منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة
منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» إبراهيم محمد علي إمبابي........مقاتل وشاهد من زمن الحروب
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام

» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام

» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام

» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام

» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام

» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام

» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام

» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin

» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin

» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Emptyالإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin

 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906-

اذهب الى الأسفل

الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Empty الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906-

مُساهمة من طرف عطا درغام الثلاثاء 6 يناير 2015 - 18:50


وقعت مصر وأرمينية في معظم فترات تاريخهما تحت حكم دولة واحدة كبري،مما سهل حركة الانتقال بين البلدين. ولما كانت أرمينية بيئة طاردة جغرافيا للسكان ومضطربة دوما سياسيا ، فما برحت الهجرات الأرمنية تتري علي منطقة الشرق الأدني بخاصة ومصر بالأخص التي تعد تقليديا منطقة جذب بشري علي امتداد تاريخها.
في هذا الإطار، ظل خط الهجرة الأرمنية إلي مصر متواصلا حتي منتصف تسعينات القرن التاسع عشر. بيد أنه كان قافزا وثابا بإطراد خلال حكم محمد علي(1805-1849) وتعرض لذبذبات ارتدادية وتيارات راجعة وانقطاع وأحيانا إبان النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولهذا ، يلاحظ تجاذب قطبي الطرد والجذب بين المنبع الأرمني والمصب المصري أثناء حكم محمد علي، في حين تنافر القطبان أحيانا آنء النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
ويلاحظ أيضا ، أن نمط الهجرة الأرمنية إلي مصر قد اتسم بكونه فرديا أو أسريا علي الأكثر حتي منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر، في حين اتصف بكونه جماعيا منذ منتصف التسعينيات فصاعدا بسبب المذابح التي اقترفتها السلطات العثمانية ضد الأرمن . ولذا ، كان طابع الهجرة الأرمنية إراديا في الغالب حتي منتصف التسعينات، بينما كان اضطراريا بدءا من منتصف التسعينات.
هنا ، يعد عام 1896 عاما مفصليا فارقا في تحويل مجري تيار الوجود الأرمني في مصر من كونهم مهاجرين إلي اعتبارهم لاجئين. ففي هذا العام، مابرح الأرمن يفدون إلي ثغر الإسكندرية أفواجا أفواجا علي البواخر القادمة من الأستانة.ولم يمض يوم سنتئذ إلا و يحضر إلي الثغر عدد عظيم من الأرمن حتي ضاق بهم نطاق البطركخانة الأرمنية مع اتساعها. وظلت حركة اللجوء الأرمني دائبة إلي مصر طيلة عام 1896، إذ لا زال الأرمن يهبطون إليها في جماهير عديدة حتي لا تخلو باخرة من "100إلي 200" لاجيء منهم.
كان الأرمن المطرودون والمنفيون والفارون من شتي بقاع الدولة العثمانية يمتطون متون البواخر الخديوية والروسية الواردة علي مصرمن الأستانة وسائر موانيء الدولة العلية هربا من الضرائب الباهظة والمجاعات والاضطهادات والمذابح . وعند توقف هذه البواخر في قبرص، كان بعض الأرمن ينزلون بها ، أما الباقون فيواصلون المسيرة حتي يرسون علي شواطيء الإسكندرية.
وقد أدي استمرار نزوح الأرمن إلي إثارة جدل عنيف علي صفحات الجرائد المصرية المعاصرة حول رفضهم وقبولهم. ويعبر هذا الجل عن تيارين أساسيين هما: تيار عثماني يرفض بشدة قبولهم. وآخر غير عثماني يصر بقوة علي قبولهم. وانبري كل فريق منهم يبرز الدلائل التي تدعم وجهة نظره.
عزف أنصار التيار العثماني علي وتر العاطفة الدينية والأزمة الاقتصادية. فمثلا ، "طالبت جريدة " الفلاح" رفض الأرمن اللاجئين إلي مصر من قبيل الواجب المطلوب منا لمتبوعتنا الدولة العلية صاحبة السيادة والسلطة الشرعية علي وادي النيل كما لا يخفي". ولم تكتف" الفلاح" بمخاطبة المشاعر الدينية للجماهير المصرية في لحظة مثالية فحسب، بل ضربت بشدة علي جانب حساس للغاية لدن الناس، ألا وهو قطع أرزق المصريين الفقراء بسبب إيواء الأرمن. وتؤكد الجريدة هذا بقولها:"ازداد عدد مهاجري فقراء الأرمن بالقطر المصري إلي الدرجة التي يخشي منها علي وقوف أشغال العملة والفعلة الوطنيين المساكين". ولهذا ، طالبت الحكومة المصرية بضرورة طرد الأرمن من مصرلأن "ذويه المحتاجين يتضورون جوعا إذا وقفت حركة أشغالهم بمزاحمة غيرهم".
ويبدو أن هذه الحملة الدعائية ضد الأرمن اللاجئين قد آتت أكلها، فقد نجم عن استمرار نزوحهم ازدياد أعدادهم"حصول مشاجرات كثيرة مع العوام المصريين في شوارع الإسكندرية خاصة محرم بك والجمرك والجنينة وسكة مالطة. وأدت هذه المشاجرات المتكررة إلي اضطراب حركة الشوارع والتجارة مما أقلق الراحة العامة في الثغر".
ولهذا، ضجرت بعض الصحف حتي المتعاطفة مع الأرمن مثل جريدة "مصر" التي أبدت أسفها علي نشوب هذه المشاجرات . وأعربت عن قلقها من استمرار نزوح الأرمن إلي مصر وأثره علي فقرائها بخاصة:" ولا نعلم متي يكفون عن مهاجرة أوطانهم.. ونحن نري في استمرار مجيئهم لهذا القطر ما يوجب ازدحام ال أشغال علي قلتهان ومضايقة الوطنيين الذين أحدقت بهم الأجانب من كل طرف".
ومن ثم، لا بد من تقنين حركة الهجرة إلي مصر حفاظا علي حقوق أهل الوطن الضعاف..ومعلوم أنه يجب علي كل حكومة عادلة العمل علي ما فيه راحة رعاياها قبل الغرباء".
أما التيار المتعاطف مع الأرمن أو بالأحري المضاد للدولة العثمانية، فقد انتهج خطابا إنسانيا قوامه " المروءة والشهامة " من أجل تحفيز الحكومة والشعب علي قبول اللاجئين. فعلي سبيل المثال ، انتقدت مجلة" الرأي العام"جريدة المؤيد بضراوة عنيفة لأنها طالبت الحكومة بطرد الأرمن من مصر. وقد علقت المجلة علي الجريدة بأنها بدأت شرا جديدا يخالف كل مروءة وكل ذمة وكل صفة الكرام.أكثر من هذا ، وصفت مطلبها بأنه لا يتأتي إلا من " الخسيس اللئيم الذي لا يفرح لغير المتعصب الذميم ، ولا يصدر عنه إلا كل قول نتن وخيم".
وتجدر الإشارة إلي أن مؤيدي إيواء الأرمن قد اجتهدوا في دحض الخطاب الديني ضد الأرمن بالخطاب الإنساني.إذ حذرت مجلة " الرأي العام" الحكومة المصرية بألا تتشبه بالأنذال وأعداء البشر وتأتي فعال اللؤماء وتسد وجه الإنسانية أمام الأرمن الهاربين من الأستانة أو هي دار الجحيم وموطن إبليس الرجيم حتي يسلموا من الذبح. هذا ، وقد بررت المجلة ضرورة قبول الأرمن بأنهم من ضحايا الثورة الأرمنية وليسوا من العناصر الفاعلة بها:" وأكثرهم صعاليك فقراء ، لا يد لهم في شيء من القلاقل". أضف هنا أيضا، أن تبعية مصر للدولة العثمانية لا تعني إطلاقا متابعة السلطان أو حكومته علي الظلم واللؤم. ولا يستدعي ان يتبرأ أهل مصر من الفضائل كما تبرأ الأتراك منها. ولذا ، سوف يقبل الأرمن في مصر علي الرحب والسعة إلا إذا أتوا ما يوجب التعرض لهم. ولو مات المؤيد كمدا وغيظا".
ورغم هذا الجدل الشائك الذي دار حول الأرمن اللاجئين، إلا أن الحكومة المصرية سمحت لهم فقط بدخول مصر والبقاء بها سالمين آمنين دون تحملها أية مسئولية نحوهم. ولا ريب أن هذا الامتياز المحدود قد أسهم نسبيا في طمأنينة اللاجئين الذين ".. لقوا أنسا ورحمة ..بعد المذابح والمجاذر والعذاب الهائل في بلاد الأتراك الظالمين".
بيد أن هذا الامتياز قد عرض الحكومة لانتقادات الصجافة المتعاطفة مع الأرمن حيث وصفته بأنه" فضل ناقص، وناشدت الحكومة ان تهتم بهم إقل اهتمام...حتي يجدوا عملا يرتزقونه أو تسبب لهم أشغالا لديها تكفيهم مئونة الحاجة الشديدة،فلا يكونوا قد هربوامن الحمام إلي الحمام"
في ذلك الوقت، نشرت الصحافة المناوئة للأستانة والمتعاطفة مع الأرمن ما يلاقيه أقرانهم من مزايا عديدةفي مختلف الدول ، علي سبيل تأنيب الحكومة المصرية.
فمثلا،علقت جريدة " لسان العرب"علي تحن اوضاع الأرمن اللاجئين إلي اليونان بقولها :" وقد اجتهدت حكومة اليونان كثيرا في إسعاف هؤلاء البائسين وسببت لهم أشغالا وافرة". واستفاضت نفس الجريدة في الثناء علي موقف بلغاريا من الأرمن اللاجئين إليها فقالت:" لقد بلغت مهاجرة الأرمن إلي بلغاريا مبلغا عظيما في هذه الأيام حتي قيل أن فيها الآن نحو"14" ألف أكثرهم من الفقراء وأرباب الحرف.وقد كفلتهم الحكومة البلغارية كلهم مجانا في قطاراتها الحديدية وهيأت لكثيرأعمالا يرتزقون بها..." وقد استغلت الجريدة هذا في تأنيب الحكومة المصرية التي لم تقم " بأدني إسعاف لهؤلاء الأقوام، لا بالمال، ولا تيسير الأعمال". وتمادت اللسان في تأنيب موقف الحكومة واصفة إياه بأنه" ليس باللائق ببلاد كالبلاد المصرية .فإن بلغاريا ليست أعظم منها جاها، ولااوفر مالا، ولا أكثر سياسة واحتيالا".
والحقيقة أن الحكومة المصرية قد أحجمت عن تقديم أية مساعدة للأرمن اللاجئين حرصا علي ألا يزيد ذلك في توتر علاقاتها بالباب العالي .
في ذلك الوقت ، كانت الدولة العثمانية تنظر إلي الأرمن علي أنهم عصاة متمردون ثائرون ، شقوا عصا الطاعة علي دولةساستهم بالعدل أزمانا.ومن ثم ، تأتي حساسية التعامل مع الأرمن؛إذ يصير المتعاطفون أو المتعاونون معهم من أعداء الباب العالي تلقائيا.
وهنا ، يكمن تفسير موقف الحكومة حيث إنها أبت مساعدتهم فعليا ، "ليس عن ضيق حال ، ولا خوفا من دسائسهم وفتنهم، ولا خشية قطع معاش المصريين،إنما، لئلا يقال إن مصر تساعد أعداء السلطنة عليها ليزدادوا قوة ويسعوا في الإضرار".
وقد أثنت بعض الصحف- حتي المتعاطفة مع الأرمن- علي هذه الزاوية تحديدا في موقف الحكومة المصرية التي وصفته بأنه كان علي الإصابة.ولكن جريدة "لسان العرب" فسرت موقف الحكومة من اللاجئين بأنها مشاركة للدولة العثمانية في الانتقام منهم.
وهكذا، وقعت الحكومة المصرية في مأزق حرج بين الدولة العثمانية صاحبة السيادة الرسمية علي مصر والأرمن الثائرين علي هذه الدولة الذين يتوسمون المساعدة منها، وفي عين اللحظة لم يسيئوا بشيء إلي مصر ذاتها.ولذا، آثرت الحكومة حلا وسطا: السماح للأرمن وإن بإلإيواء في مصر دون أية التزامات نحوهم.
.........................................................
وقد لاذ الأرمن إلي مصر لأنها القطر السعيد الذي ميزه الله من بلاد الأتراك بانتظام الأحكام واستتباب الامن ووجود العدالة والحرية.ناهيك عن وجود جالية أرمنية مستقرة ومزدهرة .زد أيضا، وقوع مصر آنذاك في قبضة بريطايا " الراعية الرسمية لقضية الأرمني" وإن كان ذلك ظاهريا.
ولهذا ، أخذ الأرمن اللاجئون يتدفقون علي مصر من مختلف بقاع الدولة العثمانية حتي بلغ عددهم"2300 نفس عدا" خلال عام 1896. وقد استقروا بداية في الثغر "بعد أن أضناهم العذاب وكثرت عليهم المصائب ، وصارت أحوالهم يرثي لها من الفقر والفاقة".
وتجمعوا بالمئات تحت الخيام والعش في فنائي الكنيسة الأرمنية ومدرسة بوغوصيان. وأقيمت في هذه الأماكن وفيما حولها وبالقرب منها المطاعم والمقاهي ومحال البقالة وبيع الدخان والحلاقة وغيرها لقضاء حلجات اللاجئين.
وجدير بالذكر أن بعضا من اللاجئين كانوا من الأغنياء الذين استطاعوا ممارسة الأشغال التجارية والمصارف المالية. وثمة آخرون ممن يمتلكون بعض المال والحطام ، قد استأجروا منازل ومخازن ساعدتهم علي أن تدور حركة أشغالهم ، ومن ثم استقرارهم بالإسكندرية. أضف هنا ، أن بعض المهنيين منهم قد توظفوا –بمساعدة نوبار وديكران وبوغوص نوبار- في المؤسسات المتباينة . فمثلا ، تعين أحد عشر محاسبا أرمنيا من مستخدمي البنك العثماني بالأستانة في بنوك الإسكندرية والقاهرة. وزد أيضا ، أن قليلا من الحرفيين قد شرعوا في الاشتغال بأعمالهم مثل الحلاقة والبقالة والعطارة وغيرها .
أما في القاع الاجتماعي للأرمن اللاجئين،ويأتي فقراؤهم الذين لا يملكون أية أدوات اقتصادية. وتصف جريدة "مصر" أحوالهم بقولها :" ولا يخفي ان الإسكندرية ازدحمت بهؤلاء المنكودي الحظ الذين ليست لهم حرف يتعاطونها ولا أشغال يشتغلون بها". وقد ساءت أوضاعهم إلي درجة تعالت معها الصيحات " علي القائمين بمساعدتهم أن يغيروا بقدر الإمكان ملابسهم الأصلية سواء بلبس اللباس الوطني أو الإفرنجي. فإن ملابسهم الحالية تجعلهم مطمح الأنظار خصوصا المشتغلين بالحرف الدنيئة".
وثمة مقترحات طرحتها الجرائد المعاصرة ترمي إلي الاستفادة من طاقات اللاجئين بلا أدوات اقتصادية ولكنهم قادرون علي العمل . فقد طالبت جريدة " مصر" الحكومة بضرورة تدبير الطرق لتشغيلهم أولي من تركهم بلا عمل فيدعوهم ذلك إلي الإتيان بأعمال لا تحمد عقباها". وفي المقابل ، أبي القادرون من اللاجئين ألا يقتاتوا إلا من عرق الجبين لا بالاستعطاء.هنا ، نادت مجلة "الرأي العام " بإحلال الأرمن محل البوابين " البرابرة المتوحشين" الذين يجلسون علي الكراسي عند الأبواب ويخشي من شرهم وتوحشهم في كل حين. وقد دعم هذا الاقتراح جملة الجرائم التي اقترفها هؤلاء البوابون ضد أسيادهم ومواليهم والمحسنين إليهم " بلا علة غير التوحش والتعصب الأعمى وحب السلب.
وبخلاف هذا، أثيرت فكرة إرسال هؤلاء الأرمن إلي مديرية دنقلة لتعميرها نظرا لصعوبة وجود شغل لهم في مصر. بيد أننا لم نعثر علي ما يشير إلي تنفيذ هذين الاقتراحين. وأمام هذا الإخفاق ،أخذ نوبار بضع مئين منهم للعمل في تفتيش شركة بسنديلة.
علي أية حال، اكتظت أحواش مطرانية الأرمن الأرثوذكس ومدرسة بوغوصيان بالإسكندرية بمئات الأرمن اللاجئين الفقراء من الأطفال والأيتام والأرامل والمسنين والعاجزين. في ابتداء الأمر ، وفرت المطرانية حاجاتهم من إيراد أملاكها وعقاراتها ثم ساعدتها " لجنة إعانة" مكونة من عشرة أفراد من وجهاء الأرمن الذين ما انفكوا ينظمون توزيع المساعدات ويوفرون أعمالا مناسبة لبعض اللاجئين. وأيضا ، قدمت إليهم مساعدات مالية وملابس وأحذية ووجبتين غذائيتين يوميا تشملان لحوم باستثناء يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع حيث قدمت إليهم وجبات صيامية. وكذا ، عينت اللجنة طبيبا خاصا وأعدت أجزاخانة لرعاية المرضي وتقديم الأدوية اللازمة إليهم بالمجان.
راحت لجنة الإعانة المتألقة في الثغر تبحث عن وسائل مادية مختلفة من أجل تلبية احتياجات فقراء الأرمن المحتاجين. في هذا الإطار ، ناشدت الموسرين والمؤسسات بخطاب إنساني بغية المساعدة المالية للأرمن ، الذين ذاقوا من وحوش الظلم وزنادقة الجور ما لم يذقه بشر من قبلهم. ونادت اللجنة بان يكون فعل هذا الخير ابتغاء لوجه الله وقياما بفروض الإنسانية. وما برحت لجنة الثغر ، "تستفز مروءة أولي الإحسان.. علي الإقدام والاهتمام بمساعدة من نكب بتقلب الزمان وتغير الأحوال.. من سكان أرمينية المساكين". ثم أخيرا ، وجهت اللجنة نداء صريحا إلي أهالي الإسكندرية الراغبين في عمل الإحسان وكسب البر إلي هؤلاء الفقراء المعدمين الذين سدت في وجوههم سبل الرزق..أنها تقبل كل العطايا من أي نوع كانت من الملابس والنقود والمأكل".
أسفر وجود اللاجئين في الإسكندرية وجهود لجنة إعانتهم عن حركة نشيطة في ميادين العمل الخيري . ولا غرو أن تبوأت الصفوة الأرمنية قمة هرم المتبرعين لصالح منكوبي الأرمن. ونخص هنا بالذات عائلات نوباريان وآبرويان وتشراكيان الذين استأثروا بأعلى المناصب الحكومية طيلة القرن التاسع عشر، ومن ثم، توافرت لديهم ثروات أسهمت نسبيا في تخفيف المعاناة عن بني جلدتهم. ولم تنقطع إعانات هذه النخبة من ذوي الثروة عن اللاجئين طوال عام 1896 .أكثر من هذا ، ترأسوا حملات تبرع من أجل منكوبيهم.
ولم يقتصر إسهام أرمن مصر علي صفوتها فقط في رفع المعاناة عن اللاجئين، بل أسهم بعض القادرين منهم في هذا الصدد. فعندما اقترب الشتاء ، تبرع بعض الأرمن في الثغر لبناء دار واسعة لإيواء اللاجئين بغية حفظ أرمامهم مدة الشتاء. وبجانب هؤلاء، تكونت لجنة من وجهاء الجاليات الأوربية في الثغر بهدف جمع الأموال لمساعدة الأرمن المنكودي الحظ.
ولا تزال الإعانات تتوالي علي منكوبي الأرمن من المؤسسات الأهلية لا سيما " ملجأ رودلف" الذي أسسه بيتر رودلف بالإسكندرية ليطعم الجياع ويكسي العراة ويأوي المساكين. ولا غاية له غير تخفيف مصاب الذين ثقلت عليهم وطأة الدهر. قدم هذا الملجأ مساعدات مهمة للأرمن اللاجئين. بداية ، أخذ بعض هؤلاء للإيواء، لاسيما الأطفال وأمهاتهم الحزاني، ثم تولي مسئولو الملجأ عملية تنظيم ومتابعة تسليم بعض الأطفال اليتامي إلي الموسرين من أي جنس لتربيتهم وتهذيبهم بالمدارس.
اجتهد ملجأ رودلف معاونة جمعية السيدات الأرمنيات بالثغر في توظيف طاقات اللاجئين واستثمارها في إنتاج مصنوعات تدر عليهم أرباحا. وقد تمثلت المحاولة الأولية في تجهيز عدة قطع من حرير مطرزة اعدها اللاجئون وطرحها الملجأ للبيع إسعافا لهم علي غربتهم.
وعندما نجحت هذه المحاولة الأولية ، وسعت جمعية السيدات الأرمنيات دائرة استثمار جهود اللاجئين لتشمل مصنوعات الصوف والحرير المطرز وأشغال الإبرة والستاير والبسط والطنافس. وقد زاد الإنتاج مما دعا جمعية السيدات إلي عرضه بأرخص الأثمان في ملجأ رودلف يومي الثلاثاء والأربعاء 8-9 ديسمبر 1896.
ولعل ما أسهم في تسويق مبيعات الأرمن هو حلول السنة الميلادية الجديدة (1897) ، الأمر الذي دعا أهالي الثغر إلي شراء المصنوعات الجميلة والتحف النفيسة لإهدائها إلي أحبائهم وذويهم وخلانهم وأقاربهم. زد أيضا ، الخطاب الإنساني الذي وجهه القائمون علي رعاية الأرمن الذين وصلوا إلي درجات الفاقة والاحتياج. إذ ناشدت جمعية السيدات ضرورة مساعدة جميع الأهليين بالثغر علي اختلاف جنسياتهم وديانتهم ، بغض النظر عن المذاهب ، لأن إنقاذ بني الإنسان من أنياب الفقر وإغاثة الملهوف بالمال اللازم لقوته أمر يمدح لما له من الأجرة والآخرة الصالحة.
وفعلا ، نجحت هذه السوق بفضل جهود مسئولي ملجأ رودلف وجمعية السيدات الأرمنيات والدعاية المنظمة فضلا عن مؤازرة الصحافة لها. وبينما لبي الزائرون حاجاتهم من ناحية ، أغاثوا مساكين الأرمن من ناحية أخري. ففي اليوم الأول بلغت المبيعات "50" جنيها ن وفي الثاني وصلت إلي "40" جنيها . كما تبرع المحسنون ب" 3994" قرشا صاغا علاوة علي مقادير وافرة من الملابس. وثمة ملاحظة أن جميع المتصدقين كانوا من الغربيين دون الشرقيين. ويرجع هذا إلي أن الأخيرين، لا سيما العثمانيين منهم قد اعتبروا هؤلاء اللاجئين من العصاة علي دولتهم. وبالتالي ، امتنعوا عن مساعدتهم. والحق أن هؤلاء اللاجئين حسبما أوردت المقطم:"ليسوا من العصاة علي الدولة، ولا يد لهم في ثورة حتي يصح الاعتذار عن مساعدتهم ، بل إن المساعي كانت من سواهم، وأما المصائب فوقعت كلها عليهم".
وفوق كل هذا ، أقيمت عدة حفلات فنية خلال عام 1896 علي مسارح الإسكندرية بهدف وقف إيرادها لصالح الأرمن اللاجئين . فمثلا أقيم حفل فني مساء يوم السبت 5 ديسمبر 1896 علي ملعب "زيزنيا" حيث تنوعت فيه العروض بين إنشاد الأغاني وعزف الموسيقي وتمثيل رواية باللغة الفرنسية. وقد أتي هذا الحفل ثماره كما يبدو في كثرة الحضور ووفرة الأموال. وهو ما يدل علي غيرة ذوي الإحسان ومعرفتهم قدر مصيبة هذا الشعب البائس المنكوب.
ورغم كل هذه الجهود المبذولة لإسعاف اللاجئين بالإسكندرية، إلا أنها لم تف بقضاء حاجات أكثر من ألفي لاجيء. ولذا ، بات طبيعيا أن يتحرك اللاجئون إلي القاهرة. وهو الأمر الذي دعا مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالإسكندرية أن يرسل إلي قرينه القاهري خطابا دعا مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالإسكندرية أن يرسل برقية إلي قرينه بالقاهرة خطابا في 7 أكتوبر 1896 يعلن فيه أنه" يصل إلي الإسكندرية كل أسبوع مئات الفارين. وقد تم اتخاذ اللازم نحو إيوائهم.ونظرا لأنه من المستحيل قضاء كل حاجات أكثر من ألفي لاجيء بالوسائل المحلية، فسيكون من الطبيعي أن تصل المئات إلي القاهرة ، وسيحتاجون أبناء الطائفة بها ". وفعلا ، أخذ اللاجئون يهبطون إلي العاصمة منذ نهاية سبتمبر 1896 حتي أضحي عددهم "800" نسمة . وقد أقاموا في الابتداء بجوار قصر النيل في معمل سجائر ماتوسيان وشركاه. وكان أغلبهم في فقر مدقع.
..............................................................................
وكما حدث في الإسكندرية ، نظم مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة هيكلا إداريا لتصريف شئون الأرمن اللاجئين فضلا عن توفير طبيب وصيدلي وغيرهما . وانتقل اللاجئون من ساحة معمل ماتوسان إلي فناء كنيسة الأرمن الأرثوذكس الكائنة في بين الصورين . بيد أن حوش الكنيسة لم يستوعب جميع اللاجئين . لذا ، قرر مجلس الإدارة تجديد منزل أمين كاشف الأرمني ملك المطرانية بحارة زويلة ووضعه مؤقتا تحت تصرف الأرمن اللاجئين . وإزاء تأزم إيواء اللاجئين، شرع مجلس إدارة المطرانية في بناء مأوي خشبي مؤقت لهم علي قطعة أرض فضاء – من أملاك المطرانية في حارة زويلة- في حدود تكاليف "40" جنيها تدفع من صندوق المجلس الملي العام. ولكن هذا المشروع لم ينفذ لأن تكاليفه تخطت بكثير المبلغ الذي كان متوقعا.
هذا ، وقد تم تسليم أمر اللاجئين إلي " جمعية رعاية الفقراء" التابعة للمطرانية بدءا من 9 أكتوبر 1896. ولما كانت إيرادات هذه الجمعية غير كافية لتلبية الأغراض المنوطة بها، فقد سعت لإيجاد إيرادات غير عادية وكبيرة. في هذا الإطار، شكلت لجنة مشتركة من الأرمن والجنسيات الاخري لجمع التبرعات لصالح لاجئي العاصمة.كما لجأت الجمعية إلي الأسلوب التقليدي بمخاطبة الأثرياء إنسانيا علي صفحات الجرائد لاستعطافهم علي اللاجئين:" لا يخفي أن الأرمن المساكين الذين وصلوا إلي هذه العاصمة كثيرون. وهم محتاجون إلي القوت الضروري، ولا ملجأ لهم إلا أهل البر والإحسان علي اختلاف مذاهبهم. ولذلك ، فجمعية مساعدة الأرمن ترجو من جميع الفضلاء محبي البر والإحسان الذين يودون مساعدة هؤلاء المساكين بشيء من النقود أو الثياب أو المأكولات أن يتكرموا فيخبروا بطر كخانة الأرمن بذلك".
وبينما كانت الجهود تبذل لمساعدة الأرمن ، أقلق تصاعد نزوحهم من الأستانة وضواحيها الحكومة العثمانية " نظرا لما يشيعونه في البلاد الأجنبية من الإشاعات الكثيرة عن مظالم تركيا وسوء أفعالها" . ولهذا ، أصدرت فرمانا في أول أكتوبر 1896 بمنع مهاجرة الأرمن من الأستانة منعا تاما. وتعلق جريدة " لسان العرب" علي هذا الفرمان بأنه لم يصدر عن شفقة ورحمة بالأرمن. إذ لم يعد منهم الكثير بعد ان تعرض ثلاثون ألفا منهم للنفي، ومثلهم في السجون، وذبح حوالي عشرة آلاف. وبذا لم يبق بالعاصمة العثمانية ما يستأهل منعه من مغادرتها".
ذكرت الحكومة العثمانية في فرمانها أن عددا كبيرا من الأرمن " الذين لا تعرف لهم حرفة.. وبعض الأشقياء" قد غادروا الأستانة إلي البلاد المتباينة بعد الحوادث الأخيرة(مذابح1894-1896 ). وزعم المهيجون وأصحاب النية الفاسدة أن سبب المغادرة هو فقد الأمن في البلاد. ولذا ، تعلن الحكومة أمام الجميع أن " السلطنة السنية لم تحد عن الخطة التي اتخذتها من يوم تأسيسها ، وهي سياسة غرضها ضمان الأرواح والأموال والأعراض للذين يسكنون أنحاء هذه السلطنة. وجلالة السلطان موجه همه إلي إزالة كل ما يوجب القلق ويوجد الخطر، وإلي منع الأسباب التي تحبب المهاجرة إلي العثمانيين".
وقد حددت الحكومة العثمانية أربعة مستويات تتعلق بهجرة الأرمن:
أولا : الأرمن القاطنون بالدولة العثمانية ويرغبون في مغادرتها، يسمح لهم بهذا شريطة ألا يعودوا إليها ثانية ويتجردون من شرف التابعية العثمانية.
ثانيا: الأرمن الذين سافروا من بلادهم سرا أو فرارا تحت ستار أسماء منتحلة ثم يريدون العودة إليها " بصفة أجانب ومعهم الحماية الأوربية والأمريكية"، لن تقبل حمايتهم ولن تسمح لهم السكني بالدولة العثمانية.
ثالثا: الأرمن الذين غادروا البلاد بدون إذن الحكومة ، يعطي لهم شهر ونصف شهر – ويمكن أن تمتد المدة إلي شهرين في الأحوال الاستثنائية – ليعودوا إلي بلادهم . وإذا لم يريدوا الرجوع ، فعليهم إخطار وكالات الدولة العثمانية بهذا أينما وجدوا. وكل من لا يرجع منهم إلي وطنه بعد انقضاء المدة المذكورة " يفقد تابعيته العثمانية".
رابعا : الأرمن الذين هاجروا منذ عشرين عاما ، وليسوا في جملة المهاجرين بسبب أحداث 1894-1896، لا تطبق عليهم القوانين السالفة، ولا يسمح لهم بالرجوع أبدا إلي الدولة خصوصا إذا كانوا من الثوار أو أعضاء الأحزاب الأرمنية . وكل من يحاول منهم دخول الدولة ، سوف يسجن ويحاكم طبقا لقوانينها.
وتجدر الإشارة إلي ان هذا الفرمان لم يسفر عن عودة الأرمن الذين نزحوا من الدولة العثمانية مما زاد في قلق حكومتها . ولذا ، اتخذ السلطان عبد الحميد بعض الإجراءات بغية إقناع الأرمن بحسن نيته وانتشار الأمن بين ربوع دولته. وفي عين اللحظة ، وهو الأهم ، إدراك الحكومات آوية الأرمن- لا سيما الأوربية- أن السلطان يهيئ لهم سبل الراحة والأمن والرخاء. وبالتالي ، فإن وجود الأرمن المأويين لدي هذه الحكومات يغدو بلا مبرر. فمثلا ، أصدر عبد الحميد في ديسمبر 1896 عفوه عن جميع السجناء"82" شخصا حكم عليهم بالإعدام. ثم تمادي السلطان في محاولة استرضاء الأرمن ، فأرسل خطابا في منتصف مارس 1897 إلي ماغكيا أورمانيان – بطريرك الأرمن الأرثوذكس بالأستانة- يخبره فيه بأن يبعث هذه الرسالة إلي جميع رعاياه الأرمن:" بلغ تحياتي إلي شعبي الأرمن المحبوب". أكثر من هذا ، أمهل الأرمن مهلة ثانية لمدة شهرين آخرين ابتداء من أبريل كي يعودوا إلي السلطنة العثمانية من البلاد التي فروا إليها.
وبذلك، أضحي وجود الأرمن اللاجئين في مصر يمثل حرجا شديدا للحكومة المصرية أمام الأستانة. ولذا ، سعت الحكومة إلي استرضائها عن طريق تقليص هذا الوجود وتضييق الخناق عليهم. وبخلاف هذا، نفذت الحكومة طلبات الباب العالي بخصوص القبض علي بعضهم. وقد انتشرت هذه الظاهرة بوضوح في نهاية عام 1896 وبداية عام 1897 حيث يلاحظ ازدياد حالات القبض علي الأرمن " بناء علي أوامر من الباب العالي" وتنوعت حجج القبض عليهم ، فتارة لأنهم من الثوار، وأخري لأنهم من أعضاء الأحزاب الأرمنية، وأحيانا لأنهم سارقون أو قاتلون.

عطا درغام
Admin

عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Empty رد: الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906-

مُساهمة من طرف عطا درغام الثلاثاء 6 يناير 2015 - 18:55

وتعلق جريدة " المقطم" علي هذه الظاهرة بان " حجج الحكومة العثمانية علي الأرمن لا تحصي في هذه الأيام حتي صار يعسر التمييز بين الصحيح والفاسد منها. فربما تبرأ الأثيم منهم رفقا بالبريء بجريرة الأثيم".
أيضا، راقبت الحكومة بشدة تصرفات الأرمن اللاجئين وتدخلت ضدهم أحيانا عندما اقتضت الضرورة ذلك خوفا من اضطراب الأفكار. فمثلا، عزم بعض الشباب اللاجئين بالإسكندرية علي تمثيل رواية باللغة الأرمنية علي مسرح القرداحي يوم السبت 9 يناير 1897 ، يدور موضوعها حول هجوم أفراد حزب الطاشناق علي البنك العثماني يوم 26 أغسطس 1896 وما ترتب عليه من مذابح للأرمن في الأستانة. وعندما نشر هؤلاء الشباب إعلانات مسرحيتهم، هرولت نظارة الداخلية بمنعها خشية إغضاب الباب العالي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصدرت نظارة الداخلية في يناير 1897 أمرا إلي محافظتي مصر والإسكندرية بترحيل الأرمن الذين لم يتيسر وجود شغل لهم إلي الأستانة العلية علي وابورات الحكومة المصرية بنصف أجرة. ثم أمرت النظارة محافظة الإسكندرية بان تمنع عودة الأرمن الذين يسافرون بنصف أجرة.
أثارت قرارات الحكومة المصرية سابقة الذكر موجة استياء في الدوائر المتعاطفة مع الأرمن، فعلي سبيل المثال، تساءلت جريدة الاتحاد المصري عما يضطر الحكومة المصرية المنظمة إلي استعمال مثل هذه القسوة مع قوم هاجروا إلي هذه البلاد، وهم علي يقين من حسن الضيافة والقبول. فكان الأمر بعكس ذلك ممن يوم أتوا القطر حتي الآن.وبالغت الجريدة في التنديد بالحكومة حينما اتهمتها بانها " تضطهدهم، فتارة تنبه بعدم قبولهم، وطورا تأمر بنفيهم بصنعة لطافة، أي تسهل لهم سبيل الرحيل وما هكذا تفعل الحكومة المتمدنة. فإن خكومتنا لم تمد يد المساعدة إلي هؤلاء المنكودي الحظ ولم تسعفهم بشيء عكس كل الحكومات.
ويبدو ان الإجراءات التي اتخذها عبد الحميد لترضية الأرمن قد تركت صدي في الاوساط الصحفية. إذ علقت جريدة " الاتحاد المصري" علي إنعام السلطان بألفي جنيه عثماني لمساعدة منكوبي الأرمن بقولها :" فما ضر حكومة مصر لو اقتدت بأمير المؤمنين لا من حيث الإنعام علي أولئك المساكين، ولكن برفع يد الأذي عنهم وعدم مصادرتهم، وهم احوج الناس إلي الرحمة والإحسان. ولا شك أن الحكومة العثمانية تعرف الواجبات الإنسانية أكثر من الحكومة المصرية". ولا زالت الجريدة تصف قرارات الحكومة إزاء الأرمن بأنها " إجراءات لا تليق بحكومة حرة مثل الحكومة المصرية..نحو أقوام أبرياء أخذوا بجريرة بعض إخوانهم الأشقياء. فهم قوم أبعدهم الخوف وحب البقاء".
وتجدر الإشارة إلي أن الأرمن اللاجئين في مصر لم يسببوا قلقا واضطرابا للحكومة فقط، بل أثار وجودهم العديد من المشكلات والقلاقل لجميع القوي الموجودة آنذاك. وفوق هذا ، سعت التيارات المتباينة إلي توظيف وجودهم في تحقيق مآربهم الشخصية السياسية والأيديلوجية.
فقد أثار التيار المناهض لوجود الأرمن في مصر قضية جد شائكة ألا وهي " التعصب الديني"؛ إذ قدم أنصار هذا التيار شكوي إلي نظارة الداخلية في اوائل فبراير 1896 يتهمون فيها أحد رجال الدين من الأرمن اللاجئين بانه ألقي بالإسكندرية خطبة في وصف المذابح الأرمنية "مما يلقي الشقاق بين المذاهب ويثير خواطرها ".أي تحديدا ،إثارة خواطر المسيحيين السامعين في مصر وتحريضهم علي الانتقام من الذابحين المسلمين من الأتراك والأكراد في أرمينية. بيد ان التحقيق في هذه الشكوي أثبت ان جل ما يقصد من ورائها هو " بسط العذر عن فرط الشكوي وتليين القلوب للإسعاف والمساعدة". وتعلق جريدة " لسان العرب" علي هذه الخطبة وتوابعها قائلة:" إذا كان وصف ما جري من الدماء قد أبكي السامعين..فكم يكون قدر تلك الدماء ومصيبة من أريقت منهم..."ولا زال تيار التعصب الديني مستمرا بسب الأرمن اللاجئين ، فثمة حملة قادها المتعاونون مع السلطات العثمانية ترمي إلي طرد اللاجئين من مصر" لانهم مسيحيون، ولأن البلاد إسلامية، وهم أعداء خليفة المسلمين". وقد زعموا أن هذا الطرد إنما هو من أوامر الإسلام ونواهيه. وطبيعيا أن يثير هذا الزعم حفائظ كافة المسيحيين وكثير من المسلمين بمصر الذين أجمعوا علي أن " الإسلام بريء من هذه الأمور. ومع هذا، فالبلاد ليست إسلامية ، وليست نصرانية ، ولا يهودية. ولكنها مصرية لا فرق بين حكومتها في نظاماتها بين الأديان".اما تبعية مصر للدولة العثمانية فلا يعني محاكاتها في الظلم واللؤم.
.........................................................................
أيضا ، لم يفلت الأقباط من الزج بهم في مقارنة مع الأرمن عندما دارت مناظرة ساخنة علي مدي أسبوعين بين جريدتي " المقطم" و" المؤيد" حول الأرمن والأقباط.
فقد علقت جريدة " المقطم" علي الثورة الأرمنية بأن الحكومة العثمانية لم تنتهج صراط الحكمة والسداد في حسمها ؛إذ تركت العصاة المتمردين الذين أحدثوا الثورة في الأستانة وانتقمت من إخوانهم الأرمن الأبرياء المساكين . وراحت الجريدة تضرب مثلا " افترضت فيه لو أن بعض أقباط العاصمة ارتكبوا هذه الجريمة، وتساءلت هل كان أمير البلاد يسمح بسفك دماء جميع الأقباط جزاء لهم وانتقاما منهم علي عمل لم يصدر إلا من بعض رعاعهم وأوباشهم؟. وفي اليوم التالي ، انتقدت المؤيد ما ذكرته المقطم علي "لسان قبطي موهوم"، ثم ردت المقطم بقلم " قبطي حر"
وهكذا ، حشرت هاتان الجريدتان الأقباط من خلال مناظرتهما في مقارنة مع الأرمن الممقوتين لحظتئذ لدن المسلمين لكونهم خارجين علي سلطانهم وخليفتهم. ولا ريب أن الأقباط قد استاءوا جدا إثرهذه المقارنة لأنها ألقت ب"اسم الأمة القبطية في مثل هذه المسائل الباطلة والأقوال الوهمية.. وعرضت اسمها لسهام الأقلام ونبال القيل والقال. وهذا يسيء لكل حر من بني الأقباط " ، وقد انتقدت جريدة " الشرق" مناظرة الجريدتين واصفة إياها بالخطأ والشطط.
وقد احتج الأقباط في مصر علي اتخاذهم مثالا في موضع النهب والقتل والعصيان والذبح سواء كان القصد بالتمثيل أن الأرمن ثوار عصاة أو أنهم مظلومون متعدي عليهم.لان الأقباط يكرهون أن يمثل بهم كعصاة كما يكرهون أيضا أن يمثل بهم كمذلولين مظلومين مهانين كالأرمن في هذه الأيام.إذ في كلا الوجهين حط من كرامتهم.أكثر من هذا ن خشي الأقباط أن ترمي هذه المناظرة إلي الإيقاع بينهم وبين أقرانهم المسلمين، ولذا ، أعلنوا صراحة ما يلي: " نحن والمسلمون إخوان في السراء والضراء .
وقد عشنا ثلاثة عشر قرنا ونحن متساوون في رحمة الحكام وظلمهم. ونود ان نبقي هكذا إلي ما شاء الله".
وحتي الأرمن المستقرين في مصر قبل نزوح بني جلدتهم قد تأثروا سلبيا إثر إيواء اللاجئين . وقد شمل هذا التأثير السلبي جميع شرائح الجالية الأرمنية بدءا من صفوتها حتي عوامها . فقد شن التيار العثماني موجة عدائية ضارية ضد الصفوة الأرمنية بسبب تعاطفها مع بني جنسهم " تلك الفئة الطاغية الكافرة بنعمة مولاها أمير المؤمنين" ، ولا غرو أن نوبار باشا نوباريان (1825-1899)- رئيس النظار المصري- كان أول المتعرضين لهذا الانتقاد.
باديء ذي بدء، اتهم أعوان السياسة العثمانية نوبار بأنه محرك الثورة الأرمنية ضد السلطان وأنه قام بدور فعال في تهييج الأرمن.. حتي جعلهم منبع الثورات وشن الغارات وتحريك الفتن بالدولة العثمانية. وتؤكد جريدة " الحماية" – التي تصف نفسها بأنها جريدة سياسية وطنية عثمانية – أن نوبار كان يمد الأرمن بالمساعدات ، تارة جهرا بالدعوة الجنسية ، وتارة أخري لمآربه الشخصية " وقد انحصرت هذه المآرب، وفقا للجريدة في طموح نوبار الجامع كي يتوج ملكا علي أرمينية عندما تظفر باستقلالها تماما عن الدولة العلية. ولتحقيق ذلك، اعتمد نوبار علي المساندة الإنجليزية مما مكن الأرمن من الثورة علي سلطانهم بتحريك الشيخين جلادستون بريطانيا ونوبارستون مصر الأرمني".
ثمة اتهام ثان وجه إلي نوبار،وإذا كان الاتهام الأول قد دار حول مساعدة نوبار الأرمن علي الثورة في الأستانة ، فالاتهام الثاني اختص بإيواء تلك الفئة الباغية العاتية في مصر عندما ولوا هاربين من العاصمة العثمانية وضواحيها إثر قمع السلطان عبد الحميد لطموحاتهم القومية. هذا ، وقد زعم عملاء النظام العثماني أن هدف نوبار من وراء إيوائهم في مصر هو إعدامهم جيدا حتي يتمكنوا من الثورة ثانية ضد السلطان . تشير جريدة " الحماية " إلي أن نوبار قد رحب ببني جلدته في مصر وأنزلهم بمملكته المستقلة ، وأنعم عليهم بإنعاماته الوافرة..حتي يجعلهم مؤهلين لان يكونوا مستعدين لشن الغارة علي الدولة العثمانية عندما تقوي عضلاتهم وتشبع بطونهم". وعندما تنجح هذه الثورة التي يدعمها نوبار ماديا ومعنويا وتكتيكيا ، عندئذ ينادي به ملكا علي أرمينية".
وإذا فشلت ثورة الأرمن ضد الأستانة ، ومن ثم ، لن يصبح نوبار ملكا علي أرمينية، فعليه أن يؤسس لنفسه أرمينية في مصر يسكنها بالأرمن اللاجئين ، وينصب نفسه ملكا عليها . وهذا هو الاتهام الثالث
استخدم نوبار بعض الأرمن اللاجئين للعمل في أملاك شركة تفتيش بسنديلة الواقعة تحت إدارته.
أثارت هذه الخطوة ضجة كبري في الاوساط العثمانية التي وصفت بسنديلة بعد أن عمل بها اللاجئون- بانها صارت "مستعمرة أرمنية". وأوضحت جريدة " الحماية" أن نوبار قد استمات في ابتلاع بسنديلة ، حتي يجعلها مملكة أرمنية مستقلة وحتي يري فيها نتيجة الثورة الأرمنية. وقد واصلت الجريدة انتقاداتها لنوبار بخصوص هذا المشروع قائلة:" ومن نظر إلي بسنديلة الكائنة بالقطر المصري بولاية البحيرة لوجدها ..قارة أرمنية تسكنها الفئة المهيجة للامن العام". وهنا تتساءل مجلة " الرائد المصري" في سخرية لاذعة :" هل يقتنع دولتلو نوبار باشا بإمارة مستعمرة بسنديلة بدل الإمارة الارمنية التي كان يعد نفسه بها؟".
وراحت الجرائد العثمانية وذوات العثمانية تحذر الحكومة المصرية من خطورة مشروع بسنديلة الأرمني علي تعميق مآسي المصريين خاصة فقرائهم عندما يحل الأرمن محلهم في أعمال تفتيش بسينديلة. واستلفتت جريدة"الحماية" الأنظار إلي أن نوبار " لم يكتف بما جلبته أيديهم علي القطر المصري من الضربات المهلكات الفاتكات القاتلات..حتي جاءنا بأبناء جلدته الذين كنا لا نعرف أسماء لهم ولا رسما حتي يزاحمون المصري المسكين الذي رأي كل ذل وهولن وعسف وجور".
وقد نجم عن مشروع بسنديلة دعوة التيار الرافض بقاء الأرمن عموما في مصر إلي طردهم منها استنادا إلي ان مصر للمصريين خاضعة للباب العالي. وقد بلغت هذه الدعوة ذروتها في النداء الذي وجهه عملاء النظام العثماني إلي نوبار بخاصة والأرمن بعامة:" فبالله عليك أيها الشيخ الجليل ، ألا ما أخذت رفاقك وتنجلي عن بلادنا وتتركنا نئن تحت وطئة الاحتلال الذي هو من بعض فيوضات إنعاماتك علي القطر المصري".
ويلاحظ أن نوبار لم يتعرض وحده لانتقادات التيار العثماني في مصر، بل شملت هذه الانتقادات ابنه بوغوص الذي كان يشغل آنذاك وظيفة العضو الوطني في مصلحة السكك الحديدية (18 مايو 1891-18 نوفمبر 1898). فعندما فكر بوغوص في الاستقالة من هذه الوظيفة خلال أبريل 1896 لسوء صحته، تهكمت منه صحافة النظام العثماني وشنت حملة شديدة علي الأب والابن معا . فعلي سبيل المثال، ذكرت جريدة " الفلاح" أن بوغوص وإن يكن منحرف الصحة ، إلا أنه لا يستعفي حبا بفخفخة منصبه وفائدته الذاتية منه. ولا يخفي أن دولة والده في خطر من الحياة.وأن ابنه المومأ إليه ذو أمراض وأسقام، وكلاهما في ثروة واسعة جمعاها من البلاد المصرية. ومع ذلك نري آمالهما تتجدد ومطامعهما تنمو وتتجسم كأنهما في سن الشبيبة حالة كونهما ملزومين مراعاة لصحتهما أن يبتعدا عن المصالح المصرية ويتخلصا من عناء الأشغال.
أيضا ، استغل أنصار التيار العثماني في مصر استئثار الأرمن بوظيفة " العضو الوطني في مصلحة السكك الحديدية " في تأليب الحكومة المصرية وشعبها ضدهم. فعندما قدم بوغوص نوبار استقالته فعليا في مارس 1897 ، لم تقبلها الحكومة المصرية لانها كانت تنوي وضع يعقوب أرتين وكيل نظارة المعارف العمومية في مركزه. بيد ان هذه الخطوة لم تنفذها الحكومة وقتئذ" لانها توغر عليهم صدور الوطنيين ان بوغوص باشا او أرتين باشا لم يخرجا عن كونهما أرمنيي الجنس . وان ترك هذه الوظيفة هي وظيفة( عضو وطني وليس أرمني) يكون نائبا عن الأمة المصرية كلها في مصلحة السكك الحديدية".
واستمر التيار العثماني في ملاحقة بوغوص وأبيه. فقد ناشدت مجلة" الرائد المصري" الحكومة المصرية بصراحة شديدة أن ترفت بوغوص من وظيفته لكون أرمنيا . وإذا لم ترفته الحكومة لهذا السبب " فيكفي أن لوالده دولتلو نوبار باشا خدمات جليلة للبلاد المصرية أقل ما يقال عنها أنها جعلت ثروة دولته تبلغ نحو خمسة ملايين جنيه. أفلا يستحق لأجلها سعادة ولده أن يصرف له معاش تام ويبقي في أوربا لأجل تبديل الهواء؟" اما مجلة الرأي العام" فقد أشارت إلي أنه " إذا كان في نية بوغوص باشا الاستقالة فهو قد نوي خيرا وصمم علي أمر حميد . يكفي أنه ابن أغني نظار مصر وأن سكة الحديد في حاجة إلي عضو مصري أكثر منه همية وأهلية".
كما أن يعقوب أرتين وكيل نظارة المعارف العمومية لم يفلت أيضا من الوقوع في دائرة المغضوب عليهم من لدن أعوان النظام العثماني في مصر الذين اتهموه بالعمالة لصالح الإنجليز. وقد تردد أن الأخيرين " سينبذون سعادة يعقوب باشا أرتين تفلا بعدما عصروه ليمونا". بيد ان مجلة "الرائد المصري" كان لها رأي آخر مؤداه انه لم يحن الوقت بعد، إذ لم يزل في سعادة الباشا من همته المعروفة بقية في الزاوية يستطيع أن يخدم بها الاحتلال، وأن الإنجليز أنفسهم لم يزالوا يخبئون هذا الباشا ( الوطني) لبعض المهمات الأخري غير المعارف". ولهذا ، أنذرت المجلة " بنوازل أخري مرهونة بيد سعادة الباشا المذكور إلي حين يباح لها الظهور".


عطا درغام
Admin

عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Empty رد: الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906-

مُساهمة من طرف عطا درغام الثلاثاء 6 يناير 2015 - 18:56

هاجم التيار المعادي للأرمن جاليتهم المستقرة في مصر بسبب مساعدتهم لأقرانهم اللاجئين من الأستانة. مع ازدياد عدد اللاجئين، ونهوض الجالية في إغاثتهم، اشتدت حدة الهجوم علي الأرمن المستقرين الذين وصفتهم جريدة " البريد" بانهم جاءوا إلي مصر لاستدرار خيرها، وكانوا قد حضروا إليها صائعين ، لا درهم لهم ولا دينار، فأصبحوا ذوات ثروة ويسار. احترفوا بحرفة المخانجية وبيع الحشيش وتهريب التنباك والدخان وغيره. وبهذه الوسيلة استحوذوا علي أموال المصريين غنيمة باردة". ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إن الأرمن ما زالوا يبتزون أموال المصريين ب" التدليسات والغشيات".
وجدير بالذكر ان هذه الحملة العنيفة ضد الجالية الأرمنية ، لم تنبع من حقيقة استقرارهم في مصر، ولكنها تتلخص في مساعدتهم لأقرانهم الثائرين ضد السلطنة العثمانية. تذكر جريدة " البريد" أن الأرمن "يبتزون أموالنا بكل الوسائط ثم يبعثون بها إلي العصاة من جنسهم ليقووا بها علي ما هم عليه من العصيان . وهذا أكبر دليل علي أنهم قوم يكفرون النعمة وينكرون الجميل ".
ولهذا ، وجهت الجريدة آنفة الذكر لوما عنيفا إلي " الأرمن الذين يقطنون مصر يتمتعون بالرفاهية والراحة في ظل الدولة العلية وياكلون عيش المصريين ثم يساعدون أعداء دار خلافتهم علي ما هم عليه من الثورات والأمور الممقوتة".أكثر من هذا ، سعت هذه الجريدة إلي المساس بأقوات الأرمن عندما ناشدت جموع الشعب المصري بان نحذرهم ونحاذر علي اموالنا من أن نصرف شيئا منها في مشتري أي شيء من أرمني لنكون بذلك قد قمنا بواجب علينا نحو دار خلافتنا وامتنا وديننا ". ولم تكتف " البريد" عن نشر الإعلانات التي تطلب من المصريين "نبذ مبيوعات هذه الطائفة الغادرة عملا بطاعة مولانا أمير المؤمنين".
وبخلاف التهديد الاقتصادي الذي أحدثه اللاجئون للمستقرين ، ثمة هوة معنوية وجدت هؤلاء وأولئك. فقد اعتبر الارمن أنفسهم " من ذوي الشعور القومي اليقظ" الذين بذلوا تضحيات جمة في سبيل وطنهم وتعرضوا من أجله للإيذاء والمظالم علي أيدي السلطات العثمانية.اما الأرمن المستقرون في مصر ، فقد أصبح معظمهم- من منظور اللاجئين- مصريين لا يجيدون اللغة الأرمنية وكادوا ينسونها، وتجردوا من كل عاداتهم الأرمنية القومية فأصبحوا من أهل البلاد يربطهم بالأرمن كنيستهم فقط. وقد ألقت جريدة " لوسابير" الأرمنية القاهرية الضوء علي هذه الظاهرة واصفة الأرمن المستقرين بانهم " مصريون مائه في المائه وعرب أكثر من أي عرب".
زد هنا أيضا ، أن الأرمن اللاجئين علي جميع مذاهبهم الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية قد أقاموا معا تحت رعاية الطائفة الأرثوذكسية مما أوجد حساسيات ومشكلات خاصة عندما تعاطف الأرثوذكس مع أقرانهم علي حساب الآخرين. في هذا الصدد، انتقدت جريدة " المقطم" لجنة رعاية الأرمن اللاجئين بالإسكندرية لأنها " استثنت الأرمن الإنجيليين من الصدقات وخصتها كلها بالباقين". وذكرت الجريدة أن هذا التمييز لا يجوز إنسانيا ناهيك أن معظم المتبرعين بالصدقات هم من الإنجيليين في مصر وبريطانيا وأمريكا. واختتمت الجريدة انتقاداتها للجنة الرعاية باملها في ألا تفرق بين الأرمن- علي اختلاف مذاهبهم- في "توزيعها الصدقات ليعلم الناس جميعا ان أعمال البر والإنسانية منزهة عن الأغراض الطائفية".
هذا ، وقد ارتبط وجود الأرمن اللاجئين في مصر بإثارة القضية الأرمنية وأوضاع الأرمن المتردية في بلادهم واتهام السلطان عبد الحميد بمسئوليته التامة عن مذابح الأرمن وشقائهم. والحقيقة ان إثارة مثل هذه المسائل من قبل المتعاطفين مع الارمن – أو بالأحري المناوئين للباب العالي- لم تحرج فقط الحكومة المصرية ، بل أحرجت السلطات العثمانية وسلطانهم الخليفة أمام مسلمي مصر الذين يكنون له مشاعر دينية هيابة.
في هذا الصدد، لفتت جريدة " لسان العرب" أنظار المصريين إلي أنه قد " ساءنا أن يفتتح عامنا الجديد بما جاءنا به لسان البرق عند حدوث مذابح جديدة في أورفة من أعمال أرمينية بعد أن كنا نؤمل ان يكون عامنا هذا عام سلام وسكون، وان تأمر الدولة العلية رجالها بالامتناع عن هذه المنكرات.. ونحن نخشي ان يستمر الأمر علي هذا المنوال وأن تكون سنتنا الجديدة تتمة للعام الغابر في هذه الفظائع والمنكرات. كما اوضحت ذات الجريدة بان عبد الحميد قد أمر" بمنع الإسعاف والإحسان عن الأرمن الذين يقدر أراملهم إلي الآن بثمانين ألف أرملة وأيتامهم بثمانية عشر ألفا يتيما . ولا يخفي كم يخرج عن هذا الجيش الجرار من الدعوات الصالحات للدولة العثمانية".
وتجدر الإشارة إلي أن المآسي التي ألمت بالأرمن علي أيدي السلطات العثمانية، قد خلقت نفورا لدي قطاع من المصريين . وقد عبرت مجلة " الرأي العام" عن هذا بوضوح قائلة:" كل القلم ومل اللسان من ذكر مصائب الأرمن حتي ثار الاختصار لازما في وصف اهوالهم". أكثر من هذا، مضي علي الأمة الأرمنية عاما أو أكثر" والأتراك يستأصلونها استئصالا . ويذبحون منها المئات والألوف كل يوم غير الذين يميتونهم في السجون، وفي الجبال تائهين يتضورون جوعا أو يقتلهم البرد والشقاء".
كما سعي المناهضون للنظام العثماني إلي تشويه صورة عبد الحميد لدي المصريين عندما وصفوه صراحة أنه" الآمر بالجزر والذبح". وقد عللوا هذا بانه عالم بكل امر.. يحدث في سلطنته، ولا يتم شيء بدون أمره وتدبيره لأن سلطة السلطان علي رعاياه معروفة، فلو هو أراد منعهم من ذبح بعضهم بعضا لامتنعوا". وعلقت مجلة " الرأي العام" علي ما تكبده الأرمن إبان حكم عبد الحميد بقولها:" وما ذاقت أمة من يوم آدم مثل الذي ذاقه الأرمن في أيام السلطان عبد الحميد".
وعندما لم تنقطع المذابح والانتهاكات ضد الأرمن ، سارع أعداء النظام العثماني بتقديم أخبار هذه المذابح أولا بأول بغية تأليب الرأي العام المصري ضد السلطان- الخليفة. ونترك القلم إلي مجلة " الرأي العام" كي تقدم أنموذجا من الخطاب الذي اعتادت ان توجهه إلي المصريين علي صفحاتها في خضم تعليقها علي نزوح الأرمن إلي مصر؛إذ تصف المجلة أوضاع ولاية أضنة بإقليم قيليقية علي النحو التالي:" فإن الحكام هنالك أشربوا مبدأ السلطان فجعلوا يضيقون علي الأرمن ويعاملونهم معاملة المرء لعبده او بهيمة، وسمحوا لزنادقة الترك ووحوش الكرد أن يستبدوا بهم، وياتوا ما أرادوا من النكر معهم عبدا لأحقر أعدائهم المتوحشين. وتقرر في الأذهان أن قتل الأرمني لا يعد من قبيل المخالفات الصغري، وأن إقدام الأرمن علي الشكوي من تركي او كردي جناية كبري يجازي عليها الأرمني المسكين بالسجن طويلا أو بالتعذيب إلي أن يموت. وأدي ذلك إلي قحة زادت عن حد الوحشية عند جماعة الكرد والترك في تلك الولاية إلي حد أن فلاحيهم المحتقرين صاروا يستعيضون عن الثيران والحمير بالأرمن في فلاحتهم. فيربطون إلي النير اثنين أو ثلاثة من الذين كانوا بالأمس كبراء ولايتهم، ويجرجرونهم في الفلاحة وهم يسوقونهم بالوخز المدمي والجلد المؤلم حتي تسيل الدماء ويعجزون عن جر المحراث أو يموتون ونير الفلاح فوق أعناقهم . وما كان نير الفلاح التركي أثقل من نير سلطانه".
أيضا ، نظم المتعاطفون مع الأرمن حملات تبرع لصالح منكوبيهم في الدولة العثمانية حيث" تألفت في الثغر جمعية خيرية غايتها إسعاف الأرمن المنكوبين وجمع المال وإمدادهم علي حياتهم التي يتناوبها السيف والجوع والبرد الشديد، وهي مؤلفة من رجال الثغر وأكابره .. فقد بلغت نكبات الأرمن وشقائهم مبلغا لم يورده تاريخ ولا أنبأنا به شعب. وصار ذكر تعاسة هؤلاء الأقوام وتصور حالتهم مما تتقذي له العيون حتي تغار منها الأكف".
.........................................................
وبخلاف كل ما سبق ، تعرضت بريطانيا وقواتها الاحتلالية في مصر إلي العديد من الانتقادات إثر مساعدتهم الأرمن علي الإيواء بمصر. ففي الابتداء، تعرضت بريطانيا لهجوم عنيف بسبب إثارتها الأرمن ضد السلطنة العثمانية بغية تحقيق مطامحها الذاتية. وقد علقت مجلة " الرائد المصري" علي هذا- بعد استعراض مآسي اللاجئين- بقولها:" لا يلام الأرمن لأنهم طلبوا بعض الإصلاحات والإمتيازات لولايات الاناضول ، إنما كل اللوم لأنهم اختاروا الإنجليز من بين دول أوربا كلها لضمانة تنفيذ هذه المطالب وألقوا بأنفسهم بين يدي هذه الدولة التي من مباديها أن تضحي بكل شعوب الأرض جميعا إذا أمكن لأجل أقل صالح من صوالح المملكة البريطانية".
كما انتقدت الرائد بشدة اتباع الأرمن نصائح الحكومة الإنجليزية التي أدت إلي " نتيجة يبكي لها الجماد قبل الإنسان : قتل الألوف من الأرمن وهتك الأعراض ونهب المنازل وإحراقها. وفي الأخير نفي من بقي حيا ليتشتتوا في أقطار العالم". وانتهت المجلة إلي أن " مذابح الأرمن ليست سوي نتيجة تهور خطباء الإنجليز بجرائدهم وأعمال حكومتهم".
هذا ، وقد تعرض الاحتلال البريطاني في مصر للانتقادات من جراء الأرمن اللاجئين. فذكرت جريدة جريدة" الفلاح " بان الأرمن قد لجأوا إلي مصر بدعوة من بريطانيا التي "اشتهرت بإلقاء القلاقل والشقاق. وأوضحت الجريدة أن بريطانيا قد ساعدت في مجيئهم إلي مصر كي تربكنا كل يوم بمشكلة جديدة حتي تلهينا عن مطالبتها بانجلاء جنودها عن وادي النيل الذي هو من ملحقات ممالكنا المحروسة".
وأعربت مجلة " الرائد المصري" عن تخوفها من أن " الإنجليز لم يحضروا إلي مصر إلا لاتخاذهم آلة صماء باوامرهم". فقد اعتاد الإنجليز علي تهييج خواطر المسلمين في مصر.لذا ، خشيت المجلة ان يخدع الإنجليز الأرمن" ويزجوا بهم في هذه البئر العميقة حينما تقضي السياسة الغنجليزية بإحداث القلاقل والفتن في هذه البلاد".
وقد أرجعت جريدة" الشرق" كل المصائب والنوائب التي حاقت بالأرمن والدولة العثمانية ومصر إلي " سوء تصرف الدول الأوربية وانقسامها علي ذاتها وجنوحها إلي الطمع والجشع والاستئثار بالنفع". ولهذا ، خشي الفرنسيون المقيمون في مصر ويساعدون الأرمن اللاجئين أن يتعرضوا لانتقادات شأن الإنجليز. لذا ، أعلنوا أنهم " يسعفون الأرمن عن رحمة وإنسانية وليس عن سياسة كما يتهم بذلك الإنجليز وسواهم".
في هذا المناخ الذي أشيع حول الأرمن اللاجئين، اضطرت الاجهزة الأرمنية المسئولة عنهم في الثغر والعاصمة إلي تقليص جهودها نحوهم بهدف إعادتهم إلي مواطنهم ، فمنذ بداية عام 1897 أخذت المساعدات المقدمة إلي اللاجئين تنخفض رويدا رويدا من طبق حساء فقط وحوالي "100" جرام خبز يوميا إلي خبز فقط. وفوق هذا ، أنذرتهم بالابتعاد سريعا عن أفنية الكنائس والمدارس والبحث عن حلول لمشاكلهم".
عنئذ، وأمام هذا المأزق، لم يجد معظم اللاجئين فكاكا إلا العودة إلي مواطنهم. وقد شجعهم علي هذا ، هدوء الاوضاع إلي حد ما في الأستانة والولايات الأرمنية وانخفاض حدة التوترات بين الأتراك والأرمن نسبيا مع بدايات عام 1897. بيد أن نفقات السفر قد عرقلت عودتهم. ولهذا ، ناشد المجلس الأرمني الحكومة المصرية بضرورة تسهيل عودة اللاجئين. وقد أسرعت الحكومة في تلبية هذا الطلب حرصا علي ألا تتوتر علاقتها بالباب العالي إثر استمرار الأرمن. ولذا ، أصدرت نظارة الداخلية أمرا في 23 يناير 1897 إلي محافظتي مصر والإسكندرية بترحيل الأرمن الذين لم يتيسر وجود عمل لهم إلي الأستانة بنصف أجرة علي وابورات الحكومة المصرية شريطة ألا يأتوا إلي مصر مرة أخري. وأيضا ، أعلنت شركة البواخر الروسية استعدادها لنقل الأرمن إلي بلادهم بنصف أجرة.
وهكذا ، شهد النصف الأول من عام 1897 موجة هجرة ارتدادية من الأرمن اللاجئين في مصر إلي مواطنهم. فقد غادرها الأرمن الذين لم يتمكنوا من الحصول علي أي أعمال، والذين كانوا بلا أدوات اقتصادية، والذين لم يستضفهم أقرباؤهم وبلدياتهم القاطنين مصر. ولا نعرف تحديدا عدد الذين غادروا مصر، والذين وجدوا لأنفسهم موضع قدم بها خاصة وأن محاضر جلسات مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة لم تذكر شيئا في هذا الخصوص.
بيد أن جريدة" المقطم" ذكرت في 15 أبريل 1897 أن ثمة حوالي "700" أرمني من اللاجئين لا زالوا يعيشون في مصر علي صدقات المتصدقين وهم في حاجة ماسة إلي اهتمام كل محب للبر والإحسان. وكان معظم هؤلاء من الأطفال والمسنين والأرامل والعجزة والمرضي الذين لم يستطيعوا العودة إلي ديارهم ، ولم يصلحوا لمزاولة أية أعمال في مصر، ومن ثم لم يستطيعوا العودة إلي ديارهم، ولم يصلحوا لمزاولة أية أعمال في مصر. ومن ثم، وقعت رعايتهم تماما علي عاتق مطرانيتي الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة والإسكندرية.
تأزمت أوضاع بقايا الأرمن اللجئين، إذ فاقت متطلباتهم إمكانيات لجنتي إعانتهما بكثير، ففي القاهرة مثلا ، قدم"22" لاجئا خطابا إلي مجلس إدارة المطرانية في 6 أغسطس 1897 يذكرون فيه أن لجنة اللاجئين تعطيهم "خبزا حافا". ولذا ، فإنهم يطالبون إما بغذاء آخر أيضا أو الحصول علي مساهمة مالية ، تمكنهم من مغادرة المدينة. وقد ردت عليهم اللجنة في 10 سبتمبر بقولها:" نظرا لنفاد الإمكانيات المالية للجنتنا ، اضطرت إلي أقصي التوفير. ولكن إذا بقينا علي هذه الأحوال، نعلن للأسف أنه خلال أيام سوف نكون أمام الضرورة المؤسفة لوقف حتي العيش الحاف".
أما في الإسكندرية ، فقد تشكلت لجنة جديدة للنظر في إغاثة الملهوفين من الأرمن..ومساعدتهم. وتصف جريدة "مصر"أحوال بقايا لاجئي الإسكندرية بانهم في ضيق شديد وعوز كثير. ولهذا ، عزمت لجنة إعانتهم علي إحياء ليلة في ملعب الهمبرا وتخصيص إيرادها لهؤلاء المساكين.
وإزاء الضغط المتزايد علي لجنة رعاية لاجئي القاهرة ، استقال رئيس المجلس الملي آنذاك ديكران باشا(1846-1904) من الإشراف علي لجنة رعاية اللاجئين في 29 أكتوبر 1897. عندئذ، ارتبكت اللجنة بشدة مما دعا مجلس إدارة المطرانية ان يوافق علي قرار يجعل رعاية اللاجئين تحت إشرافه الأعلي بواسطة لجنة الفقراء بدءا من 5 نوفمبر 1897.
وعندما تسلمت اللجنة الجديدة مهامها، وجدت أنه حتي يوم 30أكتوبر- يوم انتهاء عمل اللجنة السابقة- كانت تصرف يوميا "55"أقة خبز وجبن وزيتون ل"110" لاجيء يقيمون في نطاق المطرانية أو خارجها.ونظرا لاشتداد وطأة المصروفات ، فقد قرر مجلس الإدارة في 5 نوفمبر 1897" الاستمرار في هذه المساعدة فقط إلي الذين لا يقدرون علي العمل او في حالة فقر". وبموجب هذا القرار، أوقفت المساعدة إلي عشرين شخصا وتنزيل الخبز اليومي إلي "45"أقة مع خصم نفس النسبة من الزيتون والجبن. وبذا ،انخفض المبلغ المخصص يوميا لمصروفات اللاجئين من "100" قرش إلي "83" قرشا. وتفرق العشرون بين عائدين إلي أدراجهم ومستقرين في مصر.
وهكذا ، بات علي لجنة الرعاية الجديدة توفير الأموال اللازمة لتوفير احتياجات تسعين لاجئا يقيمون في محيط المطرانية وفي منزل أمين كاشف. وبعد مداولات ، تقرر توفير هذه الأموال من تبرعات الخيرين. وقد ذكر مجلس الإدارة أن هذا النظام سوف يظل لمدة ستة أشهر فقط بدءا من غرة ديسمبر 1897 حتي 31 مايو 1898 . وعند هذا التاريخ، سوف تتوقف اللجنة عن تقديم أية مساعدة. وفوق هذا ، لن يقبل منذئذ أي لاجيء يصل حديثا إلي مصر. وأعلن مجلس الإدارة للاجئين أن المطرانية قد اضطرت أن تتصرف بهذه الكيفية نظرا لنضوب مواردها المالية.
وتنفيذا لهذا، رفضت مطرانية الأرمن منذ 17 ديسمبر قبول لاجئين جدد ، كما أبت أن يحل لاجئون جدد محل المتناقصين حتي يمكن إنهاء رعاية اللاجئين واللجنة المنوطة بذلك في 31 ماية 1898 . وفي ظل هذه الظروف، منحت لجنة الرعايا اللاجئين تحت رعايتها غذاء عبارة عن "خبز وجبن وزيتون فقط".
ولما كان أغلب بقية اللاجئين من المسنين والمرضي والعجزة، مع نظام غذائي لا يزيد عن "خبز وجبن وزيتون فقط"، فطبيعيا أن تزداد أحوالهم الصحية سوءا علي سوء. ويتضح من مناقشات أعضاء مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة مدي تدهور صحة اللاجئين.فلم تمر جلسة بدءا من منتصف عام 1897 وحتي ما بعد انتهاء عمل لجنة الرعايا ، إلا وكانت مسألة علاج اللاجئين تحتل بدا متقدما في جدول أعمال المجلس.

عطا درغام
Admin

عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906- Empty رد: الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906-

مُساهمة من طرف عطا درغام الثلاثاء 6 يناير 2015 - 18:56

في الابتداء، وفرت لجنة الرعايا أطباء، غالبا من الأرمن للإشراف علي علاج المرضي اللاجئين. وقد مارس هؤلاء الأطباء عملهم بصفة إنسانية دون أي مقابل ، أما مصروفات الأدوية فقد دبرتها اللجنة من صندوقها. بيدان إمكانيات هؤلاء الأطباء لم تكف تماما لإسعاف الحالات الخطيرة مما اضطر اللجنة إلي إرسالها إلي المستشفيات التي تقبل المرضي مجانا أو بنصف أجرة علي الأكثر.هنا ، خصصت المستشفي الألماني بالقاهرة " حتي خمسة أسرة للاجئين المحتاجين عندما يكون لديها أماكن شاغرة". وكذا، استقبلت المستشفي الحكومي المرضي مجانا في حدود الأسرة الخالية عندها.
ويبدو أن الأماكن المخصصة لعلاج اللاجئين في المستشفيات المجانية كانت أقل من عدد المرضي اللازم علاجهم. وفي ذات اللحظة، لم يكن إيراد لجنة اللاجئين يسمح بعلاج هؤلاء المرضي في المستشفيات ذوات أجرة كاملة؛أي عشرة قروش صاغ يوميا. ولذا ، ناشدت المطرانية في 15 ديسمبر 1897 المستشفي الأوربي بأن تسهم يوميا في حل مشكلة علاج اللاجئين. وقدأجابت المستشفي بأنها اعتبارا من ديسمبر 1897 ، ولمدة عام علي استعداد لاستقبال المرضي اللاجئين بنصف التكلفة؛أي بخمسة قروش يوميا. وتجدر الإشارة إلي أن هذا النوع من العلاج قد اختص فقط المرضي القادرين علي دفع نصف التكاليف، واقتصر دور المطرانية في الوساطة فقط؛ أي أن المريض الذي يذهب مباشرة إلي المستشفي يلزم بدفع المصروفات كاملة.أما المريض الذي ترسله المطرانية ، يستفيد بخصم نصف المصروفات كاملة. وقد وافقت المطرانية علي "ان تقوم بهذه الوساطة شريطة ألا يتحكمل الصندوق الملي ولا لجنة اللاجئين دفع أي مبلغ للمستشفي، بل يقوم المريض أو مرافقه بتحمل كافة المصروفات "، كما أبرمت المطرانية اتفاقا من هذا القبيل مع المستشفي النمساوي.
لم يكن وضع لاجيئ الإسكندرية أفضل من أقرانهم في القاهرة . فمن تقرير أرسله مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالإسكندرية في 18 ديسمبر 1897 إلي نظيره القاهري، يتضح أن حالة اللاجئين هناك إنما هي صورة كربونية من أمثالهم القاهريين.
هذا ، وقد خشيت مطرانيتا الأرمن الأرثوذكس يالقاهرة والإسكندرية من احتمال ورود لاجئين جدد من الأستانة سوف يزيدون أعباءهما بلا ريب. ولذا ، قررتا في 14 يناير 1898 عرض حالة اللاجئين البائسين علي السلطان عبد الحميد عن طريق بطريركية الأرمن بالأستانة حتي لا تتكرر الأحداث التي هجرتهم من أوطانهم . وقد نصت الرسالة الموجهة إلي البطريرك ماغاكيا أورمانيان علي ما يلي:" كما هو واضح لنيافتكم ، هاجر إلي مصر من الأستانة وضواحيها ما يزيد علي ألفي لاجيء. وقد عاني هؤلاء من البؤس لأنهم لا يحتكمون علي رأس مال ولا يعرفون اللغة السائدة حتي يمكنهم من قضاء حاجاتهم الأساسية. وأغلب هؤلاء من الأرامل والمسنين والأطفال الذين لم تكن لهم وسيلة للعيش، وليست لديهم حاليا أية وسيلة إلا المساعدة العامة. وقام أبناء جلدتنا في مصر حتي اليوم بتحمل تضحيات في هذا الشأن. ونظرا إلي أنه ليس في إمكانهم القيام بها بعد الآن لاستنفاد إمكانياتهم، لم يبق إلا اللجوء إلي عطف الذات السلطانية المعروفة".
وإلي هذا الحد، لم يعد وجود الأرمن اللاجئين محتملا في مصر لأن المؤسسة الراعية ولا حتي من بني وطنهم. ومنذئذ ، أخذت مطرانية القاهرة تزيح اللاجئين الموجودين تحت رعايتها رويدا رويدا حتي يمكن تصفيتهم نهائيا من محيط المطرانية حسب الموعد المقرر(31 مايو 1898)، وتمشيا مع هذا قررت مجلس الإدارة في 24 فبراير 1898 "إنقاص عدد اللاجئين المأويين تباعا، وإبعاد بضع لاجئين من فناء المطرانية ومنزل أمين كاشف مرة كل ثمانية أيام، بحيث لا يبقي حتي أول يونية القادم (1898) أي مأوي لدي الطائفة أو من يحصل علي إعانة".
وفي 20 مايو1898 ، استقالت لجنة رعاية اللاجئين وحلت المطرانية محلها في إدارة شئونهم خلال الوقت المتبق حتي 31 مايو 1898 .
وبذا ، انتهت رسميا مسئولية مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة عن الأرمن اللاجئين إليها من الأستانة وضواحيها. وتم نفس الشيء بالإسكندرية. وتبعثرت بقية اللاجئين بين خدم في قصور الأثرياء، أو مرضي طريحي أسرة المستشفيات او شحاذين يبسطون أكف التسول. وعلي هذا النحو، لم تنته مشكلة اللاجئين، ولذا، عادت مشكلتهم تطرح نفسها مجددا بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها.
ورغم هذا، رفض مجلس إدارة المطرانية وجود لاجئين تحت رعايته.وأقصي ما فعله المجلس أن قرر منحهم مبلغ أسبوعي يكون بمثابة بدل تعيين فقط، ولا علاقة للمطرانية بكافة أحوالهم.أكثر من هذا، أنذر المجلس بانه سيطرد بالقوة" المأويين المشاغبين وذوي السلوك السيء من فناء الكنيسة الذين يتجمهرون ضد المطرانية".
ورغم هذا، لم ينقطع نزوح الأرمن اللاجئين من شتي نواحي الدولة العثمانية إلي مصر. بيد أنه قد اتسم بدءا من نهاية عام 1898 بالطابع الفردي أو الأسري علي الأكثر حتي يولية 1905 عندما فشلت محاولة الطاشناقيين في اغتيال السلطان عبد الحميد. لهذا، وبسبب الأعمال الثأرية التي قام بها عبد الحميد انتقاما من الأرمن، نزح بعضهم إلي مصر هربا من بطشه. فقد تحدثت جريدة " لوسابير" عن احتياجات "32"أرمنيا لاجئين من الأغذية والأكسية والأدوية.
ولكن ، بعد نجاح ثورة تركيا الفتاة وإعادة العمل بالدستور العثماني، حدثت حركة عودة نشيطة بين الأرمن اللادئين في مصر. يصف الكاتب الأرمني يرفانت أوديان هذه الحركة قائلا:" كان الأرمن يتسارعون للعودة إلي بلادهم كي يتقابلوا مرة أخري بأحبائهم وذويهم.كما تهافت علي العودة أيضا من كان ضمن مستقبله في مصر من حيث العمل والراحة". هذا ، وقد لاحظت المطرانية أن المشتاقين للعودة يعوزهم المال. لذا ، استأجرت سفينة رومانية لنقل العائدين مجانا. ولما كانت كل سفينة تغادر مصر إلي الأستانة تحمل علي متنها بعض اللاجئين، فقد انخفض عددهم بشكل ملحوظ.
بيد أن هذا الحماس لم يستمر طويلا لان الاتحاديين قد انتهجوا نفس سياسة عبد الحميد ضد الأرمن. فقد تسببت مذبحة قيليقية (أبريل 1919) في نزوح أفواج متتالية من الأرمن إلي مصر في أسوأ حال وأشد احتياج. ووصلت كثافة اللاجئين إلي درجة لم يكن باستطاعة الجالية الأرمنية في البلاد إعانتهم ورعايتهم.
ولهذا ، نشرت المطرانية بيانا علي صفحات الجرائد الأرمنية حذرت فيه أرمن قيليقية من اللجوء إلي مصر. وأخبرتهم بألا يضعوا آمالهم لا علي المطرانية ولا علي الجالية.
ويرجع هذا إلي عدم وجود أموال لديها. ولذا، لا توجد لدي المطرانية أية وسائل لمساعدتهم. ورغم هذه التحذيرات ، ما برحت الأفواج المهاجرة تتري علي مصر من أرمن قيليقية. وعبثا كررت المطرانية تحذيراتها السابقة علي صفحات الجرائد.
وهكذا ، أدت سياسة الحميديين إزاء الأرمن نزوح موجات لاجئين منهم إلي مصر، ولم يكن الاتحاديون خلفاء الحميديين أفضل منهم؛إذ أسفرت سياستهم الطورانية العنصرية عن مذابح جديدة .
.......................................................
الأيتام الأرمن في مصر (1923-1927)

سببت الحرب الكمالية في الأناضول وقيليقية وتنازل فرنسا عن الأخيرة لحكومة أنقرة في 20أكتوبر 1921 نزوح موجات أرمنية جديدة لاجئة إلي مصر . بيد ان الحكومة المصرية قد أغلقت أبوابها في وجوههم. ورغم توسلات المجلس الملي الأرمني بالقاهرة إلي الحكومة للنظر في أحوالهم من الناحية الإنسانية ، إلا أنها أبت قبولهم بشدة. ففي ذلك الوقت، كانت مصر تعاني من أزمة سكانية شديدة في خط متواز مع استفحال البطالة . ناهيك أن تدفق المهاجرين بلا قيد ولا شرط قد أوقع بالبلاد أضرارا معنوية ومادية كثيرة. ولذا ، تعالت أصوات الوطنيين الغيورين تناشد الحكومة "بقفل أبوابها في وجوه المهاجرين الذين ثبت أنهم... يعملون علي الإخلال بالأمن والنظام".
زد هنا أيضا ، أن مصر لم تعد تابعة للدولة العثمانية حيث كان يدخلها الأرمن آنفا بصفتهم رعايا عثمانيين.
ورغم تشديدات الحكومة المصرية علي عدم قبول الأرمن اللاجئين ، إلا ان كثيرا منهم نجحوا في التسلل إلي مصر بفضل مساعدة أقاربهم المستقرين بالبلاد. ليس هذا فحسب ، فقد تلقت مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة التقارير تلو الأخري في عام 1922 حول تردي أوضاع الأيتام الأرمن اللاجئين إلي سورية ولبنان. ولذا ، قررت دعوة عددا منهم إلي مصر وتسليمهم إلي الأسرات الثرية كي يتبنوهم. بيد أن وجود هؤلاء اللاجئين والأيتام قد اصطدم باتجاه الحكومة المصرية إلي تقنين المهاجرة إلي مصر.
لم يكن بمصرآنذاك قوانين نافذة المفعول بخصوص الهجرة إليها. ولهذا، بقيت " مفتحة الأبواب لكل قادم ، دون تخيير أو تفريق بين من يجلب الخير علي البلاد... وبين من ينشر الفساد في أجوائها". ومن ثم ، انساب عليها سيل جارف من المهاجرين الأجانب الذين انسلوا إليها من كل حدب وصوب حتي ملأوا أرجاءها وسدوا سبل العمل وطاقات الرزق في وجوه أبناء البلاد.عندئذ، نادت الصحافة مرارا وتكرارا بضرورة ان يكون لمصر قوانين تنظم حركة الهجرة إليها لا سيما وأنها تقع علي مفرق الطرق ونقطة التقاء بين الشرق والغرب. وربما خففت هذه القوانين من وطأة أضرار نظام الامتياز المعمول به في مصر.
هذا ، وقد كثرت شكايات الصحافة والأهلين وازداد إلحاحهم علي الحكومة لوضع قانون يحجم مهاجرة حثالة النازحين الذين يعيشون بالآداب والأخلاق والأموال. ولهذا ، أصدر يحيي إبراهيم باشا رئيس مجلس الوزراء خلال ةوارته(15 مارس1923-27 يناير1924) تعليمات في 5 يولية 1923 تحتم علي كل أجنبي يريد دخول مصر ان يحصل علي تأضيرة جواز سفره من الحكومة المصرية، ولا تمنح هذه التأشيرات للاجانب إلا بعد التحقق من ان حالتهم المالية تسمح لهم بالإقامة في مصر، أو أنهم سيعملون بها شريطة ضمان مالي يقدمه أقاربهم او معارفهم الأجانب المقيمون بمصر.
وتجدر الإشارة إلي أن هذه التعليمات آنفة الذكر قد تعدلت إلي قرار نافذ المفعول خلال وزارة سعد زغلول (28 يناير -24 نوفمبر 1924) المعروفة بوزارة الشعب. فقد أصدر محمد توفيق نسيم باشا- وزير الداخلية بالإنابة في هذه الوزارة – قرارا في 7 أغسطس 1924 يحتم علي الأشخاص المقيمين بالقطر المصري من الروسيين والأتراك والأرمن والبلغاريين ممن حضروا ابتداء من أول يناير 1922 ان يقدموا أنفسهم للشرطة في الميعاد والمكان اللذين يحددهما كل محافظ وأن يسجل كل منهم البيانات التالية :اسمه ولقبه وصناعته، ومحل مولده وجنسيته، ومحل توطنه قبل حضوره للقطر المصري، اسم الميناء التي أبحر منها، والميناء التي نزل فيها، ومحل سكنه بالقطر المصري، وطريقة تعيشه ، وأسماء عائلته، وقد حدد القرار مدة لا تزيد عن عشرة أيام لتنفيذ هذا الإجراء.
وقد اقتصر هذا القرار علي العناصر سابقة الذكر بسبب ازدياد أعداد مهاجريهم وقتذاك، وهم ممن تفشت فيهم أمراض الشيوعية، وتسممت أفكارهم بمباديء البلشفية، واستحلوا المنكرات ، ولذا ، اقتضت مصلحة الأمن العام معرفة الشرطة بعددهم ومحال سكنهم وطرق نعيشهم. زد هنا أيضا ، أن هؤلاء الأجناس لم يكونوا متمتعين بالامتيازات الأجنبية التي لا تمكن الحكومة من إصدار مثل هذا القرار إلا بعد موافقة الدول صاحبة الامتياز.
أثنت الصحافة علي هذا القرار لأنه سوف ينقذ البلاد من عواقب طوفان المهاجرة التي كانت تقضي علي الأدب والأخلاق وعكرت جو الامن طويلا. ورغم انه قرار محصور المدي ولا يجدي فائدة كبيرة ، إلا أنه يعد خطوة في سبيل صد تيار المهاجرين الداهم علي مصر من جميع الجهات. وطالبت الصحافة الحكومة أن تسن قانونا للهجرة يحمي البلاد من أشرار المهاجرين ويخفف تلك المزاحمة الخطرة التي كادت تسد كل سبيل للحياة في وجه أبناء البلاد.
وبينما يذهب المهاجرون الأرمن والروس والأتراك والبلغار إلي أقسام البوليس المختلفة لتسجيل بياناتهم طبقا للقرار السابق. طلب توركوم كوشاجيان مطران الأرمن الأرثوذكس من وكيل محافظة مصر محمود بك فهمي النقراشي إعفاء بنات الأرمن اليتيمات من هذا القرار، ويبلغ عددهن "500" يتيمة ، اللائي حضرن من قيليقية إثر حرب الكماليين ووزعن علي المنازل بالعاصمة والثغر للتخديم فيها أو تربيتهن. وقد رأي المجلس الملي الأرمني صعوبة إحضارهن إلي الأقسام لقيد بياناتهن فضلا عن ضيق  الوقت المحدد. ولكن ، وكيل المحافظة رفض إعفاءهن.
ورغم انتهاء الموعد المحدد لتسجيل البيانات، فقد ظلت أفواج المهاجرين من الأرمن والروس والأتراك تتوافد علي أقسام الشرطة لقيد أسمائهم. وقد بلغ عدد الأرمن ضمن من سجلوا أسماءهم بالإسكندرية "1224" نسمة بنسبة "77%" من إجمالي المهاجرين المقيدين بسجلات محافظتي مصر والإسكندرية وعددهم"2984" نسمة.هذا ، بخلاف الذين تهربوا من قيد بياناتهم، واليتيمات اللائي لم تحسم الحكومة موقفهن.
كررت مطرانية الأرمن إلي الحكومة طلب استعفاء اليتيمات الأرمنيات من الوقوع في دائرة قرار المهاجرة. بيد ان الحكومة رفضت استثناءهن استنادا إلي انها لا تقصد من هذا القرار إلا الإحصاء والاستعلام ، طبقا لما يخوله لها القانون الدولي. كما أصدرت وزارة الداخلية في أوائل سبتمبر 1924 بيانا إلي قلم المرور بميناء الإسكندرية ينص علي " منع دخول العاطلين من المهاجرين إلي مصر، ولا يسمح بدخولها إلا لمن يستحق الضيافة من أهل السلوك الحسن ورجال المال والأعمال".
وبذا، أضحي وجود اليتيمات الأرمنيات اللائي يمكثن في بيوت الأرمن الأثرياء مشكلة جد شائكة. ولذا ، عاودت المطرانية التماساتها مرة أخري بشأنهن إلي الحكومة. وتجدر الإشارة هنا إلي أن تيارا إنسانيا قد انبثق في طوفان الصحافة المؤيدة بحرارة قرار المهاجرة وعزز التماسات المطرانية.تعلق جريدة " الأفكار" علي موقف المطرانية بقولها :" ونحن إزاء هذا الغرض الإنساني نري حتما علينا أن نضم أصواتنا إلي أصواته. ونرجو حكومتنا التي برهنت في كثير من المواقف علي تقديرها البنات اليتيمات من هذا القرار ، فتضيف إلي خدماتها الإنسانية العديدة خدمات أخري ذات أثر كبير وفائدة عظيمة تعود علي جالية من أعز الجاليات الأجنبية في مصر".
وأخيرا ، أمام إلحاحات المطرانية علي الحكومة ومعاضدة بعض الصحف، استثنت الحكومة المصرية اليتيمات الأرمنيات من قرار الهجرة كما سمحت ببقاء سائر اللاجئين الأرمن. ليس هذا فحسب ، بل سمحت للمطرانية بدعوة أيتام آخرين لرعايتهم في مصر. وقد استمرت هذه الدعوة حتي أواخر عام 1927 ، وبلغ عددهم "806" يتيمة و"300" يتيم.
وقد أشرفت المطرانية علي عملية تسليم هؤلاء الأيتام إلي العائلات التي تبنتهم بموجب إقرارات وعقود أبرمتها معهم. ولكن إذا كان ثمة قلة من الأيتام قد حالفهم الحظ. فإن الغالبية قد استغلتهم العائلات في الخدمة القاسية . ولهذا ، شيدت المطرانية بناء بحي شبرا في عام 1925 لإيواء الأيتام الذكور وحمايتهم من الاستغلال وإيواء الذين رفض أن يتبناهم أحد.وأيضا ، تأسست اماكن لإيواء اليتيمات في القاهرة والإسكندرية خلال عامي 1928-1929 . وبذا ، تم إيواء بعض الناجين من مذابح العشرينات من الأرمن اللاجئين والأيتام في مصر.
وهكذا ، يلاحظ ان حركة اللجوء الأرمني إلي مصر قد تواصلت منذ عام 1896 حتي عام 1927 بسبب انتهاج السلطات العثمانية سياسة إبادة الجنس ضد الأرمن الذين يمثلون العقبة الكأداء امام المشروع الطوراني بدءا من الحميديين ومروا بالاتحاديين ، ووصولا إلي الكماليين.
ورغم أن جهود الأرمن اللاجئين في مصر قد تأرجح بين الرفض والقبول، إلا أن مصر في النهاية  قد أسهمت بفاعلية في إنقاذ حيوات آلاف الناجين آوتهم بين أحضانها- ولو مؤقتا- لحين زوال الخطر ثم عادوا إلي اوطانهم او هاجروا إلي أماكن أخري. بالإضافة إلي الكثيرين الذين سمحت لهم بالإقامة بين ظهراني شعبها آمنين سالمين.
وقد أسهم الأرمن اللاجئون في نمو الجالية الأرمنية المستقرة في مصر.إذ تكونت هذه الجالية من مجموع الأرمن القاطنين واللاجئين إليها الذين لم يبرحوها وانصهروا في نسيج الأرمن المصريين.

عطا درغام
Admin

عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى