منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة
منتديات عطا درغام - جديدة المنزلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» إبراهيم محمد علي إمبابي........مقاتل وشاهد من زمن الحروب
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالثلاثاء 8 سبتمبر 2020 - 19:40 من طرف عطا درغام

» نادر المشد..زارع الألغام في حرب النصر
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:41 من طرف عطا درغام

» محمد أبو النور سماحة...صانع كباري النصر
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:38 من طرف عطا درغام

» معروف طويلة.... رجل من زمن تصنع فيه الشدة الرجال
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:35 من طرف عطا درغام

» يوم خيم الظلام بسواده علي القرية
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:26 من طرف عطا درغام

» ديسمبر الأسود في جديدة المنزلة
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:22 من طرف عطا درغام

» الكوليرا في جديدة المنزلة عام 1947 وفصل من تاريخ مآسي القرية في عصور الأوبئة
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالجمعة 23 أغسطس 2019 - 0:21 من طرف عطا درغام

» يوسف ضبيع ... العمدة الشعبي لجديدة المنزلة
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالخميس 20 يونيو 2019 - 21:11 من طرف Admin

» تاريخ الثقافة في جديدة المنزلة
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالإثنين 17 يونيو 2019 - 20:32 من طرف Admin

» مفردات رمضان في جديدة المنزلة
الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Emptyالإثنين 17 يونيو 2019 - 20:31 من طرف Admin

 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق

اذهب الى الأسفل

الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Empty الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق

مُساهمة من طرف عطا درغام الأحد 24 أغسطس 2014 - 23:42

الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق
آريك
العدد رقم29
نوفمبر 2012
حياته
ولد أديب إسحق( ساهاجيان ) في دمشق عام 1856 في أسرة مسيحية  بسيطة من طائفة الأرمن الكاثوليك. تلقي علومه في مدرسة " الآباء العازريين" في دمشق ، وكان مبرزا بين رفاقه. وأخذ ينظم الشعر منذ العاشرة، وفي الحادية عشرة دخل في خدمة الجمارك براتب يسير، استفاد منه لإعالة أسرته التي أصابها (( سوء حال وعطلة ( تعطيل) أعمال)).عين والده بعد ذلك موظفا في البوسطة العثمانية ببيروت، فاستدعي الوالد ابنه أديب إلي بيروت ليساعده في عمله وكان قد بلغ الخامسة عشرة من عمره، فتعرف علي بعض أدبائها من أمثال مصباح رمضان والشيخ فضل القصار وبولس زين . وفي السابعة  عشرة ، نال وظيفة في جمارك بيروت فقضي فيها مدة قصيرة، ولكنه مال إلي التفرغ للكتابة، فتولي تحرير جريدة التقدم ( التي كانت قد أسست قبل عمله فيها) مدة طويلة ، كما تولي جريدة ثمرات الفنون وكان مغرما بالمطالعة والدراسة، ويحسن اللغتين العربية والفرنسية.انتسب إلي جمعية زهرة الآداب وكان له فيها نشاط مهم.وابتأ يؤلف علاوة علي التحرير الصحفي، فألف كتاب" نزهة الأحداق في مصارع العشاق" وشارك في عام 1875 سليم النقاش في تأليف كتاب "آثار الأدهار"(ألف منه ثلاثة أجزاء) .
وتلبية لطلب القنصل الروسي في بيروت ترجم شعرا نثرا رواية أندروماك للشاعر الفرنسي راسين، ومثلت في بيروت إسعافا للبنات اليتامي. وكان ىنذاك في التاسعة عشرة من عمره. غادر بعد ذلك  بيروت إلي الإسكندرية بناء علي طلب زميله سليم النقاش، وعملا هناك في تمثيل بعض الروايات العربية الأصلية والمعربة .فاعاد ترجمة اندروماك وحسنها ، كما ترجم رواية شاربمان . سافر بعد ذلك إلي القاهرة وتتلمذ لجمال الدين الأفغاني؛ إذ لزمه ودرس عليه شيئا من الفلسفة الأدبية والفلسفة العقلية والمنطق.أنشأ في القاهرة جريدة " مصر" ( كانت في عام 1877). أقبل الناس علي مطالعتها، عندئذ نلقل إدارتها إلي الإسكندرية، وتشارك في إصدارها مع سليم النقاش. وانشأ جريدة أخري هي " التجارة" التي كانت يومية، وحولا " مصر " إلي جريدة أسبوعية .ألغت الحكومة بعد مدة الجريدتين. فسافر أديب إسحاق في عام 1880 إلي باريس وأنشأ فيها جريدة " مصر القاهرة" اشتهرت بنقدها اللاذع وحدتها كما يقول مترجم حياته. فعرف في باريس الشهرة والحظوة وتعرف علي بعض رجالات الدولة في فرنسا وأصبح مقربا منهم، وحضر عدة جلسات لمجلس نواب فرنسا ، وتأثر بخطبائه البلغاء
 وداوم مدة علي المكتبة الوطنية في باريس تسعة أشهر فاعتلت صحته وأصيب بمرض السل، فرحل عنها مصدورا إلي بيروت وعاد إلي التحرير في جريدة " التقدم".
وفي أواخر عام 1881 عاد إلي مصر أثر انقلاب النظارة المصرية.عين في القاهرة ناظرا لقلم الإنشاء والترجمة بديوان المعارف. ورخصت له الحكومة برئاسة شريف باشا باستئناف نشر جريدة " مصر" ، فنال الرتبة الثالثة وعين كاتبا لمجلس النواب . وكان كل ذلك بفضل شريف باشا ، وعندما اندلعت ثورة عرابي هاجر إلي بيروت. وبعد أن حل الإنجليز في الإسكندرية عاد إليها من بيروت وطالب بالعودة إلي وظيفته السابقة، خذل وأعيد إلي بيروت ، فعاد إلي التحرير في " التقدم". وفي هذه الأثناء اشتد عليه مرضه ( السل الرئوي). فأشار عليه الأطباء بالذهاب إلي مصر لملاءمة هوائها لصحته. فالتمس الإذن بالعودة إلي القاهرة من سلطان باشا ، فسمح له بالإقامة في القاهرة . وبقي فيها فعلا أياما قليلة، ورحل بعدها إلي الإسكندرية، ولكن اشتدت عليه وطاة الداء فنصحه الأطباء بالعودة إلي بيروت. ولم يمض عليه ثلاثون يوما حتي وافته المنية في قرية" الحدث" بقرب بيروت في 12 يونية 1885 . مات ولم يتعد التاسعة والعشرين من عمره . ولو قدر له العمر الطويل لكان له شأن في عالم الفكر والأدب في أيامه، وفي تاريخ العرب بالذات؛إذ علي قصر عمره ترك لنا آثارا مهمة تدل علي سعة إطلاعه في الأدب والفكر الفرنسيين اللذين ينقل عنهما بشكل دائم.
مؤلفاته
حفظ لنا صديقه وزميله في الصحافة جرجس ميخائيل نحاس، مجموعة من أشعاره ورسائله ومقالاته وخطبه وأبحاثه، وترجمته لرواية أندروماك ، وتمثيلية شارلمان، وفي عام 1889 . ومن هذه المجموعة سنستمد أفكاره السياسية والاجتماعية.
أفكارة السياسية والاجتماعية
كان أديب إسحق معجبا بالثقافة الفرنسية ويغرف منها في كل مقالاته وخطبه وأبحاثه، ويستشهد بشكل مستمر بادباء ومفكري فرنسا المشهورين من أمثال راسين وهوجو وروسو ومونتيني ومونتسكيو وغيرهم .وكان معجبا بالثورة الفرنسية ومبادئها في الحرية والمساواة وإقامة الجمهورية، حاقدا علي نابليون أشد الحقد ، لعدوانه علي مباديء الثورة الفرنسية. وقد عالج أديب كثيرا من الأفكار السياسية: كنقد الاستبداد، وفساد الإدارة العثمانية، والدفاع عن الحرية والمساواة، وحكم الشوري والمساواة بين الرجل والمرأة ، والتعليم الإلزامي والمجاني، كما بحث في الأمة والوطن والعواطف القومية والوطنية، وكان بحثه هذا من أوائل الأبحاث العربية في هذا الصدد.
وقد نقل عنه الكواكبي كثيرا وكثيرا. مع العلم أن الاثنين كانا متأثرين بالأفغاني. وكان الأفغاني وإسحق من أعضاء المحفل الماسوني الشرقي الفرنسي، لأن الأفغاني كان يكره الإنجليز. ويذكر لنا بمناسبة ترجمته لأستاذه الأفغاني، إذ يقول: " وكان السيد جمال الدين الأفغاني كثير التطلع إلي السياسة، شديد الميل إلي الحرية، قوي الرغبة في إنقاذ المصريين من الذل.فلما عظم التداخل الأجنبي في مصر واختلت أمورها المالية، علم أن لا بد من تغير أحوالها ، فرام انتهاز تلك الفرص لجمع الكلمة علي مبدأ الحرية، فدخل الماسونية ، وتقدم فيها حتي صار من الرؤساء، ثم أنشأ محفلا وطنيا  تابعا للشرق الفرنساوي.. ودعا مريديه من العلماء والوجهاء إليه فصار أعضاؤه نحوا من ثلاثمائة عدا. وعظم إقبال الناس عليه حتي ان توفيق باشا ، ولي العهد حينئذ، طلب الدخول فيه، وكان صاحب الترجمة ( أي الأفغاني ) شديد الكراهية لدولة الإنجليز جهر بذلك غير مرة وقال في نقس المقال:" وكنت من مريديه وخاصة محبيه  طول مدة الإقامة بالمحروسة والإسكندرية".
ومهما يكن من أمر، فلم يترك لنا أديب مذهبا سياسيا متسقا، بل مقالات وأبحاثا كتبها وألقاها في مناسبات شتي. لهذا سنتتبع أبحاثه في الدرر كما عرضت ودون محاولة لمذهبة أفكاره السياسية والاجتماعية.
ألح أديب علي الحرية، متأثرا في ذلك بمباديء روسو وفولتير والثورة الفرنسية وأنظمة الحكم الأوربية الديمقراطية في أيامه. وقد عالج موضوعها في مناسبات عديدة.ففي خطبة ألقاها في جمعية" زهرة الآداب" ببيروت ، يقول في الحرية: " فالحرية ثالوث موحد بالذات ، متلازم الصفات، يكون بمظهر الوجود فيقال له الحرية الطبيعية ولمظهر الاجتماع فيعرف بالحرية المدنية وبمظهر العلائق الجامعة فيسمي بالحرية السياسية".
ويورد تعريف مونتي فيقول:" وقد حددها بقوله: هي القدرة علي فعل كل مايتعلق بذاتي، وبمثل ذلك حددها الحكيم بسنيك من قبل". ويورج تعريف مونتسكيو للحرية المدنية والحرية السياسية فيقول:" وعرف الحرية المدنية باأ لا يجبر المرء علي ماتوجبه القوانين، وعرف الحرية السياسية بأن يفعل كل ماتجيزه القوانين" .
الفكر السياسي العربي
ويعلق أديب علي هذين التعريفين بقوله:" ومرجع هذين الحدين إلي وهم واحد وهو الذهول عن ماهية القوانين ، فإن الظاهر من قول هذا الحكيم الفرنساوي إن الحرية موجودة في واشنطن وجودها في طهران حاصلة في لندرة( لندن) حصولها في بكين. وليس الأمر كذلك ، بل الحرية الحقيقة غريبة في كل مكان لسوء الحظ".
ولكن أديب  يورد التعريف السائد في عصره للحرية فيقول:" وقد اتفق الكثير من الناقدين علي تعريف الحرية بكونها مقدرة الرجل علي فعل مالا يضر بغيره من الناس ، وهو عين الحد المنصوص عليه في القانون الروماني". ويعلق علي هذا التعريف بقوله:" وفيه من نقص من وجهين، الاول عن إحداث الأصرار منوط بالأخكام الموضوعية علي مابها من الخلل، والثاني إن قيد الإضرار بالغير يخرج عنه الإضرار بالذات ، وهو مخالف لمقتضي الناموس الطبيعي الحقيق بالاتباع". وهو نقد عميق جدا ويدل علي عقلية العالم الاجتماعي والسياسي الموضوعية والنسبية.
ويعرض بتعاريف المداجين والمنافقين للحرية فيقول:" أما حدود المداجين والمنافقين للحرية، فلا محل للإيرادها ولا موضع لانتقادها في مثل هذا المقام، فغاية القول فيها إن أهل السلطة الاستبدادية حيث كانوا ومن حيث كانوا يفترون علي الحرية كذبا في تعريفها بالطاعة العمياء والتسليم المطلق لمقال زيد مرويا عن حكاية عمرو مسندا إلي رواية بكر مؤيدا بمنام خالد. فهي بموجب هذا الحد فناء اذهن وموت القوة الحاكمة وخروج الإنسان عن مقام الإنسان".
ولكنه يري أن هؤلاء المنافقين وأولئك المستبدين لم يستطيعوا أن يقضوا علي نور الحرية، لأنها " خاصة طبيعية وجدت لينمي بها الإنسان قواه البدنية والعقلية متدرجا في مراتب كمالات الوجود" . وكان من سوء حظ الإنسان أن " مظاهر السلطة أتت علي ضدها من كل وجه وفي كل زمان، حتي كانما أول ماسعت فيه الجمعية البشرية ألا يكون الإنسان إنسانا. وقد ألمت هاته الجمعية بالحرية الطبيعية في كل مكان " ( هذه أفكار جان جاك روسو).
ويعدد التدابير التي تتخذها المجتمعات للقضاء علي الحرية الطبيعية وعلي الأقل لفا بلفاف التقاليد والسلطة ( مثل نعل الحديد الذي يوضع في رجلي البنت الصينية وأقمطة الطقل في الشرق، والتقليد والمحاكاة في التربية والمجتمع ). وكان قضاء المجتمع علي الحرية المعنوية أشد وأنكي ( يذكر هنا آراء روسو حول التدابير التي تتخذ لخنق الحرية) مثل أقمطة الطفل ووسم الطفل بالوشم وغمسه في الكبخ ومنعه عن كل مايحسب أنه شر ولفه بالرهبة والرغبة والأوهام والأساطير والتربية الفاسدة في البيت والمدرسة والتعليم التلقيني والحفظي. ولكن ذلك " ماكان ليفيد أهل السطوة نفعا فيما يحاولون من تقييد النفوس، ولكنه يزيد أهل الحرية استمساكا  بها حتي يبلغوا حدة التعصب فيه.
فالتشديد من جانب الدين يضعف الإيمان، والعنف من جهة السلطة يجلب العصيان. والغلظة من الطرفين لا تزيد علي  اقتياد الفكر لما يمكن الوصول إليه بدلالة العقل، إن كان خيرا أو رده عما يمكن النجاة منه بقوة الرشاد، عن كان شرا. ولكن أحكام الهيئة الاجتماعية مباينة لمبدا السهولة. فهي تقضي بالمغايرة أو الجنحة أو الجريمة في كل ما يخالفها. والغرامة والسجن والسيف من وراء تلك الأحكام لتأييدها علي رغم المخالفين . فحرية واقعة تحت أحكام استبداد مستمر.
 ولكنه ينبه إلي أنه لا يدعو إلي الحرية المطلقة لان هذا يلتقي في نهاية الأمر. بالطرفين المتناقضين ( دعاة الحرية ومناهضي الحرية). وإنما يريد إظهار آثار القوانين الموضوعية والعادات المألوفة في حرية الإنسان.
" فالقانون الحق لا ينقض الحرية ولا يزيل الاستقلال، ولكنه يقيم لهما حدودا تقيهما الضعف والاضمحلال . وشرط الحق ( المشروعية) في القانون أن يكون موضوعه الحرص علي حقوق الكل والحفظ لحق الفرد مالم يمس تلك الحقوق. فالحكم يكون قانونيا لا من حيث انه يذهب بحرية فرد من القوم، ولكن من وجه ان يحفظ حرية الكل. فلا ينبغي للقوانين ان تمس غير الذين ألموا بحقوق غيرهم من الناس. ولا يسوغ أن تؤثر في شأن الوطني إلا بمقدار ما يصيب من حق الجميع ، فهي من هذا القبيل ، معدلة للحرية لا ناسخة ولا مبدلة".
ويظهر أن مثل هذه القوانين العادلة سادت في كثير من الأمصار، ونسخت آيات العدالة أحكام الامتياز الفاضح القاضي لبعض الناس بالراحةن كل الراحة ، وعلي بعضهم بالعناء، كل العناء، وأبطلت أحكام التبعة مراسيم الاستبداد الرافعة لبعض الناس إلي مقام الألوهية ، والهابطة بسائرهم إلب منزلة العجماوات".
" وليس الأمر كذلك في القوانين السياسية ، فهي عند الأكثرين استبدادية أصلا وفرعا ، تحتجب فيها الحرية بألوان الحكومات، وتضعف بشهوات الأمراء وتعوه أو تشوه بثورات الشعوب .فمقتضي ماهية الحكومة أن لا حرية إلا فيما بنيت أحكامها عليه، وموجب شهوة الحاكم إن الحرية قائمة بما مالت نفسه إليه، وغلظة الشعب في ثورته، محسنة لذلك الفساد  من وجهيه" .
ويظهر صراع  الحكام والشعوب علي الحرية: الحكام يريدون الاستبداد وفقدان الحرية، والشعوب تريد الجرية ، مطلق الحرية. ومن أجله : كان أرباب الخطط الذين هم مظاهر السلطة بغضاء عند سائر القوم، ومن أجله كانت الرعية بمنزلة الأعداء عند المستبدين" .
الحرية والمساواة
ويري أديب  أن الحرية والمساواة متلازمتان، فلا حرية مع الامتياز. وهنا يورد رأي بعض المؤلفين الأحرار فيقول: " ومن المقرر المتفق عليه بين النقدة الأحرار إن الحرية والمساواة متلازمتان، فلا حرية مع الامتياز، ولكن هناك درجات عبودية من الأمير إلي أحقر الرعية. تتصل دنياها بالرق ولا تصل علياها إلي الحرية. تتصل دنياها بالرق ولا تصل علياها إلي الحرية.ولا خفاء في ذلك، فحد الامتياز أن يعمل أحد الناس مالا يجوز لسائرهم، وأن يحظر علي الجمع مايجوز لبعض الأفراد، بحيث لا يتمتع الممتاز بمزيته مالم يمس حرية سائر القوم، ولا ينال هؤلاء حريتهم إلا بانعدام تلك المزية. فالامتياز والحرية متخالفان.
ولكنه يؤكد علي (( علي أن الامتياز مناف للقوة الحاكمة أيضا، بما فيه من إخراج بعض الناس عن دائرة الحكم الكلي، وتخويلهم من ذلك حقا غير طبيعي يكون حكما علي الحكم. فهو عدو الحرية والحكومة معا، يظاهر المستبدين علي الشعوب وهؤلاء علي المستبدين. ثم لا يتحد باحد الفريقين بحال))..
ويستدرك فيقول: " ولكن ليست المساواة مبدأ الحرية ، وإنما هي نتيجتها الطبيعية فإن لم يوجد فلا تكون تلك حقيقة، بل إذا ظهرت الحرية بمظهرها الحق بين الذين تولاهم الامتياز، خالو انها بدعة منكرة. وما هي في شيء من ذلك. ولكن بدعة الامتياز أخفت عنهم الحق وهم لا يشعرون".
من كل ماتقدم يقرر أديب أن " الحرية السياسية بعيدة المنال، عسيرة الكمال، بل يكاد يمتنع تكاملها في فريق من الناس بما تؤقر فيها عوامل العادات والقوانين والأخلاق والأحوال الاجتماعية. وإنما تحصل منها ضروب متنوعة تشبه أن تكون ضروبا من الامتياز، ثم تكثر وتمتد حتي يحصل منها لكل واحد من القوم نصيب، فتعمهم أنواع الامتياز كأنهم جميعا نبلاء. ولو حصلت لهم الحرية الحقيقة لكانوا جميعا متساوين" .
التعصب والتسامح
وعالج في إحدي خطبه ألقاها في " جمعية زهرة الآداب" ببيروت مشكلة التعصب والتسامح. وقد عرف التعصب والتساهل لغويا فقال: " لقد جري لفظ التعصب علي ألسنة أهل الإنشاء العربي بمعني العلو في الدين والرأي  إلي حد التحامل علي من خالفهما بشيء فيما يدين وما يري . وأجريت هاهنا لفظ التساهل بمعني الاعتدال في المذهب والمعتقد علي ضد ذلك الغلو، متابعة للإفرنج في لفظهم المعبر هنا القصد     tolerance ".
ويري أن هذين اللفظين العربيين  غير وافيين بالمراد  منهما اصطلاحا ، ولذا ينتقل إلي إيراد التعريف العلمي أو الفلسفي فيقول: " وحد التعصب عند أهل الحكمة العصرية غلو المرء في اعتقاد الصحة بما رآه ، وإغراقه في استنكار ما يكون علي ضد ذلك الرأين حتي يحمله الإغراق والغلو علي اقتياد الناس لرأيه بقوة ومنعهم من إظهار ما يعتقدون ذهابا مع الهوي في ادعاء الكمال لنفسه وإثبات النقص لمخالفيه من سائر الخلق. وحد التساهل عندهم، رضي المرء برأيه واعتقاد الصحة فيه ، واحترامه لرأي الغير كائنا ماكان، رجوعا إلي معاملة الناس بما يريد ان يعاملوه، فهو علي إثباته الصواب لما يراه لا يقطع بلزوم الخطأ في رأي سواه وعلي رغبته في تطرق رأيه للأذهان لا يمنع الناس من إظهار مايعتقدون" .
فهنا ينقل أديب عن المؤلفين الفرنسيين في الأخلاق أو بعض الموسوعات التي تعرف التسامح والتعصب.. ويتعرض تاريخ التعصب الديني ويصل إلي النتيجة التالية وهي مهمة جدا: " فعلمت أن التعصب علي قدم وجوده حادث طاريء علي الإنسان ، تولد عن مفاسد الرئاسة في الجماعات، وتأصل بالعادة والتقليد حتي صار في النفوس من الملكات" .
ولكنه يستدرك فيقول : " ولعلي أوجزت وأجملت والأمر محتاج إلي الإيضاح والتفصيل فأقول : قد اجتمعت آراء المتفكرين علي أن الرئاسة قد حصلت بداءة بدء للمتمولين أو الأقوياء، وفي الحالين لم يأمن الرؤساء علي سطوتهم أن تزول بفقد الثروة أو انحطاط القوة، فالمس النبهاء منهم تأييدها بما لا تؤثر فيه النوازل ولا يضعفه كرور الأيام، فوضعوا للجماعات أحكاما كل رئيس وماتوهم فيه المصلحة، وما رأي ميل قومه، فرضي كل أناس مشربهم ، وثالوا هذا هو الحق الذي لا ريب فيه. وقال غيرهم من الأقوام بل الحق مانحن عليه. فانتم علي ضلال مبين. فوقعت بينهم الإحن. وشبت أعقابهم العداوات حتي قويت روابط الأوهام ، فتقطعت صلات الأرحام فصار من الفضيلة أن يقتل الإنسان أخاه إن خانه فيما يراه، وامتلأت رءوس الخلق عنادا ، فملاوا الأرض فسادا، فغدت المظالم عدلا وسميت المذابح جهادا" .
ويقول إن التعصب لا يزال وإن كان ضعيفا في الغرب وناشطا في الشرق ، وأظهر التعصب أو التحامل الذي نراه علي بقايا آل إسرائيل ( اليهود) في بلاد الروس والألمان" ، فهو من هذه الناحية غير متعصب ضد اليهود ويهاجم تقليد الناس للسلف في بلادنا وانحطاط العلوم فيها بالنسبة لما كانت عليه منذ ألف عام. ولكنه يقول : " أنا أسعد خلق الله في أسعد بلاد الله، فالحمد لله ثم الحمد لله" ويلح علي التساهل ، وهذا طبيعي من مسيحي كان يذوق جماعته التعصب الذي أثاره الأتراك ضد المسيحيين خاصة وأهل الذمة عامة. لذا يقول : وجب التساهل ( التسامح ) علي الإنسان من ثلاث جهات : من جهة ذاته ن ومن جهة أبناء جنسه، ومن جهة الحقيقة ، والحقيقة هي الله.( ويقول أن هذا القول لأحد كتاب الفرنسيين) ، ويوجه إلي الله دعاء يسميه " دعاء المتساهلين" يجعل فيه أنهم في الإنسانية إخوان ، فلا يمزق بعضهم بعضا عنادا ولا يملاون الأرض فسادا . وتساوت عندك الأشياء ، وانت في الكل للكل سواء، وقنا العثرة مع المتعصبين واحشرنا في زمرة المتساهلين" . فهنا ، يظهر أديب نزعة إنسانية ، تحلي بها أبناء أكثر الأقليات التي اضطهدت في التاريخ..
الملك والرعية والشوري
بمناسبة الحرب التي وقعت بين العثمانيين والروس، كتب أديب: " الملك إما استبدادي ، أو شوري ، والشوري إما جمهورية أو ملكية . وهذه مراتب الملك منذ كان القانون، ووجب حفظه وخرج عن هذه المراتب الحكومة الفوضي، إن صحت تسمية الفوضي بحكومة" .
ويري أديب " وما كل ملك بملائم لكل قطر، وما كل قطر بصالح لكل ملك 0 فالجمهورية لا تصلح للصين ، كما لا تصلح الملكية الاستبدادية لإنكلترة. فإن تلك وهي حكومة الشعب بالشعب، لا يحسن ان تكون في قوم تولاهم الجهل. وهذه، وهي حكومة الشعب بواحد منه لا يصلح ان تكون في قوم بلغوا من التمدن والمعرفة غاية نبيلة، وإن كانت فلا تلبث أن تنقلب شر منقلب ، كما جري لحكومة لويس السادس عشر وشارل العاشر ونابليون الثالث في فرنسا . فإن حكومات هؤلاء الملوك، وإن سمت بالشوري ظاهرا فقد كانت استبدادية باطنا ، وذلك مادعا إلي نقضها وثل عروشها" .
ومعلوم أن مصلحة الملك متعلقة بمصلحة المملكة، فلا بد للملك الحريص علي مصلحة نفسه أن يحرص علي مصلحة بلاده، لان عمرانها يقضي برفعة شأنه وتوطيد ملكه ، والعكس بالعكس. وعمران البلاد ينشأ عن حسن قانونها والعدل في تنفيذه. وهذا وذاك  متعلقان بالحكومة وتمسكها بالقانون وتنفيذه دون محاباة ولا تمييز، لا تأخذها في الحق لومة لائم. ومن الحكومات من تراعي فتجريه إيثارا لمصلحة بلادها وحرصها عليها. ومنها من تمتنع عنه فتكره عليه. ومثال هذه حكومة إنكلترا وفرنسا وأسبانيا .ومثال تلك حكومة الدولة العلية ( العثمانية ) والحكومة الخديوية ، فإنهما أيدهما الله جعلتا حكومتهما شوروية ولا حامل لهما علي ذلك إلا الرغبة في عمران البلاد وإحياء العباد شأن الحكومة الحكيمة من قبلهما ومن بعدهما. وفي هذا تملق ( ناجم عن الخوف بالطبع) لحكومة عبد الحميد الاستبدادية وحكومة الخديوي الأرستقراطية . وسيعود إلي تملق عبد الحميد حالا.
ويلح أديب علي حكومة الشوري. ويري ان الشوري كانت معروفة بين كثير من الأقوام منذ القدم. ويقول " لقد عرف الناس الآن شرور الاستبداد إلا الروسية _ روسيا ) ، وذلك ان أصبحت تسمية الدولة المستبدة مطلقا متمدنة".
ويحمل روسيا مسئولية منع بعض الدول من تطبيق حكم الشوري في بلدانها، ودليله علي ذلك منعها الدولة العثمانية بهذه الحرب العنيفة التي دعا إليها الغرور، من إنجاز ما شرعت فيه من إصلاح داخليتها وتنظيم شوارها وأن الدولة العثمانية ، لولا هذه الحرب لما امتنعت عن تنفيذ هذا الإصلاح، لأنها لم تمهل ذلك الشأن مع اهتمامها بالدفاع عن وطنها، ولم تغفل عنه ساعة" .
وسير بوعد السلطان عبد الحميد بإقامة حكم الشوري وتنفيذ الإصلاح بعد انتهاء الحرب ويقول علي لسان عبد الحميد : " وغاية ما أرجوه أن أري حكومة الدولة العثمانية حكيمة شورية . والله أسأل أن يؤهلني لصنع الخير في قومي، ويجمع علي محبتي قلوبهمن ويعينني علي أن أقيم في بلادي بعد هذ الحرب الظلمية حكومة جيدة تضمن لها مستقبلا حسنا" .
ويعبر أديب عن تملقه الخائف بقوله متابعا :
" فكيف لا تجتمع قلوب الرعيى علي ولائه ولا ينتظمون تحت لوائه، وهو يعدهم بما لم تعدهم به الأماني من جعل خكومتهم شوروية حكيمة لا تأخذ بالوجود وتصرف عنايتها إلي إصلاح شأنهم باستخراج المعادن من أرضهم المهملة، وصيانة أراضيهم الصالحة للاذدراع من إفساد المعتدين ، وجلب الصناعات، ونشر العلوم. وكيف لا تحب  سلطانها أمة كالعثمانيين رأت في الكثير من سلاطينها المتقدمين كبرا وانفرادا، حين تري فيه من الدعة ولين الجانب ما أدهش الأوروبيين ، فضلا عن الشرقيين ودعاهم إلي الثناء عليه.
فهذه الصفات مضمومة إلي ماتقدم ذكره من حسن النية ونيالة القصد أيدت ثقة الأمة بسلطانها وجددت قديم همتها وسابق فتوتها ، وأحيت في قلوبها حب الوطن بعد موته ، فبادرت إلي بذل النفوس وكل نفيس لتدرأ عنه من رامه بشر..."
ويعبر أديب عن هذا الملق في مناسبات أخري يغدق فيها المديح والثناء علي حكومة الخديو وحكومة السلطان عبد الحميد. وبهذا يعبر عن نفسية ذلك البورجوازي الصغير، الذي صعد من طبقة دنيا فقيرة أو بسيطة، وتوصل إلي مركز وسط يحتك بواسطته بالأرستقراطية وذوي النقوذ، فيفارق ثوريته الأولي إلي التملق والرياء واستخدام جميع الوسائل للمحافظة علي المركز وحظواته.
إذن ، كانت ثورية أديب إسحق ثورية البورجوازي الصغير الثائر فكرا والانتهازي عملا وفعلا. ولا نزال نلاحظ مثل هذا الثوري علي مسرح السياسة في جميع البلدان العربية في الوقت الحاضر!.
وإذ يتأثر بأستاذه الأفغاتي، فإنه يدافع عن الدولة العثمانية أو الإمبراطورية العثمانية ، ويري أن جميع شعوبها تضحي في سبيل الحفاظ عليها . وقد برهن المسلم والمسيحي والتركي والعربي والكردي وغيرهم في هذه الحرب عن غيرتهم علي الحفاظ علي هذه الإمبراطورية . لذلك ينهي مقاله قائلا:
" ولذلك لا يتعذر علي العاقلين منا أن يزيلوا آثار التعصب من أفكار الجاهلين . فنكون جميعا أمة واحدة لا تتعصب إلا لوطنها ولا تطلب إلا صيانة وتنقش علي صفحات قلوبها ( فلتحيا الأمة) ( فليحيا الوطن).
فأديب يعتبر الدولة العثمانية أمته، والوطن العثماني وطنه، ولم نعثر في " الدرر" له ولو علي كلمة واحدة عن الأمة العربية والوطن العربي والشعب العربي، والدفاع عت العرب، بل هو متمسك بعثمانيته وشرفيته، وقد جاءه هذا الاتجاه من أستاذه الأفغاني.
ولكن ألبرت حوراني يذكر أن أديب إسحق نادي بفكرة الجماعة العربية القائمة علي وحدة الشعور إلي جانب مناداته بفكرة الجماعة الشرقية التي يوحدها احتقار أوروبا لها ومقاومته للنفوذ الأوروبي ، وفكرة الجماعة العثمانية التي تربط بينهما شريعة مشتركة وسلطة واحدة ورغبة في العيش المشترك، وفكرة الوطن الذي هو الوحدة الإقليمية التي ينتمي إليها جميع القاطنين فيها والغيورين عليها" .
ويعبر أديب عن نزعته الإنسانية مرة أخري بالتعبير عن كراهيته للحرب، إذ قال:" عرف الإنسان مضار الحرب ولم يتجنبها . فهل تلك طبيعة وجدت في كيانه الحيواني أم عادة تمكنت فيه بالاستمرار ، فصارت ملكة يتعذر التخلص منها.
وهي مسألة تؤدي إلي النظر في هل طبع علي الخير أم الشر أو كان من عجائبه أن اجتمع فيه النقيضان. يجني علي نفسه بالحرب وهي بلية حتي إذا بلغت منه مبلغا بادر إلي تخفيف ضارها، فمنه الداء والدواءن السم والترياق، وهو بالجملة أبو العجب. فهو الهادم والباني،والزارع والجاني يحمل علي ابن نوعه مقاتلا،ثم يدعو إلي إعانته، فهو يجلب الداء ويطلب الدواء، ويجرح باليمني ويضمد باليسري. ينادي بالحرب وما أدراك ما الحرب. هي باعث الهول والكرب.أولها شكوي وأوسطها نجوي وآحرها بلوي. ويقول في مكان آخر" الأمم كارهة للحرب وراغبة في السلم".  
الأمة والوطن
ويعالج أديب موضوعا لم يسبقه إليه مؤلف عربي في القرن التاسع عشر ، هو موضوع الأمة والوطن ، والقومية الوطنية . وينقل هنا كعادته عن بعض المؤلفين الفرنسيين . ومهما يكن من أمر ، فقد كان له الفضل الأول في إذاعة مثل هذه الأفكار في البلدان العربية ،وعلي أساس علماني لا علي أساس ديني.
ويقول في تعريف الأمة : " الأمة الجيل  من كل حي ، ومن الرجل قومه . وفي عرف أهل السياسة الجماعة المتجنسة جنسا واحدا ، الخاضعة لقانون واحد . وليس المراد بوحدة الجنس التوفيق بين الأنساب ولا سيما الحضر من المفاسد الكثيرة ، ناشئة عن تخالط الأقوام ، مختلفة أنسابهم ، وتوالي الحروب والغارات ، وتوطن بعض الفاتحين فتوحهم، وتزوجهم من أهلها إلي غير ذلك مما جهلت به الأنساب، وخفيت به الأحساب ، إلا ماحفظ بمناعة أهله عن أن يدانيهم فاتح غريب . وهو قليل لا يقاس عليه . وإنما المراد بوحدة الجنس اتفاق الجماعة علي الاعتزاء  إلي جنس واحد يتوالدون فيه ويتسمون به كالجنس الأمريكاني لسكان الولايات المتحدة الأمريكية سواء كانوا إنجليز أو فرنسيين أو أسبانيين أو أمريكيين أصلا ، والعثماني لسكان البلاد العثمانية في أوربا وآسيا سواء كانوا تركا أو عربا أو تترا أصلا ، والأوستري لسكان أوستريا سواء كانوا ألمانا أو صقالبة أو إيطاليين أصلا ، وهلم جرا " .
ويرد علي بعض القائلين إن الأمة تستلزم وجود لغة واحدة يتكلمها جميع المواطنين فيقول : " وقد زعم بعض الناس أن من لوازم وحدة الأمة وحدة لغتها . وهو وهم لأنه ما أن يراد بذلك الاستدلال باللغة علي الجنس أولا .فإن كان الأول فهو فاسد لأنه قد يلد الإنسان بين قوم وينبت فيهم فيتكلم بلغتهم وهو بعيد عنهم نسبا ، ولأن ما ذكرنا من تخالط الأقوام واغتراب الفاتحين قد أحدث في لغات كثير من جماعات الناس فسادا بحيث صارت مزيجا يعجز أبرع الكيماويين عن تحليله ، كما في لغة أهل مطالة مثلا . فامتنع بذلك الاستدلال باللغة علي الجنس . وإن كان الثاني ، فهو وحدة إيجاب ما ليس بواجب . ولو اقتصر أهل هذا الرأي علي استحسان وحدة اللغة في الأمة لأحسنوا " .
وينهي كلامه في هذا الموضوع بقوله : " فقد ثبت بما ذكر أن الأمة هي الجماعة من الناس تتجنس  جنسا واحدا أن تتسم بسمة واحدة علي اختلاف أصولها ولغاتها ، وتتعاون باسم تنتسب إليه وتدافع عنه " .
فأديب يخلط هنا بين الدولة والأمة ، بين الجنسية والقومية ، والأمريكان والعثمانيون والأوستريون لم يكونوا في أيامه ، يؤلفون أمما بل دولا وجنسيات أو أقواما أو مللا ( سياسة ) لا قوميات اجتماعية وسياسية . وهو في كل دفاعه هذا وخاصة في استبعاد أن تكون اللغة شرطا لوجود الأمة ، يدافع عن وجود الأمة العثمانية ووجوب تذويب جميع الشعوب التي تضمها في بوتقتها الواحدة الموحدة .
ويعرف الوطن فيقول : " أما الوطن فهو المسكن يقيم به الإنسان . وفي عرفهم البلاد التي يتوطنها سواد الأمة الأعظم ويتوالدون فيها . ولا يشترط فيه مساحة معلومة بدرجات معينة أو إقليم واحد بتخوم معروفة ، وإنما تعريفه ما ذكر من توطن معظم الأمة به . وقد يضاف إلي الوطن بلاد لم تكن به ، وهي إما أن تكون فتوحا . وإما أن تنضم إليه برضا أهلها. فإن كان الأول ، فإما أن يكون ضمها قديم العهد ، وتكون معاملة حكومة الوطن لها معاملتها لسائر أهله، فتثبت الملكية ، وإما أن تكون هذه ولا ذاك فلا تثبت ، وإن كان فلا مشاحة في صحة الانضمام " .
ونظرية أديب في الوطن هنا تعبر عن نزعة بعض الأوروبيين التوسعية ، وتتلاءم ومطامع الإمبراطورية العثمانية . فهو ينقل بذكاء وخدمة للعثمانيين وتوسعاتهم .
ويقول "وقد اختلف في سبب حب الوطن . فقيل إن السبب فيه الألفة ، فإن الإنسان إذا ألف شيئا أحبه. وأجيب بأنه قد يخرج الإنسان من وطنه صغيرا فينبت في آخر ، ولا ينسي مع ذلك حبه وطنه . وقيل أن حب السكان يورث حب المكان . كما قيل : وما حب الديار يهيج وجدي، ولكن حب من سكن الديار " .
أما أديب فيعلل ذلك بقوله : " وأجيب بأنه قد ينتقل الإنسان عن وطنه بمعظم أهله وأصدقائه ولا ينفك مؤثرا وطنه بالحب . وعندنا إن ياء الإضافة في قولي وطني هي السبب في حبي لوطني . كما أن ياء النسب في قولنا فرنساوي وهي السبب في حب الفرنساوي لأمته. فتأمله ، فلله من ياءين نسبة وياء إضافة يدعوان إلي فضيلتين : حب الأمة وحب الوطن " .
ومهما يكن من أمر : فلا يري أديب أي تعارض بين القومية والوطنية والإنسانية ، والذي يجمع بينهما جميعا هو المهن والصناعات التي تتبادل منافعها الشعوب المختلفة ، مما يقوي بينهما روح الترابط والتآخي والإنسانية . وفي هذا يقول : " إذ تتيسر له (الإنسان ) أسباب الإعانة والاستعانة، فتحصل الفائدة التامة في الجماعة ، وينتهي ذلك إلي حصولها في النوع لما بين الجماعات من علاقات الإنسانية . وهذا وجه الفضيلة في حب الأمة وحب الوطن. فليرسمن اسمها علي صفحات كل قلب ، وليلهجن بذكرهما لسان كل إنسان . فإنما المرء بأصغريه القلب واللسان " .

عطا درغام
Admin

عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق Empty رد: الأرمن والفكر السياسي : قراءة في فكر أديب إسحق

مُساهمة من طرف عطا درغام الأحد 24 أغسطس 2014 - 23:43

الفوضوية والاشتراكية
ويذكر أديب ظهور الفوضويون ( ويدعوهم النيهلست ) في روسيا ، والاشتراكيين ( ويدعوهم السوسيالست ) في ألمانيا ، واستفحال أمرهما وعظم شأنهما فيهما ، ويحبذ تدابير هاتين الدولتين في ((استئصال شأفتهما وتعطيل جرائدها  والقائمين بأمرها  )) ويقول " ولا لوم عليها في ذلك، فإن تلك الشعلة قد سرت نارها وارتفع منارها ، وصار لها من الخاصة نصراء وفي الدولة ظهراء" . ولكن يستدرك فيقول : " غير إنها  لن تستطيع إخماد تلك النار وإن منعتها من السير حينا ما ، فإن الأسباب إذا أعدتها الحركة اللانهائية ، وتسنت لها المسببات القابلة حصل الوجود وجوبا " .
ويذكر انتقال هذه " الشعلة "  إلي الشرق وخاصة إلي بلاد فارس ،ويقصد الحركة " البابية " نسبة إلي السيد محمد باب المهدي ، وبعض الحركات التي ظهرت في الأستانة فهاجمت قصر السلطان في عام 1878 ، ويري أن هذه "الفتنة من آثار تلك الحركات المتعلقة بسلسلة الحركات الفكرية التي ستغير لا محال عاجلا أو آجلا هيئة الكرة الأرضية ونظام الجمعية الإنسانية " .
فأديب مؤمن بأن الحركة الاشتراكية والحركة الفوضوية ستغيران حتما وجه الأرض والمجتمعات البشرية. ويعود في مكان آخر إلي الحركة الفوضوية ( ويدعوها العدمية ) فيقول : " قد استجمعوا للموبقات وانفردوا بالمنكرات . فمن مذهبهم  المثبت لفساد مشربهم أنهم لا يؤمنون بالله. نعوذ بالله من هذا الكفر المبين . ومن ذلك المذهب أنهم يقولون بالاشتراك في العرض والأموال. وهي بدعة جديدة لم يسبقهم إليها أحد من الناس . أما العدمية فهي الطرف المقابل للاستبداد في الهيئة  السياسية ، ومشربها مقاومة  الشر بمثله . فالعنف بالشدة ، والعسف بالغيلة ( الاغتيال ) ، والشنق بالطعن ، والنفي إلي سيبيريا بالحبس في جدران القصور . ومقصدها أعنات  المستبد ، وتنبيه الخواطر ، وتحصيل الحقوق ، ورفع لواء الحرية وكسر شوكة الاستعباد . ونعم القصد ، لولا أن وسيلته آخذة بشيء مما يبعث عليه " .
فهو يعطف علي الفوضوية من جهة مقاصدها ، ولكنه ينفر منها من حيث إلحادها ودعوتها إلي الاشتراك في النساء والأموال واستخدام العنف .
إصلاح الأمة العثمانية                                                                    
كان أديب عثمانيا كأستاذة جمال الدين الأفغاني ، لذلك يرثي لما آلت إليه الأمة العثمانية من فساد . إذ يقول : وعلي هذا ، فنقول إن الأمة العثمانية ممن أخذ علي حين غرة ، واغتيل علي غفلة . إذ نبذ  بعض أوليائها الشرائع والقوانين ظهريا ، بل اتخذوها لعبة لاعب وآلة  عامل وصنعة  مقامر . فما يمكن تأويله منها أولوه ، وما لا يمدكن تأويله نبذوه، وانتهكوا فيه حرمة الحق ، حتي ختم الله علي قلوبهم ، وعلي سمعهم وجعل علي بصرهم غشاوة فلا يفقهون الحق، ولا يسمعون  الصدق ، ولا يبصرون الخير ، ولا يخافون السر . حتي إذا قيض الله لنا من يهدينا سواء السبيل خذلوه ونفوه وعوضونا منه مضلا يتزلف إليهم بالتمليق والنفاق. فخامرت قلوبنا الأمراض، وبلغت منا الآلام، فالتمسنا الدواء بعد الإحساس بالداء، وعالجنا أنفسنا بالاجتهاد في جلب المصالح ودرء المفاسد، فلم يقو علي ذلك لضعف النفوس وقلة الاستعداد ، فعمدنا إلي التقليد شان المعترف بعجزه وقصوره. ولكن لم نتخذ فيه الطريق القصد، بل اعتسفنا وضللنا السبيل، ونحن نحسب لجهلنا ، أنا علي صراط مستقيم نترقى في درجات الكمال إلي أعلي عليين .ولم نشعر بهبوطنا إلي أسفل سافلين إلا بعد الوصول إلي غيابة الهاوية . فكان مثلنا مثل معتوه ألقي بنفسه من علو فلم يشعر بألم السقوط إلا بعد أن صادم أرضا رضت عظامه رضا " .
ويقترح بعد ذلك طرق الإصلاح فيحصرها في الرجال الحكماء والبصيرين بأساليب السياسة يقومون بين الرفق والعدل ، فلايرهقون ضعيفا ولا يطمعون قويا ، ويستوي لديهم الناس في الحقوق ، فيقربون أصحاب الميزة ، ويخذلون ذوي النفوس الدنية، واللجوء إلي هؤلاء الرجال أفضل من اللجوء إلي الأجانب. . وفي هذا تعريض بأتباع الإنجليز، الذين يرون التعاون معهم للقضاء علي مفاسد الدولة العثمانية.
ويهاجم أديب مطامع الأوروبيين في بلاد مصر ومطالبتهم بالامتيازات ويفضح تآمرهم علي الدولة مع الاعتراف لهم بفضل نقل العلوم والفنون والمعارف إلي البلاد وإنشاء المدارس والمعاهد فيها مع العلم إنهم لم يفعلوا ذلك لوجه الله بل لمصلحتهم. ويري أنه " قد حان لهذه البلاد ( مصر ) أن تنعتق من عفرتها وتفلت من ربقتها بعد أن ضربت عليها الذلة وتطامن أهلها للرق صاغرين مئات بل الوفا من السنين . حتي ضربت الأمثال بطاعتهم العمياء للأمراء والرؤساء ، وإنا لنجلهم عن أن يكونوا قد ألفوا الذل فرضوا به أو خافوا أن يكون الأكداء مع الكد والخيبة مع الطلب " .
ويخاطب المصريين في مكان آخر قائلا : " ويا أيتها الأمة المصرية انهضي من عثرة الغفلة وانظري إلي الذين نالوا السعادة ، فإنك أهل لأعظم المواهب ولا سيما بعد أنتولاك أميرك الجديد ، الذي اتخذ الحرية شعارا ، ورفع للعدل منارا ، فلا ريب أنه يمهد لك طريق الإصلاح ويسلك بك مسالك النجاح ".
ويعتبر أديب نفسه شرقيا إلي جانب كونه عثمانيا ومصريا أرمنيا سوريا . وعلي غرار أستاذه الأفغاني يهتم بالشرق ويحثه علي النهوض ويتوجه إلي قومه والشرقيين   فيقول لهم بشكل خطابي: " فيا قوم لقد مرت بكم الأيام بأسباب النعمة والنقمة والراحة والتعب واليأس والرجاء، فلم تستوقفوا الرغائب ولم تجتنبوا النوائب. ولكن وقفتم بين الجزع والكسل والامل والملل ، ففر المرغوب وقر المرهوب . فقد بليتم بما يذيب الشحم ، ويقرض اللحم ، وينقي العظم ، وأنتم صابرون ومنيتم بما وفر النقم وغير النعم وأهلك النعم ، وأنتم صامتون ، ورزقتم بما جلب المصاب وهتك الحجاب وأبرز الكعاب وأنتم خاشعون ، فما الذي تخافون .
وكأني بكم عصابة من أهل الهمة والإصابة ، ترفعون الأصوات في طلب الحق المنهوب ،وتجعلون الأبدان للوطن سورا يرد عنه العدو مذعورا وانتم الكلمة المتحدة والقوة المجتمعة عي أقوي من العدد الكثير إلا أنكم تترددون .
تأثر بأسلوبه الخطابي هذا الكواكبي في كتابه (( طبائع الاستبداد)) . ويبحث بعد ذلك في تعريف الشرق ، وماهو الشرق ، ويردد آراء الأوروبيين حول  هذا الموضوع ويرد عليها وينبه إلي خطر الغرب علي الشرق ويلح  علي ذلك بأسلوب رائع.
التعليم والمرأة
ويدافع في مقالات طويلة عن إلزامية التعليم الابتدائي ومجانيته،ويري في ذلك أساسا من أسس الديمقراطية والمساواة بين الأغنياء والفقراء.
ويهاجم الرجعيين وآراءهم  في عدم المساواة في الحقوق لا من حيثم مشابهتها له في كل شيء . وينقل في هذا المجال مقالا مطولا للفرنسي ليكوفه يظهر فيه علاقة الرجل بالمرأة منذ القديم وكيف كانت المرأة بمثابة " ملحق" و" خادم" للرجل ، وكيف تبدلت الأمور في العصر الحديث، وفي الدول المتقدمة ، يعدد مشاكل " البنت " والزوجة وحقوق كل منهما ، بشكل يظهر فيه تقدميته.
وكتب بحثا مستفيضا في الإصلاح وكيف يجب ان يتم في الدولة العثمانية ، ويمس النواحي السياسية والمدنية والاقتصادية.
وفي الناحية يقصد المالية والإدارة والقضاء. وفي الثانية المعارف والمساواة والحرية ، وفي الثالثة الأمن ووقاية الأعمال وتوزيع الأشغال.
ويري أن المالية " قوام الملك وأيدي الدولة ومفتاح الإصلاح وعماد الأعمال" وهي متعلقة بالإصلاح الام؛ إذ لا " تنتظم أمورها ولا تتسع مواردها ولا يزول اختلالها إلا بحسن الإدارة، واستقامة القضاء وعموم المعارف، وحصول المساواة وظهور الحرية ، وثبوت الأمن، وتفرق الأشغال بالعدل.فالنظر في هذه الأبواب عائدة إليها لزوما" . ويري أن أول حاجة في القضاء هو " اتساق القوانين " و" كفاءة الحكام" ويعدد شروط الحكام، كالعلم بالاحكام ن واستقلال الخاطر وعفة النفس. أما الإدارة فصعب إصلاحها" لتعسر الوقوف علي موجب الخلل وعلة الفساد في كل فرع من فروعها الكثيرة، ولأن العمال والحكام والآمرين والمأمورين علي اختلاف درجاتهم، لا يتبعون في أعمالهم قانونا مخصوصا بها ، فلا يعلم مقدار حقهم، ولا يعرف حدواجبهم، ولا تلزمهم تبعة إلا فيما يروم الرئيس. فيجب " تبديل الهيئات مع تغيير الذوات وتعين المسئولية وتحديد الواجبات في الفروع والأصل، والأطراف والمركز" . ويلح علي إعطاء الموظفين رواتب كافية لمنع المحاذير " الرواتب القليلة" . ويلح علي تعميم المعارف والعدل والمساواة.
ويلح علي مفهومه في المساواة فيقول : " اما المساواة فليس المراد بها مايروم الغلاة من محو الطبقات  وإزالة الدرجات المترتبة علي السعي والجد لزوما . فتلك أمنية لا تنال إلا أن يكون الناس جميعا إخوانا، فلا تحصل مادام الإنسان إنسانا. ولي س المقصود منها ما يغالطنا به أولياء الامتياز من كوننا شرعا فيما  تجري به الأحكام.
فذلك لا يمنع من وجود التفريق، ووقوع التمييز في نفس تلك الأحكام. وإنما حقيقة المساواة أن تكون الأحكام سواء علي من هم بالنظر إليها سواء. بمعني أن تجرد النصوص الحكيمة عن كل مايجعل بعض الناس فوق بعض وتنزه عن كل مايفتح باب النجاح لبعضهم دون الآخرين، وتطهر من كل مايشف عن شيء من ذلك يؤدي إليه فتكون أمن الخائف وملاذ الفازع، ونصفة المظلوم، وسدا سديدا في وجه الجريء" .
فنظرته في المساواة نظرة الدول الرأسمالية الديمقراطية ، وقد عبر عن نظرة الشيوعيين  والفوضويين . ويزيد الطين بلة إذ يقول: " وأحكام دولتنا العلية ( الدولة العثمانية) أيدلله مبنية علي هذه المساواة الحقة. فما يلزم فيها غير إصلاح الحاكمين، ثم لا بد من النظر في امتياز الأجنبي والتعويض منه بما يكفل استمرار العدل ويضمن المساواة.
فإذا كانت المساواة التي ينادي بها هي مساواة نظم حكم العثمانيين وخاصة عبد الحميد في أيامه. فبئس المساواة ! وهنا دفعه التملق والانتهازية إلي مثل هذه النظرة.
أدوار الدولة
وعندما عاد أديب من بيروت إلي مصر بعد أن تولي دولة  شريف باشا رئاسة النظار فيها ، كتب مقالا في جريدة " العصر الجديد" يمتدح فيها شريف باشا والخديو توفيق ، ويهنيئ الشعب المصري بهما وبما أعطياه من حقوق، وخاصة حرية الرأي والصحف والعدالة والمساواة ! فيقول : " يا قومنا لقد نلتم بالسلم والحكمة والرضي والقبول مابذل غيركم من أجله بالأموال، وأراقوا في سبيله دم الرجال ، وما لا يزال كثير من الخلق يطمعون فيه ولا يجدون إليه سبيلا . وهي نعمة لله واجبة الشكر ، ويد للامير لازمة الذكر، ومزية للشرق لا يطوي الزمان لها خيرا ، ومحمدة لمصر لا تري العين من مثلها أثرا" . فهو مع الوصول إلي الحقوق السياسية والمدنية بالسلم لا بالثورة . وهو ضد الطفرة أو القفزة الثورية التي يقول بها الاشتراكيون ؛ إذ يري ان للحياة أدوارا أو أعمارا يجب ان تمر بها الشعوب دون طفرة. لهذا يقول : " وبعد فللحياة السياسية أدوار من مثل أدوار الحياة الطبيعية ، فهي تنتقل من الطفولية إلي المراهقة إلي الصبا إلي الكهولة إلي الهرم، ملزمة في كل دور بحال وفي كل حال بشأن لا تتخطاه وحد لا تتعداه، ولا بد للأمم من المرور بهذه الأدوار وإن مر عليها الصبر والانتظار، فغاية ماتستطيع ان تكون واسعة الخطا وأن تتجنب وقفات الخطأ " .
ويري في مكان آخر " أن للوجود الإنساني في هذه الحياة الدنيا ثلاثة أدوار متوالية ، يأخذ بعضها بأطراف بعض. الأول دور الفطرة وهو الوجود الطبيعي ، والثاني دور الاجتماع وهو الحالة المدنية ، والثالث دور السياسة" . فهنا يري أن الكائنات البشرية تمر بحالة البربرية ، حالة التماس الغذاء والمبيت وسائر الحاجات الطبيعية، وفيها يكون الناس متفرقين، وحالة التجمع " كثرة الحاجات تدفع الناس إلي التجمع ، وحالة السياسة عندما تبدأ المجتمعات بتدبير شئونها الإدارية والاجتماعية والاقتصادية.
وبمناسبة حكم الخديو توفيق باشا ، يحض المصريين علي الالتفاف حول الحكم الجديد والقيام بالواجبات المترتبة عليهم بقدر الحقوق التي نالوها فيه. وهنا يورد مثل هذه الأقوال: " آية الحكمة في عالم الوجود ، وسنة العدل في هيئة الاجتماع أن يكون الحق والواجب متعاقبين متلازمين، يتبع أحدهما الآخر وينشأ عنه وجوبا" .
و" فواجبات الأمم تختلف بحسب اختلاف أحوالها ، ولا تكون علي أي حال إا بمقدار مالها من الحقوق" . و" فكلما نقصت حقوق الأمة بالحجر والقهر والإذلال رفعت كلفة الواجبات عنها بمقدار ذلك النقص ، فإن كان القوم عبيدا أرقاء يصدعون بما يؤمرون ويكرهون علي ما يكرهون  ويمحون الإرادة من مجموعهم بإثباتها لواحد منهم إطلاقا " . ويكون الأثر منهم لهم ، فهم الآمرون فيما يأتمرون ، وهم الحاكمون فيما يطيعون " .
ويؤكد للمصريين أنهم أصبحوا مواطنين او وطنيين أحرار. وعلي الوطني الحر واجبات : الوطني الحر متأهل بقدر المستطاع للخدم والمناصب العمومية، والوطني الحر يراعي حق المساواة، والوطني الحر يجب ان يكون بصيرا خبيرا علي بينة مما يترتب عليه النفع والضر ليتسني له انتخاب نواب الأمة، والوطني الحر مؤهل للنيابة فلا بد إذن من التمتع بصفات النيابة كالعلم بشئون الأمة وأحوال الوطن ومجاري الأعمال ومواضع الصلاح ومظان المنفعة مع التنزه عن ميل النفس وشهوة القلب والعفة والإخلاص في حب الامة والاختصاص بخدمة الوطن.
ويوجز آراءه هنا فيقول : " وجملة القول ك إن الوطني المراعي الحقوق الفائز بالسواء المؤل للانتخاب صادرا منه وموسودا إليه، وهو المأمور والآمر، والمحكوم والحاكم، والمسوس والسائس، والمسود والسائد ، وهو القائم بنفسه والعامل بذاته لذاته . فالكل به منه فيه إليه . وهي أعلي مراتب الوجود الإنساني ، وأرفع درجات الاجتماع المدني، فلا بد للمرتقي إليها من أداء حقها وإقامة واجبها سعيا واجتهادا وجودا بالمال والروح وطلبا للمعارف والعلوم والتماسا للفضائل والكمالات بحيث يصادف فيها محلا ويكون لها أهلا" .
ويلح علي الحكومة بوجوب " توسيع نطاق المعارف بتكثير عدد المدارس، وتمهيد سبل العلم ، وإعلاء شأن العلم ن وإنشاء المكاتب الابتدائية في المدن والقري، وفتح باب المجانية في التحصيل ، وتمهيد سبل الإلزام بالتعليم .
ويعود إلي تعريف الوطن من الو جهة السياسية ليصل إلي القول أنه المكان الذي تحفظ فيه حقوق الناس وتراعي فيه واجباتهم، ولا وطن في حالة الاستبداد . وفي هذا يقول: " الوطن في اللغة محل الإنسان مطلقا. فهو السكن بمعني أن تقول استوطن القوم هذه الأرض وتوطنوها؛ أي اتخذوها سكنا . وعند أهل السياسة مكانك الذي تنسب إليه ويحفظ حقك فيه ويعلم حقه عليك، وتأمن فيه علي نفسك وآلك ومالك. ومن أقوالهم : لا وطن إلا مع الحرية . وقال لابروبير الحكيم الفرنساوي: لا وطن في حالة الاستبداد" .
وأديب يلح علي الاستبداد وشروره في كثير من المواضع . وقد تأثر الكواكبي بهذا الاتجاه في كتابه " طبائع الاستبداد" .
ويري أديب متابعا باعترافه " بعض حكماء العصر" أن علم السياسة مرتبط بعلم الأخلاق، وإن كان في أيامنا علما مستقلا عن العلوم الأخري. وقد جعل الأقدمون من أمثال أفلاطون وأرسطو وشيشرون السياسة والأخلاق علما واحدا ، وذلك لأن الفلسفة السياسية تقوم علي الأخلاق والحكمة الأدبية . وتعلم بواسطتها غايتها الحقة لما هو مبني علي العدل الذي هو قسطاس الأعمال والفضيلة التي هي حد الكمال ، ولأنه لا قيام للأمة ولا قوام للدولة إلا بأدب زاجر للأنفس عن السوء ،وأخلاق كافلة بحفظ النظام وتربية عمومية يتيسر معها نفوذ الأحكام . والأدب وحسن الطباع والتربية من فروع علم الأخلاق. وهي من لوازم السياسة، فعلم الأخلاق وعلم السياسة متلازمان. لذلك رأي " الحكماء الفضلاء الذين نستمد من فيضهم هذه الآراء أن يجعلوا البحث في السياسة تابعا للبحث في الأخلاق. فاقتفينا أثرهم ليعلم الوطني منا ما يجب عليه لنفسه ولآل بيته وللحكومة والوطن" .
ويعتبر تعميم أديب خاطئا ، لأن علم السياسة النظرية لا علاقة له بعلم الأخلاق ، أما علم السياسة العملية أو التطبيقية فيقوم في قسم كبير منه علي علم الأخلاق، بل والأخلاق عامة.
من كل ماتقدم نلاحظ ان أديب إسحق كان من الطبقة البورجوازية الصغيرة التي تعمل كزبائن في خدمة الطبقة الأرستقراطية (أو البورجوازية الكبري) وتحاول أن تسوغ لها نظاما تعتبره أسمي هو الديمقراطية البورجوازية ، كما في فرنسا او الديمقراطية الأرستقراطية ، كما في إنجلترا.
ومهما يكن من أمر فقد ظهرت في أديب إسحق تلك الازدواجية التي تتحلي بها عامة البورجوازية الصغيرة الثورية الفكرية والمحافظة العملية.
وعلي الرغم من كل ذلك ، فقد كان من رواد الفكر السياسي العربي الأوائل الذين نقلوا كثيرا من مفاهيم علم السياسة في فرنسا خصوصا والغرب عموما إلي العرب. وفي هذا فضل كبير.
 

عطا درغام
Admin

عدد المساهمات : 923
تاريخ التسجيل : 24/04/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى