : نشر إعلان موجه إلي المجتمع الدولي يفيد بان أرمن مصر يعلمون جيدا المتاعب التي يعاني منها الأرمن في الولايات الأرمنية العثمانية. كما يعلمون الوعود الكاذبة التي قطعتها الحكومات العثمانية علي نفسها منذ ثلاثين عاما لإصلاح أحوال الأرمن. ولذا ، يعتبرون ضمانات الحكومات الأوربية الشرط الرئيسي والأوحد لتحقيق الإصلاحات، ومن ثم حل القضية الأرمنية وتحقيق السلام  في البلاد.
كما أعلن الأرمن المجتمعون في برينتانيا أن أرمن مصر مستعدون للوقوف ماليا ومعنويا بجوار الوطن لحماية حيوات الأرمن ومقتنياتهم وأعراضهم.
هذا ، وقد أرسلت الجبهة الموحدة منشورا بقراراتها وتطلعاتها إلي وزراء خارجية البلاد الأوربية وسفرائها بالأستانة والباب العالي وجاثليق الأرمن وبطريرك الأرمن بالأستانة والوفد القومي بباريس والصحف الأرمنية المصرية.
في ذلك الوقت ، نجحت القوات البلقانية المتحالفة في هزيمة القوات العثمانية وتحرير مقدونيا وأدرنة وجزر بحر الإدرياتيك وتأسست دولة ألبانيا . وفي ظل هذه الظروف، لم تلتفت الدول الأوربية إلي منشور أرمن مصر ، ولم تتحقق أحلامهم في حل القضية الأرمنية. وبالتالي ، لم يطل عمر جبهة الأحزاب الموحدة التي نخرت فيها الانشقاقات سريعا.
............................................................................
ولكن منذ نهاية الحرب البلقانية، تجدد الاهتمام الدولي بالقضية الأرمنية علي أيدي روسيا . وتمخض عن هذا الموقف موافقة الدولة العثمانية في أوائل عام 1914 علي برنامج إصلاحي واسع النطاق في الولايات الأرمنية .
أدي هذا التطور في ميدان القضية الأرمنية إلي ارتفاع درجة حرارة الوطنية لدي الأرمن الرأسماليين في مصر لأنها فتحت أمامهم أرضا بكرا وسوقا رائجة يمكنهم ارتيادها : إنها الولايات الأرمنية العثمانية الست وقيليقية .
ومن ثم ، طرحوا المشروعات تلو الاخري لإعادة هيكلة اقتصادية أرمينية. ومن أبرز هذه المشروعات ما اقترحه بوغوص نوبار وخيريان – تاجر كبير بالإسكندرية – في 24 فبراير 1914 حول تأسيس بنوك زراعية وطنية . وقد التمسا من الجاثليق الأرمني كيفورك الخامس تأييده المعنوي للمشروع بعد تجميله بالأهداف الوطنية.
واشتمل المشروع علي تأسيس بنك زراعي في كل ولاية من ولايات أرمينية العثمانية وقيليقية علي أن تعهد إدارتهم إلي مديرين منتدبين من بنوك أوربا والقوقاز.
كما اقترح المشروع ، جعل هذه البنوك مؤسسات روسية حتي لا تقع تحت طائلة التدخل العثماني من ناحية ، وضمان حماية الحكومة الروسية من ناحية أخري.
بيد أن هذه المشروعات وغيرها كثير ، ظلت حبيسة الأدراج بسبب نشوب الحرب العالمية الأولي (1914-1918) ودخول القضية الأرمنية خلالها في منعطف حاسم تعمق إبانه دور أرمن مصر الذين عبأوا كافة جهودهم لمجابهة الكوارث التي ألمت بالأمة الأرمنية جمعاء.
عندما قامت الحرب العالمية الأولي ، كان ثمة مشاعر عدائية منتشرة ضد العثمانيين في أرمينية بقسميها الغربي والشرقي.إذ أن مذابح عامي 1994-1896 ولأبريل 1919 ، كانت لا تزال ماثلة أمام عيونهم ، ناهيك عن الإجهاضات المتكررة لسائر البرامج الإصلاحية في أرمينية العثمانية .
تجند الأرمن العثمانيون في الجيش العثماني كراهية وليس طواعية ، في حين هرول الأرمن الروس- بصفتهم رعايا الإمبراطورية القيصرية- وتجندوا في صفوف الجيش الروسي ، وحاربوا علي الجبهة الأوربية الشرقية.
ليس هذا فحسب، بل تطوع الأرمن الروس لمساعدة القوات القيصرية علي جبهة القوقاز وشكلوا أربعة فيالق.
في هذا الصدد لم يقف أرمن مصر غير مكترثين إزاء هذه الحركة التطوعية التي اتسعت لتحرير الأرمن العثمانيين من القبضة العثمانية وتامين مستقبلهم تحت الحماية الروسية. فقد شكل فرع حزب الطاشناق في مصر لجنة لجمع التبرعات من اجل مساعدة الأرمن المتطوعين فيما وراء القوقاز . ولكن بسبب الخلافات الواقعة بين الاحزاب السياسية الأرمنية ، انحسرت عملية جمع التبرعات في الدوائر الطاشناقية .وفي محاولة من مجلس غدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة لتوسيع دوائر التبرع للمتطوعين ، اقترح فرض ضريبة عامة علي الأرمن لقضاء حاجات المتطوعين.
وقد تأجل تنفيذ هذا الاقتراح لحين التفاهم مع لجنة الطاشناق في هذا الخصوص. بيد أن المحاولات التي بذلها المجلس في هذا الاتجاه قد منيت بالإخفاق.
ثم تلقي المجس في مارس 1915 خطابين من حزب الرامجافار الدستوري وبعض الأرمن يطالبونه بجعل التبرعات لمساعدة متطوعي القوقاز ذات طبيعة عامة وجماعية.
ورغم ذلك، فشل المجلس في التوفيق بين المطالب المتباينة لإيجاد هيكل ويوحد الجهود المشتتة من أجل مساعدة الحركة التطوعية. ويرجع هذا إلي اللامبالاة وعدم الفعالية لدي بعض أعضاء المجلس إزاء حركة التطوع. ورغم هذا الفشل والخلافات الحادة بين الاحزاب، إلا أن جميع المؤسسات الأرمنية في مصر قد اتفقت كل منها بمفردها علي هدف واحد: تشكيل لجان خاصة بجمع التبرعات لمساعدة متطوعي القوقاز.
أسفرت هذه الحركة عن نشاط ملحوظ في ميدان جمع التبرعات لصالح متطوعي القوقاز : فعلي سبيل المثال، أرسل حزب الطاشناق "300" جنيه مصري إلي هؤلاء المتطوعين.
كما أرسل حزبا الهنشاك والرامجافار مبالغ مماثلة لهم. وفي ربيع 1915 ن أسس بوغوص نوبار "صندوق الدفاع عن المصالح القومية " تحت رعاية الجاثليق كيفورك الخامس . وعندئذ ، اتفق الهنشاك والرامجافار أن يرسلا حصيلة تبرعاتهما إلي بوغوص من اجل المصالح القومية.
ولم تقتصر مساعدات أرمن مصر علي جمع التبرعات لمتطوعي القوقاز فحسب، بل شملت تطوع الشباب الأرمني لحرب ضد العثمانيين علي جبهة القوقاز . ففي صيف 1915 ، انبثقت حركة تطوعية مستقلة بين الشباب الأرمني في القاهرة والإسكندرية.
وفعلا ، سافر بعضهم إلي القوقاز علي نفقته الخاصة بينما أعرب آخرون لمجلس إدارة مطرانية الأرمن بالقاهرة عن رغبتهم في اللحاق سريعا بميدان القتال في أرمينية حيث أضحت الحاجة ملحة جدا هناك لقوات جديدة ووفيرة ، كما طالبوا المطرانية أن تدفع لهم نفقات السفر.
وفي أغسطس 1915، وافق مجلس الإدارة علي تخصيص أموال من خزائن مطرانيتي الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة والإسكندرية لصالح التطوع.
وقتذاك، عقد الأرمن المصريون آمالا عسكرية وسياسية واسعة علي الأرمن المتطوعين في القوقاز. أما عسكريا ، فقد تطلعوا إلي تحرير أرمينية العثمانية من ربقة الحكم التركي. وسياسيا ، اعتقدوا أن في إمكانهم علي ضوء انتصارات دول الوفاق اكتساب الحق في تقديم مطالب خاصة بمستقبل أرمينية السياسي أثناء تسويات ما بعد الحرب. بيد أن شيئا من ذلك  لم يتحقق .
وبخلاف حركة متطوعي القوقاز، كانت أرمينية العثمانية خلال الحرب مسرحا للعمليات العسكرية المتباينة مما دفع كثيرا من سكانها الأرمن اللجوء إلي ما وراء القوقاز بمعاونة الجيوش الروسية. ورغم فشل حملة أنور الأناضولية ( ديسمبر 1914- يناير 1915) ، إلا أنها تسببت في نزوح ألاف من الأرمن إلي أرمينية الروسية هربا من المذابح في الحزام القتالي . ولهذا ، أسس الجاثليق كيفورك الخامس " اللجنة المركزية الأرمنية مساعدة منكوبي الحرب " في  إيتشميادزين لإغاثة  هؤلاء اللاجئين ، وناشد أرمن المهجر لإغاثة إخوانهم اللاجئين ومساعدة الفرق المتطوعة التي كانت تدافع عنهم ضد الهجمات العثمانية.
استجاب أرمن مصر لنداء الجاثليق وانتشرت بينهم حركة جمع تبرعات مالية وعينية واسعة لإغاثة لاجئي القوقاز لم تقتصر علي نشاط المؤسسات الموجودة آنذاك فقط، بل استحدثت مؤسسات أخري لهذا الغرض . وبهذه الطريقة ، لبي الأرمن المصريون بعض الحاجات اللازمة للاجئين والمتطوعين في القوقاز . ففي الابتداء ، أرسل أرمن مصر "30" ألف روبل  إلي هؤلاء اللاجئين . ومنذ أوائل فبراير 1915 ، مارست بالفعل " لجنة مساعدة لاجئي القوقاز " نشاطها .
وفي مايو ، أرسل إليهم الاتحاد الخيري الأرمني العام "60" ألف روبل . ثم اندمج الاتحاد مع صندوق  الدفاع عن المصالح  القومية وأرسلا تبرعاتهما معا إلي لاجئي القوقاز. كما كانت لجنة المساهمة  الذهبية .تعد من أنشط مؤسسات جمع التبرعات العاملة في الجالية الأرمنية المصرية.
وفي مايو 1915 ، أسست بعض السيدات الأرمنيات الصليب الحمر للمرأة الأرمنية  بالإسكندرية لعناية بأسر الأرمن المتطوعين في الجيش الروسي ، فضلا عن إعداد ملابس داخلية للمتطوعين أنفسهم.
وفي يولية من نفس العام ، تأسس رسميا " الصليب الأحمر الأرمني " بالقاهرة  بعد اجتماع عام لجميع المؤسسات الدينية والخيرية والتعليمية  والحزبية . وصارت له فروع بالإسكندرية والشرقية والسودان . وقد تولي جمع التبرعات لصالح لاجئي القوقاز من جميع الأماكن التي يقطنها الأرمن بمصر والسودان.
ورغم كل هذه الأنشطة في ميدان جمع التبرعات لمتطوعي القوقاز  ولاجئيه ، إلا أن النتائج المنتظرة لم تكن علي مستوي التوقعات من جالية اشتهرت بين الأرمن جميعا بوصفها جالية ثرية . ومع أن بعض البسطاء قد تبرعوا بأقواتهم اليومية، إلا أن السواد الأعظم من الأرمن الأثرياء لم يشتركوا  بفعالية في حركة التبرع . ولهذا ،  تعرض أبناء هذه الطبقة ممن لم يشتركوا في التبرعات أو أسهموا بمبالغ رمزية إلي انتقادات حادة وصلت إلي وصفهم ب" الآبقين الخونة" وصاروا محل احتقار سائر طبقات الشعب الأرمني .
وجدير بالذكر أن مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة التي تعد من أكبر ملاك العقارات بالجالية قد شرعت خلال عام 1915 في بيع جزء منها لتخصيص أمواله للحاجات الضرورية في القوقاز.
ولكن بعد سلسلة من المجادلات بين مجالس الجالية ، ألغيت هذه الفكرة لأن بنود هبات هذه العقارات لم تسمح بشيء من هذا القبيل .
وفي تلك الأثناء ترامت إلي أسماء الأرمن المصريين أخبار احتلال الجيوش الروسية بمعاونة الأرمن المتطوعين مدينة فان في مايو 1915 . وتجدر الإشارة إلي أن هذه الأخبار قد أحدثت حماسا كبيرا بين كافة طبقات الجالية الأرمنية المصرية لأنهم اعتبروا هذا الحدث بمثابة بداية تحرير أرمينية العثمانية من قبضة الاتحاديين . وحينذاك ، تناسي الأرمن خصوماتهم علي مختلف انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية والعقائدية  واتحدوا معا للإسهام في تحقيق هدفهم  القومي . وفي نفس الوقت ،أدركوا  أن احتلال فان يعني مزيدا من الالتزامات المادية الجديدة . ولهذا ، أرسل بوغوص نوبار في يونية 1915 بمبلغ "15" ألف روبل من صندوق الدفاع عن المصالح القومية إلي الجاثليق كيفورك الخامس من أجل تخصيصها للحاجات الحيوية في فان.
وهكذا ، عاد الأمل يداعب الأرمن في ضوء انتصارات دول الوفاق خلال النصف الأول من عام 1915 بان اللاجئين سوف يرجعون لإعادة بناء وطنهم الأم الذي دمرته الحرب في أرمينية العثمانية . بيد أن هذا الاعتقاد قد تحطم علي صخرة الأخبار التي جاءت من الدولة العثمانية إلي أرمن المهجر عن مذابح أقرانهم العثمانيين . ولكن ، حتي حينذاك ، لم يكشف الأرمن حقيقة نوايا الاتحاديين لاجتثاث العنصر الأرمني برمته من العالم العثماني.
هنا ، قام الأرمن المصريون بدور مهم في إغاثة الأرمن العثمانيين وإنقاذهم . ففي أبريل 1915 ، أرسل الجاثليق برقية إلي بوغوض نوبار في مصر أبلغه فيها بالاضطهادات والمذابح وإراقة الدماء التي ألمت بالأرمن وآلمتهم في مناطق متباينة من أرمينية العثمانية وقيليقية.
 وأناب الجاثليق بوغوص عنه لدي الدول الكبري وقلده رئيسا للوفد القومي الأرمني بأوربا. وقرر الجاثليق بان مهمة الوفد يجب ألا تقتصر علي مجرد عرض مظالم الشعب الأرمني علي الدول الكبري فقط ، بل لا بد أن يطرح عليهم طموحات هذا الشعب المتمثلة في حل القضية الأرمنية بحصول أرمينية علي حكم ذاتي.
وفعلا ، غادر بوغوص نوبار بورسعيد وسط تأييد شديد من الأرمن المصريين في  3 مايو 1915 إلي أوروبا  -  وسوف يمكث في باريس- لمتابعة حل القضية الأرمنية مع الدول الأوربية الكبري.
وقد أسفرت محادثاته مع ممثلي دول الوفاق عن مشروع "أرمينية ذات حكم ذاتي تحت السيادة العثمانية والحماية الجماعية لهذه الدول" . وبذا، تفاءل بوغوص بشدة لهذه النتائج الأولية مع ممثلي دول الوفاق وشرع يوفق بين مختلف الطموحات الأرمنية من اجل تنفيذ المشروع.
ومن المفارقات ، بينما تحدد مستقبل أرمينية علي هذا النحو، كانت سياسة إبادة الأرمن العثمانيين تتقدم بإطراد خلال صيف 1915 .وقد أماطت الأخبار المأساوية التي تواردت آنذاك إلي مصر اللثام أمام الأرمن فيها عن فظائع الترحيل الجماعي للأرمن العثمانيين. وعندما وصلت هذه الأخبار إلي الأرمن المصريين في نهاية يونية 1915، ارتابوا وقتئذ فقط في السياسة الاتحادية الرامية إلي استئصال الجنس الأرمني كله من الدولة العثمانية. ولكن منذ يولية 1915، بات واضحا في أذهانهم بأن الأحداث المأساوية في أرمينية العثمانية وقيليقية قد تجاوزت المذابح الحميدية إلي إبادة العصر الأرمني عن بكرة أبيه.
وإزاء هذا ، رفع المطران الأرمني في مصر توركوم كوشاجيان شكاوي عن أوضاع الأرمن العثمانيين إلي الممثلين الدبلوماسيين لفرنسا  وإيطاليا والولايات المتحدة والذين أرسلوا بدورهم إلي حكوماتهم .
وأوضح المطران في شكواه إلي ديفرانس – الوزير الفرنسي بالقاهرة- بأنه لا يريد تحقيق أمنية الجالية الأرمنية في مصر فقط ، بل الأمة الأرمنية جمعاء، في أن يلفت انتباه القوي الأوربية إلي مصير أرمينية المسكينة التي تواجه تعديات سافرة تزداد حدتها يوما بعد آخر حتي صارت تهدد وجودها كله ، وناشد المطران حكومة الجمهورية الفرنسية بان تنهي الوضع المأساوي لأرمينية.
ليس هذا فحسب، بل قرر مجلس إدارة مطرانية القاهرة أن يقوم بتعبئة عامة للجالية الأرمنية في جلسة مشتركة لمجلسي إدارة مطرانيتي القاهرة والإسكندرية. وفعلا ، انعقدت هذه الجلسة في 29 أغسطس 1915 ، واستهدفت مناقشة ميزانيات مطرانيتي الأرمن بالقاهرة والإسكندرية لإيجاد وسائل مادية من أجل تلبية الحاجات الضرورية الناقصة للأرمن اللاجئين .
وبعد مداولات مستفيضة ، أعد المجلسان مشروعا لعرضه علي المجلس الملي العام للحصول علي قرار نهائي بشأنه.
ويتلخص هذا المشروع في ضرورة توفير مبلغ "15" ألف جنيها علي هيئة قروض مقابل رهن العقارات الطائفية؛ ثلثا المبلغ توفره مطرانية القاهرة، بينما الثل الأخير توفره مطرانية الإسكندرية . وفيما يتعلق بمشكلة شرعية الإجراءات المرتبطة ببنود هبات المتبرعين بالعقارات الطائفية والتي تعرقل تنفيذ هذا المشروع، فقد اتفق المجتمعون علي أن محور هذه الأوقاف هو تخصيصها من أجل الحاجات الحيوية الملحة للشعب الأرمني.
ولكن قبل إبداء الموافقة علي هذا المشروع، وحتي قبل اتخاذ أية عمليات لتنفيذ قرارات المجلسين فوجئت الجالية الأرمنية المصرية في أواسط سبتمبر 1915 بوصول أكثر من "4000" لاجيء أرمني عثماني من جبل موسي إلي بورسعيد في أرماقهم الأخيرة. وعلي مدي أربعة أعوام ، قامت الجالية بدورها القيادي إزاءهم.
وبينما كانت الحرب العالمية الأولي تلفظ أنفاسها الأخيرة ، تأسست أول جمهورية أرمنية مستقلة في التاريخ الحديث (1918-1920) بمنطقة يريفان وما حولها. هنا تجدر الإشارة إلي أن أرمن مصر سروا كثيرا لهذه الجمهورية . وطبقا لجريدة المقطم : " ورد علي المصادر والدوائر الأرمنية في الإسكندرية .. إن الأرمن أعلنوا استقلالهم وأنشئت جمهورية أرمنية كبيرة.. فابتهج الأرمن كل الابتهاج وتبادلوا التهاني ورفعوا علما جديدا علي منازلهم ومحالهم التجارية ...".
وفي نفس الوقت ، أسس الأرمن المصريون هيئة عرفت ب" الاتحاد القومي للأرمن المصريين " مكونة من ممثلين عن المجالس الملية لكل الطوائف والأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية الأرمنية في مصر . وقد تمثلت مهام هذا الاتحاد في إعداد مشروع مطالب الشعب الأرمني وانتخاب مجلس تنفيذي لمتابعة تحقيقها.
ثم عرض هذا المشروع علي المؤتمر القومي الأرمني الذي سيعقده الوفد القومي بباريس ين 24 فبراير-22 أبريل 1919 ، والذي سينقلها الوفد بدوره إلي المؤتمرين للصلح هناك.
وفعلا ، عقد الاتحاد اجتماعات شعبية متكررة خلال نوفمبر 1918 في " الكسموغراف الأمريكاني" بالقاهرة و" تياترو عباس" بالإسكندرية لمناقشة المطالب القومية للأرمن . واستقر الاتحاد علي المطالبة بأمرين:
أولا : يطالب الشعب الأرمني بحقه الخالد في الاستقلال والسيادة علي كل أرمينية وفي جملتها قيليقية.
ثانيا : يطالب الشعب الأرمني الدول الكبري أن تعترف بحكومة أرمنية مؤقتة وجلاء جميع الجنود العثمانيين عن بلاده ويحتلها جنود دول الوفاق والأرمن.
بيد أن المذكرة التي قدمها الاتحاد إلي المؤتمر القومي الأرمني قد اتسمت ب" الميوعة والتهلهل وكثرة الثغرات". وقد وصفها أعضاء المجلس الملي الأرمني بالقاهرة بأنها مأساة سياسية. ليس هذا فحسب، بل نخرت الانشقاقات سريعا في جسد الاتحاد. فرغم وجود ممثلين عن الأحزاب السياسية والمؤسسات الأرمنية الأخرى بداخله، إلا أن التوافق لم يكن موجودا بينهم. وثمة تيار داخل الاتحاد لا يعترف بالوفد القومي الذي يرأسه بوغوص نوبار في باريس. ناهيك أن أغلبية أعضاء مجلس إدارة الاتحاد من الحزبيين يسعون إلي إقصاء ممثلي المطرانية الأرمنية عن نشاطات الاتحاد.
وفوق هذا ، سعي الحزبيون إلي استغلال وجودهم بالاتحاد في تحقيق بعض مآربهم السياسية.إذ حاولت الاحزاب مرارا أن تقوم منفردة بعمل ما. ولكنه يفشل أمام عجزهم المادي. ولذا ، تطلعوا إلي تحقيقه عن طريق حصة الاتحاد من إيرادات لجنة المساعدات. وبذا ، يتضح أن الحزبيين كانوا يبحثون عن فائدة حزبهم ومكاسبهم الخاصة بعيدا عن مصالح الشعب.
وإزاء هذه الانقسامات بين الأرمن المصريين داخل اتحادهم القومي ، فقد بات هذا الاتحاد غير ذي فائدة ومضرا بالمصالح القومية. وانحصرت نشاطاته السياسية في عقد بعض المؤتمرات الثانوية والأعمال الهامشية التي كلفت الاتحاد نفقات باهظة.وهكذا ، فإن سيطرة زمرة من الحزبيين علي دفة الاتحاد قد زجت به في مخاطر ناءت به عن مساره الأساسي . وبذلك فقد شرعية وجوده.
وحينما أدت سياسة الزمرة الحزبية بالاتحاد إلي إحزان الباشا بوغوص نوبار إلي حد تهديده بالانسحاب من رئاسة الوفد القومي. وعندما تصاعدت الخلافات بين الحزبيين وسائر المؤسسات الأرمنية بالاتحاد ، عندئذ ، قرر مجلس ملي القاهرة في 10 مايو 1920 رفع مسألة إلغاء الاتحاد أو إبقائه إلي المجلس الملي الأرمني الأعلى للبت فيها . وأعلن المجلس انه لا يتحمل أية مسئوليات بخصوص نشاط الاتحاد لحين انعقاد المجلس الأعلى.
...........................................................................................
وبينما كانت الانشقاقات تتعمق بحدة بين أرمن مصر، كانت القوات الكمالية والمجاعات والأوبئة تجتاح أقرانهم في قيليقية. ولذا ، أرجأ المجلس الملي بالقاهرة مصير الاتحاد القومي مؤقتا ونادي ب"ضرورة التوافق والعمل بدفعة قوية من اجل قيليقية. وفي هذا الصدد ، أعلن المطران توركوم كوشاجيان بان مسألة قيليقية ملحة. ويجب بذل أقصي جهودنا في بحثها وإيثار المساعدات لها" . كما أكد الوقت قد حان ل التضحية بالمبادئ والأفكار. ولا بد أن نتوافق جميعا في سبيل المصالح القومية العليا" .
ولهذا ، عقد المطران اجتماعا مع ممثلي الاتحاد القومي والأرمن الكاثوليك والأرمن البروتستانت وبعض الأعيان لمناقشة موضوع قيليقية المتوهج . واستهدف الاجتماع تحديد المسار الذي يجب أن تسلكه الجالية الأرمنية المصرية في هذا الوقت العصيب من هذه المحنة القومية.
وبعد سلسلة مداولات ، اقتنع الجميع بان واجب الجالية يتمثل في توفير السلاح والمؤن والأموال. وقرروا في 20 يونية تشكيل هيئة خاصة بتبرعات قيليقية مؤلفة من الاتحاد القومي والمجالس الملية. وأسفرت حملات التبرع عن "6200" جنيه مصري ، أرسلها أرمن مصر لقضاء احتياجات أرمن قيليقية الحيوية.
 
ثم تسلم المطران خطابا يدمي القلب في وائل أكتوبر 1920 من أرمن مرسين بقيليقية عن جلاء الجيش الفرنسي المرتقب من هذه المنطقة. وبعد مداولات مطولة في هذا الشأن ، أرسل مجلس ملي القاهرة في 11 أكتوبر 1920، ولكن عبثا ، احتجاجات إلي الدول الأوربية الكبري لصالح الشعب الأرمني المغلوب علي أمره في قيليقية كما أجمع المجلس علي بقاء الوفد القومي الأرمني بباريس لمطالبة بالأراضي الأرمنية الواقعة تحت الوطأة التركية خاصة قيليقية والأراضي الاخري التي لم تلحق بالجمهورية الأرمنية.
وبخلاف قيليقية ، اجتاحت القوات الكمالية الجمهورية الأرمنية في القوقاز . عندئذ، نشر المطران الأرمني بناء علي مناشدة الجاثليق، النداءات تلو الأخرى للشعب الأرمني في مصر علي صفحات الجرائد من أجل  التبرع الجماعي: "... عاود العدو التركي غاراته علي  أرض الوطن المقدس بهدف إبادة الشعب. عن الحياة الآمنة التي تسعد بها أيها المواطن والسلام الذي تنعم به علي أرض مصر لا يجب أن يغفلانك عن واجب نحو وطنك الأم الذي يعاني من المذابح . فقم واعط ولا تبخل عن الاشتراك في العمل السامي ؛ ألا وهو إنقاذ الوطن" . وفعلا ، استجاب أرمن مصر بحرارة لهذه النداءات ، ونظموا حملة تبرعات لإغاثة أقرانهم في الجمهورية سميت ب الصندوق الذهبي ، وقد تبرعوا خلالها ليس بالنقود فقط ، ولكن أيضا بالمشغولات الذهبية والحلي والخواتم وغيرها.
وبينما كان جمع التبرعات يجري بين أرمن مصر علي قدم وساق ، انخرطت الجمهورية الأرمنية في التيار السوفيتي ، وصارت جمهورية سوفيتية اشتراكية ، ولذا ، رفضت السلطات البريطانية في مصر إرسال أية تبرعات مادية وعينية إلي أرمينية . فعلي سبيل المثال ، اشتري أربعة عشر من الأرمن الأثرياء مع حزب الرامجافار الدستوري بعض الطائرات لإرسالها بمثابة هدية إلي حكومة الجمهورية الأرمنية. ولكن تبلشف أرمينية في 29 نوفمبر 1920 جال دون إرسالها حيث أبقاها الإنجليز لديهم بمثابة عهدة . وبعد فترة وجيزة، لم يعد لهذه العهدة أي أثر.
ولكن بانضمام الجمهورية الأرمنية إلي التيار السوفيتي وتسليم فرنسا منطقة قيليقية إلي حكومة أنقرة في 20 أكتوبر 1921 ، لم يعد أرمن مصر يهتمون بالقضية الأرمنية ، ودبت النزاعات بينهم علي اختلاف انتماءاتهم. وأعلنت المطرانية الأرمنية انفصالها التام عن الاتحاد القومي الذي اتخذ خطوات ضارة بالقضية الأرمنية. ولذا ، طالب مجلس ملي الأرمن بالقاهرة بطريركية الأرمن الأرثوذكس بالأستانة والوفد القومي الأرمني في باريس بضرورة حل الاتحاد. وفعلا ، اتخذت الجهات الأرمنية المسئولة قرارها بتصفية الاتحاد نهائيا في 25 أبريل 1921.
وفي نفس الوقت ، أجهضت رغبات الأرمن الوطنيين للعمل الإيجابي المتناسق بين الطوائف الثلاث ( الأرثوذكسية ، الكاثوليكية، البروتستانتية )لصالح القضية الأرمنية. فالكاثوليك مؤلفين من مزيج أشتات عناصر مختلطة غير مكترثين، والبروتستانت غير متوافقين فيما بينهم . زد علي ذلك ، تفاقم حدة النزاعات الحزبية.
وقد علق المطران الأرمني توركوم كوشاجيان علي ما وصلت إليه حالة الأرمن المصريين بقولة:" يجب ألا نصغر أنفسنا أمام الأغراب والحكومة ، وأن ننشر الصورة  القاتمة الحزينة لمسائلنا أمامهم ."
وبينما كان أرمن مصر منقسمين ومتناحرين غير مكترثين ، كان المؤتمرون في لوزان (24 يولية 1923) يجتثون القضية الأرمنية من جذورها. هكذا ، يلاحظ أن أرمن مصر قد تأرجحوا في تفاعلهم إزاء القضية الأرمنية بين الإيجابية والسلبية منذ تدويلها  في برلين 1878 وحتي تمويتها في لوزان 1923 . وقد سعت كل طبقة إلي حل القضية من وجهة نظرها وفي إطار مصالحها. ولكن أسفرت أوضاع الأرمن في الدولة العثمانية عن تبوء أرمن مصر مكانا رائدا قياديا بخصوص القضية الأرمنية. فبعد إبطال بطريركية الأرمن الأرثوذكس بالأستانة- محامي القضية الرسمي – أثناء الحرب العالمية الأولي وحتي من قبلها. أوكل جاثليق الأرمن المقيم بإيتشمادزين في أرمينية الروسية هذه المهمة إلي الصفوة الأرمنية في مصر ذات العلاقات الاقتصادية والتوجهات السياسية مع أوربا لا سيما بريطانيا وفرنسا.
وفي هذا الإطار، أخذت الصفوة الأرمنية المصرية علي عاتقها عبء حل القضية الأرمنية. ورغم أنهم ناشدوا الدول الكبري لإحياء المادة "61" الخاصة بالأرمن في معاهدة برلين 1878 واتخذوا الإجراءات في سبيل تحقيق الحكم الذاتي لأرمينية ن إلا أنهم لم يصلوا إلي نتائج محددة في هذا الشأن.
ومع أن الأرمن المصريين قد ألفوا فيما بينهم " الاتحاد القومي" لمتابعة مطالب الشعب الأرمني وحقوقه، إلا أن سياسته الانشقاقية لم ينجم عنها أية ثمار إيجابية.
ورغم هذا الإخفاق ، أسهم أرمن مصر بفاعلية شديدة في إغاثة أقرانهم العثمانيين المنكوبين وإنقاذهم ، فضلا عن الإسهامات البارزة في ميدان التطوع علي جبهتي القوقاز والشام. ولكنهم فشلوا في حل القضية الأرمنية بسبب الضغوط السياسية الدولية، وتطويق سلطات الاحتلال البريطاني لنشاطهم خاصة مع قيام الحرب العالمية الأولي.ناهيك عن انشقاقاتهم المزمنة.
وجديربالذكر أن المناحرات الحادة بين أرمن مصر لم تكن مقصورة علي كيفية حل القضية الأرمنية فحسب، بل ظلت نفس المناحرات تصاعدا وتعمقا ، فيما بينهم خلال رؤيتهم لجمهورية أرمينية الاشتراكية السوفيتية

عطا درغام
Admin

عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى