إغفال دور الدولة
صفحة 1 من اصل 1
إغفال دور الدولة
إغفال دور الدولة
د / محمد رفعت الإمام
في 9 ديسمبر الماضي ، تمر ستون سنه كامله علي ميلاد " إتفاقية الأمم المتحده لمنع إبادة الجنس و العقاب علبها " . و في الواقع ، تمثل جريمة " إبادة الجنس " و أخطر و أضخم الجرائم ضد الإنسانيه لأنها تسلب من الإنسان جوهر وجوده : الحق في الحياه . و منذ سريان المفعول الإتفاقيه في 12 يناير 1951 لم تخضع لأية تعديلات أو إضافات أو حتي مراجعات . و تجدر الإشاره إلي أن إتفاقيه عموما مفهومها عن " إبادة الجنس " خصوصا قد إنتابها بعض النقائص و علي رأسها : إسقاط الجماعتين السياسيه و الثقافيه من بين الجماعات التي تكفل لها الإتفاقيه الحمايه ، و كذا غموض القصد الخاص المميز لهذه الجريمه عن سواها من الجرائم الأخري . بيد أن أهم النقائص تمثل في " إغفال دور الدوله " في إقتراف جريمة الإباده ، و هو ما سوف نسلط عليه الضوء .
إتسعت الماده الثالثه بنطاق الأفعال الواقعه في الإطار القانوني للإتفاقيه مما يستشف منه مدي تعقد الأفعال التي تسن في " إبادة الجنس " . و حري بالذكر أنه بتجريم الإتفاقيه لأفعال متصله بإبادة الجنس ، إمتدت بنطاق الأدعاء القانوني حتي يشمل أكثر من حيز له أهميته . و بدلا من تقديم تعريف لأفعال غير " إبادة الجنس " المعده إجراميه ، إكتفت المادة الثالثه بمجرد رصد تلك الأفعال : التأمر ، التحريض المباشر و العلني ، الشروع ، التواطؤ . و مع هذا ، تعد إتفاقية الإبداء واحده من تلك الإتفاقيات المبكره في حقل القانون الجنائي الدولي التي تعاملت بشكل مباشر في مفهوم المسؤليه الجنائيه الدوليه للأفراد ، و لذا ، فأنها تمثل اتفاقيه جنائيه دوليه ذات دلاله في ساحة حقوق الإنسان و تهدف علي نحو خاص إلي حماية الجماعات التي تعرضت للتصفيه من جانب غيرها من الجماعات .
و هنا ، تأتي المادتان الأولي و السادسه من الإتفاقيه في مقدمة المواد ذوات الصله بهذه القضيه ؛ إذ وفقا للماده الأولي ، تؤكد الأطراف المتعاقده علي أن " إبادة الجنس " جريمه بموجب القانون الدولي و تأخذ علي عاتقها منعها و العاقب عليها . و تؤكد هذه الماده علي إمكانية إرتكاب " إبادة الجنس " في زمني السلم و الحرب بهدف الحيلوله دون إفلات الأفراد من المسؤليه الجنائيه الدوليه باللجوء إلي مختلف الذرائع القانونيه بناء علي القوانين الوطنيه أو بناء علي القانو ن الدولي . و قد تعرضت الماده السادسه من الإتفاقيه مباشره لمفهوم المسؤليه الجنائيه الدوليه للأفراد عن إرتكاب جريمة " إبادة الجنس " . حسب هذه الماده ، يحاكم الأشخاص المتهمون بإرتكاب جريمة الإباده – أو أي أفعال أخري من بين تلك التي حددتها الماده الثالثه – أمام محكمه للدوله مختصه ، و في الأراضي التي إرتكب عليها الفعل أو أمام المحكمه الجنائيه الدوليه ذات السلطه القانونيه علي الدول التي قبلت الأطراف المتعاقده سلطتها فيها . و تكمن أهمية هذه الماده لي في إمتدادها بمفهوم العقاب إلي الأفراد فحسب ، بل أيضا في إقرارها أن محكامة مرتكبي " إبادة الجنس " و عدم تركهم دون أن ينالوا ما يستحقون من عقاب يعد مبدأ دوليا و ليس وطنيا .
و لعل هذه الملاحظه تسير أنتقادا حادا يوجه دوما للإتفاقيه مفاده أناها قد " أغفلت أي دور للدول و الحكومات و السلطات المسؤله في إرتكاب جريمة " إبادة الجنس " . و حسب هذا الإنتقاد ، لا يمكن بديهيا إرتكاب الإباده في غياب خطة أو سياسه للدوله ترمي إلي إبادة الجماعه المستهدفه ؛ إذ فقط حكومه وطنيه هي التي تمتلك السلطه الازمه من أجل إرتكاب هذه الجريمه ، و في إمكانها فقط عند غزو قواتها لبلد أخر أن تحاول تدمير جنس بأكلمه يعيش خارج حدودها . و من ثم فلا أفراد ولا مجموعه من الأفراد في مقدورهم إرتكاب الإباده . و حتي لو حاولوا ، و سوف يزج بهم سريعا إلي السجون بموجب قوانين جنائيه راسخه . و هكذا ، و حسب الخبره التاريخيه ، يتضح أن طبيعة جريمة الإباده ذاتها تفرض من صناعة الدوله و مؤسساتها و ممثليها . و هنا ، ثمة سؤال صعب يطرح نفسه بإلحاح : من سيقوم بمحاكمه مرتكبي الإباده إذا كان حكام دوله ما هم من خلفها ؟ و هل تستطيع محاكمها أن تتولي بشكل جاد تحقيق العداله ؟
ومهما يكن من أمر ، رفضت " إتفاقية الإباده " أية مسؤليه مسؤليه جنائيه للدول أول الحكومات أو السلطات الحاكمه في إرتكاب جريمة الإباده و أعلت مفهوم المسؤليه الفرديه فوق أي دفع بإطاعة الأوامر العليا . بيد أن مسؤلية الأفراد لا تتطلب بالضروره إستبعاد المسؤليه الكليه للدوله تجاه الضحايه لاسيما في الحالات التي تستدعي تعويضات أو إستردادات ، و لذا ، يلزم معالجة هذه الكسور في الإتفاقيه بإضافة ماده عن مسؤلية الدوله عن جريمة الإباده و كذلك التعويضات للحيلوله دون تشجيع تكرار مثل هذه الجريمه . و رغم أن الإتفاقيه تركز – عكس ما هو وارد في عنوانها – علي معاقبة الإبادة لإمنعها ، فإن الإفتقار إلي الأثر الفعل يعد أكثر وضوحا في حالة العقاب ؛ إذ أن ثمة عقبه رئيسيه تقف أمام التنفيذ الفعال مبعثها النكوص عن قبول أي خرق للسياده الوطنيه أو قبول أي إنتقاص في مجال السيادة الوطنيه ، و كذا ، الخوف من التدخل الخارجي في الشئون الداخليه .
مواضيع مماثلة
» الدعاية البريطانية ضد الدولة العثمانية
» عرض كتاب القضية الأرمينية في الدولة العثمانية
» حمل كتاب القضية الأرمنية في الدولة العثمانية
» القضية الأرمنية في الدولة العثمانية ( 1887 -1923 )
» الدعاية البريطانية ضد الدولة العثمانية 1917-1918 للدكتور محمد رفعت الإمام
» عرض كتاب القضية الأرمينية في الدولة العثمانية
» حمل كتاب القضية الأرمنية في الدولة العثمانية
» القضية الأرمنية في الدولة العثمانية ( 1887 -1923 )
» الدعاية البريطانية ضد الدولة العثمانية 1917-1918 للدكتور محمد رفعت الإمام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin