نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر

نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر

...........................................

يقول الرئيس السادات – رحمه الله-:"وربما جاء يوم نجلس فيه معًا، لا لكي نتفاخر ونتباهي، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلًا بعد جيل قصة الكفاح ومشاقة ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله......نعم، سوف يجيء يوم نجلس فيه ؛ لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه...؟ وكيف حمل كل منا أمانته، وأدي دوره.....؟..كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة، ساد فيها الظلام؛ ليحملوا مشاعل النور ؛ وليضيئوا الطريق حتي نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء.........؟ ..وذلك كله، سوف يجيء وقته ".

وها ، قد جاء الوقت ؛ لُنلقي الضوء علي هذه البطولات الخالدة لأبطالنا البواسل الذين سطروا ملحمة العبور العظيم بأحرف من نور...و كذا البطولات الخالدة لشهادئنا الأبرار الذين شاركوا في تسطير هذه الملحمة بدمائهم الزكية...وتظل راية هذا للبلد مرفوعة دائمًا.

هؤلاء الأبطال البواسل الذين تحملوا أصعب الظروف وأقساها؛ كي يعيش هذا الشعب آمنًا مطمئنًا.....ولا زال هؤلاء الأبطال يتحملون الكثير، ويستشهد منهم الأبطال في سبيل راحة أبنائه....

ولم تكن جديدة المنزلة بعيدة عن هذا المشهد البطولي؛ إذ شارك أبناؤها في تسطير هذه الملحمة الرائعة وكل ملاحم البطولات في مصر عبر تاريخها؛ لتزيد صفحات كتاب البطولات المصرية.

وفيما مضي، نوهت المجموعة إلي حصر جميع الأبطال الذين شاركوا في حروب مصر عبر تاريخا من أبناء جديدة المنزلة....وبالطبع لن نستطيع حصرها جميعًا...!!!...فهناك أبطال شاركوا وغفل عنهم التاريخ وخلت منهم صفحاته، ولم نعرف عنهم شيئًا منذ بداية تاريخ مصر الحديث واعتماد محمد علي علي المصريين في حروبه.

وبالطبع ، كان لأبناء القرية نصيب في جميع الحروب التي شاركت فيها مصر منذ أيام محمد علي...ولكن لن نستطيع أن نذكر هذه الأسماء لعدم وجود سجلات مدونة فيها هذه الأسماء.

وأقدم ما وصلنا من المصادر مما ذُكر أثناء الحرب العالمية الأولي،وذلك عندما ساق المحتلون الفلاحين والعمال للتجنيد الإجباري في صفوف الجيش الإنجليزي؛ ليعملوا تحت سوط الإرهاب في خدمة جيوش المحتلين في سيناء وفلسطين وسوريا وأماكن أخري ..وقد ذكر لي الدكتور محمد رفعت الإمام أن جد والده كان من الذين جندوا للعمل في السخرة في سوريا.

كان الخفراء ورجال الحكومة يأخذون الفلاحين من الحقول بالإكراه أو ينتظرون رجوعهم إلي منازلهم عند الغروب؛ فيحيطون بهم وينتقوا خيرهم للخدمة... وإذا رفض أحدهم التطوع الإجباري جُلد حتي الإقرار بالقبول.

ويذكر الدكتور رفعت السعيد في كتابه( ثورة 1919 : محاولة لرؤية جديدة ) : ان الكرباج كان كفيلًا لتسخير الفلاحين من غير حساب ، وأصبح الجلد من الأعمال اليومية ، وكان المكلفون بالجلد الأطباء أنفسهم ، حتي أن المرضي كانوا يخافون أن يختلط بهم الأمر ؛ فينقلوا خطًأ من طابور المحتاجين للعلاج إلي طابور المحكوم عليهم بالجلد......ولم يختلف الحال في الحرب العالمية الثانية؛ إذ كانت مصر خاضعة تمامًا للمحتل ومكبلة بمعاهدة 1936..

ولم نعثر علي ما يدل علي مشاركة أبناء القرية في حرب 1948 ، ولكن اختلف الحال بالنسبة لحرب 1956 التي شارك فيها العديد من أبناء القرية ، وهناك أسماء بعينها شاركت ومنهم المرحوم غانم جسين حجازي ، وقد التقيت به في إحدي المرات عام 1991 وروي لي الكثير عما حدثولاقاه أثناء هذه المعركة.

وهناك أيضا حرب اليمن ، وقد شارك فيها العديد من أبناء القرية..وحرب 1967 التي استشهد وأسر فيها العديد الذين سنتناول بطولاتهم في مقالات لاحقة.

وحرب النصر عام 1973 وقد شهدت بطولات أبناء جديدة المنزلة ن وكذا حرب تحرير الكويت وشارك فيها اثنان من أبطال القرية ساهما في تحرير الكويت.

والآن....

سنفتح صفحات بيضاء لكتاب غير محدود الصفحات ، ونقلب في الماضي عن حكايات وبطولات الأبطال والشهداء الذين سطروا بدمائهم وبطولاتهم أروع الملاحم التي ينحني التاريخ أمامها إكبارًا وإعجابًا بتضحيات هؤلاء الأبطال، ولتكون نبراسًا نهتدي به عندما يخيم الظلام ويحل فينا الانكسار.

ومع أول بطل من أبطال سجلات الفخر والبطولة في جديدة المنزلة.

.......................

نادر عبد بدوي المشد

...................

أحد أبناء جديدة المنزلة الذين يعيشون في بورسعيد، والحبة الثالثة من حبات عقد المرحوم (عبده بدوي المشد)..( عبده- بدوي- نادر)..ولد هذا البطل في الرابع عشر من أبريل عام 1953 بجديدة المنزلة.

التحق بالقوات المسلحة عام العبور (1973) جنبًا إلي جنب مع شقيقه البطل ( بدوي المشد) ، الذي لبي نداء الوطن قبله بست سنوات ..وشهد لحظات الانكسار في 1967، وأبي إلا أن يلملم شتات جراحه في حرب النصر عام (1973) ؛ لتحمل هذه العائلة ( وسام الفخر والبطولة) مع عائلات كثيرة في جديدة المنزلة شارك أبناؤها في تسطير ملاحم البطولات المصرية عبر التاريخ.

كان كغيره من المصريين متشوقًا ليوم العبور وتحرير الأرض المسلوبة وإعادتها إلي أحضان الأم الغالية.

تم التحق البطل بسلاح المهندسين ، وكان ضمن فريق الألغام المسئول عن زرع الألغام لمنع تقدم العدو ؛ لتسهيل عبور الجيش...وتكمن خطورة هذا السلاح في أن الخطأ فيه يكلف حياة والغلطة الاولي في زرعه هي الغلطة الأخيرة.

لم يكن في الصفوف الأولي يوم السادس من أكتوبر ، ولكن دوره الحقيقي ظهر بعد يوم السابع عشر من أكتوبر بعد أحداث الثغرة...إذ جاءت الأوامر بعد تقدم القوات الإسرائيلية وحدوث الثغرة بزرع الألغام عند الكيلو 101 ...وذلك لإعاقة تقدم القوات الإسرائيلية نحو القاهرة.

وعلي الرغم من وصول القوات الإسرائيلية إلى طريق السويس-القاهرة، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكري بالنسبة لها غرب القناة، خاصة بعد فشل الجنرال شارون في الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية وفشل الجيش الإسرائيلى في احتلال مدينة السويس، مما وضع القوات الإسرائيلية غرب القناة في مأزق صعب، وجعلها محاصرة بين الموانع الطبيعية والاستنزاف والقلق من الهجوم المصري المضاد الوشيك.

ومن المواقف التي تعرض لها ولم ينسها عندما تقدم رتل من الدبابات المصرية في أثناء مروره بالمنطقة ، وبالتالي كان سيتخطي الألغام التي زرعها المصريون وسيتعرض لخسائر فادحة..فجأة خرج من خندقه صارخًا بأعلي صوته حتي يمنع تقدم الدبابات.. ولو كلفه ذلك حياته..وتقدم إليه القائد مسرعًا ليستفسر عن السبب ؛ فأخبره بأنهم مقبلون علي حقل ألغام زرعها المصريون لمنع تقدم الجيش الإسرائيلي.

وفي إحدي غارات العدو الإسرائيلي تعرض لإصابة بالغة في فخذه ؛ إذ تطايرت إحدي بقايا الدانات لتصيبه ويدخل المستشفي العسكري بالسويس..ولا زالت آثار هذه الإصابة تؤثر عليه حتي الآن..وهناك بقايات لشظيات في أماكن متفرقة في ذراعه..وتكون هذه الإصابة وبقايا الشظايا وسام الفخر والشجاعة وتعبيرًا عن بطولات هذا الجيل العظيم من أبناء مصر.

ولن يستطيع التاريخ أن يلاحق تتابع هذه البطولات التي تظهر بين الحين والىخر من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، ولبوا نداء والوطن والواجب في الدفاع عنه ضد هجمات الغدر وجحافل التتار الجديدة التي تريد بسط سيطرتها علي المنطقة.

لكن أبناء مصر البواسل أمامهم بالمرصادن وكان أبناء هؤلاء البواسل علي العهد في استكمال مسرة آبائهم في صد الهجمات البربرية لقوي الشر التي ترتدي ثوب الدين مدعومة بقوي ظلامية بحجة خلافة مزعومة تسيطر بها علي عقول مغيبة..وذلك لتركيع مصر.

وعلي الرغم من الدماء التي تسيل كل يوم علي أرض سيناء الجبيبة ؛ إلا أن ذلك لم يثني ولم يُضعف قلوب أبت أن تُفرط في حبة رمل من رمال سيناء الغالية.

والآن...

رغم الكلمات القليلة التي كتبناها عن هذا البطل نادر المشد ، أو الشخ نادر المشد كما يحلو له أن ناديه بهذا اللقب ؛ لكنه سيظل رمزًا من رموز البطولة في جديدة المنزلة مع رفقاء البطولة والسلاح التي سنفخر بها أمام التاريخ عندما يتساءل...؟

ماذا قدمت جديدة المنزلة في حروب مصر...؟

سيكون الرد

والهامات مرفوعة ؛ بأن سجل جديدة المنزلة حافل بالكثير من البطولات والأبطال الذين سطروا تاريخ مصر بأحرف من نور...دفعوا التاريخ إلي تسطير بطولاتهم في صفحاته؛ ليزداد فخرًا وعزة بهم وبأعمالهم الخالدة التي صنعت تاريخ مصر الحديث.

وكعهدها دائما مع أبنائها، فقد كانت مصر علي ذلك العهد ....ولم ينس هذا البطل الزيارة التاريخية التي قامت بها السيدة جيهان السادات حرم رئيس الجمهورية في زياراتها لمصابي حرب أكتوبر والشد من أزرهم وتحقيق مطالبهم..

ومن اللفتات الطيبة التي يذكرها عندما سألته السيدة جيهات عن المكان الذي يريد أن يتعين فيه ..فاختار نادر المشد العمل في محافظة بورسعيد..وكان من أوائل أبناء جديدة المنزلة الذين عملوا ببورسعيد بعد حرب أكتوبر عام 1973 ، وكان ذلك في أواخر عام 1976 ، وتوافد أبناء الجديدة بعد ذلك مع بداية نشاط المنطقة الحرة.

ونال البطل نادر المشد الكثير من التكريمات علي دوره الإيجابي في حرب أكتوبر ، وأشهرها تكريم مركز شباب جديدة المنزلة، وكذا تكريم مركز شباب الفروسات.

وأخيرًا............

كان لقائي بالشيخ نادر المشد بعد أكثر من عشر سنوات منذ آخر مرة التقيت به..وهاهو الىن علي أعتاب السابعة والستين من عمره، وقد تأثربإصابته القديمة التي تعرض لها في الحرب وأصيب بالروماتويد ن وأصبح يسير بصعوبة بالغة عن طريق مشاية...ويحتاج إلي إجراء جراحة دقيقة تفوق قدراته المادية.

من المفترض أنه من المحاربين القدماء، وله كافة المزايا التي يتمتعون بها ، وأن يتم عمل الجراحة في إحدي المستشفيات العسكرية للقوات المسلحة التي لا تتخلي عن الذين ضحوا في سبيل هذا البلد.

وما يدعو للحزن أنه ليس عضوًا بنادي المحاربين القدماء، مما سيسهل عليه كافة الإجراءات.

وكم نتمني ان يصل صوتنا إلي رجال القوات المسلحة الشرفاء، وخصوًا من أبناء جديدة المنزلة الذين كانوا علي العهد دائمًا ولم يتخلوا عن أبناء قريتهم....أن تكون هناك تسهيلات في بعض الإجراءات لضم هذا البطل لمجموعة المحاربين القدماء؛ ليتمتع بكافة الحقوق في الحصول علي علاج تقديرًا لحالته الصحية..فهو من الذين حملوا السلاح للدفاع عن أمن وعزة هذا الوطن