الأرمن في البلاط
صفحة 1 من اصل 1
الأرمن في البلاط
الأرمن في البلاط
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف-عدد رقم (86 ) فبراير 2005
.................................................
مارس الأرمن في بلاط محمد على مهاما متعددة . فقد كان ييغيازار أميرا بيدروسيان صرافه الخاص وكان لابان ماماس باش مأمون الباشا حتى عام 1831 . ثم خلفه ابن أخته هوفهانيس حتى عام 1841 . وكان ماييس و هوفهانيس و كيفورك بك حداديه على التوالي و ثمه ترزي أرمني لمحمد على وصائغ أيضا و كذا , الطبيبان جيوفانى بوزارى واستيبان كيفوركيان . ولا مراء في ان مثل هذه الأعمال قد جعلت الأرمن على مقربه من الباشا و أدت إلى توثيق الصلة به . بيد ان أهم وظيفه مارسها الأرمن في بلاط الباشا , بل وأخطرها قاطبة , هي وظيفة الترجمان الخاصة به. وتكمن خطورة هذه الوظيفة على جهل محمد على باللغات الأوروبية , و من ثم , وقوف المترجمين على أسرار الدولة كلها . وبالتالى غدا على الباشا انتقاء عناصر لتقلد هذه المهمة .
توفرت هذه الميزة تماما لدى الأرمن الذين كانوا يجيدون عددا من اللغات الشرقية والغربية , ولذا عملوا مترجمين للباشا بشكل يكاد ان يكون احتكاريا . ولتأكيد هذه يمكن رصد أسمائهم عدد ليس بالقليل من الأرمن الذين عملوا مترجمين خصوصيين لمحمد على نذكر منهم : مجرديتش حكيكيان – والد المهندس يوسف حكيكيان – بوغوص بك يوسفيان , جرابيد نورباريان , ميناس ميكائيليان , أريستاجيس الطونيان درى , إستيبان دميرجيان , آرتين تشراكيان , خسروف تشاركيان , اسكندر بك بوزاى , نوبار نوباريان , آراكيل نوباريان .
وهكذا , يتضح ان الأرمن قد استأثروا تقريبا بوظيفة الترجمان لمحمد على . و يرجع هذا إلى ثقة الباشا فيهم , وإجادتهم اللغات , ولباقتهم في إدارة الأحاديث وأمانتهم . ناهيك عن ان المترجمين الأرمن كانوا يهيئون الفرصة لبنى جنسهم كى يشغلوا أماكنهم عندما يعينون في وظائف أخرى . ورغم كثره المخاطر المحيطه بعمل المترجمين الخصوصيين, إلا أن الأرمن نجحوا في اكتساب ثقة الباشا وحبه لهم وتفضيلهم ومحاباتهم . فمنذ فتره مبكرة من حكم محمد على , يؤكد الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في أكثر من موضع في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار ان الأرمن قد صاروا أخصاء الدولة وجلساء الحضره وندماء الصحابه .
وتجدر الإشارة إلى ان محمد على كان في وقت فراغه يفضل الاستماع إلى قصه نابليون من خلال ترجمات أريستاجيس الطونيان . وقد أسعدته إحدى ترجماته , فأطلق عليه درى (الؤلؤ) الذي التصق به من ذلك الحين . كما اختار مترجمه آرتين تشراكيان كي يترجم له كتاب الأمير لمكيافيللى , فأخذ آرتين يترجم حوالي عشر صفحات يوميا , وعندما بلغ اليوم الرابع , سأم محمد على الاستماع إليه , وعلق على آرتين بقوله : أقول لك بصراحة لايوجد لدى ميكافيللى شئ أتعلمه منه , بل اعرف جيدا حيلا أكثر مما يعرف , ولست بحاجه إلى معرفه لتبقى . هذا , وقد أثنى الزائرون والرحالة الأجانب الذين زاروا مصر على القدرات اللغوية وعلى لباقة المترجمين الأرمن العاملين في بلاط محمد على .
و تكشف مذكرات نوبار باشا عن نجاح المترجمين في التسلل إلى معرفه ما وراء دهاليز بلاط الباشا . فمثلا , عندما توترت العلاقات بين محمد على وابنه إبراهيم , أفصح الأخير لمترجمه و سكرتيره نوبار عن تخوفه من ان يخطط والده لاغتياله , ثم تلقى إبراهيم خطابا من أبيه مفعمة ب اتهامات , لذلك أمر رجاله بأن يكونوا مستعدين للاشتباك في حاله محاوله تعرضه لاغتيال , و يؤكد نوبار ان إبراهيم كان على يقين من ان أباه يخطط لاغتياله , لذلك ظل مستعدا لقتل أبيه . وكذا , أفصح إبراهيم لنوبار خلال رحلاتهما في أوروبا و جلستاهما الخاصة عما يدور بخلده من طموحات عندما يتولى حكم مصر . فيذكر نوبار انه عندما كان إبراهيم في فرنسا بكى لأنه رأى الريف الفرنسي جذابا واخضر في حين كانت مصر بائسة , فقال لنوبار سوف أغير كل ذلك إذا أطال الله في عمري . وكان إبراهيم جالسا في بيزا عام 1847 فصاح بصوت عال قائلا لا لن أموت لقد خلقني الله لخير مصر , لأجعلها غنية ومزدهرة , وليس من العدالة ان يميتنى قبل ان اجعلها مزدهرة وسعيدة .
.........................................................................................
بقلم الدكتور محمد رفعت الإمام
آريف-عدد رقم (86 ) فبراير 2005
.................................................
مارس الأرمن في بلاط محمد على مهاما متعددة . فقد كان ييغيازار أميرا بيدروسيان صرافه الخاص وكان لابان ماماس باش مأمون الباشا حتى عام 1831 . ثم خلفه ابن أخته هوفهانيس حتى عام 1841 . وكان ماييس و هوفهانيس و كيفورك بك حداديه على التوالي و ثمه ترزي أرمني لمحمد على وصائغ أيضا و كذا , الطبيبان جيوفانى بوزارى واستيبان كيفوركيان . ولا مراء في ان مثل هذه الأعمال قد جعلت الأرمن على مقربه من الباشا و أدت إلى توثيق الصلة به . بيد ان أهم وظيفه مارسها الأرمن في بلاط الباشا , بل وأخطرها قاطبة , هي وظيفة الترجمان الخاصة به. وتكمن خطورة هذه الوظيفة على جهل محمد على باللغات الأوروبية , و من ثم , وقوف المترجمين على أسرار الدولة كلها . وبالتالى غدا على الباشا انتقاء عناصر لتقلد هذه المهمة .
توفرت هذه الميزة تماما لدى الأرمن الذين كانوا يجيدون عددا من اللغات الشرقية والغربية , ولذا عملوا مترجمين للباشا بشكل يكاد ان يكون احتكاريا . ولتأكيد هذه يمكن رصد أسمائهم عدد ليس بالقليل من الأرمن الذين عملوا مترجمين خصوصيين لمحمد على نذكر منهم : مجرديتش حكيكيان – والد المهندس يوسف حكيكيان – بوغوص بك يوسفيان , جرابيد نورباريان , ميناس ميكائيليان , أريستاجيس الطونيان درى , إستيبان دميرجيان , آرتين تشراكيان , خسروف تشاركيان , اسكندر بك بوزاى , نوبار نوباريان , آراكيل نوباريان .
وهكذا , يتضح ان الأرمن قد استأثروا تقريبا بوظيفة الترجمان لمحمد على . و يرجع هذا إلى ثقة الباشا فيهم , وإجادتهم اللغات , ولباقتهم في إدارة الأحاديث وأمانتهم . ناهيك عن ان المترجمين الأرمن كانوا يهيئون الفرصة لبنى جنسهم كى يشغلوا أماكنهم عندما يعينون في وظائف أخرى . ورغم كثره المخاطر المحيطه بعمل المترجمين الخصوصيين, إلا أن الأرمن نجحوا في اكتساب ثقة الباشا وحبه لهم وتفضيلهم ومحاباتهم . فمنذ فتره مبكرة من حكم محمد على , يؤكد الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في أكثر من موضع في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار ان الأرمن قد صاروا أخصاء الدولة وجلساء الحضره وندماء الصحابه .
وتجدر الإشارة إلى ان محمد على كان في وقت فراغه يفضل الاستماع إلى قصه نابليون من خلال ترجمات أريستاجيس الطونيان . وقد أسعدته إحدى ترجماته , فأطلق عليه درى (الؤلؤ) الذي التصق به من ذلك الحين . كما اختار مترجمه آرتين تشراكيان كي يترجم له كتاب الأمير لمكيافيللى , فأخذ آرتين يترجم حوالي عشر صفحات يوميا , وعندما بلغ اليوم الرابع , سأم محمد على الاستماع إليه , وعلق على آرتين بقوله : أقول لك بصراحة لايوجد لدى ميكافيللى شئ أتعلمه منه , بل اعرف جيدا حيلا أكثر مما يعرف , ولست بحاجه إلى معرفه لتبقى . هذا , وقد أثنى الزائرون والرحالة الأجانب الذين زاروا مصر على القدرات اللغوية وعلى لباقة المترجمين الأرمن العاملين في بلاط محمد على .
و تكشف مذكرات نوبار باشا عن نجاح المترجمين في التسلل إلى معرفه ما وراء دهاليز بلاط الباشا . فمثلا , عندما توترت العلاقات بين محمد على وابنه إبراهيم , أفصح الأخير لمترجمه و سكرتيره نوبار عن تخوفه من ان يخطط والده لاغتياله , ثم تلقى إبراهيم خطابا من أبيه مفعمة ب اتهامات , لذلك أمر رجاله بأن يكونوا مستعدين للاشتباك في حاله محاوله تعرضه لاغتيال , و يؤكد نوبار ان إبراهيم كان على يقين من ان أباه يخطط لاغتياله , لذلك ظل مستعدا لقتل أبيه . وكذا , أفصح إبراهيم لنوبار خلال رحلاتهما في أوروبا و جلستاهما الخاصة عما يدور بخلده من طموحات عندما يتولى حكم مصر . فيذكر نوبار انه عندما كان إبراهيم في فرنسا بكى لأنه رأى الريف الفرنسي جذابا واخضر في حين كانت مصر بائسة , فقال لنوبار سوف أغير كل ذلك إذا أطال الله في عمري . وكان إبراهيم جالسا في بيزا عام 1847 فصاح بصوت عال قائلا لا لن أموت لقد خلقني الله لخير مصر , لأجعلها غنية ومزدهرة , وليس من العدالة ان يميتنى قبل ان اجعلها مزدهرة وسعيدة .
.........................................................................................
عطا درغام- Admin
- عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009
مواضيع مماثلة
» الأرمن والصهاينة
» بين الأرمن واليهود
» الأرمن وسقوط الخلافة
» الأرمن والأزهر الشريف
» الأرمن زراع وصناع
» بين الأرمن واليهود
» الأرمن وسقوط الخلافة
» الأرمن والأزهر الشريف
» الأرمن زراع وصناع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام
» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام
» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام
» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام
» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام
» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام
» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام
» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin
» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin
» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin